جسر التواصل/ الرباط: الحسين بلهرادي
أكيد أن العديد منكم من شاهد فيلم “امدوعون” (1972)..الفيلم السوري..الذي قام بإخراجه توفيق صالح..عن الرواية الرائعة لغسان كنفاني “رجال في الشمس” (1963)..والتي أحاول قراءتها من جديد..خلال فترة الحجر الصحي..وهي رواية تستحق قراءتها أكثر من مرة..والى جانبها هناك المجموعة القصصية التي كتبها طه حسين”المعذبون في الأرض”..والتي نجح طه حسين في وصف وتجسيد نماذج من الفقراء المعذبون في الأرض..هذه صورة تشبه ما تعانيه منطقة دكالة.. من تهشيم وإقصاء وفقر وهشاشة وكل صور المعاناة..وكأنها تعيش في عالم أخر..وخصوصا عالمها القروي..الذي يعيش البؤس
من أراد أن يعرف حكاية المعذبون في الأرض عليه أن يطلع على هذا الكتاب للمفكر العربي الكبير طه حسين حتى يفهم الدرس..
أما المخدوعون هو فيلم سوري..عن رواية رجال في الشمس..والتي كانت ضمن المقررات الأدبية التي تدرس في الثانويات المغربية..وبالضبط في البكالوريا..لكن للأسف تم حذفها لأسباب تطرح أكثر من علامة استفهام..
هنا سوف أتوقف لأعود إلى الوراء..لأرفع القبة للأستاذ والكتاب والقاص والروائي..الوافي الرحموني..الذي تتلمذنا عنه في الباكالوريا بأولاد أفرج..وكان له الأفضل الكبير..في كيفية فهم هذه الرواية..من خلال طريقة شرحه المبسطة..وفعلا كنا في الموعد وحصلنا على نقطة مهمة في هذه المادة..وتلك حكاية يشهد عليها التاريخ..وسوف نعود إليها قريبا..
اختيار هذا العنوان جاء فى هذه الفترة..بعدما عجزنا عن الخروج من الحجر الصحي خلال التاريخ المحدد..لأسباب متعددة..ومتشابكة..وهو ما أكد بالملموس فشل قطاعات متعددة..مما ورطنا في الدخول في مرحلة ثانية..وازدادت معها معاناة المعذبون في الأرض..والمقصود هنا الفئة الاجتماعية المقهورة..وخصوصا تلك التي تقطن في البوادي..منها قرى دكالة..وفي مقدمتهم سكان أولاد زيد ومتوح وبولعوان وأولاد أفرج والنواحي..
هذه الفئة ظلت دائما تبحث عن الخبز والماء وعن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية..لكن المعاناة كانت تكبر يوماً بعد يوم..لأسباب يعرفها الجميع..منطقة بقيت منسية..بل كنت دائما أقول عنها أنها المغرب الغريق..وليس المغرب العميق كما يتردد..لان من يقودون سفينتها..لا تهمهم معاناة هؤلاء..بل ما يهمهم هو عدد الأصوات التي يحصلون عليها من هنا…في استغلال مباشر للوضعية المزرية للساكنة..وهذه الاسطوانة تتكرر خلال كل مرة..عندما تقترب الانتخابات..تظهر تلك الوجوه من جديد..وبوجه بريء..والدليل هو كون أن مجموعة الأسماء عمرت طويلا ..ونفس اللون هو السائد..دون تقديم الإضافة..
مع كورونا ازدادت الضربات.. ومعها عادت الأسئلة حول الوضع..و انحدار مستويات المعيشة ومعدلات الفقر والبطالة..و من جانب آخر..ظهرت حقيقة الطبقة النافذة ..والتي هربت من الواقع..تاركة المهمّشين الذين لم يبقَ في عيونهم سوى سواد الليل..وهم ينظرون إلى أهل القرار وجشعهم ومكرهم وحبهم المفرط للمال وانغماسهم في الأبعاد المادية في الحياة، على حساب الأبعاد المعنوية والإنسانية الأخرى.
وليعلم هؤلاء انه حان الوقت لإعادة بناء مجتمع قابل للحياة بعد الحطام الذي ستتركه أزمة كورونا..كما قال المفكر الكبير الأميركي الكبير نعوم تشومسكي..اسمحوا لي .. نسيت أن اغلب هؤلاء لا يعرفون هذا المفكر أصلا..
مما لا شكّ في أنّ أزمة كورونا عرّت “بالعلالي”: عن علاقة المواطن بالمواطن..رغم اختلاف المهام..لان الأخلاق تبقى فوق كل شيء،كما كشفت تسلط مجموعة من الفئات..ومنها بعض أعوان السلطة..الذين استغلوا المناسبة للقيام بمجموعة من الممارسات اتجاه المواطنين..حيث خرج البعض إلى الاحتجاج..بعدما حرموا من القفف..وهو حق مشروع..لأن اغلب سكان هذه المنطقة الجغرافية..من الطبقة الكادحة..وحتى الذين كان لهم يعملون ويمارسون تجارة معاشية..توقفوا عنها..وحتى الذين كانوا يمارسون مجموعة من المهن الأخرى..كورونا دفعهم إلى التوقف..ليجدوا أنفسهم أمام مواجهة كورونا من جهة..ومن جهة ثانية وثالثة ورابعة أمام الفقر وقلة الشيء..وغياب الموارد..دون سند..في تجاهل تام للذين يركبون السيارات بكل أنواعها..و التي تحمل شارات البرلمان..وكذلك السيارات التي تحمل حرف”ج”..والذين أغلقوا هواتفهم..وابتعدوا من المواطنين خوفا من “كورونا”..سبحان مبدل الأحوال..؟؟؟
ومن الغرائب العجب العجاب..أن مجموعة من المستشارين قفزوا فوق الجميع..وبوجه مكشوف..وحصلوا على مجموعة من القفف..وبدون حشمة..ونفس الأمر ينطبق على بعض أعوان السلطة..منهم من منح إلى أشخاص الذين تجمعهم مصالح تجارية..وفي جماعة أخرى..وهي غير بعيدة عن التي يتواجد العون الأول..طالب عون سلطة من الناس أن يلتحقوا به إلى منزله..الذي تحول إلى خزان للقفف..وما خفي كان أعظم..وهذا الموضوع سوف نعود إليه قريبا
قبل الختام
في ظلّ هذا المناخ المسموم، الذي أنتجه الوضع المزري لمجموعة من الجماعات القروية، والتي غاب فيها مجال السلوك العقلاني
فقد تبيّن أنه مهما كانت مخاطر كورونا كبيرة، فهي قابلة للاحتواء، لأن سكان هذه المناطق..الشجعان..الأبطال..البسطاء..الكرماء..فهم يملكون عزيمة قوية..ولا يوقفهم ثلج ولا مطر ولا حرارة، ولا ظلام الليل يمنعهم من إنجاز هذه المهمة..
ختام الكلام
قال:ايمانويل كانت
إني أسمع من كل مكان صوتاً ينادي لا تفكر .. رجل الدين يقول لا تفكر بل آمن.. ورجل الاقتصاد يقول لا تفكر بل أدفع.. ورجل السياسة يقول لا تفكر بل نفذ .. ولكن فكر بنفسك وقف على قدميك إني لا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكني أعلمك كيف تتفلسف.