الخيل في غناء العيطة

جسر التواصل18 ديسمبر 2020آخر تحديث :
الخيل في غناء العيطة

شيخ العيطة الحسين السطاتي

الفن هو كل ما يتصل بمظاهر الحياة من إحساسات راقية تنقلها أو تعبر عنها فئة من الناس ليشعر ويستمتع بها الآخرون، وللفن أهمية كبرى في حاضر الشعوب ومستقبلها ثقافة وحضارة وارتقاء بالعقل البشري. ومن الفنون الجميلة نجد الأدب والشعر والنحت والرسم والتصوير والموسيقى والغناء والرقص..ووظف الفنان كل مظاهر الجمال في مختلف الأعمال الفنية، بما في ذلك جمال المرأة والرجل، وجمال الطبيعة وما فيها من روعة خلق الله من تضاريس، وتعاقب الفصول، والليل والنهار، واليابسة والبحار، وجمال المخلوقات؛ من حيوانات وطيور وأسماك ونبات وأشجار، وحشرات وورود وأزهار.. فرسم الإنسان هذا الجمال ونحته على الصخور وفي اللوحات وعلى جدران القصور، وتغنى به في أشعاره وقصائده وفي أدبه على مر العصور، ومن بين الحيوانات التي أعجبته وألهمته سواء بجمالها أو بقوتها أو بشجاعتها أوبإخلاصها نجد: الغزال، والنسر، والأسد، والنمر، والفرس وغيرها..
والمغرب بلد غني بفنونه الجميلة وبثقافته الشعبية وبثرائه الغنائي التراثي المتنوع، ومن هذه الفنون نجد فن الموسيقى والغناء، ومنه فن “العيطة”، وقد تأثر الفنان العيطي بالجمال، فنظمه قصائد زجلية وتغنى به بصفة عامة، بما فيه جمال الطبيعة والكواكب والأجرام، وجمال المخلوقات الحية ومنها؛ البشر والطيور والنبات والحيوانات. تلك المخلوقات التي ألهمته، ومن بين هذه المخلوقات نجد الخيل، وقد احتلت منصبا رفيعا بين كل الحيوانات التي عاشرها الإنسان المغربي منذ القِدم، فشغلت حيزا مهما في فن العيطة.
وقد استخدم المغاربة منذ مئات السنين الخيل في الغزو، والتنقل، وكانت مركوبهم الراقي المفضل، ووسيلة مهمة للدفاع عن النفس والنجاة من هجمات العدو المتربص.. والحصان هو الحيوان الأليف المروض المستأنس، الذي كان يدافع به المغربي غوائل الأخطار، فكانت الخيول المستأنسة درعا للدفاع ومصدرا للرزق ووسيلة للصيد البري.. فأحبها المغاربة واهتموا بها، فكانت لا تفارقهم ولا يفارقونها في سلم أو حرب أو لهو أو جد، فكان ومازال كل مغربي بدوي أصيل يفاخر بالخيل ويتباهى بها، إذ تسابق المغاربة على اقتنائها، وحرصوا على تربيتها ورعايتها، وبذل كل غال ونفيس من أجلها..وقد جمعت هذه المخلوقات بين القوة والسرعة والصلابة والشجاعة والجمال، فأحبها الشعراء العيطيون وعشقوا فيها منظرها، واستهوتهم محاسنها، فكانت الخيل مركوبهم وأنيستهم ورفيقتهم وملهمتهم في مادتهم الأدبية الغنية بالصور الشعرية في قصائدهم العيطية، وقد تناولوها بأصنافها وألوانها بلهجة عامية دارجة، بما في ذلك: ( لزركَ، ولزركَ حط الريال، ولزركَ حجر الواد، ولزركَ نوار الفول، والبركَي، والبركَي المحروكَ، والكَمري، ولدهم..”، وجاء ذكرهم في صيغة المفرد والجمع، وبلغة عربية عامية ضاربة في عمق الريف المغربي، فتغنى الفنان العيطي بالفرس والفارس وبالفروسية. ب” العود، والعودة، والجدع، والجدعة، والخيل، والخيالة، والتبوريدة، والسربة، والسروت، والحبة، والبارود، والمحرك، والمقدم والعلام..” وغيرها من المفردات التي تمجد الخيل والخيال.

لقد أعطى الشاعر العيطي قيمة كبرى للخيل، وجعل لها حضورا قويا في الغناء العيطي، حيث نجد أن آلة “الطعريجة” أُخِذ شكلها على شكل مقدمة القدم الأمامية للحصان، وحتى الحركات الفنية للشيخات فهي مستوحاة من حركات وتنقلات ورقصات الخيل، في هرولتها وركضها وزمجرتها وفي صهيلها وأحيانا حتى في همهمتها و حنحنتها، وإذا تفحصنا الإيقاع الموسيقي لعيطة ما، فإننا نجده مأخوذا من طريقة ركض الخيل، حيث يبدأ الإيقاع في أغلبها رتيبا بطيئا “الغطى”، يشبه انطلاق الخيل “التحمشيشة”، تم يتدرج في السرعة، إلى أن يصل إلى إيقاع سريع”السوسة”، الذي يشبه كر الخيل في الهجمة “الندهة”، ليتوقف في الأخير على شاكلة شد لجام الخيل وكبح جماحها ثم توقفها النهائي “السدة”..كما أن اللباس التقليدي الذي يرتديه الفارس الخيال هو الذي يلبسه الشيخ العيطي بما في ذلك: “الجلابة، والسلهام، والقفطان، والكَندورة، والجبادور، والمظمة..”.. فيا ترى ما موقع الخيل داخل الغناء العيطي؟ وكيف أثر الفرس “العَود” في الشيخة حتى أصبحت تقلده في حركاته ورقصاته في فنها من خلال رقصاتها وشطحاتها العيطية؟ وما هي مواطن الجمال وصفات النخوة والخيلاء في الخيول التي أعجبت الشاعر العيطي وألهمته وجعلته ينظم فيها الكلام ويتغنى بها ؟ وإلى أي حد ساهم هذا الغناء في علو شأن الخيل وتزيين سمعتها؟
إن كلمة الخيل في اللغة العربية هي اسم جمع لا مفرد له من لفظه، وسميت خيلا لاختيالها، ويعنى بالخيل؛ الأفراس، أو الخيول، ويطلق أيضا على الفرسان، والصواب عند إرادة المفرد من الخيل أن يقال: فرس، أو حصان، أو جواد. كما في المعاجم اللغوية والجمع أخيال وخيول. والفرس جمعه أفراس والذكر والأنثى في ذلك سواء، ولا يقال للأنثى فيه فرسة، والفارس هو من فرس أي حدق ركوب الخيل، وقد وردت الخيل في القرآن الكريم بمعنى الأفراس والكثرة منها خيول أما القلة فيقال أخيال..وبالمغرب توجد هناك أنواع من الخيول؛ الحصان المغربي العربي، والحصان المغربي الأمازيغي، والحصان المغربي الأنجليزي، والحصان العربي الأصيل..
إن الأغنية الشعبية المغربية تتميز بتعددها وبطابعها الإزدواجي: أغنية عامية عربية، وأغنية عامية أمازيغية. وبقصائدهما نجد ذِكرا وتمجيدا للخيل، فالأغنية المغناة باللهجة الدارجة العربية لها إطار جغرافي يتميز بالاتساع حيث تحيطه السهول الغربية وحوض سبو، وحوز مراكش، ومنطقة خريبكَة وأبي الجعد حتى مدينة بني ملال.. ويتوزع المشهد الطبيعي في هذه المناطق بين السهول والتلال، بين البلاد الساحلية والبلاد القارية، وكل هذه العوامل أثرت على أسلوب الأغنية في هذه المناطق، وفيما يتعلق بالأغنية الأمازيغية فهي تتمركز على العموم بالجبال، بما في ذلك جبال الأطلس وجبال الريف. ومن بين أشكال الأغنية الشعبية المغناة بالدارجة العامية المغربية نجد فن “العيطة”، هذا الفن الذي يؤدى من طرف رجال ونساء، أشياخ وشيخات. يشتركون في النظم والعزف والرقص والغناء على حد سواء، في مساواة بين الرجل والمرأة بدون تمييز ولا تميز، ولا عنصرية..وفن العيطة هو فن شعبي تطرق لمواضيع مختلفة منها السياسي والاجتماعي والعاطفي، كما تغنى بالخيل بكلمات ضاربة في عمق البداوة، حيث لا نجد قصيدة عيطية تخلو من ذكرهم سواء بالمباشر أو تشبيها وترميزا، بأشعار ذات قيم إنسانية، قد لا يدرك لكلماتها معنى من غير أبناء تلك المنطقة، سوى من كانوا مولعين أو مهتمين أو باحثين في التراث العيطي..
ولا بأس أن نُذكر بلمحة بسيطة تعريفية لهذا الفن الغنائي التراثي، ففن العيطة كما هو معروف؛ غناء شعبي تراثي مركب، يجمع بين الموسيقى والغناء والرقص، غناء شفهي مجهول المؤلف، فن واكب مجموعة من التطورات الاجتماعية التي انطلقت من مخالطة اللسان العربي بصفة فعلية لسكان كثير من المناطق المغربية الأطلسية، التي تقع خلف الهضاب الأطلسية، عند أقدام جبال الأطلس المتوسط، إلى منطقة الغرب، وإلى تخوم جبال الريف بالشمال، وكذلك أقدام الأطلس الكبير في فسحة الحوز ثم إلى منطقة تافيلالت سجلماسة، وكذا فيما يليها المناطق المجاورة بما في ذلك؛ الشاوية، ودكالة وعبدة إلى حدود مناطق حاحة..و”العيطة” فنيا هي فن شعبي يأتي فيه الإيقاع الموسيقي مصاحبا للكلام، أشعار تغنى باللهجة العامية العربية المغربية، وهي أغنية مهيكلة على شكل أجزاء، تنطلق من بداية وتحتمل جزأين إلى تسعة أجزاء أو أكثر وتنتهي بخاتمة، كما أنها مجموعة من المقاطع الغنائية والفواصل الموسيقية الإيقاعية في منظومة تختلف عناصرها باختلاف أنواع العيطة نفسها. ويأتي التركيب كخاصية موسيقية وهوية إيقاعية وزجلية داخل فن العيطة.. فهي تتوزع إلى تسعة أنواع، تتنوع حسب تنوع المناطق الجغرافية التي تحتضنها، ونجد هناك: العيطة الجبلية، والعيطة الغرباوية، والعيطة الزعرية، والعيطة المرساوية، والعيطة الحصباوية وتسمى أيضا بالعيطة العبدية، والعيطة الشيظمية، والعيطة الحوزية، والعيطة الملالية، ثم العيطة البلدية وتسمى أيضا بالعيطة الفيلالية الجرفية.
“وإن هذا الغناء الذي يطلقون عليه اسم العيطة، وأحيانا أسماء أخرى للتمييز، هذا النفس الساخن الصاعد من الدواخل، عبر الأصوات البشرية- الأنثوية والذكورية- والإيقاعات والألحان الآسرة، هو الذي أسعف على ميلاد شعر شفوي ظل يخرج من الجراح الفردية والجماعية مثل النزف الدافق، ويلتصق بذوات وبمصائر الفلاحين والمزارعين والرعاة، والقرويين عموما، المنحدرين من ذاكرة عميقة ومن سلالات عربية لها تاريخ بعيد، مهمل، مكبوت ومسكوت عنه”. المرجع: الباحث الدكتور حسن نجمي في كتابه بعنوان: “غناء العيطة، الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية بالمغرب 1″، الصفحة 17.


ويشغل الفرس والفارس والخيل عموما حيزا مهما من هذا الفن، والخيل تلازم الخيال والإبداع والشاعرية، والألوان كصورة عميقة ثرية ومتنوعة لا تخلو من التميز، فهي رمز القوة والنخوة والجمال والصبر والوفاء، لذلك يحتاج التعبير عنها في الفن عموما إلى سلاسة الفكر وقوة الترميز، فكانت ومازالت وستظل حاضرة في الأدب والشعر وفي اللوحة والنحت والأغنية، إذ نجد الخيول حاضرة بقوة في غناء العيطة التراثي الأصيل، فألهمت الشاعر العيطي ناظم الكلام، لكننا لم نجد قصيدة عيطية واحدة فيما وصلنا إلى اليوم خصها الشاعر لهذه الغاية، وإنما جاء ذكر الفرس والخيل في أثناء الأبيات، ودون إطناب سوى بما يخدم ظاهرة الفخر، وقد نجد الأبيات مدسوسة متفرقة داخل القصيدة، ولا تخلو عيطة من تمجيد الفارس والفرس فتغنى بها في مجموعة من العيوط التي ذكرت الخيل في عتباتها، ومن بين هذه العيوط المعنونة بالخيل نجد: عيطة “ركوب الخيل”، عيطة “تكبت الخيل”، عيطة “ركبت الخيل”، عيطة “الخيل أوين”، عيطة “عريس الخيل”، عيطة “عشاق الخيل”، عيطة “مالين الخيل”، عيطة “الخيل والبارود”، عيطة “العلامة”، عيطة “الخيالة”، عيطة “كَادو الخيل”، عيطة “سنحو الخيل” ، عيطة “عداو يا الخيل” عيطة “أراو الخيل عدا الخيل”، عيطة “سيدي راكب جوادو”..
وفن العيطة يشكل صرخة الإنسان القروي، وهو نداء القبيلة والاستنجاد بالسلف، لتحريك واستنهاض الهمم، واستحضار ملكة الشعر والغناء.. فهو نداء كتعبير عن ألم مشترك، وعن الحب بلذاته وعذاباته..أشعار تحمل قيما إنسانية قوية، مازالت تصدح بها حناجر المغنيين من أشياخ وشيخات إلى يومنا هذا..فهو تراث أصيل ومعمر وفن حي متحرك ومتجدد. فن يجمع بين الأصالة والحداثة ليؤكد أصالته في أشكاله وقوالبه الموسيقية التقليدية، كما يؤكد حداثته في الاستفادة من الأحداث والوقائع كعوامل مثيرة للإبداع والتجديد والإنتاج، ونجد الخيل حاضرة باستمرار في هذا التراث العيطي في الغناء وفي التصوير “فيديو كليب، أفلام قصيرة، مواسم تبوريدة، مهرجانات..”..ونجد أحيانا الشيخات يرقصن أمام الخيل على أنغام العيطة، كما قد نجد بعض الخيول تشارك الشيخات في الرقص.

وكما أن الخيل ضرورية في حياة المغربي البدوي الريفي، فهي كذلك تعد ركيزة أساسية في معظم قصائد فن العيطة، سواء قصد الزجال العيطي “الكَوال” الخيول بأبيات مستقلة، أم رمزً إعجابه وافتتانه بها من خلال مشاهد وصور شعرية عديدة، وهي تشكل ركنا مهما في الحياة الريفية، يستخدمونها في جل الأعمال الفلاحية، والزراعية، بما في ذلك الحرث والدرس والحصاد، وفي نقل البضائع من مكان إلى آخر، وجر وحمل الأوزان الثقيلة.. فالخيل تقوم بمهام شاقة وصعبة للغاية، لذلك أعزها المغاربة وروضوها واعتنوا بها واهتموا بتربيتها، فافتتن بها الفنان بصفة عامة، وعشقها الشاعر العيطي، والشيخ نظام لكلام وهام بها، ووصفها في كل مناسبة، وأحبها واحترمها وأنزلها المنزلة الرفيعة التي تليق بها، فقد كانت الخيول مكرمة محترمة، ومازالت وستظل كذلك ملهمة للفنانين.
وفن العيطة هو فن بدوي بامتياز، والبدو الريفيون لهم تعلق وتشبت بالأرض وببهائمهم وسيدها الحصان، فهو الصديق والرفيق، وهو المثل الأعلى للجمال في الحيوان المستأنس، وتقدم العيطة المرساوية صورة فنية رقيقة عن البيئة الزراعية والرعوية التي احتضنتها في البداية، حيث نجد الشاعر العيطي يمجد مكونات هذه البيئة كتمجيده للخيول والفرسان واطرائه على صفات الشجاعة والاقدام التي اتصف بها رجال القبائل وسادتها خلال تلك الفترة المتقلبة من تاريخ البلاد، كما نجد ذلك في أبيات متفرقة من عيطة “الغزال” المرساوية:

أهياوين أهياوين…ويلي يايلي
ماشفتو خيل الشاوية…هيا واهيا
مهدية ومحضية…ويلي يايلي
يا مالي ركوب الخيل ويا العالامة سيدي ..سيرا واهيا
يا مالي سروت الخيل مروعة لقبايل يا سيدي..سيرا واهيا
مالي الخيل قليلة حابسة لعدو يا سيدي… سيرا واهيا
يا مالي أولاد حدو كلها وعودي يا سيدي…سيرا واهيا
سيدي فارس وحدو واش نو جهدو يا مالي…سيرا واهيا
سيدي اللي كاسب العود…كاسب العز يا سيدي سيرا واهيا
مالي والي كاسب العودة…كاسب الكنز يا سيدي…سيرا واهيا
وفي مقطع آخر “عتبة” من نفس العيطة نجد أن الشاعر العيطي قد أحب الخيل حبا شديدا، جعله يفضلها حتى على أولاده ويقدمها عليهم بل وحتى على نفسه، كما كان للمرأة دور في ما يخص مأكل ومشرب الفرس، وتنظيفها والاعتناء بها :
مالي نجوع ولدي…ونشبع عودي…هيا واهيا
سيدي نكلف ولادي…يعومو عودي…هايلي يا يلي
سيدي ندير ما فجهدي…ونفدي عودي…اهيا واهيا
سيدي كَطعو من جلدي…وعطيوني عودي..هايلي يايلي
لقد عشق المغاربة في الخيل منظرها، واستهوتهم محاسنها، وكانوا يخافون عليها من المرض ومن العين والحسد، فكانوا يقلدونها التمائم”العياشة”، لتنجو من الشر، كما وصف الشاعر ذلك في نفس العيطة “الغزال”:
مالي عود القايد …في لجامو يكَدد…أهيا واهيا
سيدي عود الباشا …داير لو عياشة…هيا واهيا
مالي عود لخليفة…داير لو تحريفة…أهيا واهيا
سيدي لدهم الكساب…محجبو بكتاب.. وايلي هيايلي
ونجد أن الشاعر العيطي قد بث من خلال مطالع قصائده، عاطفته ومدى حبه للمحبوب، وهو يصف الفارس العاشق وفرسه، في الأبيات التالية من عيطة “ركوب الخيل” تلك الرائعة المرساوية :
ايلي ياييلي …مال حبيبي مالو عليا ما بيدي ما ندير ياسيدي
واهلي واهلي …عود حبيبي سناح بالشيبي الله يداوي الحال حبيبي
ايلي ياييلي …حبيبي عودك جواد على ربيع لواد ع ندهز وزاد يا سيدي
هايلي هياييلي…سناح حبيبي فيه شي بولات نارو كَدات يا سيدي
كويتيني وشويتيني وشطنتيني…هذي جات وهذي مشات…حبيبي قايد العلفات
كما نجد الشاعر العيطي في عيطة “عريس الخيل” يضفي على فرسه صفة الفحولة والنشاط ويشبهه بالرجل يوم زواجه “عريس الخيل”، في رقصاته “الجدبة”:
جدب جدب يا البركَي يا عريس الخيل…جدب جدب شحال هذا مجدبتيشاي
ركَب ركَب يا خليلي والليل طويل…ركَب اركَب شحال هذا مركَبتشاي
ونجد كذلك ذِكر الخيل بفخر واعتزاز في العيطة المرساوية “دامي”، تلك الحالة التي يبرز فيها الشاعر العيطي دور الفارس الجهادي وبطولاته في ساحات الفروسية والحروب، كما تصور ذلك هذه الأبيات :
دامي يا دامي هواك عداني…عداني عداني مشى وخلاني
رياض حبيبي فيه شي وردات…سناحو شيبي فيه شي بولات
العود من الجدود ماشي من الموجود…ايلا تكلم البارود كون انت موجود
دازو بالليل على كَصاص الخيل…الخيالة قاسحين الكبدة مشاو بلا عدة
وفي مقطع آخر وهو الحد الفاصل بين الايقاع البطيء والخفيف من عيطة دامي نجد الأبيات التالية:
حياني حياني على طرداكَ العلفات…في لرسام جابت الناس اخبارو
وميمتي عداني مزال الوعد يلاكَي…مزال يصادفنا الهوى..ياو الله الله قاصدك يا مولى زمور…
كما نجد في عيطة “خربوشة”، في صيغتها المرساوية أبيات تصف فرار الشيخة “حادة الزيدية” الملقبة ب” حويدة خربوشة”، الهاربة من بطش وجبروت القائد عيسى بنعمر من منطقة عبدة إلى منطقة الشاوية عند أخوالها، ولكن يده الطويلة تتعقبها أينما حلت وارتحلت، فهو يملك الخيول القوية والرجال الأشداء، لنجد الشاعر العيطي يوثق هذا الحدث في العيطة بالأبيات الثالية:

الخزانة كَالو رشات…المخزن يجددها
أنا حويدة كَالو مشات…دابا الخيل تعكَبها.
“وقد جدد عامل آسفي “حمزة بن هيمة” بالفعل كل الخيام التي تقادمت من جراء حرب القايد سي عيسى بنعمر مع أولاد زايد..ونجحت خيول القايد في دوس المقاومين الزيديين واعتقال بطلتهم خربوشة والإتيان بها في “حبال الكتان”..( المرجع: الدكتور الباحث حسن بحراوي في كتابه، فن العيطة بالمغرب، الصفحة 38).
وفي نفس العيطة المرساوية “خربوشة”، نجد الشاعر العيطي يصف من خلال أبيات قصيرة، لحظات لطيفة تظللها ذكريات للمحبوب الفارس الذي خانته الأيام ولم يعد يبالي بمحبوبته ولا يأبه للجميل من شجون القلب، ويصف الحبيب العشير بالفرس:
الخيل قليلة …حارسة لعدو…العود بلا لولى…عطية المولى
لاموني بيك…لا سماحة ليك…العود بلا مولاه…علاش سنحتوه
أش بلاني بيك …حتى بليتيني….العود المربوط…علاش كَيدتوه
ونجد الشاعر العيطي “الزعري” ينظر إلى الحصان نظرة العاشق الولهان، فيرى فرسه طويلا مشرقا، وأسودا في ظلام الليل “لدهم “، والأزرق “لزركَ”، بمختلف تشكيلاته اللونية بما فيها؛ رمادي تملأ جسده بقع عبارة عن دوائر بيضاء صغيرة ويدعى”حط الريال”، ورمادي به بقع صغيرة سوداء وبيضاء يسمى “نوار الفول”، ورمادي داكن به بقع بيضاء ناصعة يشبه الحصى بمجرى الوادي ويسمى “لزرك حجر الواد”، وهناك الرمادي الذي يميل إلى البياض ويسمى “الكَمري”، والأحمر الداكن ويسمى “البركَي” ،والأحمر القني في لون البن المحروق ويسمى “البركَي المحروكَ”…حيث نجد الشاعر في القصيدة العيطية يغدق على فرصه في أوصاف الكمال وصفات الجمال، إذ يصوره في أبيات شعرية عميقة، كما يبدو ذلك من خلال عيطة “الحساب الزعري” من العيطة الزعرية، ونذكر بعض الأبيات الشعرية “الحبات” التي تمجد الخيول :
علام السروت…ما يتساهل يموت—طرطاكَ العلفات…الله يرحمو مات.
النظرة في الكمري…كَاع لا يجري—عود العلام…دايزو لكلام
البركَي الطويل…ديال ركوب الليل—عندك البركَي…وعلاش ع تزكَي
لزركَ ولدهم…ديال أولاد العم— لزركَ حجر الواد…ع نده وزاد
الكاسب لدهم… ما يرفد الهم—الكاسب الخيل…ما يعيش دليل
لزركَ بو شامة…ديال العلامة— لزرك حط الريال…كسيبة الرجال
لزركَ حجر الواد…ع نده وزاد— لزركَ نوار الفول…كيصول ويجول
لدهم ظلام الليل…عريس الخيل—لدهم لكحل…باردي وفحل
الجدعة الطويلة…هبلت قبيلة—بقات فيا العودة…اللي مشات مكَيودة
ويرفع الشاعر العيطي الزعري بالخيل إلى مستوى الإنسان ذي المشاعر والأحاسيس، الذي يفرح ويتألم، ويحزن ويشكو، فيجد في همهمة الخيل وحنحنتها -بعدما يكون قد طال سيرها وتعبها- شكوى وألما، كما يرى في صهيلها وزمجرتها عشقها وهيامها بأنثاها:
بقا فيا البركَي…بايت كيزكَي—بعينيا شفت لدهم…رافد الهم
العود محن…بايت يحنحن —العود لدهم …بايت يبركَم
نوار الفول…عندو ما يكَول—لزركَ حجر الواد…ع غضب وزاد
كما أن الشاعر يجعل الخيل إرثا عظيما يحرص الآباء على نقله للأبناء، ويفخر الأبناء بالمحافظة عليه:
الخيل ولوتاق…نخوة ومذاق—الخيل ولخزاين…ورث الوالدين
تهلا في عودك …حتى يكبر ولدك—شد العود في يدك…حتى يجي سيدك
وقد كانت القبائل ومازالت تقاس من حيث القوة والضعف بأعداد الخيل عندها، وليست الأعداد فحسب، بل بمدى ما يبدل في سبيل هذه الأعداد من عناية ورعاية وتدريب وتربية، و إكرام الرجل المغربي لخيله إنما هو في الحقيقة إكرام لنفسه، وإن إهانته وتحقيره لها ما هو إلا تحقيرا لذاته ولأسرته، وكان هذا هو المقياس الخلقي الذي كان يقيسون به المغاربة الرجل الكريم من اللئيم، وقد أشار إلى هذا الشاعر العيطي في حبات الحساب الزعري من العيطة الزعرية:
سربة التسعين….عند بني مسكين === سربة الخمسين…عند لغليميين
السربة الحية…عند الشاوية === الخيل المعلوفة…تعمر الشوفــــــة
الخيل والخير…في بلاد زعير === عودك سريع ….ما يتساهل بيع
العود الهروال…اللي كاسبو روبال===العود الحران…كسيبتو كَطران
عودك جيعان….بدلو خرفان === عودك مسيوس…مكلو المسوس
وفي نفس العيطة نجد الشاعر العيطي يحض قومه على المحافظة على الخيل وإكرامها والاهتمام بها ورعايتها، لأنها ثروة لا تعادلها ثروة.
تهلا في عودك…حتى يكبر ولدك.===العودة والعود…ورث من الجدود
العلف والمورد…من جد لجد=== علف عودك يتنقا وجهك
سيادي تهلاو في الخيل…راه المحرك طويل===تهلاو في الخيل مليح…راه الزمان قبيح
هذه بعض الأبيات “الحبات” من مئات بل من آلاف الأبيات من عيطة “الحساب الزعري” التي تغنى بها الفنان العيطي وهو يتغزل بالحصان وبالفرس.
كما نجد في غناء العيطة الغرباوية، تشبيه الأفراس بالعذراوات الجميلات، وتشبيه الخيل بسرب الحمام، كما يظهر ذلك في عيطة “الغابة”:
الخيل كسرب لحمام…وعجاجها كيف لغمام
وحيدة دايرة اللثام…كيف العودة باللجام
الحمام اللي في لرسام…قرا لوحيدة السلام
سبع سلامات في سلام…لفحل مولاي عبد السلام
ياك البوسة في شفايف…واللذة في اللسان
لا تغرك الغليظة…راه اللذة في لعظام
طويلة وجبوجية…وتنفع في الزحام وتحلي ليامم
البنات كخيل السروت…يا خيي كلا وكَيمتو
العيون كخيل السراتة…والنيف بشمامتو
فمها براد تاع أتاي …مشحر بليقامتو
وفي فن العيطة الحوزية، أحب الزجالون العيطيون الخيول لقوتها وجمالها وصدها للعدوان ومشاركتها في الحروب والغزوات وهي تحمل على صهواتها الفرسان الحربيين، كما تعد الخيل عزا ومفخرة لمالكها، فهي تكون عند الشجعان من كبار القوم، ولا تجتمع إلا عند سلطان، أو ملك، أو أمير، أو زعيم، أو قايد..وكانت الخيل هي المشارك المهم للمغربي في الجهاد والدفاع عن حوزة الوطن، وقهر المستعمر.. وقد عرفت منطقة الرحامنة حروبا ونزاعات مسلحة مع المستعمر أسفرت عن خراب وضحايا..ونجد بالعيطة الحوزية “خالي يا خويلي”، ذكرا للقادة الحربيين الذين أبلو البلاء الحسن في مقاومة المعتدين والغزاة مع ذكر خيلهم ، واعترافا لهؤلاء الفرسان الأبطال وخيولهم بالجميل، من طرف الشاعر العيطي وهو يمجدهم تمجيدا يفوق كل تقدير:
دوزها واحد في القياد…دوزها القايد العيادي
مول التريات الوردية…مول السناحات الشيبية
داير برادو في قبو…فين ما رشق ليه يكبو
داير شيخاتو في جنبو…فين ما رشق ليه يلعبو
مول القفطان الكبريتي…زين الخرطة فوق الكَمري
فين أيامك يا بن كَرير…ع الحركة وكًاص الخيل
فين يومك يا لاربعا…كان موسم ولا حركة
حركت الخيل والموسم خلا…لا خزانة لا عود بقا
وقد ذكر الشاعر العيطي الفرس في عيطة “سيدي صالح الخطابي” من العيطة الحوزية، وذلك بوصفها مركوب الفارس البطل:
ضربو عليه النقب…جبدو عوجات الركَب
جبدو شامة بنت علال الشرقاوي…خلاو الشلحة فمها لاوي
أودي منصحبش النوضة اليوم…أما نبالي بيكم
حسبو البكَر ضارب وخاطي…وا وليدي هاه سيدي صالح يا الخطابي
حسبو الخيل دايزة في الليل…واوليدي هاه سيدي صالح يا الخطابي
خيمة حدو مقابلة لعدو…واوليدي هاه سيدي صالح يا الخطابي
فارس وحدو واشنو جهدو…واوليدي هاه سيدي صالح يا الخطابي.
كما نجد الشاعر العيطي في العيطة الملالية يذكر أن رجال القبائل قد وجدوا في الخيل وسيلة مهمة لتحقيق غاياتهم وتحقيق انتصاراتهم كما هو مذكور في رائعة “الشجعان”:
واه مالين الخيل يا بابا…واه هجمو هجمو يا سيدي
الحركة بدات…يا بابا…والعلفة جات ياسيدي
مالين الخيل..يا بابا…سنحو وركبو يا سيدي..ورونو القبايل يا بابا
واش من والى يتوالى…واش القياد تكون من موالى
فين السماعلة وبني خيران…كل خيمة ولدت علام
فين أيامك يا بوكَروم…ع الحركة والخيل تعوم.
وفي العيطة العبدية نجد الشاعر يصف لنا أن السلطان الحسن الأول، كان كثير التنقل على جواده، في مقطع من عيطة سيدي حسن (سيدي راكب جوادو)، كما نجد الشاعر يصف لنا في عيطة خربوشة ما كان للحصان من قيمة حيث يتم ذكر اسم الحصان بذكر اسم القايد صاحبه، فبعد سقوط القايد “سويلم” الذي كان قايد الرحى عند القايد عيسى بنعمر حيث لم يغفر له هذا الأخير هزيمته أمام قبيلة أولاد زايد المناوئة لسلطته التي تنتمي إليها الشيخة “خربوشة”، فيقارن الشاعر سقوط القايد وهزيمته الشنعاء بحصانه الذي أخذوه منه كغنيمة حرب:
طاح سويلم طاح…حتى من عودو داوه سيادو
وفي عيطة “العمالة” ، تلك العيطة العبدية، نجد الشاعر العيطي، يطلب من الفرسان الرأفة بالخيول، والاهتمام براحتها وبمأكلها ومشربها، لتكون قوية عند الحاجة إليها:
نزلو تغداو راه الخيل عياو يا سيدي…أهيا واهيا
خليو الخيل تورد راه الوقت جبد يا بابا…أهيا وهيا
عطيو للخيل تعلف قبل ما تسخف يا سيدي…اهيا واهيا
تهلاو في الخيل را الليل طويل يا بابا….أهيا واهيا
ولد حديدو عاجبو عودو يا سيدي…أهيا وهيا
ولد رحيحيل تهلا في الخيل يا بابا….أهيا وهيا
ونجد في عيطة “سيدي حسن” يمجد الشاعر الخيل، بصفتها المساند للفرسان وبكثرتها يُضمن الانتصار على الأعداء:
زمران يا زمران أش نكَولو في سيدي حسن…حسن يا حسن ما تموت حتى يسبقوك العديان
أبا لعبادي بعد ركبو كَاع مشاو…واليوم يا سيدي فين يكونو مجموعين.
اصحاب الخيل والسروت فين تكونو مجموعين…أه يا سيادي الشرفا ركَراكَة مالين الخيل
وفي العيطة البلدية الجرفية الفيلالية، تلك العيطة الصحراوية السجلماسية نجد الشاعر يفتخر بفرسه ويمجده، فرغم حب الإنسان المغربي الصحراوي للناقة وللجمل نجده يفرد صورة خاصة ومعزة كبيرة لحصانه، وذلك لأن حاجته إلى الخيل ضرورية وملحة، ليس للتنقل وحمل الأشياء الثقيلة أو قطع المسافات الطويلة في البراري الصحراوية فحسب، فهذه المهام قامت بها الابل والحمير والبغال، لكن الفرس كان لشن الغارة ورد العدوان، وهذه عندهم غاية تضارع حاجتهم إلى الماء والأكل، فالحصان بالنسبة لهم الأمن والآمان، ورمزا للشجاعة والقوة والنخوة ودفع الأذى وحماية الديار والأعراض وجلب الخير، فكانت الخيل بالنسبة للمغربي الفيلالي بمثابة الواحة التي يلجأ إليها في صحراءه، وتغنى الشاعر العيطي بفرسه كما نجد ذلك في عيطة “رجال لبلاد” في هذه الأبيات:
جيبو لي البركَي….وعطيوني لجامو– فين ما نشوف الزين…..نتفكر كلامو
عودي لزرك بلجامو…مهرس لحجر بكَدامو– كل تمر وكيالو….كل نخل وجريدو
كل عاود وخيالو…كل عبد عندو سيدو– قتلوني ثلاثة….العيون والخيل والسراتة
ركَبت على الدرا….بانت ليا خضرا– مزين الكَعدة فوق الجريد…..يبانو لمعاضيد
مزين الركبة على كصاص الخيل…في جنبي الخليل–مزين الكَلسة في لجراف…..والشربة بالغراف
ونجد كذلك الشاعر العيطي الجبلي يدعو رفاقه من الفرسان إلى امتطاء خيلهم، والتسلح بإيمانهم بالله ومحبتهم للرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والتوكل على الله، والاستعداد لخوض المعركة، كما نجد ذلك في أبيات من العيطة الجبلية في عيطة ” عوام يا لحباب”:
أهيا احبابي وايلي…أهيا صحابي وايلي
الصلاة على سيدنا محمد وايلي…اخوتي صليو عليه كاملين
سيدنا محمد الزين واييه….هو شفيع الاسلام واييه
عوام يا لحباب…عوام يا الرجال…عوام يا العلام
عوام يا المجاهدين…عوام يا مالين الخيل
أيا حبابي أيا صحابي…أيا حبابي أرضي أرض الخير
أيا صحابي مالين الخيل…أيا احبابي نوضو للحركة
لقد كانت الخيل ولازالت، وستظل محبوبة الفلاحين والكسابين الريفيين وملهمة الأدباء والشعراء والفنانين، ولم يقف اهتمام الشعراء العيطيين بالخيل عند أحوال الحروب والغزوات والأعمال الفلاحية فحسب، بل راحوا يدققون في أحوالها، فوصفوها أيما وصف، وتتبعوا أدق تفاصيل جسدها فصوروها في أشعارهم وفي قصائدهم العيطية، فنظموا وأبدعوا مواطن الجمال في هذا المخلوق، وتغنى بها الشيخات والأشياخ، وكان ومازال البعض من المغاربة البدو الريفيون إذا أنتجت فرس يقيمون الفرح بالوليمة وبشيخات العيطة، حيث يعم الفرح والتهنئة وكأنهم بغلام يولد. وتعتبر الخيل مظهرا من مظاهر النخوة والأبهة التي تنوب كبراء القبيلة وتنفخهم بالمزيد من الزهو..ورغم أن الخيل لم تعد تستعمل في الغزوات والهجمات القبيلية، لكنها مازالت وستظل رمز عزة المغربي، فهو يشارك بها في مواسم التبوريدة، وفي مسابقات الفروسية داخل وخارج الوطن، وفي المهرجانات وخلال حفلات الزواج وفي الأعياد الدينية والوطنية..
إن النص العيطي ليس بالنص المقدس، فهو شعر شفهي لم يتم توثيقه، ولم يتم تسجيل القصيدة الأصلية تسجيلا قانونيا رسميا موثقا، فهو تراث شفهي وصل إلينا بالتواتر مع ما رافقه من انحرافات وتغييرات حسب مزاجية وأهواء الرواة القبلية والإيديولوجية..إذ ليس هناك متنا عيطيا موحدا فحتى ذلك المكتوب هو فقط اجتهاد لباحثين، فالباحث نفسه قد يصيب أو يخطئ، يضيف إلى النص أو ينقص منه، ولا يمكن أن نجد أداء موحدا لنص من النصوص، فكل شيخ ناظم مؤدي يتغنى بما وقر في سمعه من الروايات، وقد يرتجل في لحظة انتشاء وغواية كلمات مستحدثة، لذلك لا يمكن أن نجد تطابقا كليا بين المكتوب والمسموع، وذلك راجع لكون الباحث لا يأخذ عن المغني فقط بل يعتمد أيضا على الروايات الشفوية غير المغناة، وقد يأخذ عن مصادر سمعية خاصة وقديمة قد لا تتوفر إلا عنده ..كما يصادف الباحث مشكل الانتقال من الشفوي إلى الكتابي، فالأدب الشفهي أو الشعبي صعب تدوينه على مستوى الكتابة الخطية، لأن اللهجة يجب أن تُكتب كما تُنطق، والنطق يختلف من منطقة إلى أخرى مع ما يصاحب ذلك من إدغام ونبر وإبدال للحروف، وكذلك نجد اختلافا على مستوى معاني بعض الكلمات من منطقة إلى أخرى، فهناك بعض الكلمات يتم حذفها لأنها قد تخدش الحياء في منطقة معينة أما في منطقة أخرى فيكون مسموح بها ولا تشكل عيبا، وكذلك مشكل الأشياخ المؤدين حيث هناك من يحفظ الكلمات خاطئة دون أن يتعمق في مغزاها والمقصود منها.. لذلك فالقصيدة العيطية هي أشبه ما تكون بالرواية المفتوحة التي يظل موضوعها عرضة للتحوير والزيادة والنقصان، ويهيمن عليها الارتجال حيث يزيده الناظمون تراء، ويفرغون فيه ما يعترض حياتهم من مآسي وأفراح..ولذلك من العسير الوقوف على المؤلفين الحقيقيين للعيطات الأصيلة المتداولة.
وبصفتي شيخ ممارس لفن العيطة، عازف كمنجة “كومنجي” ومغني، أقر أن هناك تنازل وتقصير من الكثير من المجموعات الغنائية التي تؤدي هذا التراث العيطي، وهذا تتطلبه الظرفية الحالية، لمسايرة العصر.. وذلك بحذف بعض المقاطع الصعبة الأداء وملتوية العزف، والقفز على أبيات شعرية من طرف بعض الشيوخ أتناء العد العيطي، وذلك إما لمسايرة الإيقاع وتفادي الوقوع في الخطأ، أو لتقزيم المدة الزمنية للأغنية العيطية حيث كانت بالأمس تدوم مدة العيطة الواحدة من خمسة عشر دقيقة إلى خمسة وأربعين دقيقة وأكثر، وصارت اليوم تؤدى من طرف بعض الفرق الموسيقية في مدة زمنية وجيزة من خمسة إلى سبعة دقائق، فكيف سيكون هناك طرب عيطي وأداء فني ونص شعري معبر لرسالته في هذه المدة القصيرة جدا. لكني سأظل وفيا للخيل بصفتي ريفي بدوي أعشق الخيل وأتقن ركوبها، فهي موجودة في كل أعمالي بما فيها الأغنية والمقالة والقصة والرواية، كما سأظل وفيا لفن العيطة، هذا الفن التراثي الأصيل أصالة الفرس المغربي.
وختاما لهذا المقال نختمه ب”سوسة” من العيطة الشيظمية، وتسمى بسوسة “علفة الخيل”، وهي تتغنى بجمال الفرس والخيل، وقد تم اقتباسها من العيط الحوزي، ونقلت إلى المرساوي والعبدي والغرباوي…:
واسيدي لدهم سرجتو بيــدي… واليوم بعد عليا…مولاي واهيا مولاي
ها مولاي مولاي …سيدي ربي زين لعطية… ها مولاي مولاي
سروت الحصبة سربة سربـة…. ها مولاي مولاي
خيل القصبــة جاي مسربــــة …. ها مولاي مولاي
مالين الخيل خرجو لفعايل…. ها مولاي مولاي
مالين الخيل ركبو بالليل…. ها مولاي مولاي
فارس وحدو أشنو جهــــــــدو….ها مولاي مولاي
الخليل قليلة حابسة لعــــــــدو …..ها مولاي مولاي
هاااااااااااااااااه يا مول العاود هاه
هاااااااااااااااااه يا مول العاود هاه
جاو عندك اوا شي عيون وحجبان هاه
وا الخيــــــــــــــــــــــل…واها الخيـــــل…وها الحبـــــــــــــــــــة… الخيل يا الخيل
والبـــــــــــــــــــارود …واها الخيـــــل…الحافيظ الله…الخيل يا الخيل
موالين الخيـــــــــــــل…وها الخيل…سنحو بالليل…الخيل يا الخيل
المحرك طويـــــــــل…وها الخيل…نفيقو لقبايل… الخيل يا الخيل
علفة سعيديـــــــــــــة… وها الخيـــــل…علفة سطاتية…الخيل يا الخيل
علفة حريزية…وها الخيل…علفة عبدية…. الخيل يا الخيل
ياو جيبو لــــــــــــــــــيا…… عــــــــــودي….سنحو لــــــــــيا….عــــــــــودي
طويل الركَبــــــــــة……عــــــــــودي….زين الركبة….عودي
زين الجدبة…..عــــــــــودي…متحبسو عكَبة…عودي
عودي عــــــــــــلام ….عــــــــــودي….دايزو لكلام…عودي
عودي لشهب….عودي…شحال كيعجب… عــــــــــودي
يبات كيجدب…عودي….شحال كيلعب….عودي
…………وا عودي يا عــــــودي………………
عودي زين الركبــــات…وعودي يا عودي …عودي زين الجدبـــــات…وعودي يا عودي
عودي مول العـــــودات…وعودي يا عودي….عودي ريم الجدعــــات…وعودي يا عودي
عودي حاضي لوقـــات…وعودي يا عودي…عودي زين الندهات…وعودي يا عودي
عودي قايد الســربـــات…وعودي يا عودي…عودي قايد العلفـــــــات… وعودي يا عودي
وا عودي ياعــــــــــــــودي… واعودي يا عودي
اه اه اهويه اه اه اهويه اه اه اهويه اه اه اهويه اه اه اهويه اه اه اهويه اه اه اهويه اه اه
………. العيوط والبحوط والليل وركوب الخيل…….
وهذه “السدة” الأخيرة من العيطة يعني الخاتمة النهائية “العيوط والبحوط والليل وركوب الخيل”، يؤكد من خلالها الشاعر العيطي أن من أرفع المتع في الحياة الدنيا تبدو له أربعة أشياء وهي: موسيقى ونغم العيطة “العيوط”، وغنج ودلال النساء “البحوط”، ورومانسية وسكون الليل “والليل”، وآخرها وأحسنها التمتع بركوب الفرس “وركوب الخيل”…

الاخبار العاجلة