عمر عاقيل
الأداء الذي رافق النخبة المغربية في رحلة البحث عن التأهل لكأس أفريقيا، تجسد من خلال مباراتي موريتانيا وبوروندي الأخيرتين، كان بعيدا عن حسابات الرغبة والأمنيات والتخطيط الذهني الذي كان يراود الجماهير المغربية، ممن لم يهضموا ضعف المنتخب، وفشل مدربه وحيد في وضع أفكار لأسلوب ومنهجه على أداء المجموعة، وأن ما تحقق يمكن له أن يكون هو ذاته خلال نهائيات الكاميرون.
الحقيقة التي لامست إحساس المغاربة اتجاه منتخبهم، أن الاسود خسروا رهان الأداء، وخسروا خلال ظل هذه المباريات بما فيها الإعدادية رهان تجانس اللاعبين، سقطوا في دوامة التسرع واﻹرتباك وكثرة الأخطاء وانهيار العامل البدني، وتراكم الضغط النفسي لدى الشارع الكروي المغربي، وهو ما منح وحيد ولاعبيه فرصة النفاذ بأقصر الطرق والضرب على ما يمكن أن تنتجه عشوائية منتخب متحفز لكنه لا يمتلك خارطة الوصول إلى كسب مبارياته أمام منتخبات لا تصل قيمة لاعبيها نصف قيمة لاعبي المغرب.
وهنا لا بد أن يبرز سؤال في غاية الأهمية وهو: هل استطاع وحيد بالفعل بعد (سنة وتسعة أشهر) من تحقيق النجاح في قيادة المنتخب الوطني وفقا لما هو مرسوم له؟ لأجل أن نكون منصفين بحقه ونلامس الدقة في الطرح ونفك الإشتباك في تعدد الرؤى لدى البعض للتمييز بين قابلية النتائج ووضوح وثبات الهوية الفنية للفريق الوطني، فإن ما سنرمي إليه سيكون الإقرار أولا بنجاحه من حيث تصدره مجموعته، وفشله الكبير في تحقيق الطموح أو الغاية القصوى من التعاقد معه وبمبلغ مالي يقارب 100 مليون سنتيم، أنه فشل في تحقيق الإستقرار، واتجه في فلسفته نحو استحداث نظرية التغيير والتجريب ليدخل الأسود في متاهة صربية زادت من غرقهم في فقدان هويتهم الفنية ومحت كل الملامح القوية التي كان يطمح إليها المغاربة مما جعل من الصعب الوقوف على العناصر التي تشكل العمود الفقري للمنتخب المغربي بنسبة مائوية كبيرة جدا، وأن ما تحقق من نتائج خادعة أو حتى صدارة للمجموعة لن ترمي بنا إلا نحو الثقة الزائفة بالنفس في وقت ندرك جيدا أن الأداء لم يشهد استقرارا ولا تطورا ملحوظا.
وبرغم أن من يبحث في أوراق منتخبنا الفنية في مبارياته تحت قيادة وحيد يجد الكثير من الهفوات التي تسجل على الأداء العام بصورته المتفاوتة بين السيطرة المطلقة واﻹرتباك واﻹنقياد وراء أسلوب الخصم بصورة غريبة، إلا أن الحال مازالت ضمن حدود المعالجة التي يمكن للمدرب ان يضع لمساته في تصحيح الأوضاع ورسم أسلوب مقترن مع إمكانية اللاعبين وظروف كل مباراة وصولا إلى الإستقرار داخل المستطيل الأخضر.
ولأجل أن نكون أكثر إنصافا وواقعية فإن ما نتطرق له لا يصب في أسس الأداء الفني الذي بالتأكيد انه الآن محل رصد ومتابعة وتحليل للمدرب، وقائمته الطويلة من المساعدين لكننا سنتوقف عند محطات مهمة ومؤثرة تتطلب المرور عليها وعرضها من أجل أن لا تشكل معضلة عند خوضنا كأس أفريقيا.
إن الإخفاق الذي تجلى بصورته في ضعف الاداء، يساءل وحيد عن تشتت النهج التكتيكي، عن طريقة اللاعبين في محاولتهم بذل جهد منفعل ومرتبك، ربما تحت وطأة الشعور بالحرص وتقديم ما يرضي الجماهير باللجوء إلى خيار الأداء الفردي المقترن بالأنانية وبالتالي يتسبب في فقدان التركيز وارتكاب الأخطاء ومنح الخصوم من قيمة موريتانيا وبوروندي في مناسبات فرصة الضغط نفسيا لكسب أو العودة في المباراة، وهنا فإن عملية اﻹرتقاء بالحلول لابد أن تلامس هذا الجانب بكل احترافية ومحاولة دفع اللاعبين نحو انتهاج الأسلوب المتزن بين الجدية المسيطر عليها وبين اطلاق المهارات التي تصب في صالح الأداء الجماعي وليس العكس.
اﻹقتران بالأداء السلبي قد يكون مقياسا يمكن الركون إليه في الإقرار على المستوى الحقيقي للمنتخب ومدى نجاحه في الكأس الأفريقية، وقد يكون العكس صحيحا إذا ما استطاع وحيد أن يوظف ذلك باتجاه رفع الهمة والإستفادة القصوى من رغبة الأسود في اجتياز كل العوائق والإستفادة من غياب الثقة الزائدة التي طالما تكون حاضرة عند تحقيق المنتخب نتائج جيدة بصورة أو بأخرى تتستر فيها على الأخطاء وترمي بالمنتخب إلى دهاليز الغرور والشعور بالقوة تراها تسقط مع أول إختبار جدي لا يلعب فيه الحظ دورا في كسب النتيجة.
قيمة اللاعبين الذين ينشطون بأكبر دوريات العالم، تتطلب من وحيد الحكمة في ايجاد الوسائل والأساليب التي تلامس الحس الفكري، قبل أن تتوجه نحو أقدامهم من أجل إحداث الصدمة المطلوبة في استنهاض الإمكانيات والقدرات الفنية التي ستكون كفيلة في فرض منتخبنا كمنافس قوي على اللقب الافريقي، بعد أن تدرك المنتخبات الأخرى الإصرار والثقة في عيون لاعبينا مع أول لحظة دخولهم إلى ارضية ملعب المباراة، كل ذلك يتطلب احترام الخصوم وعدم خشيتهم، فرض أسلوب اللعب بقوة الفكر، وأن تسقط المجموعة انانيتها ويستنهض وحيد خليلوزيتش همة الأسود.