
عبده حقي
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي أحد الأعمدة التي تقوم عليها التوازنات الاقتصادية والسياسية في العالم قاطبة . ومع اقتراب عام 2026 من البزوغ تتشكل أمامنا ملامح مرحلة جديدة لا تقتصر على وادي السيليكون أو مختبرات بكين، بل تمتد لتشمل الدار البيضاء والقاهرة والرياض والدوحة. والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح : كيف سيتفاعل المغرب والعالم العربي مع هذه التحولات الجذرية؟
إن الوكلاء الرقميين الذين ينجزون المهام باسمنا لن يبقوا حكراً على المؤسسات الغربية. في المغرب مثلاً، يمكن أن نجد تطبيقات محلية قادرة على إدارة مواعيد المستشفيات أو تسهيل ولوج الشباب إلى فرص العمل. غير أن التحدي الأخطر يكمن في قدرة البنية التحتية الرقمية على استيعاب هذه القفزة، وفي ضمان ألا يتحول المواطن إلى مجرد “رقم” في منظومة لا تراعي الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.
لن يكون تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق الشغل بالمغرب محايداً. فالمهن الروتينية في القطاعات البنكية أو الخدمات الإدارية ستكون معرضة للاختفاء أو التقليص، بينما ستظهر وظائف جديدة مرتبطة بتحليل البيانات، وأمن المعلومات، وتطوير المحتوى التفاعلي.
التحدي هنا مزدوج: أولاً، كيف نعيد تأهيل اليد العاملة لتكون مواكبة لهذه التحولات؟ وثانياً، كيف نتجنب اتساع الفجوة بين من يملك مهارات رقمية متقدمة وبين الشباب الهش الذي ما زال يعاني من الأمية أو من بطالة طويلة الأمد؟
إن المؤسسات التعليمية في العالم العربي كثيراً ما تُتهم بأنها تقليدية وبطيئة التكيف مع المستجدات. غير أن الذكاء الاصطناعي يفرض واقعا جديداً: أنظمة تعليمية ذكية قادرة على تتبع مستوى كل طالب واقتراح مناهج شخصية.
في المغرب، يمكن لهذه الثورة أن تساعد في معالجة مشكل الاكتظاظ وضعف التتبع الفردي للمتعلمين، لكن بشرط أن يتم دمجها في إطار سياسات عمومية واعية، لا أن تظل مجرد مبادرات معزولة أو تجارب تجريبية بلا استدامة .
إن التنافس العالمي حول الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الاقتصاد بل سوف يطال السيادة الوطنية. العالم العربي، وبخاصة دول مثل المغرب والإمارات والسعودية، بدأ يستثمر في مراكز البيانات والبنية السحابية. لكن الخطر يكمن في الاعتماد المفرط على منصات أجنبية قد تجعل القرار التكنولوجي مرهوناً بالخارج.
السؤال الملح هنا هو: هل نستطيع بناء نماذج محلية أو إقليمية تعكس لغتنا العربية وهويتنا الثقافية؟
قد يكون الذكاء الاصطناعي أيضا أداة لتدمير الصحافة إذا استُعمل بشكل عشوائي ، لكنه قد يكون أيضاً وسيلة لإنقاذها من الأفول. تخيل أن الصحف المغربية تستعمل خوارزميات لفهم اهتمامات القراء واقتراح محتوى تحليلي يناسبهم، أو أن القنوات الإخبارية العربية تعتمد على روبوتات تتحقق من صحة الفيديوهات المتداولة في الشبكات الاجتماعية.
الرهان الحقيقي يكمن في أن يتحول الصحفي من “ناقل خبر” إلى “مفسّر ومحلل”، وهو دور سيزداد أهمية في زمن التضليل الرقمي.
وفيما تتحرك أوروبا نحو تشريعات واضحة (مثل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي)، لا يزال العالم العربي يفتقر إلى أطر قانونية متينة. ففي المغرب، بدأت نقاشات حول حماية البيانات الشخصية، لكننا ما زلنا بعيدين عن وضع منظومة شاملة تضبط علاقة المواطن بالذكاء الاصطناعي.
لكن الخطر أن تتسرب إلينا التطبيقات الأجنبية دون حواجز، بما تحمله من مخاطر التمييز، أو التجسس، أو استغلال البيانات.
ما يلوح في الأفق مع حلول 2026 هو من دون شك معركة وعي ومصير. المغرب سيجد وضعه أمام خيارين: إما أن يكتفي بدور المستهلك لما تنتجه القوى الكبرى، أو أن يستثمر في بناء نموذج خاص به، يجمع بين القوة الرقمية والخصوصية الثقافية.
فالذكاء الاصطناعي، إن أُحسنا استثماره، يمكن أن يكون رافعة للتنمية، أداة للعدالة الاجتماعية، ومجالاً لإبداع أدبي وثقافي جديد. أما إذا تُرك وأهمل بلا ضوابط ولا رؤية مستقبلية ، فقد يتحول إلى أداة للتبعية وتعميق الفجوات.
Views: 8