المريني وفيلمه “جبل موسى” ببني ملال

جسر التواصل20 يناير 2025آخر تحديث :
المريني وفيلمه “جبل موسى” ببني ملال

أحمد سيجلماسي

ينظم مختبر الأبحاث في الأدب واللغة والفن والتمثلات الثقافية، بجامعة السلطان مولاي سليمان، يوما احتفاليا بالمخرج إدريس المريني وفيلمه الأخير “جبل موسى”، وذلك طيلة يوم السبت 25 يناير الجاري.

يتضمن برنامج هذا اليوم حصة صباحية وأخرى مسائية. تنطلق الحصة الصباحية، ابتداء من العاشرة بالمركب الثقافي الأشجار العالية ببني ملال، بجلسة افتتاحية تلقى فيها كلمات المنظمين والمخرج المريني، يليها ماستر كلاس حول التجربة السينمائية لهذا الأخير من تسيير الناقد والأستاذ الشرقي عامر، ثم مناقشة مع الحاضرين. وفي الحصة المسائية، ابتداء من الخامسة والنصف بالمركز الثقافي للمدينة، يعرض ويناقش فيلم “جبل موسى” بحضور مخرجه ومن يرافقه من عناصر طاقميه الفني والتقني.

تجدر الإشارة إلى أن هذا اليوم الإحتفالي يندرج ضمن الأنشطة التي ينظمها المختبر المذكور في إطار انفتاح الجامعة على الثقافة والأشكال الفنية والإبداعية. ولم يكن اعتباطيا اختيار المخرج إدريس المريني ضيفا لهذا اليوم، بل تم ذلك بالنظر لما راكمه هذا المبدع من تجربة معتبرة في مجالات التلفزيون والسينما، وهي تجربة تتميز بالغنى والتنوع والإختلاف.

فيما يلي ورقة مركزة تعرف بالفيلم ومخرجه:

اشتغل إدريس المريني، المزداد بسلا سنة 1950، في هذا الفيلم على تيمة الصداقة بين رجلين شابين حكيم ومروان، تفرق وتجمع بينهما أمور، لكل منهما نظرته الخاصة للعالم وفلسفته في الحياة، لكن حب الموسيقى (والفنون عموما) والفلسفة (أو المعرفة بشكل عام) وقراءة الكتب الأدبية والفكرية هو قاسمهما المشترك. يتقرب مروان (أستاذ الاجتماعيات بالتعليم الثانوي، يحضر أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة) شيئا فشيئا من عوالم حكيم (الطالب سابقا بكلية الطب) وتتمثن أواصر الصداقة بينهما إلى درجة يفتح كل منهما قلبه للآخر، الشيء الذي يسهل عملية البوح لتنكشف جوانب من الأسرار.

ولعل اشتغاله على هذه التيمة الجديدة هو الذي جعل فيلمه السينمائي الروائي الطويل الخامس “جبل موسى” (2022) مختلفا عن أفلامه السابقة: “لحنش” (2017)، الذي أحتل بطابعه الكوميدي الرتبة الأولى في شباك التذاكر لموسمين متتاليين، و”عايدة” (2014)، الذي لقي استحسانا ملحوظا لدى النقاد والجمهور الواسع وحصد مجموعة من الجوائز هنا وهناك، و”العربي” (2010)، عن حياة ومنجزات أيقونة كرة القدم المغربية والدولية الحاج العربي بنمبارك، و”بامو” (1983)، عن مقاومة المستعمر الفرنسي، نظرا لطابعه الصوفي ونفسه الفلسفي. فهذا النفس الفلسفي يبدو جليا من خلال الحوارات التي تجري بين الصديقين حكيم ومروان حول الوجود والدين والفن وغيرها من المواضيع التي شغلت الفلاسفة والمفكرين والعلماء منذ القدم، ومن خلال عناوين بعض الكتب التي تم بها تأثيث مكتبة حكيم واللوحات التشكيلية وصور الفلاسفة وبعض الأكسسوارات التي تزخر بها جوانب غرفته…

يتميز فيلم “جبل موسى” (2022) بجرأته في تناول قضايا فكرية مسكوت عنها في السينما المغربية تتعلق بالإيمان والإلحاد، وبغنى حواراته التي تحضر فيها التساؤلات الفلسفية وأقوال وآراء الفلاسفة والمتصوفة والأدباء من عيار فريدريك نيتشه ومحيي الدين ابن عربي وفيودور دوستويفسكي وأبو العلاء المعري وغيرهم.

يشد المتلقي اليقظ، من البداية إلى النهاية، بطريقته المحكمة في السرد وتصعيده الدرامي المشوق، خصوصا بعد وفاة الأم فتيحة، ونهايته المفتوحة على الأمل والحب والإيمان. كما يشده سيناريوه المحبوك والقوي، المأخوذ عن رواية “جبل موسى” (2016) للمبدع عبد الرحيم بهير، بتسلسله المتماسك ومزجه بسلاسة بين أحداث الحاضر والماضي عبر “فلاش باك” تم توزيع تفاصيله بعناية مركزة على امتداد زمن الفيلم، الشيء الذي يجنب الشعور بالملل. زد على ذلك الكاستينغ والتشخيص وإدارة الممثلين، فجل الممثلين كان في اختيارهم وأدائهم وإدارتهم تفوق ملحوظ. وقد نجح المخرج، من خلال إدارته الجيدة للممثل عبد اللطيف الشكرة، على سبيل المثال، في توجيه نقد لاذع للمتاجرين بالدين، الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الآخرين عبر استغلالهم لسذاجة البسطاء من الناس، وأظهرهم في صورة كاريكاتورية لا تخلو من مسحة كوميدية.

أما الموسيقى التصويرية. فمقاطعها تم اختيارها بعناية فائقة من خلال تعاونه الخلاق مع الفنان الموسيقي الشاب يوسف الصديقي والمطربة سلوى الشودري، التي أمتعتنا بصوتها وأدائها الجميلين في نهاية الفيلم (عبر الجنيريك) بأغنية أصيلة كلامها للمتصوف ابن عربي صاحب نظرية وحدة الوجود. لقد كانت المقاطع الموسيقية الغربية أو العربية الموظفة في بعض المشاهد أو المصاحبة لها ذات وظيفة تبليغية/تعبيرية أي مترجمة لمشاعر وأحاسيس داخلية وعاكسة لحالات مزاجية/نفسية كان يمر منها بطل الفيلم حكيم،

لقد تمكن إدريس المريني في هذا الفيلم من التوفيق بين مختلف عناصر التعبير السينمائي وخلق الإنسجام الضروري بينها لتكون النتيجة النهائية فيلم ممتع فكريا وبصريا وسمعيا.

تجدر الإشارة في الأخير إلى أن مخرج الفيلم النخبوي “جبل موسى”، يتطور من فيلم سينمائي إلى آخر وينوع في المواضيع التي يشتغل عليها في أفلامه السينمائية بالخصوص. وهذا يؤكد أنه فنان مرهف الإحساس ومتمكن من أدوات التعبير السينمائي.

 

 

الاخبار العاجلة