“بقايا وشم” :مريم أبوري تغوص بنا في محكيات مثل أثر غرزات الإبر

جسر التواصل30 أكتوبر 2023آخر تحديث : منذ شهر واحد
جسر التواصل
تشكيلفن وثقافة
“بقايا وشم” :مريم أبوري تغوص بنا في محكيات مثل أثر غرزات الإبر
Array

جسر التواصل خاص 
تمر علينا مشاهد ومواقف قد نكون أبطالها وقد يكون آخرون هم أبطالها أو شخوصها الرئيسيين، نلتقطها في غفلة من وعينا، بحزنها وفرحها وسذاجتها وعمقها وتفاهتها.. تشدنا لأننا نجد فيها بقايانا، أثر ما تركه الزمن منا وفينا، فيبقى وشما محفورا في ذاكرتنا كأفراد وكجماعات.
هذا الوشم الذي خطته أنامل المبدعة مريم أبوري يزيد من اخضراره كلما حكيناه واستمعنا إليه أو قرأناه، وقصصنا غرزات إبرة الزمن التي وشمته، مرات بقهقهات جنونية لا نقوى على فرملتها، ومرات بدموع سائلة كشلال تخنق حناجرنا، ومرات بصمت لا نفهمه رغم ثرثرتنا.
وبالحكي، والحكي فقط نثبت شريط هذا الوشم الذي ينفلت من التهام النسيان، بالحكي ننسج خيوط شخصيتنا وهويتنا وعقدنا وتخلفنا وتطورنا وإنسانيتنا، نعيد حياكة هلوساتنا وأفراحنا وأحزاننا وإخفاقاتنا ونجاحاتنا… ننسج حكايات قد نحكيها لأحفادنا في يوم نفقد فيه إبرة الوشم فلا يبقى منه إلا بقاياه.

ce80b6ae b358 4760 b392 54ae1f681287 - جريدة جسر التواصل

في محكيات مريم أبوري الموسومة بعنوان “بقايا وشم” الصادرة عن منشورات النورس في 304 صفحة من الحجم المتوسط، تستعرض الكاتبة المغربية المقيمة بفرنسا، بلغة سردية قضايا اجتماعية وثقافية وسياسية، في شكل لوحات عميقة تتناول بحكي ممتع ونقد غير مهادن العديد من الظواهر الاجتماعية والثقافية التي تخترق المجتمع المغربي، في كل محكي يوجد طرفان: هي وهو، امرأة ورجل، هما الشخصيتان المحوريتان ومهما تغيرت أسماؤهما ووظائفهما، فهما يعكسان رؤيتين متغايرتين للعالم والزمن والإنسان…
لتقرأ نصوص “بقايا وشم” عليك أن تتسلح بحزام سلامة يقيك مطبات الطريق ومفاجآته، فالغوص في التحولات الاجتماعية التي تحاول الكاتبة مريم أبوري الإمساك بها عبر محكيات من قلب الواقع تلتقطها عين السارد بدقة لا تضاهى، تسائل قضايا حيوية في قلب الكيان المجتمعي، تبدو اللغة شفيفة قريبة من جسد هذا الكل الاجتماعي الذي ترصده وتنتقده في ذات الآن وهي تقول الأشياء وترسم الوقائع بالسرد انفلاتا من الموت، من القهر، من التخلف، من بلادة الروتين، بالحكاية تفتدي الكاتبة مريم أبوري نفسها لتعيش بشكل مختلف، بلغة الحكي التي اختارتها تعيد للأشياء ملامح حضور أبهى لبقايا وشم..
أمام الانهيارات الكبرى، والقضايا المختلفة التي حاولت هذه المحكيات رصدها، يتم إنقاذ اللغة من السقوط، لغة تحاكي قول الشيء دون أن تتورط في هشاشة الواقع، لغة محملة بانفعالات عميقة، ترصد بعين ناقدة مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية والإشكالات الحضارية الكبرى، بين الهنا والهناك، بين الماضي والحاضر، لتعبر عن المعيش وتتجاوزه، إذ الرؤية الإصلاحية كامنة في عين الراوي وزاوية نظره لمختلف ما يحمل به لغة سرده في هذه المحكيات التي يمكن لك أن تقرأها من أينما اخترت، ذلك أن الخيط الناظم لما يحكيه السارد أشبه بمتاهة كل حكاية منها تؤدي إلى أخرى، ونجد أنفسنا في الأخير نبحث عن المزيد كي لا يتوقف السرد.

المصدرArray

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة