رومـا . مـحـمـد الـصـقـلي
بيـن تــشكـيـل الغــوايـة .. وغـواية الـتـشكـيل مـسار مـبـدع اسـتـثـنـائي. أصبـاغ الـمـلاخ لـم تـكـن يـومـا قـاتـمـة. كـمـا هـنـدامـه الـمـوشـى بـأنـاقة ذوق.. و شـفـافيـة اختـيـار. أيضا كـمـا لـكـنـتـه الـمـراكـشيـة المـزنـرة بـتـعـابيـر إفـرنـجـيـة، ومصـطلـحـات كـم كـان بـاكرا تـداولـهـا ونـحـن إذ نـحـن رفقـة في صبـح الـحيـاة ، اصطلاحات تـحيـل إلى تـجـربة رموز الانطباعيـة كـأقـوى وأجـمـل مـا عـرفـه تـاريـخ الـتـشـكـيـل مـنـذ عـصـر الـنـهـضـة.
أصـباغ هـي نـقـيض الـقـتـامـة،فـهـل هـي بـمـعـنـى مـا وضـوح يـعـلـن عـن نـفـسـه فـي افـق مـن تـجـلـيـات.
إنـه اللـون .. ومـن هـنـا تتـمـاهـى تـجـربة هـذا الـمـبـدع بـمـا هـو حـبـور واحتـفـالية اللـون عند الانطاعييـن، وأيـضا مـن حـيـث الـنـشـاة والـميـلاد فـي مـدينـة يـبــقى للضـوء واللــون فـيــهـا خـصـوصيتـه و فـرادتـه.
إنــه اللـون إذن فـي مـدارات الـضـوء .. ضوء في شـسـاعـة الـفـضـاء و الـطـبيـعـة و عبـر تـدرجـات الـمـشـهـديـة الـبـصـرية ممـا تـخــتـزنـه الـعـيـن الـلاقـطـة الـعـاشقـة.
والـمـبـدع هـنـا لا يـضـع اشـيـاءه في حـيـز مـغـلـق حـتى لاتـكـون فـي حـاجـة إلى أضـواء اصـطـنـاعيـة. غـيـر أنـه يـخـتـار زمـنـه بحـرص كـبيـر. زمـن غـيـر رمـادي .. إذ هـو ليـس زمـنـا صـقيـعـيـا كـمـا فـي لـوحـات مـشـاهـير الـتشـكيلــيــتن إنجليزا ، هولنديين وأوروبيين.
هـكـذا عـرفـتـه .. صديقي عبد الحي الملاخ مـذ كـنـا نـتـفــقـد بـعـضـنـا إن فاتنـا اللـقـاء في أمسية شـعريـة أو مـعرض تشكيلي أونـدوة أومـسـرح ، فـلـن يـفـوتـنـا الـمـلـتــقـى في بـاحـة مـا بـات يـعـرف حـالـيـا بـمـقـهـى “أركـانـة ” بسـاحـة جـامع الفنا والـذي تـداول الـشـباب يـومـئـذ تـسـمـيـتـه ب “لاسـوربون” طـبـعـا نـحـن لـم نـكـن سـوى غـواة أدب وإبداع ولـم نـكـن جامعــيــن لـكـن ربـمـا أو مـن الـمـرجح كـان للـشـلـة التي كـنـا من بين أبرز وجوههـا حـــافـــز على الــتـسـمـيـة.
تـجـاه عبد الحي الـمـلاخ ربـمـا تأخـرت شـهـادتـي طـويـلا فـي هـذا الـمـبـدع الـجـمـيـل، والـذي لو لـم يـكـن هـكـذا وكمـا هـو مـذ عـرفـنـه تـمـثـلا وتـجسيـدا وعـمـلا وإنـجـازا لـمـا عـرفـنـا قـامـة فـنـيـة بـهـذا الـبـهـاء وهـذا الـنـقـاء.
فـي الـلوحـة إيـاهـا “”اللـوحـة الـمـرفقـة””وعـبـر مـسـاقـاتـهـا الـيـصريـة .. نـزق لـوني وديـنـاميـة حـركـيـة .. ومـن خـلال هـذيـن الـمـكـونـيـن يبـسـط الـمـبـدع نـفـوذه .. هـنـاك الـعـبـور إلى قـصديـة جـمـالية . يـصـل إليـهـا كـمـا يصـل إليـنـا بيـسـر و عـفـوية في اللـوحـة ذاتـهـا.
خـطان أفـقـيـان .. الأعلى في الـنـاصية أخـضـر ليـمـوني حـزام أخـضـر و الخلفية أفق بيـن أزرقين ، فــاتح وكأنـه الـبـحر أو يـكـاد، وآخـر سـمـاوي ينـقــتـح على الـمـطـلـق .. و في الأسـفــل هـيــنـمـات لـونـيـة فـي حـمـرة وبـر الـتولـيـب ، متـشـظـيـة كـمـا أبـجـديـات الأقـوام الأوائـل. وما بيـنـهــمـا في مـعـظـم اللـوحـة أشيـاء وأشـكـال و مـشـخصـات .. أو ربـمـا ما هـو ركـام إسقاطات أو أقـنــعـة أو تـمـائـم ومآرب أخـريـات.
للـوهـلة الأولـى فـضـاء مـكــتـظ ربما بـحاجـة إلى تـرتـيـب أو إعـادة تـشكـيـل.. غـيـر أن هـذا الـتـرتـيـب وإعادة الـشـكيـل هـو مـا يـغـيـاه الـمـبـدع من غـنـد الـمـتـلـقي .
الـمـشـاهد الـمـتـذوق لأصباغ الـمـلاخ لابد وأن يـعـثـر عـلى شيء مـن ذاتـه إي ذات الـمـلـقي في لـوحـاتـه. شيء ليس من خارج الـذات ربـمـا مـن ذاكرة الـطفـولة ، وأيضا مـن الـمـحكـي تـراثـا وتـداولا. هو انـجـذاب لـذيـذ إلى إيحـاءات اللـون و إلى يسـر ونـعـومـة لـمـسة الـمـبدع عـلى قـمـاش أو جـسـد اللـوحة. مـمـا يـولـد لـديك وأنت تحت انبهار المـشـاهـدة و حميـمـيـة الـتـمـاهي عـوالـم مـن مـبـاهـج الـضـوء و اللـون مـؤطـريـن بــتـوهـجـات الـبـهـاء والـحـبـور.
أصـبـاغ الـمـلاخ نـافـذة عـلى مـبـاهـجــيــة الـحـياة.. وفـعـل إبـداعي يـقـاوم الـقـتـامة بإصرار.