جسر التواصل : خص الكاتب والصحفي الكبير الاستاذ عزوز شخمان جسر التواصل بفصول من روايته الرائعة “بهلوان الَكراج ” وجسر التواصل اذ تقدمها للقارئ فانها تقدم عملا روائيا متميزا للاستاذ عزوز شخمان الذي قضى سنوات طويلة في العمل الصحفي ما بين صحافة مكتوبة ومسموعة وكان له حضور بارز في الاعلام الرياضي المغربي والعربي …
عزوز شخمان
” المؤامرة وأخواتها .تابع. “
التفت الي كلاهما -أخيرا- وهما مصدومتان من كلامي أكثر من صدمتهما من وجودي. وسرعان ما بدا عليهما ما يوحي بالاشمئزاز من رؤيتي. اكتفتا بالنظر الي باستخفاف وامتعاض وكأنهما (ينظران) إلى حشرة حقيرة، ثم بادرتني إحداهما قائلة بازدراء..
أمم متحدة؟ على من؟ لم يبق على وجهها من أمم! ما تبقى سوى أمثالك من القطعان؟ أين كنت غافلا طول هذه المدة أيها المرياع. أأنت الآخر صرت تطمع في منازعتنا على الجائزة؟
أذهلني هذا الرد وألجم لساني فلم أحر جوابا بقدر ما طأطأت رأسي صوب قدمي أو بالأحرى “حوافري” متسائلا عن سر تحول أقدامي البشرية الى حوافر! فهل لهذا علاقة بما تتحدث عنه هاتين المخلوقتين اللعينتين؟ قبل أن ألملم شتات أفكاري، نظر إلي المخلوق الآخر نظرة لا تقل شماتة وبادرني قائلا:
دعك منها، إنك اليوم شاهد على أهم إنجاز في وجودي؟
استجمعت شجاعتي وسألت:
لا أدري عن أي حدث تتحدث أو تتحدثين، ولا أعرف من تكونا؟ كلاكما؟ بل لا أعرف من أكون أنا الآخر؟
لست الا واحد من القطعان المنتقاة بعناية. ألست من المعجبين بي وبأدواري الخارقة؟ أنا هي من تدعونها في جلسات مضغكم اليومية “نظرية المؤامرة” واليوم موعد حصولي على الجائزة؟
ارتفع صوت الآخر محتدا ساخرا…
عن أية جائزة تتحدثين أيتها (الع). أيتها النظرية الفاشلة المضللة. ألا زلت ترفضين الإقرار بالحقيقة المرة… إنك لست إلا فقاعة مدعية.. أنا الفاعل الرئيسي واللاعب الأهم. أنا الأقوى والأدهى.. أنا “مؤامرة المؤامرة.”!
بمجرد ما انتهى من كلامه حتى انقضت عليه من أسمت نفسها “نظرية المؤامرة” وأنشبت في عنقه مخالب حادة أشبه بمخالب النسر ورد عليها بصفعة مدوية ثم انخرطا في عراك ملتهب. كان الزبد يتناثر من فميهما والغبار يتطاير من حولهما وأنا وسطهما مترددا في فض هذا الاشتباك العجيب الناشب بين حليفين وغريمين في نفس الآن.. كنت مذهولا مما سمعته منهما من ألغاز يصعب على دماغي المشلول استيعابها أو تحديد مراميها وأبعادها. وبينما أنا على تلك الحال أحسست بحركة خفيفة من ورائي وإذا بيد ناعمة تربت على كتفي. التفتُ متوجسا ورأيتها… فصعقت لرؤيتها. وكيف لا أصعق وقد أصبحت في مواجهة مخلوقة باهرة الجمال والإغراء تختزل في ملامحها كل ما راكمته في عصر توهاني التكنولوجي الجامح من أهواء واستيهامات وأوهام افتراضية. كأنها التجسيد المتكامل لشبق المتعة الآدمية في نسختها الشيطانية! كانت عيناها براقتين وواسعتين، زرقاوتين، خضراوتين، دعجاوتين… عينين قزحيتين وساحرتين، طافحتين إغراء وإغواء. يا للهول إنها تغمز لي نفس الغمزات التي كانت ترددها نجمات المنصات الاجتماعية والافتراضية وهن يرسمن علامات مثلثة ويتمايلن بمؤخراتهن الاصطناعية صوب مخلوق لابد ان يكون حاملا لقرون وله وجه كلب أو “عتروس” على أقل تقدير! هل أكون أنا الآن من يؤدي هذا الدور، حتى لو لم يكن دوري؟ انتصبت في مكاني مشدوها لا أقوى على الحركة بينما استرسلَت هي في كلامها الهامس بصوتها الأنثوي الأغنج… وفي شاشة بحر عينيها الجاذب للأعماق رأيت من خلاله أطياف الممثلات ونجمات الشاشتين الصغيرة والكبيرة… رأيت نجمات الأغلفة وعارضات الأزياء أو بالأحرى “عاريات” الأزياء ونجمات الاغراء …كان شريطا إبليسيا متدفقا من الأهواء والرغائب المنسوجة من ضفائر تكنولوجيا الشيطان. كنت أغالب نفسي الواهية مخاطبا بقايا وعيي المهدور المتضائل راجيا في يأس محموم هامسا في خفوت..
أما من يوسف ينتشلني من غواية هذا الليل البهيم؟
ثم يأتيني صوت يائس من عتمات نفسي الواهنة صارخا باستسلام:
لا سبيل لأن يقص قميصك من دبر!
انتفضت عند سماع هذه الخاطرة… بحثت عن بقايا كبرياء مسلوب كنت أوهم نفسي عبثا أنه ربما يكون مدفونا في إحدى جيوبي، ولكن مهلا.. عن أية جيوب أتحدث؟ إنني لا أتحسس سوى كتلة من الصوف يبدو أنها من يتلبسني. وإذا بالهمس الأغنج يعود للتساقط كالرذاذ المنعش على أذني..
إلى أين مضت بك خيالاتك وأحلامك أيها الماعز الأليف! عد إلي من غياهب أوهامك. تعال معي لأخبرك بكل شيء
استجمعت بقايا أشتاتي وبادرتها مستفسرا:
أريد أن أعرف أولا من تكونين من بين الخلائق؟
رمقتني بنظرة ماحقة وقالت بنبرة ماكرة:
أولم تعرفني بعد!؟ ليس لي اسم واحد، ولا جنس محدد أو أصل ثابت. أنا في اللا مكان واللا زمان واللا مساس! مقيمة في كل الأمكنة ومتجولة عبر كل الأزمنة ومتغلغلة في كل النفوس!
لم أفهمك جيدا!
فاتك أوان الفهم…
فما خطب الكائنين الآخرين؟ وعلام يتعاركان؟
لا تشغل بالك بهما كثيرا إنهما هكذا دائما في جدال ونزاع حول الهباء. طمعهما في جائزتي هو كل نصيبهما منها.
وماذا عني أنا؟
(صدرت عنها ضحكة مستهترة ساخرة قبل أن تجيب مقهقهه…)
أنت! أنت بالضبط سوف لن تنفعك جائزتي! انتفت الحاجة إليك ولأجراسك المعلقة.. ثم إن “المرياع” لا يحتاج إلى جائزة.
أحسست بقوة الإهانة وبدأت الدوامة تلتف من حولي وعاد الخدر يتسلل الى نفسي. كنت ما أزال تحت تأثير الصدمة والذهول أحاول أن أتذكر متى صادفت هذه المخلوقة وما المغزى من كلامها. من تكون هذه الحورية الفاتنة غريبة الأطوار التي تدعو نفسها عابرة الأجناس؟ في أي منعطف من منعطفات حياتي السالفة صادفتها؟ ولماذا هي شديدة الإغراء والإغواء؟ كأنها تذكرني ب “نيمفي” ملكة الحوريات الشبقات؟ فكيف تحولت أنا من راع إلى مرياع؟ أكان ذلك في واحد من أحلامي الغريبة أم هذه هي حقيقتي الجديدة؟
(يتبع)