محمد كمل : Mohammed kamel
القنيطرة : Maroc Kénitra
15/09/1998
إهداء إلى: “يوسف إدريس” و ” أحمد بوزفور”و ” محمد صوف” و” محمد كويندي”
♧1♧
كنت وحدي وجريدة الصباح أمارس صلاتي اليومية أتصفحها بشكل أوتوماتيكي من دون أن أهتم بأي خبر ليس لان الجرائد هذه الأيام
مجرد حائط سميك من حبر يحجب عن الناس
فضاء الصفحات الأبيض والجميل ولكن بعيدا
عن ذلك كان هذا الصباح يوما غير عادي ويختلف عن كل الصباحات الأخرى القاتلة برتابتها كنت محلقا فوق بساط وردي من الأمل
واسير بخطى واثقة لموعد لي مع الناشر لأول
مجموعة قصصية تخصني.
♧2♧
توقف الزمن – الوقت- الساعة وخلت ان عقارب
الساعة قد دخلت في عناق أزلي فقط لتغيضني
♧3♧
ضمني خوف رهيب هو أن الناشر لن يحضر فقط لأن المنتظر هو أنا وتلاه خوف أشد ضراوة وإن حضر من سيقوم بدفع فاتورة القهوة او الشاي الذي سوف نتناولها لكنني لم أرد ان استبق اللحظة من دون أن يدوب خوفي الأصلي.
♧4♧
وبحر الإنتظار تعاظمت أمواجه حتى كادت
تعرفني.
♧5♧
وانا منغمس في هذيان موضوعه تفاصيل قد
تجعل مني مشروع مجنون يتقدم نحو الجنون بشكل سريع ومن دون أن أشعر مددت رجلي لماسح الأحذية لأنني كنت اعتقد ولازلت ان تلميع الأحذية مؤشر على الذكاء لم اكن أعرف
مصدر هذه الفكرة لكنني متشبث بها إلى أبعد
الحدود.
♧6♧
وماسح الأحذية يلتهم بعمله حذائي الوحيدة
بعطف وحنان حركا بحيرة غيرة في قلبي غريب ان يغار المرء من حذائه لكن هذا الذي
وقع وصرت أرقبه وهو يجهد نفسه رغبة من التأثير علي في تحديد ثمن أجر لعرق حذائي بين يديه لا يعرف أن كل هذه السيناريوهات
هي بدون جدوى وقد فصلت درهمين له عن باقي دريهمات في جيبي الأيمن لعمله هذا
وهو منهمك في عمله لتكسير الصمت اخد يحدثني عن وقائع غريبة وشخصيات وعفاريت تخص مؤسسة بنكية تقع وسط المدينة سأعمل على روايتها لكم بدون أمانة
وأكد لي ماسح الأحذية والعهدة عليه ان الجن
والعفاريت تظهر بداخل البنك بعد التاسعة ليلا
هكذا وان الجن يحترم مواعيده يحضر يوميا
وهو ليس عرقوبيا مثلنا نحن البشر.
♧7♧
جن نعم ليس هذا حلم أكد لي ماسح الأحذية
يأتي ليلا للبنك ويقوم بأنشطة معينة ومنه الطويل والقصير والمتوسط الطول والقزم
ويتجمهر الناس في صمت جنائزي لمعاينة
الجن يلعب بالفلوس لعب طوال الليل ويقوم بالعديد من العمليات المعقدة الى ان يقترب
الفجر فينسحب الجن الى حال سبيله فالنهار
سكينة له.
♧8♧
سالت ماسح الأحذية هل يمكنني أن أحضر هذا
المساء للتأكد مما يقول؛ فرد علي بالنفي لأن يوم الأربعاء هو يوم عطلتهم.
♧9♧
لم يقف محدثي عند هذا الحد من الوصف المسترسل والدقيق فقد شجعته على مواصلة
روايته بالمبالغة في الإنبهار وقدرتي الخاصة على الإصغاء فاستمر في رسم هذه اللوحة
السريانية: ” أن هؤلاء العفاريت الزوار للبنك
– وقانا الله وأياكم شرهم- عندما يحتلون البنك
ليلا ينقسمون إلى فريقين ويشرعون بالتراشق
برزم الأموال الوطنية وبالعملة الصعبة والكراسي ومنهم فريق آخر ينزوي بحاسوب
ليطلع على الوضعية المالية والمحاسباتية لحسابات المسلمين وغيرهم من الأفرنج ومنهم
من يتصف بالحكمة ويكتفي بالتفرج على مايجري ويدور في مجرى الأمور.
♧10♧
وكل الساكنة تقريبا تجتمع لتتبع الأحداث الغريبة وعددهم يزيد يوما عن يوم لكن كل من حضر لم يتمكن من التأثير على الجن وإيقاف هذه الحركات وكل المحاولات في هذا الشأن
لم تكلل بالنجاح.
♧11♧
..ومن أهم المحاولات لطرد الجن قام بها حارس البنك فمادام موعد قدوم الجن على الساعة التاسعة ليلا وهو وقت يكون فيه مستخدموا البنك والمدير قد غادروه ومنذ ساعات وبيت الحارس يوجد بالجهة الخلفية للبنك وهو بعيد عن هرج ومرج شارع محمد الخامس فأن الحارس وحرصا منه على عمله
وخوفا على أسرته من المس وماشابه وهذه الحركة اليومية والضجيج غير المنقطع فقد أقدم الحارس على أجتهاد شخصي من دون أستئذان أدارة البنك على الأقل لتغطية مصاريف هذا الإجتهاد الذي بادر إليه فقد قام الحارس بإحضار فقيها يخاف الله جلت قدرته
وهو ملم بالروحانيات وعلم الفلك الدمياطي
والسحر وحل الثقاف وتقريب الحبيب والربح
في اليانصيب حقيقة هو زوج لعرافة تؤمن بالعقاب والحساب واليوم الآخر وهي لا تتدخل ألا بالحلال ولاشيء غير الحلال وهذا العلم لايقلل من سعة معارفه بأمور الجن والعفاريت.
♧12♧
حضر الفقيه ” سي الحسين ” ليلة الجمعة وادخله الحارس مجازفا بمصدر قوته اليومي
إلى البنك والجن منهمك في طقوسه اليومية
وتراشقهم برزم الأموال الكراسي ألخ ..الخ
فاخد الفقيه يتلو بعض الآيات القرآنية وطلاسيم أخرى مبهمة وكلام آخر لايفهمه سوى
الجن وذلك من أجل إن يصرف نظر الجن عن هذه البنك ولم تمض ألا بضع ثوان حتى قذف
الجن بالفقيه العالم الى خارج البنك عاريا وقد جرد من ملابسه من دون أن يصيبوه بمكروه
ظاهريا.
♧13♧
صدم الحارس بزي آدم عليه السلام وحده الذي يغطي عظام الفقيه البالية وحفظ الله الحارس من كارثة عظمى لان زوجته العاقر
والتي تلد واخت زوجته ووالديه كانوا خارج الدار في زيارة لأحد الأقارب وحرموا من مشاهدة الفقيه خاما كما وضعته امه منذ تسع وستين سنة.
♧14♧
تجمهر الناس منشغلين بما يقع لمدينتهم وكثر
الكلام عن الكلام في مدينة تطرب للكلام..عن توالي الأحداث في البنك وغرابتها حتى انست
الخلق كل القضايا الأخرى على الرغم من أهميتها موت العقيد فلان الدخول المدرسي
انتخابات بلدية زواج طلاق وأشياء اخرى.
♧15♧
تردد الحارس قبل أن يدلي بدلوه في هذه الوقائع لقد أنتظر ان تكتمل لديه الصورة فصرح في شبه بلاغ رسمي وبعد جلسة دامت
تلاث ساعات مع الفقيه بعد الفضيحة: فقال للمحملقين فيه والمهتمين والفضوليين والمحببين الى قلبه وهم متلهفين لما سوف
يغادر فاه من كلمات وجمل فقال لهم بعد البسملة والله أعلم: ” أن الجن قد رق لحال أبناء عمومته من البشر وأنه سوف يتصرف في الملايير من العملة الصعبة والسهلة وان العفاريت ستوزع الأموال على الناس – بحسب
حاجياتهم- وبدون تمييز وأن هذا الأمر وشيك
الوقوع.
♧16♧
استيقظ الراوي قبل الشمس وتشكلت طوابير
في جميع خطوط الطول والعرض ومن الأعلى
تبدو الطوابير كنوارة عباد الشمس والشمس التهمت عقول الناس والكل ينتظر أن يقع أي
شيء وشل الأمل في قلوب الناس وكبرت مشاريع أحلامهم والكل صدق حكايات السراب عن بنك السراب.
♧17♧
وصار الناس ينشطون ويبدعون في نسج حكايات وقصص تلبس أحلامهم وليس كل ما يحكى هو مجرد كلام فهناك من قلب البنك من شاهد الجن؛ وقد كان الفقيه يمتلك ثقة الناس وكان لدى الناس استعداد تلقائي ورغبة لتصديق اي شيء تعلق بمدينتهم ويمكن ان يقهر الحاجة ويضخ في قلوبهم حياة كريمة.
♧18♧
تدخل الراوي بعد نفاذ صبره وزكى كل ماذهب أليه الحارس والفقيه وهو متعلم ومصدر موثوق للخبر وأكد رؤيته للجن والعفاريت داخل البنك وشب الخبر الذي صار حقيقة مطلقة وتكاثر الحديث عن الأفواج الأولى التي تكون قد تسلمت الدفعات الأولى من الأموال الموزعة من قبل الجن على المواطنين وان هؤلاء المستفيدين قد تم تسديد جميع ديونهم
لتعود هذه الأموال بالنفع على العباد والبلاد
وشاع بين الناس ان فلانا عاطل عن العمل قد اشترى شقتين وسيارة وان زينب خادمة فرتلان قد اقتنت سيارة فاخرة وأرسلت والديها للقيام بمناسك الحج واشترت هاتفا خليوي ولها حساب مهم بالبنك وان الجن قد شرع في تغيير جدري في الحسابات البنكية لإعادة توزيع الثروة بشكل عادل.
♧19♧
تردد الراوي مرة أخرى وعلت محياه إبتسامة صفراء غريبة واخد لنفسه مكانا تحت ظل شجرة في الطابور لعل دوره يستفيد من سخاء
الجن وكرمه.
