السقوط الأخلاقي

جسر التواصل18 مارس 2022آخر تحديث :
السقوط الأخلاقي

عمر عاقيل 

يبدو أن مشاهد العنف الرياضي داخل ملاعب كرة القدم المغربية أصبحت سلوكا ملازما للمشهد الرياضي وباتت امتدادا لمظاهر العنف في المجتمع التي لا يمكن مواجهتها إلا بتأهيل وتطوير القوانين المنظمة، وإطلاق برامج بعيدة الأمد تستهدف الجماهير الرياضية، وعادت ظاهرة الشغب لتطفو من جديد إلى السطح إثر اندلاع أعمال شغب تسبب فيها أنصار الجيش الملكي خلال المواجهة التي جمعت فريقهم بالمغرب الفاسي برسم منافسة كأس العرش، ما يزيد من التأكيد واﻹعتراف ﺑﺄﻥ ﻫﻮﺍﻣﺶ ﻣﺒﺎﺭﻳﺎﺕ ﻛﺮﺓ ﺍﻟﻘﺪﻡ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻮﻯ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﺗﻈﻬﺮ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻔﻴﻨﺔ ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺷﻮﺍﺭﻉ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻟﻮ ﺍﺭﺗﺨﺖ ﺍﻟﻘﺒﻀﺔ ﺃﻛﺜﺮ، وبأﻥ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﻟﺸﻐﺐ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻲ ﺃﻭ ” ﺍﻟﻬﻮﻟﻴﻜﺎﻧﻴﺰﻡ” ، ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺪ ﻳﺠﺪ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﻀﺐ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺎ، ﺑﻞ ﻛﻤﺆﺷﺮ ﺧﻄﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺸﻞ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ، ﺑﻞ ﻛﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﻓﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﻭﻟﻮ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، وأن ملاعب كرة القدم المغربية في مؤشر خطير باتت ﺗﺘﺮبع ﻋﻠﻰ ﻣﺸﻬﺪ محلي ﺑﺎﺋﺲ ﻻ ﻳﺸﺎﺭﻛﻬﺎ ﻓﻴﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻌﻀﻼﺕ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮلة، ﺣﻴﺚ تتناغم مختلف الأعمار، ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺻﺮﺍﻉ ﻋﻨﻴﻒ ﺿﺪ ﺃغلبية ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، ﻳﺰﺩﺍﺩ تفشيا ﻛﻞ ﻳﻮﻡ، ﺩﻭﻥ ﻭﻗﻔﺔ ﺣﺎﺯﻣﺔ من له علاقة من قريب أو بعيد، ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺭﺍﻏﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﺗﻌﻤﻴﻢ ﺍﻟﻌﻨﻒ داخل الملاعب ﻭﺗﻄﺒﻴﻌﻪ، ﻏﺎﻓﻠﻮﻥ ﺃﻭ ﻣﺘﻐﺎﻓﻠﻮﻥ ﻋﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻟﻴﺲ ﺳﻮﻯ ﺗﻤﺎﺭﻳﻦ “تسخينية” ﺗﻨﺬﺭ ﺑﻌﻨﻒ ﺃﺧﻄﺮ ﻟﻦ يبقي ﻭﻟﻦ يذر، وهو ما يؤشر على ظاهرة ﺑﺎﺗﺖ ﺗﻬﺪﺩ بشكل كبير على ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﻜﺮﻭﻳﺔ ﺑﺒﻼﺩﻧﺎ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﻏﺎﻟﺒﺎ ﻣﺎ ﺗﻨﺪﻟﻊ ﺑﻌﺪ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﺍﺓ، ﺳﻮﺍﺩ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﻼﻋﺐ ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﺤﻴﻄﻬﺎ، وهو ما يبرز ضرورة أن ننظر إلى عنف الملاعب على أنه مسألة اجتماعية وليست فئوية تقتصر على مجموعة من الأشخاص، فنحن بحاجة إلى مقاربة شمولية ترسخ لثقافة السلوك المدني، مقاربات لا يبدو أنها قد أفلحت في تخليق الكرة المغربية، ما يشير إلى أن المشكلة عميقة، ومن ثمة تحتاج إلى معالجة بنفس عمق المشكلة، وليس مجرد ردود جاهزة، ما يبرز ضرورة الإسراع في الحاجة إلى دراسة هذه الظاهرة وتشخيصها بشكل علمي قبل إعطاء حلول انفعالية سرعان ما تزول، لا تكون بعقد دورات تدريبية، امتدادا لمسيرة عمل توازي في مدتها تلك التي احتاجتها ظاهرة الشغب، بمعنى أن حل مشكلة شغب الملاعب تكمن في البدء من خارج حدود الملاعب، ببناء بيئة سليمة تمنح هوية الفرد كل الحلول للتعبير عن ذواتهم بطرق أكثر رقيا، حتى لا تصبح سلوكا اجتماعيا مقيتا، وندعي حينها أنها ما زالت تحت السيطرة.
تجتهد جامعة الكرة المغربية في الحد من مظاهر الشغب، لكن مساعيها ما تزال خجولة قياسا بطريقة تطويق الشغب وفرض سيطرتها القانونية على الأندية، بالإضافة إلى العقوبات الزجرية في حق المخالفين، لكن المشهد العام لا يوحي بأن التعليمات المتبعة منذ سنوات فعالة بالشكل الذي يجبر الجماهير على الحد من الشغب، بقدر تحميلها المسؤولية للأندية التي باتت تنزف ماليا من مختلف الاتجاهات، ومع غياب الدور التوعوي الكامل لوسائل الإعلام، بل تبرير البعض لمسألة الشغب على حساب أندية أخرى، تظل مسألة نشر ثقافة نبذ العنف والتأثير الإيجابي على سلوكيات الجماهير ضربا من الخيال، لتظل القوانين الجامعية التي لا تؤدي إلى قناعة شخصية بقدر ما تمثله كرادع فعال مع مرور الوقت، بشكل شامل في شغب الملاعب وأشكاله داخلها وخارجها إلى جانب الأماكن العامة على خلفيات رياضية بحتة.

الاخبار العاجلة