طارق المعروفي
الجواب سيكون بديهي و كلاسيكي بالنسبة للبعض، و لكن بعد التحليل و الإمعان و دراسة المعطيات و النتائج، سوف نخلص ربما إلى عدة تساؤلات و استنتاجات.
و حتى ندخل مباشرة في الموضوع ،تشير بعض التقارير أن الثلث (3/1) فقط من التلاميذ يصلون إلى مستوى الباكالوريا، و13 في المائة فقط منهم يحصلون على هذه الشهادة .أما الثلثين (3/2) فإنهم ينقطعون عن الدراسة لأسباب متعددة في مرحلة من مراحل التعليم، إما الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي، فيلجؤون إما إلى مدارس التكوين المهني، أو إلى التجارة، أو الحرف المتنوعة، أو يكونوا عرضة للشارع و ما يحمله من تبعات وخيمة . كما أن 2 في 100 من حاملي الباكالوريا ،هم الذين يتابعون دراستهم العليا و يتوفرون على دبلوم عالي .
أمام هذه المعطيات ،يمكن للمرء و المتتبع أن يتساءل عن الأسباب و يبحث عن الخلل.
هل المدرسة هي تسجيل الأبناء في المدارس و شراء الأدوات المدرسية المكلفة كل سنة ؟
هل المدرسة هي العمل على “حجز” التلاميذ في هذه المؤسسات لسنوات معينة حتى لا يكونوا عرضة للشارع ؟ سيما و أن مستوى الدراسة في جل المدارس هزيل و ضعيف، و بالتالي لا يستحق بعض التلاميذ أن ينتقلوا من قسم لآخر.
هل المدرسة هي تعليم التلاميذ اللفيف المفروق و اللفيف المقرون في الابتدائي، و الفعل المعتل الأجوف و غيرها من القواعد؟
هل لازال التلميذ حافظا لسورة من القرآن في هذا المستوى من التعليم ؟ أم أن الحفظ موجه فقط لاجتياز الامتحان و سرعان ما ينمحي ؟
و نفس الأمر بالنسبة للإعدادي و الثانوي ،حيث أن التلميذ يحفظ فقط لاجتياز الامتحان، فلا يهتم بل لا يفهم معنى الأحجار الكلسية ، و لا مكونات الاقتصاد الياباني، و الهند ، و كوريا الجنوبية ، و لا الثورة الروسية …؟
لماذا هذا الكم من المواد، و التي طرحتها على سبيل المثال فقط، إذا لم يستفيد منها التلميذ و لا ترسخ في باله ، و لا تساهم في تكوينه ؟
من المسؤول عن هذه الوضعية ؟
هناك أربعة أقطاب:
الأستاذ، الأسرة، التلميذ نفسه، علاوة على المناهج المعمول بها على حد سواء في القطاعين العمومي والخصوصي.
بالنسبة للأستاذ، نطرح السؤال: هل الزيادة المحتشمة في راتبه هي التي سوف يكون لها وقعا ملموسا على التعليم في بلادنا ؟إننا نتابع كل مرة المفاوضات و النقاشات بين الوزارة و ما يسمونهم بالنقابات من أجل تحسين وضعية الأستاذ و لا زال المسلسل قائما .
بالنسبة للأسرة، فإنه لا يمكن أن تقوم مقام جهات أخرى ،سيما و إن كانت أسرة متواضعة ، فلا تستطيع أن تواكب مسار التلميذ و توجيهه. و لهذا وجب توفير أخصائيين اجتماعيين ونفسيين في المدارس لتدارك نواقص أبنائنا، وعلاج تعثراهم التي قد يكون المسؤول عنها وسطهم الاجتماعي المتأزم، والذي قد تكون له إسقاطات جسيمة على عمله الدراسي يؤدي بهم إلى الهدر المدرسي.
بالنسبة للتلميذ ، فإنه غالبا ما يكون غير محفز لمتابعة الدروس و التمسك بالمدرسة. فهو منشغل يوميا بهاتفه و ما يجنيه من هذه الوسيلة ، متأثربمجتمعات أخرى، و متطلع لآفاق بعيدة و ربما صعبة المنال، و في الغالب لا يدرك معنى بناء المستقبل و الاعتماد عن النفس . و هنا جاءت ظاهرة دروس الدعم ، حيث أصبح التلميذ محاطا بأستاذ الدعم، و هذا في حد ذاته يجعله مستغنيا عن أستاذه في المدرسة، الذي يجب أن يتقاسم معه المجهود من أجل الحصول على المعلومة والتعلم. ولا ننس أيضا أن بعض التلاميذ اليوم يسعون إلى الحصول على الشهادة بأية وسيلة دون بذل الجهد، مسخرين لذلك آليات الغش في الامتحان.
بالنسبة للمناهج و هي بيت القصيد، حيث أن ما يثقل كاهل التلميذ في جميع المراحل، هو طول المقررات من جهة، و غلبة التلقين النظري المقرف في غياب الجانب التطبيقي خاصة في المواد العلمية.و لهذا يتم الاعتماد على الكم دون الكيف ، فيظل التلميذ غير مستوعب لا هذا و لا ذاك، أضف إلى ذلك معضلة التوجيه إلى الشعبة الملائمة و في الوقت الملائم ، لتتناسب و قدرات التلميذ، لأن من شأن التوجيه الغير الصائب و العشوائي أن يؤدي لا محالة إلى نتائج سلبية .
لا أريد أن أتحدث هنا عن تجربة بعض الدول التي خطت خطوات جبارة و رائدة في هذا الميدان ، حيث تقوم بتوجيه التلاميذ منذ البداية بمساعدة الآباء و الأساتذة و التلميذ نفسه ، من أجل أن يجد هذا الأخير البيئة التي يرتاح فيها، و المواد التي تستهويه فينجح فيها و يتفوق .
إن تشخيص وضعية التعليم العمومي أصبح واضحا، ولا يحتاج كل مرة إلى دراسات و ندوات و جولات عبر التراب الوطني و هدر للمال العام.
لقد عرفت منظومة التعليم عدة إصلاحات امتدت من 1957 حيث الحركة التعليمية إلى اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، و مرورا بإصلاح 1985 و مناظرة إفران سنة 1992، و عشرية الإصلاح للميثاق الوطني التي امتدت من (2000-2009).و البرنامج الإستعجالي (2009-2012) ، ثم الرؤية الاستراتيجية 2015-.2030
إن إصلاح التعليم موضوع حيوي وأساسي في المغرب، وهو غير مرتبط بوزارة أو حكومة بل يهم الدولة والمجتمع بأكمله، و المواطن لا يسعى إلى تضخيم الموضوع بقدر ما يتطلع لإيجاد الحلول السريعة و الناجعة ،لأن الأمر يرتبط بمستقبل أبناء وبنات المغاربة.
فبالرغم من الموارد المالية المهمة التي رصدت على مدى عقود للتعليم بالمغرب، لازال القطاع يعاني من عدد من التحديات، خاصة على مستويات التعميم والجودة والمردودية والإبداع، وتكييف التكوين مع متطلبات سوق الشغل.
أتمنى أن يغلب على هذا القطاع طابع المواطنة الصادقة و الإرادة الثابتة ، و أن تستعيد المدرسة مكانتها و هيبتها و قدسيتها من أجل جيل واعد و منتج ، و هذه هي فائدة المدرسة و جدواها .