العالم الفيلالي
لاشك أن ثورة العلوم والتكنولوجيات التي يشهدها العالم اليوم قد ساهمت في تيسير حياة العموم وإزالة الإشكالات وعديد الهموم، بالنظر لسرعة الاستجابة وسهولة الإستفادة حتى أضحى عالمنا قرية صغيرة على إمتداده تربطه أجهزة اتصال وتفاعل ومواقع بحث وتواصل بين مختلف الشعوب والمجتمعات والدول والمنظمات، للتعرف على التقاليد والعادات ومختلف الأعراف والثقافات. غير أن الرقمنة برغم ما توفره من خير عميم ونفع عظيم، إلا أن لها الدور الكبير في تآكل منظومة القيم والأخلاق وتدمير الكثير من الآداب الحميدة والخصال المكتسبة السليمة، خاصة في المجتمعات الإسلامية على غرار المجتمع المغربي الذي شهد في العشرية الأخيرة تحولات عميقة عائدة بالأساس لغزو العادات الدخيلة وتشجيع صناعة التفاهة وانتشار أفكار الحركات الشاذة والقيم البذيئة.لكن المثير في التجربة المغربية المقاومة الشديدة والرفض القاطع لتفشي هذه الظواهر والسلوكات المنافية للدين الإسلامي والهوية المغربية الأصلية، مما يساءلنا عن صمود هذين المعتقدات حائلا أمام تفشي هذه التصرفات ؟
في البداية ينبغي التأكيد على أن الثورة الرقمية كان لها تداعيات خطيرة على الأسرة المغربية،على اعتبار أنها نواة المجتمع والمدرسة التربوية الأولى حيث سبب سوء الإستخدام وانتشار الإدمان الرقمي عواقب وخيمة، كان من أهم أثارها تفاقم حالات الطلاق وارتفاع معدلات العنف ضد النساء وتزايد معدلات الجريمة والخيانة الزوجية، بغض النظر عن الظروف الإقتصادية الأخرى هذا دون أن ننسى بروز حركات شاذة ومنحرفة تسوق أفكار مسمومة وتنشر مفاهيم مغلوطة، تساهم في اتساع الهوة الإجتماعية وترسخ عقائد متطرفة قد تؤدي بضياع جيل بأكمله.
غير أن ما يثلج الصدور أن هذه التصرفات تبقى محدودة في الحضور ومنحصرة في الخفاء ووراء الستور، فتفرد المجتمع المغربي يجعل من المحافظة على جميل الأعراف وثوابت الدين الإسلامي والهوية الأصلية، ذاك الجدار المتين والحاجز المنيع في مواجهة المبتدل من السلوكات والمعولم من التصرفات، ما إن تضج منطقة بفضيحة أخلاقية أو تشهد مواقع التواصل الاجتماعي حدثا مجانبا للقيم الحميدة، إلا وترى المجتمع ينبذ ويشجب ويندد ويحذر، ومناط ذلك الإحساس بالإنتماء للهوية المغربية النابذة للسلوكات المقيتة والحركات الفاسدة، ومؤشر على وجود ضمير حي جماعي يراقب فيقبل ويرفض فيحاسب، لكن الخطر كل الخطر أن يستمر تسارع الرقمنة ويوازيه تدمير للقيم والأخلاق فلا يبقى للدين هيبة ولا للهوية كلمة ولا للضمير حياة.