تطرف متديّنين أم نهاية صلاحية الدين

جسر التواصل15 فبراير 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
جسر التواصل
سياسة
تطرف متديّنين أم نهاية صلاحية الدين
Array

بقلم: الدكتور خالد التوزاني

44789012 2315581111789652 1822560975396536320 n  - جريدة جسر التواصل

حظي الكلام في الدين باهتمام كثير من الناس متعلّمين وحتى أمّيين، ولم يكن بالضرورة أن يتحدّث فيه علماء الدين فقط، على الرغم من محاولاتهم المتعددة عبر التاريخ لاحتكار الكلام في الديّن، والاستيلاء على العلاقة بين العبد وربّه، فالجميع سواء كانوا متديّنين أو غير متديّنين يقرّون أن للدين أصل إلهي، منزّه عن إبداع البشر، بينما التدين يمثل أسلوب البشر في تطبيق تعاليم الدّين المُنزّل من قبل الله، والإنسان منذ وجد على الأرض كان يبحث عن الأمان والاستقرار في مواجهته لقوة الطبيعة أمام ضعف قدراته وحدود إمكاناته الجسدية مقارنة مع بعض الكائنات الأخرى، فلا غنى له عن سند يبتدعه ابتداعا ليستشعر الطمأنينة بالتعويل عليه والتوجّه إليه بالصلوات في شدّته وبلواه، ويلجأ لممارسة طقوس معينة ظنّاً منه أنها تجلب له الخير، وتدفع عنه الشّر، وبذلك فَصَل بين المقدّس والمدنّس، وأدرك وجود عالمين: الأول مرئي وهو العالم الواقعي المحسوس، والآخر غيبي وهو العالم المعنوي غير القابل للمشاهدة واللمس بأدوات الحسّ المعروفة، وبما أنَّ مظاهر القوة في الطبيعة متعددة، فقد تعددت الآلهة التي يتقرّب إليها الإنسان، قبل أن يبدأ في الاختيار والترجيح، لينتهي به المطاف بعقيدة التوحيد، وبذلك يكون قد مرّ بثلاثة أطوار في بناء العقيدة الدينية، ومع ذلك لم يسقرّ في معتقداته الدينية، حيث أصابته نكسة في العقيدة؛ فبعد الوحدانية، أصبح مؤمناً بالثنائية، أي إمكانية الجمع بين إلهين اثنين، ويفسّر علماء المقارنة بين الأديان ظهور الثنائية بعد الوحدانية بأنَّ الإنسان يترقّى في هذا الطّور فيحاول تفسير الشر في الوجود إلى إله غير إله الخير ، وقد أثّر هذا التّطور على الأديان فيما بعد، فاليهود عبدوا العجل بعد عبادة الله الواحد، وبعد ظهور الإسلام لم يؤمن كثير من الناس إلا وهم مشركون، كما أخبر القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ” .

لقد كافح الإنسان من أجل اكتشاف دين يضمن له الأمان والاستقرار، وكان الله عوناً للإنسان في سعيه نحو معرفة خالقه، حيث بعث الرسل والأنبياء وأنزلَ الكتب السماوية، ليرسم الإنسان الطريق المستقيم، المنسجم مع الفطرة الطبيعية، في اللجوء إلى القوة الفاعلة في الكون، خالق كل شيء، فكان الدين مُنزّلاً ومُنزّهاً عن كل نقص، والحق لائح، والمنادي صائح، والطريق واضح، ولكن الإنسان يريد أن يصنع ديناً يستجيب لأهوائه، بدل أن يكون الدين ضابطاً لغرائز الإنسان وحافظاً لسلامة البشرية وتعايشها وأمنها في الأرض، وكان أوّل انحراف في التدّين بتغيير ما أنّزلَ الله، بتحريف الرسالات السماوية، ويقع الاختلاف وتتعمّق الفروق بين الأديان، بل داخل الدين الواحد نفسه ستكثر الآراء والمذاهب والأقوال، وكل ذلك يعكس رغبة الإنسان في السيطرة على الدين نفسه، والانفلات من القيود أو الحدود التي ترسمها الأديان، فكانت تلك بداية انحراف المتديّنين، وظهور التطرف الديني، والعنف باسم الله، ثم جاءت العناية الإلهية بالخلق في ختم الرسالات السماوية، بدين خاتم، ورسول خاتم، وتكفّل الله بحفظ كتابه من كل تحريف وتغيير، فكان ذلك الدين القيم، هو الإسلام، وعنوانه يدل على محتواه، في بعث قيمة السلام والسلام وتحقيق التعارف بين الناس وجعل التفاضل بينهم على أساس التقوى والأخلاق، وأنَّ الله هو الذي يهدي عباده، وهو الذي يتولى حسابهم أو عقابهم، ويعفو عما يشاء، فهو صاحب الشأن كله، وعلى البشر أن يستجيبوا، وأن يرفعوا أيديهم عن الخلق، فلا سلطة للإنسان على أخيه الإنسان، والجميع يولدون أحراراً، وكان الرسول الخاتم هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكان نذيرا وبشيرا للعالمين، بإذن ربه، ورسالته عالمية الدعوة ربانية المصدر، لا رسول بعده.

ومع أنَّ الدين جاء لنشر السلم وتتميم الأخلاق، إلا أنَّ كثيرا من المتديّنين أو المتاجرين بالدين، وجدوا في تعاليم الله، ما يعينهم في السيطرة على البشرية، وإضفاء الشرعية على جرائمهم الاقتصادية والسياسية، وإنَّ ما نراه اليوم في وسائل الإعلام من مشاهد دموية وأجساد تنفجر طوعاً واختياراً طلباً للجنّة والتقرب إلى الله بقتل المخالفين، دليل على خطورة سلاح العنف الديني وسهولة امتلاكه، وقد تزايد حجم هذه الظاهرة، لتصبح قضية عالمية، تهدّد أمن الجميع، لأن المستهدف بهذا العنف هو العالم برمّته، لأنه يصبح في نظر المتطرّف الديني خارجاً عن حُكم الله وبعيداً عن شريعة الله ولا يستحق الحياة.

وُجدت الأديان لخلق بذور الرحمة بين بني البشر، ولكنها تحوّلت في زمن استعباد البشر وتبخيس حق الحياة، إلى عناوين للصراع والمواجهة ونبذ الآخر المخالف، فكان لا بد من وقفة تأمل لظاهرة الدين والتدين، من وجهة نظر ثقافية، تؤسس للحوار، ولكن ليس بغرض إثبات صحّة أو بطلان ما يعتقده الآخر، فالإسلام مثلاً اعترف بأهل الكتاب، وهم أهل الديانات السماوية، ودعا المسلمين إلى احترام الخصوصيات العقائدية لأتباع تلك الديانات، بل دعا الإسلام إلى حسن الجوار والتعايش مع الآخر، وتجنّب الإكراه الفكري والعقدي، فصلاحية الدين لم تنتهي، ولكن انحراف المتديّنين وغير المتدينين من تجار المقدس، هو الذي شوّه صورة الدين، وخلق التناقض في منظومة القيم والأخلاق، وهي المنظومة التي جاءت بها الأديان لتحرّر الإنسان من استعباد البشر ومن عبودية الهوى والشيطان.

للتواصل مع الكاتب الدكتور خالد التوزاني touzani79@hotmail.com

[1] كاتب ومفكر مغربي touzani79@hotmail.com

المصدرArray

اترك تعليق

يجب ان تسجل الدخول لكي تتمكن من إضافة التعليقات

الاخبار العاجلة