طارق المعروفي
أتساءل مثل عدد كثير من الناس عن الفرق بين دبلومات المدارس و المعاهد والجامعات المغربية ودبلومات الجامعات الأجنبية ؟
هل هناك فرق في المواد و المناهج، أم فرق في جودة التعليم و مدة التكوين ؟
و بعبارة أخرى، و على سبيل المثال، هل الطبيب خريج كلية الطب في المغرب تلقى تكوينا أقل من الطبيب خريج كلية الطب الأجنبية ؟
ما الفرق بين مهندس خريج مدرسة المهندسين بالمغرب و مهندس خريج مدرسة أجنبية ؟
ما الفرق بينهما ؟
لا أعتقد أن هناك فرقا في التكوين ،لأن الطبيب يبقى طبيبا حيثما درس و أينما تلقى التكوين مثله مثل المهندس. و لكن التبعية التي عشناها و نعيشها ،و “الإعجاب” بالخارج و النظرة الدونية لمؤهلاتنا ، تجعل حامل الدبلوم الأجنبي في وضعية الأولوية و الاهتمام و الصدارة . و هنا أتساءل مع نفسي مرة أخرى، لماذا يصر بعضهم على ذكر الجامعة التي منحته الدبلوم و المدينة الأجنبية ؟ بالطبع إنه يعتقد أن دبلومه متميز و أفضل من الدبلوم المحلي.كما أن المؤسسات و الشركات تساهم في هذا التوجه بإعطاء الأولوية في التوظيف لحاملي تلك الشهادات ،ظنا منها أنهم سيوظفون أطرا أكفاء و قادرين على العطاء المتميز.
أظن أنه آن الأوان أن نولي الاهتمام و التقدير لتعليمنا العالي الذي يضم خيرة و أجود الأساتذة، و أن نعطي الأولوية في التوظيف و الامتيازات الأخرى و التراخيص لحاملي الدبلومات الوطنية . و هنا أحكي لكم نكتة واقعية ،وهو أنني اقترحت مرة على أحد أصدقائي و هو أستاذ في الموسيقى، فتح مدرسة خاصة لتعليم مادة الموسيقى، فكان جوابه :
إذا أردنا أن ينجح المشروع و تكون له مردودية مادية عاليه ،علينا أن نوظف فتاة أجنبية شقراء تتكلم الفرنسية،و تكون مكلفة بالاستقبال واستخلاص واجبات الانخراط ، و لا يهم مستواها الثقافي، كما يتعين أن نسمي المدرسة باسم أجنبي جذاب كما تقوم به بعض المدارس الخصوصية ،و هذا من باب المزاح فقط.
لهذا يتعين أن نثق في قدراتنا و طاقاتنا. والبداية تكون بإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية التي أعطت خيرة أبناء هذا الوطن، و أن نخطط سياسة فعالة و ناجعة تصب في الرجوع بقوة و إرادة راسخة إلى العمومي، عوض إغلاق هذه المدارس الكبيرة و المخصصة أساسا للتعليم ،و منح التراخيص لشبه المدارس الخصوصية التي تتكاثر يوما بعد يوم . كما يتعين تطبيق مبدأ المعادلة بين الشهادات دون تمييز، حتى تحظى الشهادة و الدبلوم المغربي بالقيمة الواجب توفرها . و سوف نتخلى بالتالي شيئا فشيئا عن التبعية و النظرة الدونية لمؤهلاتنا و طاقاتنا، التي تفوق بكثير تلك المتواجدة في الدول الأجنبية، لولا طمس الكفاءات و تقزيم الطاقات و الإبداعات ،وتطبيق سياسة الولاء و الطاعة للمشغل عوض نهج سياسة الاعتراف و الاهتمام و التشجيع و التنويه .
فهل هناك فعلا إرادة سياسية تصب في الاعتماد على الإمكانات الوطنية الفاعلة ؟،أم سنبقى دائما تحت رحمة التبعية العمياء ،التي تداهم المجتمعات في بيوتها وشوارعها ومدارسها وإعلامها ،و التي تحتاج إلى إعادة تصويب البوصلة .