شيخ العيطة الحسين السطاتي لجسر التواصل : نشأت على موسيقى طبيعية، مشكلة من أصوات الماشية والبهائم والطيور.. هناك تشربت أولى أبجديات فن العيطة،

جسر التواصل27 سبتمبر 2023آخر تحديث :
شيخ العيطة الحسين السطاتي لجسر التواصل : نشأت على موسيقى طبيعية، مشكلة من أصوات الماشية والبهائم والطيور.. هناك تشربت أولى أبجديات فن العيطة،

 أجرى الحوار: الإعلامي  محمد نجيب

جريدة جسر التواصل: أولا مرحبا بك مرة أخرى بجريدتكم “جسر التواصل”، بادئ ذي بدء عرف الجمهور القارئ للجريدة بنفسك؟

الحسين السطاتي: بسم الله الرحمن الرحيم، تحية خالصة للجمهور الكريم، وجزيل الشكر لمنبركم الإعلامي جريدة “جسر التواصل المغربية” على الاستضافة وتشجيعها الدائم للفن وللفنانين من كل الألوان الفنية، وأبارك لكم وأهنئكم وأهنئ جميع المسلمين بذكرى المولد النبوي السعيدة، مناسبة ميلاد سيد الخلق سيدنا وحبيبنا محمد صل الله عليه وسلم..أعرف بنفسي: اسمي الكامل المحبوب الحسين بن محمد، واسمي الفني والأدبي “الحسين السطاتي”، فنان شعبي، موسيقي عازف كمان ومغني لفن العيطة “شيخ للعيطة”، من مواليد 28 ماي 1973، كاتب قاص وروائي وشاعر زجال، ودركي متقاعد برتبة “أجودان”..متزوج ولي ثلاثة أبناء “بذرة وريحانة ومحمد”.

جريدة جسر التواصل: ذكرى مولد سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام سعيدة عليكم، نود معرفة كيف تمر عليكم هذه الذكرى الغالية السعيدة؟ وهل من طقوس ترافقها، وما الفرق في طريقة الاحتفال بهذه المناسبة بين الأمس واليوم؟

الحسين السطاتي: الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا سيد الخلق محمد صل الله عليه وسلم، بصفتي مغربي مسلم وابن البادية، هذه المناسبة الغالية والذكرى السعيدة أعدها يوم فرح ويوم عيد، وقد كنا نستعد لها ونحتفل بها بمثابة عيد، حيث تسمى عندنا بالبادية “عيد الميلود”، لقد كنا نستقبل هذه الذكرى كما نستقبل العيدين “عيد الفطر وعيد الأضحى”، بنفس الحب واللهفة والفرح، كانت النساء تستيقظ باكرا، وبعد صلاة الفجر، نسمع زغاريدهن تعم الفضاء الريفي في ذلك الصباح إعلانا عن طلوع فجر مناسبة عزيزة غالية، كانت النساء والفتيات يخضبن وينقشن أرجلهن وأيديهن بالحناء، كما كانت أمي رحمها الله، تضع الحناء حتى على رؤوس الماشية والبهائم، ظنا منها أنهم هم الآخرين يحتفلون معنا بهذا اليوم الكبير، كنا نلبس ما عندنا من أنظف الثياب وأحسنها، ونتزاور ونتواصل مع الجيران والأهل والأحباب في هذا اليوم السعيد، وقد كنا ونحن أطفال نتلقى الإكراميات وهي مبالغ مالية “العيدية” من الأهل والأقارب ومن الأشخاص الكبار بالدوار، وحتى الأطفال المواليد الجدد الذين ازدادوا في هذا اليوم، وتزامن ميلادهم مع هذه الذكرى، كانوا يحملون أسماء تدل على قدسية هذا الحدث الجليل وتيمنا برسولنا ونبينا صل الله عليه وسلم، وهي أسماء “محمد، المصطفى، المختار، الهاشمي، طه، الحبيب، ميلود، المولودي، ميلودة، الميلودية..”، وفي هذا اليوم يتم التسامح والتصالح بين المتنازعين والمتخاصمين بالدوار.
كانت العائلات تجتمع فيما بينها وتتشارك الطعام منذ الصباح، الرجال يذهبون إلى مسجد الدوار “الجامع”، يصلون ويرتلون القرآن، ونحن الصغار نلعب ونشتري الحلويات والمشروبات الغازية “ليمونادا” من الحانوت الوحيد بالدوار، وفي عشية ذلك اليوم يقوم الرجال شيب وشباب بسباق للفروسية التقليدية حيث كل واحد يركب مركوبه “خيل، حمير، بغال، جمال”، وقد تأتي مجموعات أخرى من الدواوير المجاورة ممتطين دوابهم، مستحضرين بهذه العادة تاريخ الأجداد المسلمين في استعمال الدواب في الحروب والمعارك، ويتم السباق والتنافس في جو تسوده المحبة والايخاء، لتدوم الفرجة والفرح والمرح طيلة تلك العشية.

أما اليوم فقد تغيرت العادات والتقاليد، وقد سكنت رفقة زوجتي وأبنائي بالمدينة، وكنت ومازلت وسأظل أحتفل بهذه الذكرى السعيدة، أتخذها يوم عطلة ويوم عيد، أتواصل مع الجيران والأقارب والأهل والجمهور، ولو عبر الهاتف وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنه يوم استثنائي بالنسبة إلي.

جريدة جسر التواصل: قلت أنكم بالبادية تسمونه “عيد الميلود”، ويحمل العيد في معانيه الفرح، فهل مازالت الأعياد في حياتك تحمل الفرح كالسابق أم تغيرت؟

الحسين السطاتي: طبعا مازالت الأعياد تحمل لي الفرح، بما فيها من أعياد دينية ووطنية، ومنها ذكرى مولد سيد الخلق وسيد المرسلين، نبينا وحبيبنا محمد صل الله عليه وسلم، ولو أن ذلك الفرخ قد تغير كما تغيرت ملامح وجهي، وأحب اجتماع العائلة في الأعياد، فهذا يولد لدي الفرح، وتبقى ذكريات الطفولة بهذه المناسبة هي الفرح الحقيقي.

جريدة جسر التواصل: هل من أمر معين حزين ينغص عليك فرحتك في هذه الذكرى العظيمة هذا العام أو في مجمل الأعياد خصوصا أنك فنان والفنان عادة مرهف الإحساس؟

الحسين السطاتي: أتذكر كل مناسبة وكل عيد والداي رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته، أتذكرهما حتى وأنا في جو فرح العيد، أتذكر جلسة أمي وأبي في صباح كل عيد، وفي مثل هذه المناسبة، فتنتابني موجة حزن، وأدعو لهما بالرحمة والمغفرة والتواب، أحن إلى صباح أمي في يوم “عيد الميلود”، فطور تقليدي شهي رغم بساطته، والخروج إلى ساحة الدوار وتبادل التحايا والتهاني والتبريكات مع الناس، وتلقي الإكراميات “العيدية”. أحن لحياة الريف البسيطة والرائعة.

جريدة جسر التواصل: بمن تفكر في مثل هذه المناسبات وتتصل به أولا لتهنئته أو لمعايدته؟

الحسين السطاتي: في هذه الذكرى العظيمة، أتصل بإخواني وأخواتي وأصدقائي.. والحمد لله على نعمة العلم، التي أتاحت لنا التواصل عن بعد بالوسائل التكنولوجية بما فيها الهاتف النقال والانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي.

جريدة جسر التواصل: هل من أشخاص محبون يحملون في حياتك معاني الفرح والعيد ومن هم؟ وماذا توجه لهم في هذه المناسبة من رسائل عبر الجريدة؟

الحسين السطاتي: فعلا هناك أشخاص يحملون في حياتي معنى الفرح والعيد، وأرى أن الحياة بدون هؤلاء جافة ولا تعني شيئا، ومنهم إخوتي وأخواتي وزوجتي وأبنائي وبعض أصدقائي من بينهم العاملين معي بالمجموعة الموسيقية.

جريدة جسر التواصل: في مثل هذه الذكرى وفي الأعياد ينشط فعل المسامحة، فهل من أحد تسامحه في هذه المناسبة؟

الحسين السطاتي: أعتقد أن الكثيرين ينتظرون مني أن أسامحهم، كثيرون هم الأشخاص الذين ألحقوا بي الأذى منهم مجرمين وأقارب من العائلة، منذ أن كنت دركيا ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية، كنت عنصرا نشيطا في حقل الضابطة القضائية، ومن كل قلبي أسامحهم، يلقون جزاء أفعالهم عند الله.

جريدة جسر التواصل:هل من شخص تعتقد أنك سببت له حرجا أو أدى من دون قصد وتوجه له اعتذار في هذه المناسبة؟

الحسين السطاتي: أعتذر من كل شخص تسببت له في حرج أو جرح أو ألم نفسي أو جسدي، أنا آسف وأعتذر، وأطلب المسامحة، فأنا عبد ضعيف لي أخطائي، يمكن أن أكون يوما قد أخطأت في حق شخص وأذيته، أعتذر وأطلب السماح، وأسامح كل من سبب لي الألم والجرح، إنني أسامح لكنني لا أنسى..

جريدة جسر التواصل: ما أجمل هدية تلقيتها في مثل هذه المناسبة أو في العيد وممن؟

الحسين السطاتي: أجمل الهدايا وأروعها هي تلك التي كنت أتلقاها وأنا طفل بدوي، ومنها ملابس العيد الجديدة، والمبالغ المالية التي كنت أتلقاها من الأقارب رغم بساطتها من دراهم معدودة، كانت تبدو لي ثروة في ذلك اليوم العظيم، أما أجمل هدية فنية تلقيتها فكانت من أخي “المحبوب عبد القادر”، الذي يكبرني بسبع سنوات، وهو أيضا فنان شعبي للعيطة، مغني وعازف على آلة الإيقاع “البندير” وآلة العود،ـ وقد اشترى لي كمان “كمنجة” حقيقية صينية الصنع من نوع “ألطو” حمراء اللون، خلال أيام عيد الأضحى، فكانت فرحتي بها لا توصف طيلة أسبوع العيد.

جريدة جسر التواصل: قلت أن هذه الذكرى تمثل لك عيد، فهل تقوم بمعايدات فنية، ومن هم الفنانين اللذين تخصهم بمعايدة عبر الجريدة؟

الحسين السطاتي: أعايد جميع الجمهور الكريم المعجب والمحب للفنان “الحسين السطاتي” كشيخ للعيطة أو ككاتب قاص وروائي وشاعر زجال، وأعايد جميع الفنانين أصدقائي، سواء بالمباشر أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

جريدة جسر التواصل: كيف عاش الفنان الشعبي “شيخ العيطة” الحسين السطاتي طفولته وخاصة في مثل هذه المناسبة والأعياد؟ وما الفرق بينها وبين تلك التي يحلم بها لأطفاله؟
الحسين السطاتي: لقد سرقت صعوبات الزمن القديم طفولتي، ولدت في أسرة فقيرة بسيطة في عيشها، من أب بدوي”المحبوب محمد بن الجيلالي”، متقاعد عسكري بسيط، وفلاح صغير وصانع فخار “طيان”، وأم “المرشود السعدية”، امرأة ريفية تقليدية، مناضلة ومكافحة، طباخة ونساجة وفلاحة وصانعة فخار “طيانة”، والداي رحمهما الله، أميان لم يتعلما القراءة والكتابة لكنهما علماني ما في استطاعتهما، تعبا من أجلي حتى تعلمت القراءة والكتابة بل صرت فنانا وكاتبا، وناضلا رحمهما الله من أجل تكويننا نحن أربعة عشر ابن “ستة ذكور وثمانية إناث”، رحم الله والداي وأسكنهما فسيح جناته، كانت طفولتي ممتعة بقدر ما هي شاقة ومتعبة، كبرت في البادية كنبتة عذبها الجفاف، نشأت بين الحقول وسط المروج الخضراء والسهل المنبسط والتلال والهضاب، بجانب البئر وضفاف الواد بسهل الشاوية، داخل تجمع سكني بسيط “دوار”، يعتمد أغلب سكانه على الرعي والزراعة وصناعة الفخار “دوار الطيانة”، نشأت على موسيقى طبيعية، مشكلة من أصوات الماشية والبهائم والطيور.. هناك تشربت أولى أبجديات فن العيطة، كنت أختلس الفرح النادر في غفلة من الأحزان، كنا نرعى الماشية والبهائم ونحن أطفال، وكنا نصنع ألعابنا بأيدينا من الطين ومن الأغصان ومن الأسلاك ومن الورود والأشواك، كنا نلعب بالحشرات والعصافير التي نصطادها، ولعبنا حتى بالعقارب والفئران والثعابين.. وأنا مدين لتلك الأيام بكل قدراتي الحالية على تجاوز الصعوبات، إنها معهدي الموسيقي الأول وثكنتي العسكرية الأولى، وكنا نستقبل الأعياد بفرح طفولي غامر، حتى ملابسي الجديدة كنت أستعجل ارتدائها في ليلة العيد، كنت أحيانا أنام وهي إلى جانب رأسي، أما أبنائي الثلاثة “بذرة وريحانة ومحمد” ، أعتقد أنهم قضوا طفولة عادية ومريحة، تنقلوا معي وسكنوا بسكن وظيفي محترم بالمراكز الترابية والقضائية للدرك الملكي، لم يرعوا بهائم ولم يحطبوا حطب، ولم يحاربوا حشرات ولا طيور ولا حيوانات..فقد تمتعوا بطفولتهم حتى كبروا وصاروا راشدين وكلهم أضحوا في سن الزواج، درسوا وتعلموا وحصلوا على شواهد ودبلومات، من الجامعة ومن المعاهد العلمية، ودرستهم الموسيقى في معاهد موسيقية، وتمتعوا في طفولتهم باللعب المزيفة لأنهم عاشوا بالمدينة، كانت لعبهم مصنوعة ومجهزة من دمى ولعب الكترونية، أعتز وأفتخر بطفولتي، ولكل جيل طفولته، كما لكل منا أحزانه وأفراحه.

جريدة جسر التواصل: بالمناسبة هل من جديد فني غنائي وأدبي ؟

الحسين السطاتي: إنني أحضر أغنيتين شعبيتين وعيطة مرساوية سأطرحهم إن شاء الله خلال بداية السنة القادمة، على قناتي بموقع اليوتيوب وأجزاء من هذه الأغاني سأضعها على صفحاتي بمواقع التواصل الاجتماعي، وأواصل الكتابة في ديوان زجل بعنوان “سروت الحصبة”، كما أكتب حاليا في سيرة روائية جديدة، اخترت لها مؤقتا عنوان “عيطة الحب وحب العيطة”.

جريدة جسر التواصل:كلمة أخيرة لجمهورك ؟

الحسين السطاتي: شكرا للجمهور الكريم على التشجيع المادي والمعنوي، فبفضل الله وبفضله تكون لي دافعية أقوى للاجتهاد وللعطاء، وأعده أنني سأعطي كل ما في وسعي لفن العيطة من موقعي كفنان ممارس، وشيخ للعيطة، وككاتب قاص وروائي وشاعر زجال..وسأظل وفيا لهذا التوجه الموسيقي، للحفاظ على هذا الفن الأصيل..هذا الكنز اللامادي المشترك بين المغاربة، وسأواصل الزحف الفني كي أعمل على نقله للأجيال القادمة كما أخذناه عن الأجداد الأسلاف بعد تجديده وتطويره، وشكرا لجميع المنابر الإعلامية التي تساهم بجد في إعطاء إشعاع للفن والفنانين المغاربة وتنوير الحقل الفني المغربي، وشكرا جزيلا لمنبركم الإعلامي جريدة “جسر التواصل” الذي سمح لي بأن أقف على هذا الجسر الإعلامي المتين، وأطل منه على الجمهور الكريم، أهنئكم بمناسبة هذه الذكرى العظيمة، ذكرى مولد نبينا محمد صل الله عليه وسلم، وأقول لكم كل عام وأنتم بخير، وأتمنى لكم مزيدا من النجاح والتوفيق.

الاخبار العاجلة