رحيل صناع الطرب المغربي الأصيل

جسر التواصل24 أبريل 2025آخر تحديث :
رحيل صناع الطرب المغربي الأصيل

بقلم الباحث والملحن عزوز الحوري ـ بروكسيل

عرفت الساحة الفنية والحركة الموسيقية المغربية سنة 2025م خسارة ثلاثة أسماء فنية وازنة في الساحة الفنية المغربية هاته الأسماء الثلاثة ساهمت بالشيء الكثير في الترسيخ لهوية الموسيقية المغربية، ثلاثة أصوات متميزة بألوانها الغنائية بحيث شكلت مدارس في اللحن والغناء المغربي. عندما نذكر إسم الرائد محمد علي المراكشي الأصل نذكر مطرب الأدوار وفن الموشحات الذي تربع عليه بعد أستاذه أحمد البيضاوي، الأستاذ محمد علي صوت من طينة الكبار شهد له كبار المطربين والملحنين العرب ناهيك على ألحانه التي جاءت لتساهم في بناء المدرسة اللحنية المغربية منذ ستينيات القرن المنصرم. يليه إسم عرف بأيقونة الغناء المغربي السيدة نعيمة سميح التي ساهمت في ترسيخ الهوية الفنية المغربية على المستوى المغربي والعربي، صوت أضاف الشيء الكثير للمدرسة الغنائية النسوية بالمغرب، صوتها جعلها تصبح مطربة القصر الملكي والمطربة المفضلة لكل المغاربة والعرب. في ثمانينيات القرن الماضي يظهر المطرب والملحن محسن جمال بألحان أكثر جاذبية وتحرر، حيث أضاف إسمه إلى لائحة الملحنين المجددين في الأغنية المغربية العصرية لما لأغانيه من تميز عن سابقيه.
وإنصافا لهذا الثلاثي الفني المغربي أتقدم للشعب المغربي والفنانين قاطبة بأحر التعازي راجيا لهم من الله عز وجل الرحمة وأن يروق ذويهم الصبر والسلوان في هذا المصاب الجلل. وفي ما يلي أقدم بين أيديكم نبذة من سيرتهم الفنية.
المطرب والملحن محمد علي

يعتبر المطرب والملحن محمد علي أحد أعمدة الطرب والغناء بالمغرب والعالم العربي. من مواليد مدينة مراكش سنة 1937م بالمدينة العتيقة. التحق في بدايته الفنية بجوق الميتم البيضاوي سنة 1949م وذلك عندما ترك مدينة مراكش متوجها إلى مدينة الدار البيضاء رفقة أبيه الذي طلب من الأستاذ محمد زنيبر أن يعلم ابنه فن الموسيقى، غير أن محمد علي لم يجد ما جاء من أجله ليعود مرة ثانية إلى مسقط رأسه مدينة مراكش الحمراء.

عشقه للموسيقى جعله يستقيل من الوظيفة العمومية ويتفرغ للغناء ليلتحق بالجوق الوطني التابع لدار الإذاعة والتلفزة المغربية خلال الستينات حيث أجازه في الغناء الأستاذ أحمد البيضاوي وأسند له غناء مجموعة من الموشحات والأدوار. تعامل محمد علي مع كبار المطربين كملحن أمثال: سميرة بن سعيد في أغنية (ربي العظيم) ، إسماعيل أحمد، بهيجة إدريس، عماد عبد الكبير، البشير عبدو وآخرون. له رصيد غنائي يفوق 400 أغنية بالخزانة الوطنية للإذاعة المغربية والإذاعات العربية.

شارك في العديد من المهرجانات الوطنية والعربية، وحاز على عدة شواهد تقديرية وشرفية. شارك مع الأستاذ أحمد البيضاوي في تسجيل العديد من الأدوار والموشحات والقصائد. كما أنه ملح ن وعازف بارع على آلة العود. حاز محمد علي على عدة شواهد تقديرية وشرفية. كما أنه حظي بتكريم من النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة. وبعد صراع مع المرض توفي الفنان محمد علي يوم 21 أبريل 2025م.

السيدة نعيمة سميح

سيدة الأغنية العصرية في المغرب بدون منازع. بدأت أيقونة الغناء النسوي المغربي السيدة نعيمة سميح مشوارها الفني بأغنية مفتاح الخير غناء نعيمة سميح رفقة ثلاثي آمنا وسميرة سعيد من ألحان عبد العاطي آمنا سنة 1969م. شاركت في مسابقة المغرب العربي للأغنية التي حصلت فيها على الرتبة الأولى بأغنية وحياتك يا شيخ مسعود للمطربة شريفة فاضل سنة 1972م وعمرها لا يتجاوز 17 سنة ضمن كوكبة من الرائدات اللواتي اقتحمن عالم الفن الذي كان يقتصر على الذكور بامتياز. عرفت بمحافظها على اللون المغربي الأصيل في اختياراتها الغنائية. قدمت أغاني شهيرة اجتازت حدود المغرب نحو العالم العربي كأغنية (ياك جرحي) ، وتعامل معها أكبر الملحنين المغاربة والعرب. وكانت أول أغنية لها من ألحان محمد بنعبد السلام ومن كلمات بن يوسف مولاي المهدي (نوارة) سنة
1972م. ترعرعت في حضن أسرة محافظة، انقطعت عن الدراسة في نهاية المرحلة الابتدائية لتتفرغ للغناء الذي سك ن وجدانها مما جعل منها تقلد أغاني مرحل ة مكوتها بالبيت. بدأت تنقاد كليا إلى الغناء في سن مبكر ة لم تتجاوز التاسعة. سجلت السيدة نعيمة سميح حضورها الفني الأول على شاشة التلفزيون سنة 1972 م من خلا ل برنامج (مواهب و نجوم) الذي كان يعده ويشرف عليه الملحن الأستاذ عبد النبي الجرار ي الذي يعد الأب الروح ي للموسيقى المغربية الذي اكتشف العديد من المواهب التي غذت الساحة الفنية المغربية والعربية.

ورغم ردة الفعل الغاضبة من جانب الأسرة فإن البرنامج كان انطلاقة لا رجعة فيها للسيدة نعيمة سميح التي أبهرت الملحنين والشعراء ببحة صوتها المميزة. مما جعلها تتصدر المشهد الغنائي المغربي الذي تربعت عليه عن جدارة واستحقاق. نجحت السيدة نعيمة سميح من خلال اختياراتها اللحنية والشعرية في خلق هوية خاصة تجاوب معها جمهور الأغنية العصرية في المغرب حيث تعاملت مع ملحنين عرفوا بحرصهم على استثمار الإيقاعات المغربية التراثية وصياغتها في قوالب حديثة )عبد القادر الراشدي، عبد الرحيم السقاط، عبد القادر وهبي، أحمد العلوي ، محمد بنعبد السلام، سعيد الشرايبي وآخرون( ومع شعراء من أعلام الزجل الذين طوعوا العامية المحلية ومنحوها بعدا تعبيريا راقيا )أحمد الطيب لعلج، علي الحداني ، طاهر السباطة، المهدي زريوح، مصطفى الري ݣع، مصطف ى بغداد(. وكانت النتيجة سلسلة طويلة من الأغاني الشهيرة التي اكتست شهرة واسعة وأعاد تقديمها فنانون وفنانات عرب بالرغم من صعوبة اللهجة المغربية بالنسبة لجل المشارقة. مما جعلها من المطربات المقربات من الملك الحسن الثاني الذ ي كان يولها تقديرا خاص. وتحظى الفنانة بتقدير وتعاطف خاصين م ن قبل الجمهور المغربي لكونها ظلت متمسكة بالطابع المغربي الصرف لتوجهها الفني ولم تغريها موجة الهجرة الى الشرق العربي في أوج مسيرتها الفنية.

تعتبر السيدة نعيمة سميح أصغر فنانة عربية تغني على خشبة مسرح الأولمبيا الشهير بالعاصمة الفرنسية باريس سنة 1977م وهي ثالث فنانة مغربية وعربية بعد لطيفة أمال والحاجة الحمداوية تغني في هذا الصرح الفني بعد أم كلثوم وفيروز. قدمت نعيمة سميح العديد من الأغاني الناجحة عبر مسيرة تجاوزت أربعة عقود. وقد تنوع رصيدها الفن ي بين أغان عاطفية ووطنية ثم دينية. كما تعاونت مع ملحنين خليجيين من بينهم يوسف مهنا فكانت أغنية (واقف عل ى بابك). حصلت نعيمة سميح سنة 2007م على وسام الكفاءة الوطنية من العاهل المغربي محمد السادس تقديرا لمسارها الفني الحافل وحظيت بالتكريم في العديد من المهرجانات داخل المغرب وخارجه على غرار مهرجان الدوحة للأغنية العربية الذي كرمها سنة 2007م. وبعد غياب كان سببه المرض لبت نداء ربها يوم 8 مارس 2025م.

المطرب والملحن محسن جما ل

المطرب والملحن محسن جمال من مواليد سنة 1948م مدينة طنجة من الفنانين البارزين الذين أغنوا الساحة الغنائية المغربية إسمه الحقيقي محسن بن شقرون الملقب بمحسن جمال خاله الفنان محمد العربي التمسماني. نشأ في بيئة فنية عشق فن الموسيقى منذ صباه كما لعلب الإعلامي خالد مشبال دورا أساسيا في تقريب المطرب محسن جمال من الجمهور ومن الإعلام المغربي السمعي البصري ويعود الفضل في اكتشافه للملحن عبد الرزاق الصيباري. ساف ر محسن جمال سنة 1974م إلى دولة بلجيكا ليحترف الغناء لمدة 8 أشهر بالعاصمة بروكسيل. وأول أغنية وطنية ل ه سنة 1978م. ويدشن مشواره الفني بأول شريط غنائي أول من سانده في إنتاج أول ألبوم شركة فرنسي وإذاعة (ميدي1) ، (الزين في الثلاثين)، (أحلى الأغاني) 1983 م. ثم أغنية أسود الأطلس بمناسبة تأهل المغرب للمونديال سنة 1986م. وأغنية (خيطانة) مثلت الموسيقى المغربية بمهرجان مصر للموسيقى العربية سنة 1995م. وبعد صراع مع المرض توفي يوم 21 أبريل 2025م.

*من مؤلف صناع الطرب المغربي للباحث والملحن عزوز الحوري الصادر عن دار الطبع والنشر بورقراق 2024 م بمساهمة مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة القاطنين بالخارج.
 

الاخبار العاجلة