محمد أديب السلاوي

-1-
أمام الأوضاع المتأزمة للعالم العربي، خليجه ومحيطه، يبرز اليوم بإلحاح السؤال الصعب : ما هي وضعية الثقافة العربية على أرض الواقع…؟.
وقبل الإجابة على هذا التساؤل لا بأس أن نقوم بجولة سريعة على خارطة مفاهيم الثقافة وأهلها.
* الثقافة في التراث الإنساني هي كل ما يضئ العقل ويهذب الذوق وينمي موهبة النقد/هي وسيلة مثلى لتحسين أوضاع الإنسان المادية والمعنوية / هي مواكبة التغيرات الحاصلة في المجتمع الإنساني / هي نظام متكامل للمعرفة والقانون والفن والعادات والتقاليد والأخلاق/هي الإرث الاجتماعي والحضاري للإنسانية / هي أيضا كل المعلومات التي يخزنها العقل الإنساني في ذاكرته وكتبه.
* والمثقف صانع الثقافة ومبدعها هو ذلك الإنسان الذي يتسم بوضوح الرؤية وسعة الأفق / هو ذلك الإنسان بعيد النظر، المستنير الذي لا يتصف بالتقيد والتوقف /هو الذي لا يتقيد بجمود عقائدي أو إيديولوجي/ هو الذي يتميز بعصره وبالأرض التي نبت بها ويقف عليها والتي يطرحها مجتمعه.
والمثقف ينتمي إلى طبقة العمال والشغالين، كما ينتمي إلى طبقة المبدعين والفنانين والعلماء والفلاسفة ورجال الدين ولكنه لا يشبههم لأنه لا يعمل أسيرا لمفاهيمهم الروحية / الدينية/ الباطنية، انه مسؤول عن رسالته القائمة على التطور والتحديث والحرية والكرامة / إنه يقود الآخرين إلى أفكاره التي تصب في قيمه.
والمثقف باختصار شديد هو العقل المفكر للتعبير الاجتماعي / ينتمي دائما للنخبة التي لها نظرة نقدية للأوضاع القائمة، المادية والمعنوية /هو حامي قيم الخير والعدل والحرية، المدافع الدائم على المظلومين والمهمشين و المقهورين/ المدافع عن حقوقهم في الحياة الحرة الكريمة.
والمثقف احتل مساحة واسعة من اهتمامات الفكر العربي بالأزمان العربية المتلاحقة، إذ كان عبر التاريخ منحازا إلى المجتمع، عصيا على السلطة، لذلك كانت الثقافة تمثل سلطة موازية تضاهي قوتها ماديا ورمزيا.
-2-
هكذا نجد رهان الثقافة وأهلها هو الحقيقة، هو البوح الإنساني بالحقيقة البعيدة عن الكذب والنفاق والتملق.
لذلك سجل التاريخ العربي في المشرق والمغرب مواقف واعية للمثقف العربي، حتى بقيت السلطات والحكومات تخشاه وتواجهه بقوة السيف، وتهمشه وتهمش دوره ، وفي حالات عديدة تحرق كتبه وتحاكم أفكاره.
وعلى مر التاريخ العربي بقيت هناك فئتان من المثقفين :
– الأولى مقربة من السلطة، مستفيدة من عطاءاتها وريعها، تعيش رغد العيش وبحبوحة الحياة، لان السلطة تكون في حاجة دائمة إلى المتملقين من اجل مقارعة المثقف التنويري الفاعل الملتزم والمخلص لقيم الثقافة.
– والثانية فئة مغيبة ومهمشة، تزداد مع الوقت تهميشا وابتعادا عن الأضواء، تصل بها بعض الظروف إلى الفقر المدقع بعد أن تنقطع بها السبل، فيذهب مشروعها الثقافي إدراج الرياح.
السلطات الحاكمة في العالم العربي تعاملت دائما وباستمرار مع الثقافة بعداء، شعرت دائما انه ليس في صالحها أن يعلو كعب الثقافة، لأنها تشعر أن هذا الكعب يهدد وجودها، وهذا ما جعل الشعوب العربية في المؤخرة.
بسبب هذا الشعور أيضا بقي الإنتاج الثقافي العربي ضعيفا، لا جهة تدعمه، يعاني من عدم الترجمة والانتشار، تسوده ضبابية بسبب انعدام الاحتضان وتدليل الصعوبات.
بعيدا عن وضعية الثقافة العربية وأهلها في التاريخ العربي، لا باس ان نتساءل اليوم ونحن في قلب الألفية الثالثة، ما هي وضعية الثقافة العربية وأهلها في ظل الواقع العربي؟
هل للمثقف العربي وجود فاعل؟ هل للثقافة العربية وضعية واضحة على الساحة العربية ومن خلالها على الساحة الدولية… ؟
نعم، نجد اليوم وزارة للثقافة في كل قطر عربي، ظاهريا تستجيب لمتطلبات العصر الحديث / لمتطلبات الألفية الثالثة / لرؤية العالم الجديد، ولكن الصورة الواضحة هي عكس ذلك تماما/هي عدم التوافق بين الثقافة والسياسة، لان قراءة السياسة للواقع مازالت تفتقر إلى الواقعية/تفتقر إلى فهم الظواهر الأساسية للعصر الحديث والتعمق في قوانين تطوره.
تقول بعض الأوراق الإعلامية العربية أن مهام وزارات الثقافة العربية هو جعل الثقافة في نسق متكامل مع الإجراءات النظرية والعملية للتطور والإصلاح والرقي، إلا أن الواقع يخالف ذلك ففي بعض الأقطار العربية نرى إيديولوجية السلطة التي تؤطر وزارة الثقافة هي التي تنتهك عذرية الثقافة وتغتصب وعي المثقفين.
نسأل هنا بحسن نية :ما هو الدور التخطيطي والاستراتيجي الذي تقوم به وزارات الثقافة العربية للعمل الثقافي العربي؟ ما هي المؤسسات التي أوجدتها هذه الوزارات لدعم الثقافة والمثقفين.. ؟ ما هي الأنشطة الثقافية التي تدعم بها هذه الوزارة الهوية الثقافية… ؟هل تملك هذه الوزارات صندوقا لدعم الثقافة والمثقفين والمبدعين.. ؟.
هي مجرد أسئلة طائشة نتمنى أن تجد من يجيب عنها من المسؤولين والمثقفين الدين يهمهم أمر الثقافة العربية وأوضاعها المضببة، من اجل الوصول إلى الحقيقة.
لننتظر الذي يأتي ولا يأتي…
Views: 3
























