في مديح الروايات الساخرة

جسر التواصل7 ديسمبر 2021آخر تحديث :
في مديح الروايات الساخرة

جسر التواصل/ الامارات: مروة السنهوري

قد لا تغير الكتب والمعرفة آلامنا ..ولا تحمينا من الظلم والشرور لكنها تمنحنا آلاف الاحتمالات ابرزهما ” التغيير والتنوير” ، دقائق معدودة من قراءة قصيدة لهوميروس أو جملة في مقال لعائشة النعيمي أو مقطع في رواية ل” جوزيه ماورو ” كفيل بأن يحررك من القلق والخوف ، ويستقيم وجودك فتضمن الخلود .

انطلاقاً من هذا المعنى الجوهري العميق سأقف في هذا المقال على روايتين ساخرتين صدرا حديثاً وهما ” حارس سطح العالم ” لبثينة العيسى و ” هيا لنشتر شاعراً ” للبرتغالي افونسو كروش ، كإجابة شافية لقلق الانسان الوجودي حيال ما يحدث في العالم .

لعل السخرية أسلوب شائع في الرواية وقد اتخذ كمنهج فلسفي حواري تبناه سقراط الذي كان يهرب الناس ويتفادى لقائه في أسواق أثينا خوفاً من الوقوع في فخ سخريته الفلسفية الكاشف لعمق الحياة حتى لا يتحولوا إلى اضحوكة المدينة .

وكذلك الأمر بالنسبة ل” ميلان كونديرا ” فقد ادرك مبكراً انه ليس بالإمكان في عالم مخترق رقمياً تغييره إلى الأفضل أو إيقاف جريانه البائس إلى الأمام سوى ان لا نأخذه على محمل الجد فذلك يشعرنا اننا أقل أهمية وبالتالي أكثر حرية في التعبير .

وهكذا كل الكتاب والفلاسفة منذ عهد هيراقلطيس وحتى سارتر المتوفي سنة 1980 يؤمنون بأهمية العقل الناقد الحر لتفعيل أداء ” الثقفنة ” في مقابل أولئك المحافظين على الوضع القائم .

الرواية الأولى بعنوان ” هيا نشتر شاعراً ” للبرتغالي أفونسو كروش ويمكن اعتبارها ” نوفيلا” لانها اصغر حجماً من الرواية ، تتحدث عن اقتراح طريف يتمثل في شراء الشعراء مثلما نشترى أي بضائع آخرى من المحلات التجارية وقد طلبت مراهقة مُدللة من والدها شراء شاعر يُسليها لا يكلف كثيراً من الأموال ولا يترك اوساخاً ك ” الرسامين ” و” النحاتين “.

بهذه الفكرة الساخرة التي تبدو غريبة يُعري الكاتب العالم الذي اصبح يقيس الناس بألارقام وقيمتهم المادية ، وتحدد العلاقات الإنسانية فيه بدرجة النفعية ، وفي نص الرواية يسرد أفونسو كروش على لسان الفتاة ” عندما قلت لزميلاتي اني حصلت على شاعر سرى نوع من الحسد لديهن على ملكيتي الجديدة وعلقت صديقتي : الشعراء ليس لديهم معرفة بأبسط ضروريات الحياة ولاسيما فيما يخص تناول الحبوب والخضروات “.

فردت عليها : هذا غير صحيح هناك دراسات تؤكد أن الحصول على رسام أو نحات أو شاعر يساعد على مقاومة الضغط ويخفض من الكوليسترول وهو ما يجعلنا أكثر إنتاجية وكفاءة ، وفكرت عند عودتها إلى البيت سؤال الشاعر عن ضروريات الحياة فقالت له : هل تعتقد ان الخضار والفواكه على رأس الضروريات ، رد : لا ، فسألته وماذا إذن ، فقال : الحرية .

أما الكتاب الثاني ل” بثينة العيسى _حارس سطح العالم ” تتحدث فيه عن رقيب يعمل في مكتبة مُكلف بمراقبة مضامين الإصدارات الجديدة من الكتب وإلغاء تلك المخالفة للقواعد العامة للمجتمع ،يستيقظ من نومه متورطاً في معنى الحياة والاسئلة الوجودية وهوجائع لكل أنواع الكتب الممنوعة بشكل لا يمكن إصلاحه ، تماماً كما استيقظ بطل الروائي كافكا في رواية ” المسخ ” و وجد نفسه قد تحول إلى حشرة.

وقُبيل استلامه عقد العمل وقع على تعهد يحميه من التأثر بما يقرأه حتى لا تصيبه لعنة المعرفة فيجادل ويحاجج فلسفياً ، ويقول التعهد” انت حارس سطح اللغة ..إياك والتورط في المعنى ، هل تعرف ما الذي يحل بأولئك الذين يسقطون في المعنى تصيبهم لوثة ابدية ولا يعودون صالحين للحياة ، مستقبل البشرية يتوقف عليك ، انت حارس سطح العالم”.

وهكذا نجد أن رواية واحدة تمزج ما بين الفلسفة والكتابة الأدبية الساخرة هي بمثابة جواب شافي لقلق الانسان المعاصر المُحاصر من كل صوب بقيود وبمتطلبات تدفعه للسعي لإثبات المكانة وكأنه عاجز عن اقناع العالم بقيمته واهميته ، عالم يقتني فيه الناس رموز تدلل على مكانتهم ك” ترديد أسماء معارفهم المنحدرين من الطبقة المخملية ” أو” التفاخر بإمتلاكهم صنابير ذهبية في الحمامات” .

وبالرغم من اختلافنا مع مبدأ الغاية والوسيلة الذي تبناه ميكافيللي إلا انه كان يردد دائماً على زوجته ” ان الكتب هي خلاصه نحو الحرية ، فعندما يحل المساء ويعود ادراجه إلى البيت يدخل المكتبة ويقرأ لعباقرة العالم لمدة 4 ساعات متواصلة حينها ينسى العالم .. وبعدها لا يتذكر ضيماً ولا يخشى ظالماً ولا يرتعد إزاء الموت ويصبح اكثر قوة على مقاومة ألم الحياة “.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخبار العاجلة