
طارق المعروفي
أعود للمرة الثالثة لهذا الموضوع نظرا لهيمنته على المجتمع و زيادة انتشاره و تأثيره.
إنه موضوع الْعَالمَانِيَة و ليس الْعِلْمَانِيَة كما يرددها الجميع .
ففي البداية، يتعين تصحيح المصطلح قبل أن نتحدث عن الجذور و النشأة و التطور للمفهوم. لقد تم تحريف الكلمة إلى الْعِلْمَانِيَة ،على اعتبارها تنتسب إلى العلم و هذا غير صحيح، لأن الأصل هو الْعَالمَانِيَة ،الدالة على العالم و ليس العلم. و كلمة “عالم” تعني عندهم أن هذا العالم مكتفي بذاته و ليس في حاجة إلى دين. و لهذا من الخطأ كتابة الْعِلْمَانِيَة بكسر العين، لأن الأدق هو الْعَالمَانِيَة بفتح العين ، لأن مرجعيتها الدنيا فقط و التي تفضلها عن الدين.
الْعَالمَانِيَة هي خديعة ووجه من وجوه تغيير المجتمع، ليس فقط بإبعاد الدين عن الدولة، بل لتغيير نمط العلاقات، و خلق نموذج ينجر إليه هذا المجتمع بكل الوسائل ،و قد سبق أن صرح المغفور له الملك الحسن الثاني في إحدى اللقاءات الصحفية، أن العالماني لا يمكن أن يكون مسلما ،زد على ذلك أن كل من قال إنه عالماني، فإنه يتنافى مع الدستور المغربي، أي أنه خارج عن القانون الأسمى للبلاد .
في القديم، كانت الكنيسة تستخدم هذا المصطلح في القرون الأولى في مقابل الكهنوت، للدلالة على الأفراد الذين ليست لهم علاقة بالدين. و تأثير تطبيق الْعَالمَانِيَة في الغرب أدى إلى نتائج غير محمودة و أزمات حادة مثل تدمير القيم ،و تآكل الأسرة ، و تغيير طبيعة الإنسان ، حتى أصبح هذا الأخير يتحرك بدون موجه ، و يسير إلى غير غاية .و هنا لا نتحدث عن التطور التكنولوجي و الاقتصادي و تطبيق القانون .
فكيف دخلت الْعَالمَانِيَة إلى “العالم العربي” ؟ كان ذلك مع غزو نابليون لمصر، و تأثر بعض ما يسمى بالمثقفين بالفكر الغربي فقام هؤلاء بالتفريق بين المسلمين ،و تم خلق مصطلح “الإسلاميين” أو “الإسلام السياسي”، و هو مصطلح من صنع العالمانيين لإبعاد الإسلام عن مجال الحياة العامة، في حين ليس هناك إسلام سياسي و لا إسلام اجتماعي و لا إسلام اقتصادي، إنما الإسلام دين واحد شامل .
يقول أحد الباحثين في الموضوع : “و من تحسين القبيح ما نحن بصدده من أمر الْعَالمَانِيَة و إلباسها غير ثوبها و تجميل باطلها و إخفاء مصادماتها لمحكمات الشرع سعيا من أنصارها إلى دس باطلها في وعي الأمة دسا “.
كيف إذن العمل لمواجهة هذا الفيروس الذي ينخر المجتمع شيئا فشيئا ؟
لا يمتلك أحد الحقيقة ،هناك فقط أفكار و تصورات و آراء. وكل من يحتم علينا الانضمام قسرا إلى “المنظومة الكونية” ،نقول له:
من كون هذه المنظومة حتى نتبعها، و ما فائدتها و نتائجها على المجتمع ؟
كيف نتبع هؤلاء و نحن نرى و نسمع يوميا ما يجري في العالم من فوارق بين البشر و إبادة ؟
كيف لنا أن نتبع هؤلاء و 65 في المائة من الأطفال في فرنسا يولدون خارج إطار الزواج أي أطفال الزنا ؟
كيف لنا أن نتبعكم و الإبن له الحق أن يغير جنسه متى شاء، و لا يحق للوالدين التدخل لأن ذلك من حريته و قناعته ؟
كيف لنا أن نتبعكم و 40 في المائة من النساء عازبات في المغرب، و أنتم ترغبون في العلاقات الرضائية ؟
كيف لنا أن نتبعكم و أنتم تبيحون للفتاة أن تصاحب صديقها إلى منزل الوالدين و تقضي معه الأوقات داخل حجرتها، و لا يحق للوالدين التدخل ؟
كيف لنا أن نتبعكم و أنتم غيبتم دور الرجل داخل الأسرة ،نعم “الرجل” بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؟
إذا كانت دول الغرب تريد نموذجا معينا للحياة العامة ،فإن ذلك لا يمكن أن نطبقه في بلادنا لأن لكل بلد خصوصياته و تاريخه و مقدساته .
إننا نعيش في مجتمع راسخ و متماسك و يفتخر بقيمه و هويته و تاريخه ،و لا تزعزعه هذه النماذج، و لا يتأثر بالمأجورين الذين يطلون علينا كل مرة ضد الإسلام و المسلمين ،هؤلاء الجبناء الذين لا يستطيعون الإفصاح عن توجهاتهم، أي أنهم ملحدون ،فيختبؤون وراء الشعارات الجذابة، مثل المساواة و الحرية و حقوق المرأة و الحداثة و التطور و ما إلى ذلك .
و أختم بالقول: إنه من المستحيل تطبيق مفهوم غربي على بلد له تاريخ و هوية، وأعراف و جذور و روافد، و حضارة راسخة و قيم و أخلاق .