
روما. محمد صقلي
لعل من أول ضحايا الحضارة القائمة الزائفة المزيفة التي أقامها جبروت المال و تغوّل السلطة إنها الأسرة التي لم يعد لها وجود و أصبحت أثرا بعد عين.
الزواج تحول من حلم إلى كابوس. صار الاغلب الأعم من شبابنا لا يرون فيه غير بناء واجهته قصر و داخله كهف مخيف مسكون بالأشباح.و محاكمنا تعطي مليون دليل.
الزواج قبل عقود زمنية أي قبل جيل أو جيلين كان تلكم العتبة التي تفضي إلى استقرار عاطفي و توازن اقتصادي حيث كل يتبوأ موقعه.
الأم قوام هذا البناء و الزوج سقف و غطاء.
و قوامة و الأولاد نسل مبارك و مصدر سعادة و ضمانة استمرار.
الزواج حاليا صار فيلما سينمائيا. ما أن تنطفئ الأضواء بعد التصوير إلا و ينصرف الكل إلى إنشغاله و مشاغله بما في ذلك الجمهور بعد ان يغادر القاعة.
عفوا استسمح على الاستطراد . لم تعد هناك قاعة و لم تبق سينما و لا مسارح.
القاعة قامت مقامها عمارة و السينما قضى عليها “البرتابل” و الفيلم جرفه زحف الفيديوهات. و انقلبت الادوار اصبح الجمهور نفسه هو الفاعل المركزي. الجمهور صار الكل في الكل. المنتج و المنفذ حيث هو مخرج المهزلة المتداولة يوميا وهو من يضطلع بالنجومية في المسلسل و هو الكومبارس و بذات الوقت المتفرج على دراما كونية…
الزواج في ايامنا هذه خدعة لا يكتشفها الرجل الا بعد ان ياتي الطفل الاول او الثاني. ليرى نفسه و قد صار مجرد وكيل خدمات. اما الزوجة و مباشرة بعد سنة اولى من الرومانسية و التذاذات الجسد و السرير ينصرف الاهتمام إلى الرضيع و متطلبات الرضيع. بموازاة مع الانشغال بٱثار و مخلفات الولادة على جسد المرأة.
اما الرضيع فإنه ذلك الوافد الجديد الذي يغير قواعد اللعبة. و ليزيح الرجل عن موقعه ليحتل مكانه و ليحدد بالتالي بوصلة الاتجاه و ليفرض على المرأة تغيير الأولويات. من الزوج إلى الطفل وهي من يملك خارطة الطريق.
لقد بدأ التصدع في هيكل الأسرة في شكل شروخ و تشققات في الجدار منذ ان استولى عمل المرأة خارج البيت على حوالي ستين بالمئة من وقتها.
و مع الزمن استشعرت الثقل المتزايد لاعباء البيت بين المطبخ و الطفل او الطفلين اما الزوج ففي اسفل القائمة.
ليس معنى هذا ان الرجل اقل رغبة من المرأة في الانجاب. لكنه يفاجأ بأن الزمن داهم. و ما ان تنتهي عطلة الولادة الا و تتضاعف الاعباء و تزداد ثقلا كون الزوجة ستعود إلى العمل. و هنا تدعو الحاجة إلى إعادة ترتيب الاوراق و تدبير الامور.
الأسرة اسمنت المجتمع و بغيرها يصبح الشخص فردا اي رقما في فاتورة كهرباء و ماء. ولا لن تتعدى مهمته القيام لاعباء متعهد غذائي. و مسدد فواتير في احسن الحالات.
و عند بلوغ الطفل العشر سنوات تكون العلاقة بين الزوجين قد بدأ يعتريها بعض الوهن. و البيت خال طوال ايام الاسبوع.
قد يحاولان التخفيف من ثقل الروتين و التماسا للترويج بالعشاء خارج المنزل.
لكن الولد المراهق او في سن اليفوعة يواجه معاناة داخلية غير معلنة ممثلة في خصاص عاطفي نتيجة افتقاره الى الدفء الأسري و إلى تلقي الاسس و القواعد التربوية التي هي أرضية المنظومة القيمية و الخلقية. هذه المنظومة الٱيلة الفناء. إذن لا لوم على الجيل الحالي من الأولاد و الاحفاد ان نعيب عليهم سلوكيات منكرة و تزداد غرابة. عوامل كثيرة متضاربة افضت الى ضرب وحدة الأسرة و تفكيك مكوناتها بفصل بعضها عن بعض فإذا العالم المعاصر سيكون السواد الاعظم من ساكنته اقوام و جنسيات و قوميات. ملل و نحل إثنية و مذاهبية لأجيال لا مبدأ لهم خارج عقلية الربحية و الجشع و الإنتهازية. أجيال سيشهدون أحد فصول مرض الحضارة.
Views: 6