“الغزال في غناء العيطة”لشيخ العيطة الحسين السطاتي

جسر التواصل11 يناير 2022آخر تحديث :
“الغزال في غناء العيطة”لشيخ العيطة الحسين السطاتي

  شيخ العيطة الحسين السطاتي

خلق الله المخلوقات بما فيها من بشر وشجر وصخر وحيوان..وجعل لكل مخلوق مواطن الجمال فيه، ومن الحيوانات خلق الغزال، “لغزال” أو “لغزالة” كما سمي باللهجة العامية العربية المغربية، وأنعم الله على هذا الحيوان بالرشاقة والخفة والجمال سبحانه أحسن الخالقين، إذ ارتبط ذكره عادة بالجمال فكان ومازال رمزا له، وهام الفنانون والأدباء في هذا الحيوان العاشب، ووصفوه في فنونهم وإبداعاتهم، وافتتن به الشعراء فصوروه في قصائدهم وشبهوا به حبيباتهم في شعر الغزل، ومن الفنون الغنائية المغربية التي تغنت بالغزال نجد فن “العيطة”.
والمغرب بلد غني بفنونه الجميلة وبثقافته الشعبية وبثرائه الغنائي التراثي المتنوع، ومن هذه الفنون نجد فن الموسيقى والغناء والرقص، ومنه فن “العيطة”، وقد تغنى “الأشياخ والشيخات” الأسلاف في هذا الفن بالمقاومة ورجالاتها ونسائها وبالوطنيين وبالحركات السلطانية، كما تغنوا بالجمال بكل صفاته؛ جمال الطبيعة وجمال المرأة، والخيل والليل والقمر .. وتأثر الشعراء العيطيون بالجمال الخارجي للمرأة وشبهوها بالحيوانات والطيور والفواكه..ومما شبهوا به المرأة نجد الغزالة، فنظموها ووصفوها وغنوها في أبيات ضمن قصائد زجلية عمرت وخلدت لسنين طويلة، تغنى باللهجة العامية العربية المغربية “دارجة عروبية”، ضاربة في العمق الريفي البدوي، حيث نجد ذكر الغزال “لغزال” أو “لغزالة” في العديد من الأبيات بين ثنايا المتون العيطية، تتضمن جمالية الصورة وتأثير الإيقاع، وقد استعمل الزجال العيطي “شيخ أو شيخة” الآليات البلاغية المعهودة في الشعر من تشبيه واستعارة ومجاز مما يجعل المتلقي المستمع والدارس لشعر العيطة يتوقف طويلا عندها ويتملى هذه الصورة العيطية الفريدة..

و”العيطة” فنيا هي فن شعبي يأتي فيه الإيقاع الموسيقي مصاحبا للكلام، وهي أغنية مهيكلة على شكل أجزاء، تنطلق من بداية وتحتمل جزأين إلى تسعة أجزاء أو أكثر وتنتهي بخاتمة، كما أنها مجموعة من المقاطع الغنائية والفواصل الموسيقية الإيقاعية في منظومة تختلف عناصرها باختلاف أنواع العيطة نفسها. ويأتي التركيب كخاصية موسيقية وهوية إيقاعية وزجلية. وهي تتوزع إلى تسعة أنواع، تتنوع حسب تنوع المناطق الجغرافية التي تحتضنها، ونجد هناك: العيطة الجبلية، والعيطة الغرباوية، والعيطة الزعرية، والعيطة المرساوية، والعيطة الحصباوية وتسمى أيضا بالعيطة العبدية، والعيطة الشيظمية، والعيطة الحوزية، والعيطة الملالية، ثم العيطة البلدية وتسمى أيضا بالعيطة الفيلالية الجرفية، وعيطة الساكن التي نجدها في كل نوع من أنواع العيوط المذكورة.
“وإن هذا الغناء الذي يطلقون عليه اسم العيطة، وأحيانا أسماء أخرى للتمييز، هذا النفس الساخن الصاعد من الدواخل، عبر الأصوات البشرية- الأنثوية والذكورية- والإيقاعات والألحان الآسرة، هو الذي أسعف على ميلاد شعر شفوي ظل يخرج من الجراح الفردية والجماعية مثل النزف الدافق، ويلتصق بذوات وبمصائر الفلاحين والمزارعين والرعاة، والقرويين عموما، المنحدرين من ذاكرة عميقة ومن سلالات عربية لها تاريخ بعيد، مهمل، مكبوت ومسكوت عنه”. المرجع: الباحث الدكتور حسن نجمي في كتابه بعنوان: “غناء العيطة، الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية بالمغرب 1″، الصفحة 17.

وفن العيطة هو فن شفوي وصلنا عبر التواتر والتناقل الشفهي من جيل لجيل، حيث لم يكن هناك توثيق للمتون العيطية، فظل الشاعر العيطي مجهول الاسم، واستنادا إلى ما توفر لدينا من محفوظات عيطية “أرشيف” غنائي قديم، (أسطوانات اللفة، أشرطة الكاسيت، أشرطة الفيديو..)، وما سمعته شخصيا بالمباشر من أفواه الأشياخ والشيخات والرواة..، بصفتي الشخصية فنان شعبي شيخ للعيطة مغني وعازف كمنجة ل”رباعة الشيخات”، وجدت أن الأبيات التي يتحدث فيها الزجالون العيطيون عن الغزال ليست بالكثيرة مقارنة بالمواضيع الأخرى، كوصف الطبيعة والمرأة والخيل وغيرها.. فهي أبيات قليلة ومتفرقة داخل القصيدة الواحدة باستثناء قصيدة “الغزال” في “العيطة المرساوية” التي أطنبت وأسهمت في تشبيه المرأة بالغزال..فيا ترى كيف جاء ذكر لفظ الغزال في غناء العيطة؟ وما هي الأبعاد الرمزية للغزال في القصيدة العيطية؟ وكيف لهذا الحيوان العاشب أن يسحر الإنسان القوي العاقل؟
الغزال “ذكر أو أنثى” حيوان عشبي جميل، من فصيلة الأياييل، والظباء والبقر الوحشي، يعيش في الصحاري والأدغال على شكل جماعات، وهو حذر، سريع الجري، رشيق، يضرب به الوصف في الرشاقة وحسن القوام وجمال الوجه وصفاء العينين وسعتهما، وللغزال أسماء كثيرة تطلق عليه حسب عمره الزمني ومنها: مها، رشا، ريم، شادن، عنود، خولة، أروى، عزة.. وكان الغزال ومازال ملهما للشعراء على مر الزمان.

وفن العيطة هو فن بدوي بامتياز، والبدو الريفيون ذو نفوس حساسة وأذواق لطيفة، يعشقون مظاهر الجمال بما في ذلك جمال الطبيعة والمرأة، والخيل والليل، والقمر والنجوم، والورد والزهر، والشجر .. فإذا ما رأى أحدهم بعينه الجمال أخذ بشغاف قلبه، وملك عليه مشاعره، فأعجبوا بما حولهم من جمال في البيئة البدوية التي يعيشون فيها، واستعملوا صفات الجمال في الحيوانات والطيور والفواكه لوصف الحبيبة والتأكيد على الصفات الجذابة في جسمها وفي شخصيتها حيث شبهوا المرأة الجميلة الرشيقة بالغزال، وبحيوانات أخرى إذ استعملوا أسماء منها :المها “البكَرة الوحشية”، والمهرة “الجدعة”، والفرس “العودة”، والناقة “الناكَة”.. لوصف كبرياء المرأة وجموعها وصعوبة الحصول عليها، ونعتوها بالغزالة لأن هذا الحيوان الجميل الرشيق يكون موضوع المطاردة والإفزاع من طرف القناصين والوحوش الضارية. ويختلف تقييم الأشخاص لجمال المرأة باختلاف نشأتهم وقيمهم، فمنهم من يرى الجمال في جمال الوجه وطول الشعر وآخرون يعتبرون تناسق الجسم وبروز بعض أعضائه علامة للأنوثة الطاغية، ومنهم من يرى جمال المرأة في حسها الداخلي بما في ذلك رقتها ووداعتها ورجاحة عقلها، ونجد الشاعر الزجال العيطي “الشيخ” قد تغنى بفواكه الجسد الأنثوي وخاصة الشكل الخارجي للمرأة.

وفي “العيط المرساوي” نجد أروع الكلام في وصف المرأة وتشبيهها بالغزال، فالعيطة المرساوية هي عيطة وجدانية في المقام الأول يهمها أن تحتفي بالعاطفة الإنسانية وتصور تقلباتها بين الحب والهجر والشوق واللوعة، فاستفاض الزجال العيطي في وصف المرأة، حيث نجد العيطة المرساوية قد أفردت لها عيطة تسمى “عيطة الغزال”، إذ يصف الزجال العيطي حبيبته بالغزال “لغزال” أو “لغزالة”، ويتساءل هل من مشاهد لغزاله “ما شفتو لغزال…يا صحاب الحال ياسيدي—الغزال غادة…يا الصيادة مالي— لغزال مشات…كاين شي علفات–الكَمرة طلعت…لغزال سرحت يا مالي)، كما نجد الشاعر يشبه عيون المرأة حبيبته بعيون المها “البقرة الوحشية: ( سيدي لعيون صردية…بكَرة وحشية)،أو تشبيههما بعيني الغزال: ( سيدي عوينات لغزال…شاغلين البال يا سيدي)، في نفس الوقت يشبه المرأة الدميمة قبيحة الوجه بالبومة “موكة” ( الغزال خرجت…موكة حجبت يا سيدي)، وهذه بعض الأبيات المنتقاة من عيطة الغزال المرساوية :
أهياوين أهياوين…ويلي يايلي
داز ما كلمتو..هيا واهيا
نعس ما فيقتو…ويلي يايلي
غزالي حبيتو …عشقتو وبغيتو سيدي…هيا واهيا
يامالي ماشفتو لغزال …يا صحاب الحال ا سيدي..سيرا واهيا
يا مالي الغزال غادة…كاين شي صيادة مالي…سيراواهيا
سيدي الكَمرة طلعت…الغزال سرحت يا مالي…هيا واهيا
يا بابا الغزال مشات…كاين شي علفات يا سيدي…سيرا واهيا
مالي الغزال خرجت…موكة حجبت يا سيدي…هيا واهيا
سيدي حبيبي الغزال…فيه شلا حال يا سيدي…سيراواهيا
سيدي عوينات لغزال… شاغلين البال يا بابا…هيا واهيا
يا مالي عينين وحجبان… عند شي غزلان يا سيدي …سيرا واهيا
يا كاسي فريد..ايلي يا ييلي…يا جرحي جديد..أهيا واهيا
يا المولى يا المولى وأنت تحفظيه…وايلي ييلي دابا يعفو سيدي
أهاه أهاه السماح الله…سيرا واهيا
لالة عينو كحلة وحاجبو خروبي…وايلي هيا ييلي
لا لة عوينات غزالي…الشاغلين بالي سيدي..سيراواهيا
لالة العين السردية…بكَرة وحشية …هيا واهيا
ونجد أن الشاعر العيطي يصف جمال حبيبته بالغزال، وحيرته وطول انتظاره وسهاده الليلي راجع لغياب غزاله الشارد، وبأنه مستعد لبيع كل ما يملك في سبيل أن يظفر بمن يحب،كما هو مبين في العيطة المرساوية “رجانا في العالي”:
رجانا في العالي يا بابا…وبابا رجانا في العالي…غريب وبراني يا سيدي
سعدات الكَلب الهاني … سيادي معس الليل…ما شاف عيون بحالي يا سيدي…هاحياني على غزالي
ظالة نسال يا سيدي..وبايتة نسال …فين مشى لغزال يا سيدي .


على قبل غزالي يا بابا…نبيع ديالي…ونسهر الليالي يا مالي ..وبابا رجانا في العالي
ويركز الشاعر العيطي علىى وجه المرأة، حيث يصف عيونها بعيون الغزالة (عيون وحجبان…عند شي غزلان—فسرة وغزالة…عيونها قتالة)، ويصف حتى أدق ما ترتديه تلك الغزالة الفاتنة التي شغلت باله (بعيني شفت لغزال…لابسة خلخال—شفت لغزالة…مزوقة الحالة)، وهي تسحره بجمالها حتى في حزنها وبكائها ( وخا الدموع هطالة…غزالة وقتالة) ، كما نجد ذلك في عيطة “دامي” المرساوية :
اه لله يا دامي …هواك عداني
وبابا يا بابا كواني وعداني…ومشى وخلاني
لله يا دامي …عيون وحجبان…عند شي غزلان
وبابا يا بابا ب….عيني شفت لغزال …لابسة خلخال
ولالة يا لالة…فسرة وغزالة…وعيونها قتالة
لله يا دمي….مذا من غزال…تايهة في لجبال.
ولالة يا لالة…وخا الدموع هطالة…الغزالة قتالة
وفي “العيط الزعري”، نجد الشاعر الزجال العامي العيطي ينظر إلى حبيبته نظرة العاشق المتيم الولهان الحائر، إذ يصورها في أبيات شعرية عميقة، بلغة عامية “دارجة عروبية”، وأطنب في التغزل بها مشبها اياها بالغزال، وهو يراها جميلة المحيى في السهل كما في الجبل، بسحر عيونها وضياء وجهها ورشاقتها ..كما يبدو ذلك في الأبيات اللاحقة من خلال عيطة “الحساب الزعري” من هذه “العيطة الزعرية”:
عيون وحجبان…عند شي غزلان— بعيني شفت لغزال …شاكَة لجبال
دار غزالي…دروجها عالي— مزوقة كلغزال…مهبلة الرجال
لعيون القتالة…عند لغزالة —حبيبي الغزال…فيه شلا حال
جيبو ليا غزالي…الشاغلة بالي—صورة لغزال…ديما في البال
هذه بعض الأبيات “الحبات” من عشرات الأبيات من عيطة “الحساب الزعري” التي تتغنى بتشبيه المرأة بالغزال، وسحرها على الناظر إليها، كما نجد نفس الشيء في العديد من أبيات من عيطة “حب الحلكَة الملالية”، من “العيطة الملالية” وهذه بعض “شدرات الحَب” منها:
لالة لالة ويا لالة تعالي ليا….عوينات لغزال…اللي شاغلين البال.
لالة يا لالة ويا لالة الغالب الله…عينيك غزالات… يهلكو في الذات
لالة يا لالة ويا لالة هذا جهدي…بعيني شفت الغزلان…دايزة كَطعان
لالة يا لالة ويا لالة هذا مكتوب…مذا من غزال..قاطعة لجبال
واستفاض الشاعر الزجال “العيطي الغرباوي”، في وصف المرأة وشبهها بالغزال الشارد في الجبال، وهام بها كما يظهر من الأبيات التالية في عيطة “الغابة” من “العيطة الغرباوية”:
مشيت للغابة في الضبابة…سبحان الله يا عجبا
بعيني شفت شي حمام…كيتسارى وسط لخيام
وانا وانا..هو أهو…وانا وانا.. وهاه وريني وحشك يا الغابة..
هَو أهو.. هو أهو أهو.. هَو أهو.. هو أهو أهو..
مشيت للغابة في الضبابة…سبحان الله ويا عجبا
بعينيا شفت لغزال…حجبانو كيف لهلال
كيتسارى وسط الجبال…صورتو بقات في البال
وانا وانا..هو أهو…وانا وانا.. وهاه وريني وحشك يا الغابة..
هَو أهو.. هو أهو أهو.. هَو أهو.. هو أهو أهو..
مشيت للغابة في الضبابة…سبحان الله يا عجبا
بعينيا شفت لغزالة… غزالة ومزوقة الحالة
في رجلها دايرة خلالة…في عنقها دايرة نبالة
وانا وانا..هو أهو…وانا وانا.. وهاه وريني وحشك يا الغابة..
أح حاه حاه.. أح حاه حاه ..أح حاه حاه.. أحا حاه حاه
والشاعر العيطي الجبلي يشبه حبيبته وينعتها بالغزال في ثوب الحرير، ويشبه عينيها بالقمر الذي يشع نوره، ويتوسل إليها أن تسهر معه هذا الليل السرمدي الطويل ليستمتع بنور عينيها الساحرتين، كما نجد ذلك في هذه “السوسة ” من عيطة “راح الليل”، هذه “العيطة الجبلية” الرائعة:
يا غزالي يا مجدول لحرير مزال الليل طويل…مزال الليل طويل يهديك الله قصري الليل معانا
عويشة لغزال عيونها كَمرة طلعت…أها أها أها…لالة ويا لالة
سير غدار صاحبو مدار مزية…طل لغزال بالليل كحل العينين
هو الوليد مع الرباعة هو لوليد…هو لوليد في الجماعة هو لوليد
الوليد يا لوليد زين السمية…لعزيز عليا نور عينيا يهديك الله
أجيني يا لغزال… أجيني يا لغزال …أجيني يا لغزال
أجيني يا لغزال كحل العينين شاعلة نارك بلا دخان
اليوم غدا نرحلو اليوم وغدا نرحلو…رحيلك أنا نزلو زينك عقلي هبلو
وأنا هذ الرحيل تقيل عليا يا الهاشمية…ها عار الله حاولي عليا
وأنا هذ الليل طوال عليا يا الهاشمية…ها عار الله شوري عليا..ويا لغزالة شوري عليا
نفيق الناعسين ونعيق الساهرين…عيونك يا لالة غزالي زادوني فلعذاب
راني في حالة ويا الغزالة…وكلت عليك الله لا تجافيني
علاش كتعاديني خلي النوم يديني…دبا يجيك ويجيني
وأنا أجري على ربي …والليل طويل
داز الصيف وطاب لخريف…يا مولات الشفرَ لخفيف
يا مولات الزين الظريف…والله أنا قصدي شريف..يالالة راح الليل.
ونجد في”العيطة الشيظمية”، الشاعر الزجال العيطي يتغنى بأطلال حبيبته، تلك الغزال القابعة بمسكنها خلف الأسوار، وهي تؤرق ليله كالضرس المريض، حيث غنى يقول في عيطة “نصبر أنا على مكتوبي”:
نصبر أنا على مكتوبي…يانا يانا واش بيدي
دار غزالي مقابلاني…كيف الضرسة مهوساني.
دار غزالي عالية…فيها خوخة ودالية
نسهر الصمايم والليالي…ونصبر أنا على غزالي
وقد نجد أغلب قصائد “العيطة الفيلالية الجرفية البلدية”، تشبه المرأة بالحيوانات كالخيل والإبل، وبالنخل، والتمر والرمل، حيث تعطي قيمة كبيرة للواحة. مازجة بين جمال الطبيعة والخيل والإبل والأنثى الآدمية، تلك المرأة الإنسانة ملهمة الرجال، فنجد الشاعر “العيطي الفيلالي الصحراوي يشبه عيون حبيبته تارة بعيون الأفعى، وتارة أخرى بعيون المها البقرة الوحشية، تلك العيون القاتلة المخيفة (في عين مسكي الحية…ضربتني حية..عيونها حجلية..هلكتني ولعبت فيا..العيون الصردية…بكَرة وحشية)، كما هو الشأن في “عيطة العين”:
عينيا آه يا عينيا….عينيا عينيك جاو في عينيا
عينيا آه يا عينيا…عينيا هما سبابي في الكية
عينيا ويلا وتيت سامح ليا…سامح ليا بضاض ما عمل لي شرعية
سيادي العين صعيبة سحرتني وحكمت فيا…مالي العين صعيبة والربطة زغبية.
عينيا آه يا عينيا…في عين مسكي الحية…ضربتني حية…عيونها حجلية..هلكتني ولعبت فيا
العيون الكحلية…والعيوط البلدية..البراد والصينية..والمشوي والملوخية…
العيون الصردية…بكَرة وحشية… ولخدود الوردية…بضاض ما عمل لي شرعية
وبتطور المجتمعات والتقدم التكنولوجي تأثر تشبيه المرأة بالأوصاف الجميلة في الحيوان والطير والفواكه، وتغيرت نظرة المجتمع للمرأة وأدوارها، كما تبدلت العلاقة السائدة بين الرجل والمرأة، مع التطور التكنولوجي والرقمي، وأدخلت مصطلحات جديدة وغريبة للشعر العامي تفاوتت آراء الناس في تقييمهم لها، بين من يرى أنها تعبير عصري عن الرشاقة والجمال والأنوثة الطاغية ،كمثال على ذلك هناك عدة مصطلحات نذكر منها: “الساطة”، التيتيزة”، “التوتة”، البرقوقة” …وبين من يعتبرها إسفافا وابتذالا يخدش الحياء.

هذه بعض النماذج من الأبيات التي جاء فيها ذكر الغزال “لغزالة” أو “لغزال” في النص العيطي، وبهذا نكون قد استعرضنا ما تيسر لنا في ما قيل في وصف المرأة بالغزال في الغناء العيطي، هذا الغناء الذي كان ومازال وسيظل يحتل المكانة الرفيعة في المشهد الفني الغنائي المغربي، فن يتعاطاه ويتبادله ويتوارثه المغاربة جيلا عن جيل، فهو تراث أصيل ومعمر وفن حي متحرك ومتجدد. فن يجمع بين الأصالة والحداثة ليؤكد أصالته في أشكاله وقوالبه الموسيقية التقليدية، كما يؤكد حداثته في الاستفادة من الأحداث والوقائع كعوامل مثيرة للإبداع والتجديد والإنتاج.

الاخبار العاجلة