الفنان الكبير الحسين السطاتي شيخ العيطة وفارس الابداع ألتقته جسر التواصل التي ينشر على صفحاتها دائما مقالات رائعة عن العيطة وآثرت ان تفتح معه حوارا مطولا عن تجربته الابداعية سواء الفنية او الأدبية خاصة وأنه بالاضافة الى انه فنان متميز فهو كاتب وقاص وروائي له بصمة خاصة في الأدب المغربي .
أجرى الحوار: محمد نجيب
جريدة جسر التواصل : أولا مرحبا بك مرة أخرى بجريدتكم “جسر التواصل”، يريد الجمهور القارئ للجريدة أن يعرف من هو الحسين السطاتي ؟
الحسين السطاتي: بسم الله الرحمن الرحيم، تحية طيبة ملؤها المحبة والمودة للجمهور الكريم، وجزيل الشكر لمنبركم الإعلامي جريدة “جسر التواصل المغربية” على الاستضافة وتشجيعها الدائم للفن وللفنانين من كل الألوان الفنية..أعرف بنفسي: اسمي الكامل المحبوب الحسين بن محمد، واسمي الفني والأدبي “الحسين السطاتي”، فنان شعبي موسيقي عازف كمنجة “كومنجي” ومغني لفن العيطة “شيخ للعيطة”، من مواليد 28 ماي 1973، كاتب قاص وروائي وشاعر زجال، ودركي متقاعد برتبة “أجودان”..متزوج ولي ثلاثة أبناء ” بذرة وريحانة ومحمد”.

جريدة جسر التواصل: حدثنا عن البدايات الفنية للحسين السطاتي؟
الحسين السطاتي: بصفتي ريفي، بدوي النشأة، فدروسي الأولى في فن العيطة كانت في سن مبكرة على يد فنانين موسيقيين تقليدين رعاة بريف “أولاد عبو”، التي كانت تسمى قديما “جمعة فوكو” بمنطقة “أولاد سعيد”، جهة سطات الدار البيضاء الكبرى، منهم الأشياخ ” حسن بزيويطة، ورحال ولد برحال وحسن المسكيني، والمصطفى بن الواهلية، وسعيد ولد الكبير والموحيد عبد الرحيم..”، حيث كنا نلتقي في الخلاء أتناء الرعي، إذ كنا نرعى قطعان الماشية في الحقول الخصبة والمروج الخضراء في السهل المنبسط وفي الهضاب والتلال، بجانب البئر وعلى ضفاف الوادي..بسهل الشاوية، كنا نرعى ونلعب ونتدرب على الآلات الموسيقية التقليدية الصنع، منها الوترية والنفخية بما في ذلك “الكمنجة” و”لوتار” و”الناي” و”المزمار” والقصبة “المكَرونات”..، كل واحد منا يتدرب على الآلة التي يحبها، وأنا اخترت منذ البداية آلة الكمان “الكمنجة”، كان هذا بالموازاة مع الدراسة وخاصة خلال أيام العطل المدرسية، وشيئا فشيئا أخذت في التعلم عن طريق التكرار والاجترار، فتعلمت كيف أصنع آلتي الموسيقية الأولى “كمنجة الطارو”، نقلا عن الفنانين الرعاة الأقدم مني في التعلم، حيث كنت أصنعها من إناء قصديري لمبيد الحشرات، كنت أشده إلى خشبة أتفنن في نجارتها حتى تأخذ شكل يد الكمان الحقيقية، وأستعمل الأوتار من أسلاك فرامل الدراجة، أما القوس، فكنت أصنعه من ذيل الفرس وأشده إلى قضيب خشبي غالبا ما يكون من أغصان الزيتون أو من شجر الطلح، وكانت تغمرني سعادة وأنا أصنع آلتي الموسيقية بيدي، وكنت أحفظ الأغاني مباشرة من الرعاة، ومن أهازيج الفلاحين .خلال الرعي في الخلاء أو في موسم الحرث وموسم تنقية الزرع من الأعشاب الضارة “الطفيليات”، وموسم الحصاد الجماعي بالمنجل، وموسم الدرس، وموسم جني الزيتون.أو خلال حضوري المباشر للفرق الموسيقية العيطية التي كانت تحيي الحفلات بالدوار، وأحيانا من أمام بائع الكاسيت بالسوق الأسبوعي الذي ينعقد بالمنطقة يوم الجمعة، ثم بعد ذلك بدأت أتعلم بالتدرج عن طريق السماع عبر أشرطة الكاسيت من عدد كثير من أشياخ وشيخات العيطة، وكونت مجموعة غنائية من أربعة أشخاص من أبناء الدوار على شاكلة المجموعة الشهيرة “نجوم بوركَون”، بآلات موسيقية بدائية بسيطة “كمنجة وجوج بنادر وطعريجة”، وصرنا نحيي سهرات ليلية بجانب الحانوت الوحيد بالدوار، نبقى ساهرين إلى ساعات متأخرة من الليل، وخاصة في فصلي الشتاء والصيف، كما صرت أشارك في الحفلات المدرسية بمناسبة الأعياد الوطنية، وهكذا كانت بدايتي الفنية مع الأغنية الشعبية وتراث فن العيطة.
جريدة جسر التواصل: من الذي شجعك ودعمك في البداية لدخول مجال العيطة، وهل برأيك الأسرة لها دور في تنمية موهبة الأبناء؟
الحسين السطاتي: فن العيطة هو فن رعوي بدوي، نشأ في القرى النائية وكل نوع من أنواع العيطة يرمي إلى البيئة البدوية التي ترعرع فيها عبر مختلف مناطق المملكة المغربية، وصعب أن تكبر وأنت موهوب بفن العيطة وسط أسرة بدوية فقيرة ماديا وثقافيا، متواضعة إلى ضعيفة الثقافة ومنها الثقافة الموسيقية، لم أجد أي تشجيع من أسرتي بل العكس هو الصحيح، كان القمع والعقاب بالضرب والطرد من المنزل بدعوى أنني أريد أن أكون فنانا شعبيا عازفا على آلة الكمنجة أو بمفهوم آخر “شيخ الشيخات”، كل من في المنزل يعشق العيطة الأب والأم والإخوة والأخوات، لكن لا أحد يريد أن يكون ابنه “شيخا” أو ابنته شيخة، هذا قانون البادية، يريدني أبي وأمي أن أكون راعيا عند الناس وخادما عندهم في الفلاحة أو أعمل مياوما في مهن موسمية أو خضارا أو جزارا..، وقد يقبلان والداي أن أكون مجرما لصا وسكيرا عربيدا، لكنهما لا يريدان أن أكون فنانا موسيقيا ومغنيا، كما يريدان أن تكون أختي خادمة بيوت في المدينة أو نادلة بمطعم أو مقهى، وقد يفضلا أن تكون مومسا داعرة.. ولا يريدانها أن تكون فنانة موسيقية ومغنية بمعنى “شيخة”، ممنوع على أخواتي أن يحملن “البنادر” و”الطعارج” ويغنين ويرقصن داخل منزلنا، لكن مسموح لهن أن يعملن خادمات بيوت في المدينة وهن قاصرات ويحرمن من الدراسة والتعلم وقد يزوجوهن وهن طفلات قاصرات، إنها الحقيقة المرة، والثقافة الرجعية المتخلفة، وللأسف مازالت هذه العقلية سائدة عند الكثير من ناس البادية.. كان أبي “محمد بن الجيلالي” رحمه الله، فلاحا بسيطا وصانع فخار “طيان”، وعسكريا متقاعدا من الجنود الذين حاربوا إلى جانب الجيوش الفرنسية في حرب الهند الصينية”أندوشين”، وكان رحمه الله فنانا شعبيا عازفا على الإيقاع “البندير” ينشط مع مجموعة غنائية من خمسة أفراد بآلة “لوتار” و”البنادر”، كان رحمه الله مولعا بفن العيطة، أراه فرحا مسرورا خلال تواجده في حفلة أو سهرة تنشطها مجموعة للشيخات، يراقص الشيخات ويغني مع أفراد المجموعة ويكرمهم، لكنه كان يرفض أن أكون فنانا موسيقيا، ونفس الشيء كانت أمي “السعدية بنت محمد” رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، تعشق فن اللعابات والأغاني الشعبية، تلك المرددات النسائية الشعبية الجميلة، وكان لها صوتا طروبا رخيما، فكانت تغني مع صديقاتها وجاراتها في المناسبات وخلال أعمالهم المنزلية من نسيج وغسل صوف وزرابي، وكانت تغني وهي تصنع الأواني الطينية.. لكهنا كانت ترفض رفضا تاما أن أتعلم الكمان وأغني، وقد كسرت أمي مرارا آلتي الموسيقية التقليدية وضربتني بها على رأسي، وكذلك الشأن بالنسبة لأبي فقد عاقبني عقوبات قاسية وعذبني من أجل أن أترك الفن وأهتم بالفلاحة والدراسة، لكن بعد وصولي سن الثانية عشر تقريبا من العمر، كان تمردي واضحا إلى حد الثورة والتمرد وعقوقهم من أجل الفن، وأتذكر أن أمي كسرت لي آلتي الموسيقية التقليدية “كمنجة الطارو” صنعتها وتعبت من أجلها، إذ بينما كنت أعزف عليها أمام المنزل في ذلك اليوم من أيام الصيف قبل الظهر بقليل، خرجت أمي غاضبة ساخطة ونزعتها مني بالعنف وكسرتها أمام عيني وهي تضربها على الأرض وأنا أصرخ في وجهها وأسب وألعن وأبكي وأتألم من الداخل، وفي نفس اليوم وقت القيلولة وإنتقاما منها، استغليت فرصة خروجها من المنسج “المنجج” التقليدي، وحملت شفرة حلاقة وقطعت لها خيوط النسيج من الوسط، وهربت وسط الدوار وأنا هائج ثائر، أبكي وأسب وأشتم وألعن، وكانت تلك بداية تمردي على الوالدين، وهددتهما بأنني سأضرم النار في أكوام التبن “النوادر”، ولن أرعى الغنم والبهائم.. وغادرت المنزل وبعد مرور يومين عدت من جديد إلى بيتنا، وأخبرت أمي أنني سوف أغادر الأسرة بصفة نهائية، مشية بلا رجعة، إن لم يسمحا لي بمزاولة هوايتي الموسيقية، ومنذ تلك الواقعة تركوني وشأني، لكن لما تحسنت في العزف على الكمان والغناء شجعني ودعمني أخي “المحبوب عبد القادر” الذي يكبرني بسبع سنوات، وهو الآخر فنان يعزف على آلة الإيقاع “البندير” وعلى آلة العود ويغني، لكنه كان بعيدا على أعين الوالدين لأنه كان يعمل خياطا تقليديا للنساء بالمدينة..كانا الوالدان رحمهما الله يريدان خيرا لي، لأن فن العيطة كان منبوذا، رغم أن الكل يعشقه، كانا يريدان لي أن أعيش عيشة العز وأبتعد عن عيشة الفن المذلولة المحتقرة.. وكانا يخافان علي أن أضيع وسط جو الغناء واللهو والفساد والتدخين وشرب الخمر، كانا رحمهما الله يؤمنان أن “شيخ العيطة” إنسان فاسد يعيش رهين شهواته ومتعته ولا فائدة ترجى منه.

جريدة جسر التواصل : ما هي أهم ذكريات الطفولة التي أثرت فيك فنيا ؟
الحسين السطاتي: فعلا لذي ذكريات فنية في الطفولة مع موسيقى العيطة، ويشدني الحنين إلى طفولتي الريفية البدوية، تعود بي الذاكرة إلى بداياتي الفنية الأولى، رغم الصعوبات التي اعترضتني في بداية تكويني التقليدي الموسيقي، حيث كنت فقيرا بئيسا، لا أجد ثمن ما أشتري به آلة كمنجة حقيقية، وليس لي مأوى بالمدينة أو القرية، فكنت أتعلم في الآلات الموسيقية التقليدية الصنع “كمنجة الطارو”، وخلال المناسبات أقوم بكراء “كمنجة” حقيقية، كنا في البداية نذهب لإحياء حفلة عرس بدون مقابل مادي فقط كنا ننعم بوجبة أكل دسمة وبعض الإكراميات من الجمهور، كان هاجسنا الأول هو الفن الموسيقى وصنع الفرجة ومشاركة الناس أفراحهم، لكن بفضل الله والاجتهاد والعزيمة والإصرار، حصلت على ما أريد، حققت الكثير من أحلامي، صار لدي العديد من الآلات الموسيقية ومعداتها الالكترونية والرقمية، ومكبرات الصوت ولوازمها، كما صرت رئيسا لمجموعة غنائية موسيقية عيطية قد تصل أحيانا إلى عشرين فردا تضم رجالا ونساء، وها أنا أنشط الأعراس والمواسيم والمهرجانات، وأحيي السهرات الكبرى بأكبر المسارح بالمغرب..
جريدة جسر التواصل: نريد من الفنان الحسين السطاتي أن يحكي لنا عن مجموعته الغنائية الأولى، وكيف وصلت إلى تأسيس مجموعته الموسيقية الحالية؟
الحسين السطاتي: أول مجموعة موسيقية غنائية، كانت من أبناء الدوار أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كانت مجموعة تقليدية على شاكلة المجموعة الشعبية الشهيرة “نجوم بوركَون”، بآلات تقليدية بدائية،”كمنجة، واثنان أو ثلاث بنادر وطعريجة”، حيث كنا نحيي الحفلات بالدوار وبالمنطقة، كما كنت أشارك كضيف شرف تلك المجموعات الغنائية “ربايع الشيخات” التي كانت تحيي الحفلات بالدوار، ثم بعد ذلك أسست رفقة أخي “المحبوب عبد القادر”، الذي يكبرني بسبع سنوات وهو عازف إيقاع “البندير” وعازف على آلة العود، ومغني للعيطة والأغنية الشعبية، أسسنا مجموعة غنائية عصرية بمدينة الدار البيضاء، وبالضبط بمنطقة “سيدي معروف أولاد حدو”، تحت اسم “أوركسترا الأفراح الشعبية”، وكانت تلك المجموعة تظم عشرة أفراد بآلات موسيقية تقليدية وعصرية غربية بما في ذلك آلة “الأورغ” وآلة الإيقاع الغربية “لباتري”، و”القيتارة”، وصرنا نحيي الحفلات والأعراس ونشارك في المواسيم الفلاحية، والمهرجانات بمدينة الدار البيضاء وسطات والنواحي، بعد ذلك أسست مجموعتي الغنائية صيف سنة 1991، تحت اسم “أوركسترا الحسين السطاتي”، وبدأت في العمل الفني بمدينة الدار البيضاء وبرشيد وسطات إلى بن جرير والنواحي، حيث كانت المجموعة الغنائية تضم العنصر النسوي “الشيخات”، وكان هذا بالموازاة مع الدراسة إلى حدود ربيع سنة 1994، حيث التحقت بالوظيفة العمومية بصفوف الدرك الملكي سلك ضباط الصف، وبقيت متتبع لكل جديد في الساحة الفنية كما كنت على تواصل مع أصدقائي الفنانين، وكونت صداقات فنية جديدة بمدينة بن جرير، حينما كنت أستاذا مدرسا ومدربا لضباط الصف الدركيين بالقاعدة العسكرية ببن جرير، كما كونت معارف وصداقات فنية وأنا دركي ضابط للشرطة القضائية والعسكرية عامل بحقل الضابطة القضائية، حيث كنت أتعرف على الفنانين والموسيقيين “أشياخ وشيخات” بكل قرية أو مدينة أشتغل فيها، وأشارك أحيانا في إحياء السهرات خلال فترة إجازاتي من العمل، كما اشتريت مجموعة من الآلات الموسيقية والمعدات التقنية المتعلقة بالموسيقى بما في ذلك مكبرات الصوت ومعدلاته، وصرت أقوم بكرائها أحيانا للفنانين المحتاجين لذلك، وبقيت قريبا من عالم الموسيقى والغناء، وكان نصب عيني أنني سأغادر يوما الوظيفة العمومية وأعود إلى العمل الفني الذي أعشقه وأحبه، وبالفعل انتظرت إلى أن كونت نفسي ووصلت سن التقاعد النسبي ( اثنان وعشرون سنة من الخدمة في سلك الدرك الملكي)، فطلبت التقاعد وكان لي ذلك، حيث عدت من جديد خلال ربيع 2016، إلى مزاولة عملي الموسيقي الفني بكل حرية، وأسست مجموعتي الغنائية بنفس الاسم “الحسين السطاتي” وبنفس جديد، وشاركت في عدة سهرات وحفلات زفاف ومهرجانات ومواسيم تبوريدة وملتقيات أدبية…

جريدة جسر التواصل : هل واجهتك عقبات بعد عودتك إلى الفن بعد تقاعدك من الوظيفة العمومية؟
الحسين السطاتي: طبعا، الصعوبات تصادف أي إنسان يعمل ويجتهد من أجل الوصول إلى هدفه، وتلك هي سنة الحياة، حتى النملة وهي تحمل قوتها تعترضها حواجز وعراقيل، لقد واجهتني صعوبات مادية ومعنوية، خلال عودتي من جديد إلى مجال الموسيقى، لكن بفضل الله وعونه، والحزم والصبر والعزيمة.. تجاوزت العراقيل والصعوبات، وسأظل أكافح في هذه الحياة حتى أعجز جسديا وعقليا.
جريدة جسر التواصل : نريد أن نعرف كيف أقنعت المحيطين بك من أسرتك الصغيرة والكبيرة ورؤسائك بسلك الدرك الملكي، بأنك تريد أن تتخلى عن الوظيفة العمومية وتعود إلى الساحة الفنية؟
الحسين السطاتي: جد صعب أن تقنع الوالدين البدويين بأنك فنان موسيقي تعشق الموسيقى والغناء ومن أجل هذا تريد أن تتخلى عن وظيفة محترمة ولها قيمة وحضوة اجتماعية، لقد صبرت وضحيت بما فيه الكفاية، حبا لوالداي، واحتراما لهما، رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته، أما عن زوجتي “نرجس كريمة” وأبنائي “بذرة وريحانة ومحمد”، فقد كونتهم فنيا وصارت لهم ثقافة فنية أبنائي أدخلتهم معاهد موسيقية ودرسوا وتكونوا موسيقيا وفنيا، والآن صاروا كبارا راشدين في سن الزواج، المشكل كان عندي مع الوالدين، لأن ثقافتهم ريفية بسيطة وهما بدويان ويريدان أن يريان ابنهما ناجحا اجتماعيا ولو على تعاسته وشقائه، وأخبرك أنه بعدما قضيت مدة عشرة سنوات بمهنة الدرك الملكي، أخبرت أبي أنني أريد أن أغادر سلك الدرك الملكي وأعود إلى فن العيطة، فرفض رفضا باتا، وقال لي بأنني سوف أقتله وهو حيا، وقال لي بهذه العبارة “هم يسألونني كيف حال الشاف الحسين، وتريد أن يصبحوا يقولون لي كيف حال الشيخ الحسين”، كان رحمه الله عسكريا متقاعدا، ويحب أن يراني بالبذلة الدركية والنياشين، لذلك كبحت جماح هوايتي وراحتي الفنية والنفسية، وبقيت دركيا إلى أن توفيا رحمهما الله، وبعد حصولي على التقاعد النسبي، قررت أن أجرب حظي في الفن، وأحقق طموحاتي وأحلامي، وأجرب كل ما أهواه وأحبه، وبالفعل كان اختيارا صائبا موفقا، وحققت الكثير من أحلامي وأنا أمارس فنا أهواه وأحبه، ولا يمكنني أن أنكر خير مهنة الدرك الملكي، لقد كونتني ماديا ومعنويا وثقافيا، أعادت تربيتي وتكويني، وبفضل مهنة دركي عشت تجارب حياتية قوت شخصيتي وعرفتني على ناس، عرفت مدنا وقرى مغربية عديدة عبر ربوع المملكة، وأكلت في أفخر الفنادق والمطاعم، وتعرفت على شخصيات وازنة، ودخلت أماكن لا يمكنني أن أدخلها لو لم أكن دركيا، وكونت صداقات، وكونت أسرة إذ صارت لي زوجة وأبناء ودرسوا وكبروا، ودرسوا بالجامعة وبمعاهد علمية، وساعدت والداي وإخوتي، لهذا أنا مدين لإدارة الدرك الملكي بالشيء الكثير فهي بمثابة أمي الثانية.
جريدة جسر التواصل: لماذا اختار الحسين السطاتي فن العيطة بالذات ؟
الحسين السطاتي: بصفتي بدوي من ريف “أولاد عبو”، منطقة أولاد سعيد، ولاية سطات الدار البيضاء الكبرى، ولدت ونشأت بالبادية بتاريخ 28 ماي 1973، ترعرعت وسط السهول المنبسطة بين المروج الخضراء والتلال والطبيعة الغناء، وكانت العيطة وخاصة منها “العيطة المرساوية” هي الموسيقى المنتشرة بالمنطقة، فالعيطة هي نشيدي الأول، وهي أول موسيقى تسمعها أذني ويرددها فمي، لم تكن هناك موسيقى أخرى كالراي أو الطرب الأندلسي أو طرب الملحون أو الهيب هوب أو الراب وغيرها..كانت موسيقى العيطة تنشط جميع الحفلات والأعراس والمناسبات بما في ذلك حفلات الزواج، والعقيقة والختان، وحفلات النجاح بما فيها النجاح الدراسي والمهني والسياسي، وحفلات ربح محاكمة قضية تتعلق بأرض فلاحية، وحفلات عودة الغائب، وحفلات الخروج من السجن، وحفلات العودة من بلاد المهجر، وحتى الحفلات الدينية بما فيها أيام عيد الفطر وعيد الأضحى وليلة عاشوراء، وحفلات عودة الحاج من الحج، وحفلة جز صوف الغنم “الدزازة”.. كما كنت أسمع موسيقى العيطة في أهازيج الرعاة والفلاحين خلال موسم الحرث، وموسم تنقية الزرع من الأعشاب الضارة الطفيلية، وموسم الحصاد، وموسم الدرس، وموسم جني الزيتون، وموسم جني تمار التين الشوكي، ومواسيم الفروسية التقليدية “التبوريدة”.. هكذا تولد لذي عشق وحب هذا الفن، فتعلمت العزف على آلة الكمان والغناء وتدرجت في التعلم الموسيقي، ومازلت أتعلم وأبحر في بحر العيطة.
جريدة جسر التواصل : من هم الفنانين الشعبين “أشياخ وشيخات” الذين أثروا في مسارك الفني؟
الحسين السطاتي: عدد كثير من الشخصيات الفنية “أشياخ وشيخات”، أثرت في مساري الفني، وتعلمت منهم عن طريق السماع عبر أشرطة الكاسيط أو تسجيلات الفيديو، وأحيانا حضرت لبعضهم في سهرات مباشرة، بداية تأثرت بفنانين رعاة بالمنطقة منهم: الموحيد عبد ىالرحيم، وسعيد ولد لكبير ، وحسن بزيويطة، وحسن ولد الواهلية ورحال ولد برحال..وأذكر من الأشياخ فن العيطة “”الشيخ بوشعيب البيضاوي والشيخ الماريشال قيبو، والشيخ حمو البوفي، والشيخ عبد الحق ولد الحلاوي، والشيخ الحسين الخريبكَي، والشيخ عبد الصادق، والشيخ علال ولد لكرامش الشرقاوي، والشيخ صالح السمعلي، والشيخ امحمد ولد الهراس البجعدي، والشيخ خالد ولد البوعزاوي، والشيخ الستاتي عبد العزيز، والشيخ سعيد ولد الحوات، والشيخ امحمد الباعوت، والشيخ عبد الرزاق البيشي السطاتي، والشيخ بوشعيب لبصيرالسطاتي والشيخ مصطفى بوركَون والشيخ عبد الله الداودي..كما تعلمت من الفنانين الأمازيغيين الذين غنوا وأتقنوا بعض الأغاني العيطية وأذكر من هؤلاء الفنانين: لمغاري ميلود، وعاشور حمي، وبناصر بلغازي، وحمو اليزيد، وعلي أشيبان، ورويشة محمد والمصطفى نعينيعة..ومن الشيخات أذكر، الشيخة فاطنة بنت الحسين، والشيخة الزروقية، والشيخة فاطمة الزحافة، والشيخة الخودة، والشيخة خديجة البيضاوية، والشيخة خديجة مركَوم، والشيخة ضونا، والشيخة الحمداوية والشيخة الحامونية..

جريدة جسر التواصل : كيف تقيم انتشار فن العيطة؟ وهل هي مهددة خاصة مع ظهور ألوان موسيقية أخرى ؟
الحسين السطاتي: بصفتي فنان شعبي “شيخ للعيطة” مغني وعازف كمنجة لمجموعة غنائية “رباعة الشيخات”، وكاتب؛ قاص وروائي، وشاعر زجال، فإنني أقول أن العيطة تمرض وتتعافى وقد تقتل لكن لا تموت، وأرى أن فن العيطة كان ومازال وسيظل مكتسحا للساحة الفنية المغربية، إذ يعرف انتشارا واسعا وإشعاعا فنيا كبيرا، ساهمت في هذا الانتشار والإشعاع عدة عوامل، أهمها أن فن العيطة يساوي بين الجنسين فللرجل كما للمرأة، وإذا بحثنا في المحفوظات “الأرشيف” بمختلف وسائل الإعلام المغربي، سنجد هذا السؤال مطروحا منذ ستينيات القرن الماضي، لكن العيطة كانت ومازالت وستظل حاضرة وبقوة، تفرض وجودها على المتلقي رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين عليها..ورغم الحرب الشرسة التي شُنت عليها من طرف المستعمر ومن طرف بعض المتشددين والتطرفين.. وحتى من طرف الموسيقى الدخيلة القادمة من الخارج..وأعداء الفن الذين حاولوا تشويه سمعة العيطة وتغيير معناها الحقيقي، فهي فن التمرد و الاحتجاج الذي قهر المستبد والظالم، وساهم في مقاومة المستعمر، وثارت في وجه السلطات الغاشمة..فالعيطة متواجدة منذ قرون يعني منذ مئات السنين، تفرض نفسها في الساحة الفنية الغنائية المغربية وخارج الوطن..وبصفتي “شيخ للعيطة” فإن سبب تألق هذا الفن التراثي الأصيل واستمراره، يرجع إلى بنيته الأدبية والفكرية، وعمقه الموسيقي والشعري ومجده التاريخي، وما تحمله من ألغاز وأسرار..فالعيطة إضافة لما تعالجه من مواضيع اجتماعية واقتصادية وسياسية فهي أغنية أيروتيكية، أغنية أيروسية عاطفية تخاطب الوجدان بالدرجة الأولى، فهي ترقى وتسمو بالعلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة في بعدها الجمالي، ذلك البعد الإنساني، بعيدا كل البعد عن الإباحية أو”البرنوغرافية”، التي أرادوا أن يلحقوها بها، وهذه الأيروسية هي التي تجعل الفن بصفة عامة وبكل ألوانه مقبولا وخالدا بل حيا تتوارثه الأجيال أبا عن جد..وأعتقد أن فن العيطة هو الفن المغربي الوحيد الذي يستهلك في السر أكثر مما يستهلك في العلن، وهو الفن الذي يساوي بين الرجل والمرأة بل نجد أحيانا المرأة “الشيخة” تأخذ حصة اللبوءة سواء كعازفة أو مغنية أو راقصة، وقد تترأس المجموعة وتقود فرقتها، كما أن فن العيطة قد ساير عصر المكننة والرقمنة، بالتجديد والنقص من المدة الزمنية للقصيدة العيطية لتلاءم العصر، مع الاحتفاظ بالعيطة الأصل “الأم”، وبالفعل نجح في فرض وجوده، فإذا تفحصنا مواقع التواصل الاجتماعي بما في ذلك “الفايسبوك، واليوتوب، وتويتر والتيك توك.. ” أو عبر تطبيقات التراسل الفوري وعلى القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية المغربية..سنجد أن العيطة تفرض وجودها ولها إشعاعا قويا، وحضورا طاغيا تحسد عليه، حيث يتم بث أجزاء من الأغاني العيطية، وتسجيلات مختلفة لسهرات الشيخات، ومقاطع فيديو، تحضى بنسب مشاهدة عالية، وحتى في الدراما المغربية في الأفلام التلفزيونية والسينمائية والمسلسلات نجد أن الأعمال التي تتناول موضوع العيطة والشيخة تحصد نجاحا كبيرا وإقبالا كبيرا وقبولا جماهيريا، كما أن فن العيطة صار حاضرا في كبرى المحافل الدولية العالمية، وتغنت به فرق موسيقية شهيرة، كالفرقة الأمريكية التي غنت العيطة الجبلية، والفرقة الايرانية النسائية التي غنت العيطة الجبلية، وفنانين خليجيين أعادوا غناء “العيطة المرساوية”، والأوركسترا السمفونية الهولندية التي غنت عيطة “ركوب الخيل” وعيطة “ألباس” من العيط المرساوي، وباحثين وباحثات أكاديميين مغاربة وأجانب اشتغلوا في أبحاثهم على فن العيطة.. وهذه من بين الأسباب التي تجعل فن العيطة فنا أبديا يتحدى الفناء والضياع، فالعيطة كما قلت لك قد تقتل لكن لا تموت بمعنى أن هناك العديد من الأشخاص الذين عشقوا وافتتنوا بهذا الفن، هناك من خسر أمواله وعقاراته في عشق متهور لهذا الفن، وهناك من الفنانين العيطيين الذين أفنوا عمرهم في سهرات وليالي غناء هذا الفن ولم يحسبوا حسابهم ودارت بهم الأيام في الأخير وصاروا متشردين متسولين، وهناك من خسر أمواله وصحته على هذا الفن وفي الأخير انتحر، وهناك الكثير، لكن العيطة دائما حية لا تموت، وتسير من حسن إلى أحسن. أضافة إلى هذا صارت هناك دافعية قوية لشباب اليوم كي يلجوا عالم العيطة، إذا كان الوالدين الآباء والأمهات يمنعون أبناءهم وبناتهم من ولوج عالم موسيقى العيطة، بدعوى أنها منبوذة اجتماعيا ويُنظر إلى الشيخ والشيخة نظرة احتقار، وغالبا ما كان محترفو هذا الفن ناس أميين بدون مستوى دراسي ومستواهم الثقافي ضعيف وجد متدني، لكن اليوم صرنا نجد أشياخ وشيخات لهم مستوى دراسي علمي عال ومستوى ثقافي جيد، هناك أشياخ حاصلين على شهادة الدكتورة ودبلومات مختلفة وهناك أشياخ مهندسين، وضباط سامين متقاعدين، وأطباء..وشيخات متعلمات ومثقفات؛ كاتبات، ومديرات أعمال، ورئيسات مؤسسات تجارية كبرى ورئيسات جمعيات..

جريدة جسر التواصل : ماهي اهتماماتك الأخرى غير الموسيقى، وكيف تنجح في الجمع بين الكتابة والموسيقى ؟
الحسين السطاتي: بعد تقاعدي برتبة “أجودان” من مهنة الدرك الملكي، استثمرت في مجال الحلاقة العصرية للرجال وللنساء بمدينة “تمارة”، بصفتي حلاق ومدرب حلاقة، إلى جانب هذا فأنا مهتم بالقراءة والكتابة، أكتب المقالة والقصة القصيرة والقصة والرواية والسيرة الذاتية والمسرح.. وبين الفينة والأخرى أنشر وأغرد على صفحاتي وحساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، لقد نشرت بعض الفصول من روايتي الطويلة التي كتبتها في أربعة أجزاء تحت عنوان “عيطة بيضاوية”، ونشرت سلسلة ندوات كنت قد ألقيتها في ملتقيات ثقافية وفي احتفاليات خاصة بالتراث الشعبي وفن العيطة، وجمعتها في كتاب تحت عنوان “فن العيطة بين نظرة الاحتقار ورد الاعتبار”، ونشرت مجموعة من القصص القصيرة من مجموعتي القصصية بعنوان “العيطة والغيطة”، وكتبت نص مسرحي فردي بعنوان “عيطة الكرسي”، كما نشرت لي إحدى الجرائد المغربية سيرتي الروائية بعنوان “عيطة دموع الخيل”، نشرت عبر سلسلة حلقات يومية خلال شهر رمضان، وأكتب حاليا في عمل روائي جديد أعطيته مؤقتا عنوان ” عيطة هيت الشيخات”، وأكتب كتابي الثاني من سيرتي الذاتية، أعطيته عنوان “عيطة عريس الخيل”..وأكتب في ديوان زجل بعنوان “سروت الحصبة”، وقد صارت العيطة حاضرة معي في الخرجات الاعلامية وفي الصالونات الأدبية، فالموسيقى العيطية هي حقل خصب للكتابة السردية، حقل غني بالأحداث الجريئة المثيرة التي تشد القارئ في الواقع كما في المواقع، وفي الكتاب وعلى الشاشة الصغرى والكبرى.
جريدة جسر التواصل : نود أن نعرف كيف كانت المرحلة الانتقالية من “الأجودان الحسين” الدركي ضابط الشرطة القضائية والعسكرية، إلى “الشيخ الحسين” ضابط الإيقاع، المغني والكومنجي للعيطة المرساوية؟
الحسين السطاتي: المرحلة الانتقالية كانت عن دراسة وتخطيط، فالحسين السطاتي قبل أن يكون دركيا “أجودان” ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية وضابط الشرطة التقنية العلمية، وضابط مكلف بالأحداث، وأستاذا مدرسا ومدربا عسكريا لضباط الصف للدرك الملكي..كان في نهاية ثمانينيات القرن الماضي فنانا شعبيا “شيخا للعيطة”، مغني وكومنجي ل”رباعة الشيخات”، يحمل اسم “الشيخ الحسين السطاتي”، ولا أنكر خير مهنة الدرك الملكي علي، فأنا مدين لهذه الإدارة بالكثير، وجميلها علي لا يحصى، فقد كونتني وأعادت تربيتي وقوت شخصيتي، أعطتني الكثير ماديا وثقافيا ومعنويا.. وبعد قضائي لمدة اثنان وعشرون سنة في سلك الدرك الملكي بما في ذلك حقل الضابطة القضائية بميدان الجريمة والتدريس والتكوين العسكري، ولما تعديت سن الخامسة والأربعين قررت التفرغ لأعمالي الخاصة الحرة، ولممارسة هواياتي بما فيها القراءة والكتابة والموسيقى.. شعرت أن سني لم تعد تسمح لي بالحرب في ميدان الجريمة، ولا الأعمال المكتبية الوظيفية، فقررت أن أعمل عملا أحبه وأرتاح إليه، ويُريحني جسديا ونفسيا، وبالفعل الحمد لله تحقق لي ذلك، وكان نعم الاختيار ونعم القرار،فأنا الآن لا أعد نفسي أعمل فحسب بقدر ما استمتع بهواياتي وأتقاضى عن ذلك أجرا..وأتمنى أن تخرج “العيطة” بخير كما خرج “السربيس” على خير..

جريدة جسر التواصل : الحسين السطاتي فنان شعبي شيخ للعيطة، وكاتب؛ قاص وروائي وشاعر.. في كتاباتك الأدبية ومقالاتك دائما تدافع بشراسة عن حرية المرأة، وعن “الشيخة”، بدعوى أنها فنانة شعبية شاعرة ومغنية وتؤدي مهمة فنية في الوطن، فهل يرضيك أن تكون زوجتك أو بناتك شيخات؟
الحسين السطاتي: أشكرك على هذا السؤال، هذا سؤال كبير وجريء ويحتاج جوابا طويلا وعميقا وجريئا، فعلا بصفتي فنان شعبي، شيخ للعيطة، مغني وموسيقي “كومنجي لرباعة الشيخات”، وكاتب قاص وروائي وشاعر.. فأنا أدافع عن الشيخة بكونها إنسانة فنانة، أنثى مغربية، ومن حقها أن تعيش بيننا بكرامة وعز، وتُحضى بجميع الحقوق كأي مواطن مغربي في هذا الوطن، وهي تؤدي فنا شعبيا مغربيا أصيلا وهو فن العيطة، موسيقى وغناء ورقص..هناك من المتطرفين والمتشددين والمنافقين الذين ينعتونها أنها تزرع الفتنة وتحرض على الفساد وكأن غير الشيخة ملائكة، وتجدهم هم أكثر الناس فسادا مهنيا وأخلاقيا، وليس إذا كانت هناك شيخة سيئة الأخلاق معناه أن جميع الشيخات سيئات الأخلاق، أما فيما يتعلق بحياتها الخاصة فذلك من شأنها، وعلاقتها بخالقها تخصها، كما نجد ذلك في أبيات من عيطة دامي تلك العيطة المرساوية الأيروسية ( بيني وبين غزالي جمعنا حب كبير…وبيني وبين العالي ما نحتاج وزير)، وهناك عدالة وقانون في البلاد ويمكن محاسبة الشيخة ومعاقبتها قانونيا إذا أجرمت، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن تكوين الشيخة في مدارس أو معاهد موسيقية أو في مدرجات الجامعات.. فالشيخة سبق لي وأن كتبت في مقالات أدبية، هي فنانة موسيقية موهوبة بالسليقة، وفنانة مبدعة بالفطرة، وهي نتاج قهر وظلم واستعباد ودكتاتورية ذكورية للأنثى البدوية المغربية، وبهذه التصرفات اللا إنسانية الظالمة الجائرة في حق الفتاة البدوية، يمكننا تكوين وإنتاج الشيخة، وهذا هو المختبر الحقيقي لصناعة الشيخة، بل يمكننا تصديرها إلى خارج الوطن بالدول الخليجية وحتى الأوربية..وحرفة “تشياخيت”، هي نوع من الاحتجاج وتمرد عن القهر والظلم والاستعباد، لذلك فزوجتي وبناتي لم يعشن هذه الظروف القهرية القاسية، فلو عشناها لوجدتهن فعلا شيخات، والشيخة امرأة ذات شخصية قوية تفرض نفسها على غرور الرجل المغربي، ذلك الرجل المتزمت الأناني النرجسي غير المتنور،، وكم من أنثى فنانة تريد أن تغني وترقص وتُخرج ما بداخلها من قهر واختناق وتجدها ممنوعة من طرف أهلها ومقموعة من طرف المجتمع، كما يقول الفيلسوف والمفكر والكاتب الروائي والشاعر.. الأمريكي(رالف والدو ايميرسون) : “يموت الناس وموسيقاهم بداخلهم”، وأقول لك أنه قد تكون أمك شيخة تتستر على فنها بداخلها ولنفسها، وأختك قد تكون شيخة وأنت لا تدري، قد يفعلن في الخفاء ما تخجل أن تفعله الشيخة في العلن، دون أن تعلم أنت شيئا من ذلك، لكن ليست لهن شجاعة الاحتجاج والتمرد والخروج إلى العلن والغناء أمام الجمهور، فكتمن فنهن بداخلهن. وبحكم تجربتي البوليسية الدركية كضابط للشرطة القضائية والعسكرية، وضابط للشرطة التقنية والعلمية، وضابط مكلف بالأحداث، وتقني التشخيص الجنائي الإجرامي، فقد عشت قريبا جدا من بعض النساء وأسطر هنا على كلمة “بعض”، وبمختلف طبقاتهن الاجتماعية ومراكزهن وثقافاتهن، لقد بحثت في قضايا إجرامية جنائية مع جانيات؛ طبيبات ومحاميات وموثقات، وبنكيات، ومعلمات، وحلاقات وصحفيات، ومرشدات دينيات، ومهندسات، ورئيسات جماعات،ورئيسات جمعيات، ومديرات مؤسسات تجارية وفلاحات.. وتبت في حقهن أنهن مجرمات فاسدات مهنيا وأخلاقيا، ثبت في حقهن جرائم مختلفة منها: القتل والخيانة الزوجية والفساد والاتجار في البشر،والاتجار في الأطفال الرضع، وإعداد منزل للدعارة والقوادة، والتزوير في محررات رسمية، والتقصير في الواجب المهني وخيانة الأمانة واستغلال المنصب، والنصب والاحتيال والرشوة..فوجدت أن الشيخات أشرف وأنبل منهن، فزاد حبي وعشقي للشيخة، هذه الأنثى المغربية القوية كانت ومازلت امرأة صالحة لنفسها وللأسرة وللمجتمع، وأعتقد أن فن العيطة أعطى للمرأة كل حريتها وحقها الفني بل أحيانا تعدت المرأة حرية الرجل، وساوت العيطة بين الذكر والأنثى، سواء في الشعر أو الغناء أو العزف الموسيقي أو الرقص..وحتى في مكانتها داخل الفرقة الموسيقية “الرباعة”، وقد تترأس شيخة تسيير فرقتها الموسيقية.
أما عن مرادك من السؤال، فالشيخة هي نفسها إن قلت لها شيخة ستكرهك، ولا تريد أن يقال لها أو عنها بأنها “شيخة”، وربما لا تريد أن تكون ابنتها شيخة.. ويمكنك أن تعود إلى مقالي عبر الانترنيت على محرك البحث “كَوكل” أو على صفحات بعض الجرائد الوطنية بعنوان “الشيخة تلك الريم شيخة الحريم”، وستعرف بالتفصيل المعنى الحقيقي للشيخة المغربية، تلك اللبوءة التي تتسيد على الرجال، المرأة التي أهانها رجل فأهانت كل الرجال..ولا أريد أن تكون زوجتي وبناتي شيخات، لأنني أعرف ما تعانيه وتقاسيه الشيخة من ظلم المجتمع المنافق الذي يدعي الطهرانية والفضيلة وهو صانع الرذيلة، وكأن باقي النساء غير الشيخة ملائكة، وأدافع عن الشيخة لأنها أنثى مغربية فنانة مغنية أصبحت شيخة، وأقول أصبحت وليس أرادات أن تكون شيخة، فهي محرومة حتى من حقها في التغطية الصحية والاعتراف بها كفنانة بعدم حصول أغلب الشيخات على بطاقة الفنان، وأنا أقرب الناس إليها وأعرفها جيدا بصفتي شيخ للعيطة أرقصها على نغمات كمنجتي، فهي تعرف كيف ترقص حول النار وتجعل من حولها يحترق…

جريدة جسر التواصل : كيف يرى الحسين السطاتي الفنانة الشعبية “الشيخة المغربية” بصفته شيخ للعيطة؟
الحسين السطاتي: الشيخة المغربية هي امرأة صالحة لنفسها وللأسرة وللمجتمع، فنيا واجتماعيا، فهي أديبة شاعرة ومغنية ومناضلة.. وكانت مقاومة ضد المستعمر ومازالت تقاوم ضد الظلم والاحتقار.. وبحكم تجربتي البوليسية كضابط شرطة قضائية متقاعد يمكنني أن أفشي لك سرا بأن الشيخة لها دور كبير في أمن البلد، إضافة إلى مهامها الفنية وصناعتها للفرجة وخلق الفرح وجو المرح..فهي تقوم بمهام استخباراتية كما تقوم بمهام تبليغية وكم من جرائم كبيرة “جرائم سياسية وجرائم قتل، وعصابات مخدرات، وخيانات زوجية وخيانة للوطن..” نجحت بفضل هذه المرأة، فهي تصنع الفرجة بفنها وتساهم في نجاح الأبحاث بجرأتها وشجاعتها وقوة شخصيتها، وصلاحها للمجتمع، وأنا شخصيا ساعدتني “الشيخة” في مهامي البوليسية البحثية، لكن للأسف تكون هذه الأنثى ضحية سهلة للزج بها من طرف المسؤولين في السجن، يُنجحون مهامهم البوليسية وقضاياهم بها ويترقون في الرتب والمناصب والمكاسب، في المقابل يرمون بها في السجن.
جريدة جسر التواصل: ظاهرة الايحاءات الجنسية من الظواهر التي تحسب على فرق العيطة وخاصة “الشيخات” أتناء الرقص في الوصلة الغنائية، إلى مدى تعتمدون على هذه الظاهرة؟
الحسين السطاتي: هي ليست ظاهرة بل هي فن راقي من مكونات فن الرقص العيطي المغربي، هناك عدة رقصات يقوم بها الرجل “الشيخ” أو المرأة “الشيخة”، رقصات مستوحاة من الطبيعة، بحكم أن فن العيطة فن بدوي رعوي، مأخوذة من الجبل والتلال والأودية والبحيرات والغابة..رقصات مثيرة مستوحاة من تزاوج الحيوانات في الغابة أو في البرية، ومن فصل التلقيح لدى الأزهار البرية.. رقصات مأخوذة من بيئة نشأته، فمثلا هناك عدة رقصات توحي بالإيحاءات الجنسية، هناك رقصة الحصان “شطحة العود”، رقصة النحلة “شطحة النحلة”، رقصة البطة “شطحة الوزة”، رقصة الحمامة “شطحة لحمامة”، رقصة العنزة “شطحة المعزة”، رقصة الوردة “شطحة الوردة”، رقصة الأفعى “شطحة اللفعة”..فمثلا لنأخذ رقصة الخيل أو ما تسمى ب” شطحة العود”، فالشيخة تقلد وتحاكي حركات وتحركات الفرس في ميدان التبوريدة وفي ميدان المعركة، تقلده في مشيته ونخوته، وصهيله وجموحه، في عنفه وعنفوانه، كأن تقلد الشيخات حركات تشابك الخيل بالأطراف وتدافعها بالمؤخرات وركوب الواحدة فوق ظهر أو عنق الأخرى، وفي رقصة العنزة “شطحة المعزة”، حيث تركب الواحدة فوق الأخرى ويتناطحن بالرؤوس، ويتبخترن في مشيتهن مقلدات تلك المشية الأرستقراطية المثيرة للعنزة، وغيرها من الرقصات الجميلة المثيرة، في المقابل هناك رقصات تراجيدية حزينة مبكية، مثلا رقصة الندبة “شطحة المنذبة”، حيث تجسد هذه الرقصة حركات النساء وهن يرثين ويندبن ما فقدناه من أزواجهن وأبنائهن وإخوانهن في ساحة المعركة ضد المستعمر، فيرقصن وهن ينذبن خدودهن ويشعتن شعورهن، ويبكين، وفي رقصة التمساح “شطحة التمساح” فالشيخات يتمرغن راقصات في الأرض ويتدحرجن في تقليد لغزلة الموت حينما يقوم بها التمساح للفتك بفريسته، ونجد المرمدة في رقصة الديك المذبوح “شطحة الفروج”، وفي رقصة السلاح “شطحة البارود”، والدحرجة في رقصة العجلة “شطحة الدريجة”..إضافة إلى إضافات إبداعية راقصة تكون مستحدثة من طرف الشيخة في لحظة غواية ولحظة تجلي مع الموسيقى والظرفية التي تعيشها في تلك اللحظة، وعموما فالمتلقي يتلهف للتمتع بمشاهدة جسد المرأة حيث يثيره هذا الإبداع في الرقص، ويفتتن بتراقص فواكه الجسد الأنثوي الآدمي.

جريدة جسر التواصل : أنت فنان شعبي “شيخ للعيطة” مغني وكومنجي لمجموعة غنائية “رباعة للشيخات” هل تقبل أن تتزوج شيخة؟
الحسين السطاتي: أولا أنا متزوج ولي أبناء في سن الزواج ولا أنوي التعدد، لأني أعيش عيشة راضية وهانئة مع زوجتي، ثانيا وجوابا على سؤالك فكم من شخصيات سامية وزارية وعسكرية وقايدية.. تزوجوا “شيخات” وأنجبوا أبناء وكانت نعم الزيجة، ولا يعني أن شيخة واحدة سيئة السمعة والأخلاق أن جميع الشيخات نساء سيئات، فالعديد من الشيخات نساء صالحات، وزوجات وفيات، وأمهات قادرات، وما أكثرهن، ولو لم أكن متزوج لتزوجت شيخة صالحة لأني قريب منهن وأعرف ثقافتهن وحياة بعضهن، فهن سيدات بيوت رائعات صالحات.
جريدة جسر التواصل: بماذا تنصح الفتاة التي تود خوض تجربة فن الشيخات رغم رفض المجتمع؟
الحسين السطاتي: الفتاة التي تود خوض تجربة فن الشيخات، هي فعلا قد سبق لها وأن خاضت هذه التجربة في مخيلتها، ورقصت وغنت مرارا أمام المرآة وأمام زميلاتها، ورقصت في حفلة أمام الجمهور وسمعت التشجيع وذاقت حلاوة الحفاوة من طرف الجمهور، وعرفت أنها فنانة وموهوبة، يعني لها برمجة مسبقة واستعدادا وتلهفا على هذه المهنة، لكن المشكل أن الغناء والرقص الشعبي في المنزل أو مناسبات العائلات، ليس هو واقع الشيخة حينما تمتهن فن العيطة، هناك أشياء تقع في الكواليس، لا يعرفها الجمهور العادي، عليها أن تتقبل حماقات بعض الأشخاص المتهورين من الجمهور وخاصة منهم السكارى، قد تتعرض للتحرش والاهانة والعنف، والسب والقذف، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى الاختطاف والاغتصاب.. عليها أن تكتسب ثقافة الشيخة وأن تتحمل كلام الناس ونظرة المجتمع، هذا إضافة إلى فن الغناء والرقص، وأن تحفظ الأغاني الشعبية و”العيطات” والرقصات، خلاصة الكلام عليها أن تكون امرأة حديدية.
جريدة جسر التواصل: صرنا نرى هناك رجال يرقصون مثل النساء الشيخات في مجموعات غنائية، بصفتك فنان شعبي “شيخ للعيطة” ماذا يعني لك ذلك؟
الحسين السطاتي: بصفتي فنان شعبي “شيخ للعيطة”، مغني وعازف كمنجة “كومنجي” لمجموعة غنائية “رباعة الشيخات”، يبدو لي ذلك أمرا عاديا، ففن العيطة هو فن تراثي أصيل يجمع بين الشعر والغناء والرقص، ويساوي بين الجنسين وهذه ميزة فن العيطة، والرقص هو فن للجميع للرجل والمرأة والطفل والشيخ، قد نجد رضيعا يحبو ويتمايل على أنغام موسيقى العيطة بشكل راقص، وهذا موجود في تسجيلات فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، كما نجد شيخا تعدى سن المائة يرقص داخل خيمة مع الشيخات، بالنسبة لي لا فرق بين رجل وامرأة وشاب وشيخ في العيطة إلا بحب الفن.
جريدة جسر التواصل: ما رأيك في شيخات اليوم الأكثر انتشارا وحضورا بالمقارنة مع شيخات الأمس؟
الحسين السطاتي: يجب أن نقف عند مقومات الطرب العيطي، هناك في الفن الشعبي أصوات جميلة ورائعة، مطربون حقيقيون ومطربات حقيقيات، وهناك أشياخ حقيقيون وشيخات حقيقيات، إذا صح التعبير، لا يجادل أحد في قدراتهم الفنية، ويمتلكون أصواتا طربية ممتازة، فالصوت معدن ثمين كالذهب وقد يدر أكثر من المعدن، يجب صياغته، ولا يكتفي أن تكشف مغنية عن ساقها أو جزءا مثيرا من جسدها وتقول أنا “شيخة مطربة” بمعنى “شيخة عياطة” في لغة “تشياخيت”، ولا أن ننشر كليبات أو تسجيلات فيديو معينة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتحضى بنسب مشاهدة عالية ونقول أنها شيخة، أنا أقصد الشيخة بمفهومها الأصلي والحقيقي، فإذا أخذنا مثلا فيديوهات؛ الشيخة فاطنة بنت الحسين والشيخة الخودة والشيخة خربوعة والشيخة خديجة مركَوم.. سنجد أن لهن متابعة قليلة ونسبة مشاهدة أقل من الشيخة تسونامي والشيخة الطراكس والشيخة الطيارة وغيرهن.. وهذا لا يعني أنهن أحسن من الرائدات. فعلا شيخات اليوم يمتلكن الجرأة وشيئا من الإثارة والجمال الجسدي ويمتلكن ثقافة فنية، الغواية وفن عرض الجسد، وطبعا هناك سماسرة وتجار يقفون ورائهن، يخططون لهن، يستثمرون إمكانياتهن الجسدية الظاهرية من أجل ربح الأموال أكثر، فعلا هن شيخات فنانات مبدعات يتخذن الفن مهنة ومصدر رزق رسمي، لكن فنهن فن مشاهدة وليس فن استماع واستمتاع وطرب، فحتى هن لا يرضين بلقب شيخة ويقبلن ويفضلن لقب “فنانة” وهذا دليل على عدم نضجهن الفني، هذا من الناحية الفنية، أما من ناحية الثقافة التجارية والمادية فشيخات اليوم أحسن بكثير من شيخات الأمس، فأغلب الشيخات الرائدات اللواتي طبعن في الماضي فن العيطة وتركن إرثا فنيا غنائيا كبيرا قد دارت بهم الأيام في الكبر وتنكر لهم الكل، منهن من احترفت التسول ومنهن من احترفت القوادة ومنهن من انتحرت، لكن شيخات اليوم يعرفن أن ربيعهن الفني مؤقت ودوام الحال من المحال كما تقول أبيات “عيطة دامي المرساوية ( على كل حال ما يدوم حال…سيادي دوام الحال من المحال)”، فهن ذكيات يستثمرن أمولهن من عائدات الفن في مجالات تجارية وعقارية ويستغللن الفرص، ويجمعن ثروة، فصرن نجد الكثير من الرجال المغاربة يتهافتون على طلب الزواج منهن وهن رافضات، وأعرف بعض الشيخات اللواتي تزوجن أكثر من أربع مرات، وهناك من تمت خطبتها أكثر من عشر مرات ورفضت العرسان، فهي التي تختار الرجل الذي يناسبها، بكل بساطة لأنها صارت شيخة مشهورة وميسورة الحال..

جريدة جسر التواصل: إذا طلبت منك زوجتك أن تبتعد عن الاشتغال مع الشيخات، هل تقبل بشرطها؟
الحسين السطاتي: سوف أجيبك من فن العيطة الغرباوية من “عيطة الغابة” التي تقول بعض أبياتها:
هي ما تكَولهاشاي وأنا منديرهاشاي…وايلا درتها عيب الله عليا.
بنت الشهبة ما تجي ع كَمرية كيف امها…وبنت الصكَعة ما تجي ع كعبية كيف عمها.
البنات كيف الخيل يا سيادي كلها وكَيمتو…سيادي والزين الركَيك ظاهر من تحزيمتو
لفيم احمر بلا سواك والنيف بشمامتو….فمها براد تاع أتاي مشحر بيقامتو
زوجتي بدوية ريفية، تربت ونشأت معي في الدوار وتربطني بها قرابة أبناء العمومة وهي تصغرني بعشرة سنوات، تزوجنا عن قصة حب مثيرة، قصة حب عنيف، وتعرفني جيدا وتعرف ثقافتي وطبعي الريفي البدوي وتصرفاتي واحترامي لقدسية الزواج، كما تعرف جيدا ولعي وحبي الشديد لفن العيطة وبمعنى آخر تعرف مدى تعلقي بفن الشيخات، وعلاقتي بزوجتي تفوق ثلاثين سنة، وإذا كانت تحبني لا ينبغي لها أن تمنعني مما أحب، أما إذا تجرأت واشترطت بل وطلبت مني أن أعتزل الفن مع الشيخات، فسأعرضها على الطبيب النفساني العسكري بالمستشفى العسكري بالرباط بصفتي ضابط للشرطة القضائية والعسكرية متقاعد وتابع للصحة العسكرية، وذلك من أجل الاطلاع على حالتها النفسية، لأنها تجرأت وفكرت في مثل هذه الأفكار، وأكيد أن قدراتها العقلية قد اختلت، أما إذا تبين أنها سليمة وخالية من الأمراض العضوية والنفسية، سأقول لها بأنني شيخ للشيخات وعندي ما يزيد على خمسين امرأة من الشيخات أتواصل معهن وصديقاتي و زميلاتي في العمل الفني مثل أخواتي، وأغلبهن رشيقات وجميلات.. وأعتقد أنه لابد لواحدة منهن أن تقبل بي زوجا لها، بل سأرسل لها في الأول أربعة شيخات يتكلمن معها في الموضوع حبيا، وأنا على علم أنها ستقتنع وتتراجع عن أفكارها الخبيثة السيئة، وهذا هو الجميل في فن الشيخات، أعيش سلطانا بدون مهام السلطنة لذلك يدعوني البعض من الجمهور بلقب “سلطان العيطة”..
جريدة جسر التواصل: إلى أي مدى تحضر المرأة بشخصيتك؟ ومن هن النساء اللواتي طبعن مسارك الفني؟
الحسين السطاتي: أول امرأة أثرت في كانت هي والدتي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، ثم أخواتي، ولذي ستة أخوات، وعندي بنتين وولد “بذرة وريحانة ومحمد”، ووجود البنات بحياتي أعطاني اهتماما كبيرا بالمرأة، حياتي الدراسية كانت بأقسام مختلطة بين الذكور والإناث، ودرست على يد أستاذات، واشتغالي في الحقول كان مختلطا بالنساء، وتعلمي للحلاقة كان وسط الرجال والنساء في مدرسة مختلطة، لذلك لم تكن حياتي منفصلة عن العنصر النسوي، حتى في الفن الموسيقي كانت معي الشيخات، وهن جد متحررات ويتمتعن بكامل حريتهن بل يتعدين الرجال أحيانا، وهن ملح الفرقة الموسيقية العيطية، وهذا جعلني أكبر في جو ليس فيه أي فصل بين المرأة والرجل.
جريدة جسر التواصل: ضمن مجموعتك الموسيقية الغنائية هناك شباب من الجنسين في العشرينات من العمر، فما السر في ذلك؟
الحسين السطاتي: الشباب ربيع الحياة، وكلهم عطاء وتحفز، وحب للفن ويوحدهم شغف الموسيقى، لذلك ارتأيت أن أدمج معي الشباب ذكورا وإناثا، من ناحية كي يضخوا دماء شبابية جديدة في المجموعة الغنائية، ويساعدونني في التنقل وحركتهم النشيطة، كما أنهم قنوعين وغير مكلفين..ومن جهة أخرى أن أمرر هذا الموروث الثقافي إلى الأجيال القادمة، ويكون بذلك تكامل بين الأجيال.
جريدة جسر التواصل: كيف تصف إقبال الشباب ذكورا وإناثا على فن العيطة؟
الحسين السطاتي: دائما هناك خلف للسلف، والعيطة تسير من حسن إلى أحسن، بفضل التطور التكنولوجي، وانفتاح الأسر المغربية على الحياة العصرية المتحضرة وعلى فن العيطة وعلى الموسيقى بشكل عام، ومن بين الأسباب التي جعلت الشباب يقبلون على تعلم وممارسة الفن الشعبي وفن العيطة، هناك مجموعة من الحوافز من بينها أنهم يجدون متعة في موسيقى العيطة، ولهم تحفيز قوي ودافعية كبيرة بما يلاحظوه من نعم مادية وحياة رفاهية لبعض أشياخ وشيخات العيطة، إضافة إلى لجوء أشخاص بمستوى دراسي وثقافي عال إلى فن العيطة من دكاترة ومحامين ومتقاعدين..، كل هذا يشجع الشباب على اقتحام قلعة العيطة لاكتشاف أسرارها وخباياها، لذلك صار بعض الشباب يلجون إلى الدراسة الموسيقية الأكاديمية، يدرسون الموسيقى في المعاهد الموسيقية ليلتحقوا بعد ذلك بالفرق الموسيقية العيطية، وهناك إقبالا كبيرا من الجنسين على فن العيطة لأن هناك تشجيع ودافعية ونتيجة ملموسة، إضافة إلى كثرة المهرجانات الفنية والحفلات والأفراح العائلية، وكذا مغريات البث والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك نجد أن هناك إقبالا وقبولا شبابيا على هذه الموسيقى..
جريدة جسر التواصل: بعض المنتقدين لفن العيطة يعتبرون هذا اللون الغنائي لونا اباحيا ويفسد الشباب، ما ردك عن هذا؟
الحسين السطاتي: لكل نظرته الخاصة، ورأيه يُحترم، أنا مقتنع أنني أمارس موسيقى الأجداد، موسيقى الأسلاف عمرت لمدة قرون، ومازالت في القمة، وهي موسيقى العيطة، فن تراثي مغربي أصيل، موسيقى الفقير والوزير والأمير، موسيقى السلاطين والملوك والقياد والبشوات..طبعا فن العيطة في شقه العاطفي هو فن ايروتيكي وليس بورنوغرافي اباحي، وهو يؤثث سهرات وأفراح عدد كثير من المغاربة، والموسيقى هي غداء الروح بالنسبة إلي ومصدر من مصادر الجمال وراحة النفس، وبينت دراسات علمية حديثة، أن الموسيقى تعالج بعض الأمراض،، فكيف تفسد الشباب، وأعتقد أن الشباب المغربي تفسده التربية الرديئة الفاسدة والتعليم الرديء الفاسد، وتفسده البطالة وقلة الشغل، وتفسده انعدام وسائل الترفيه وغياب التأطير الثقافي، الشباب تفسده الجهات المتطرفة والمتشددة، ويفسده المسؤولين الفاسدين الذين ينهبون خيرات البلاد بلا حسيب ولا رقيب، الشباب تفسده منظومة صحية رديئة وفاسدة، تفسده الأم المقهورة المستعبدة المهددة بالطلاق وتشريدها هي وأبنائها، أما الفن فهو يبني ولا يفسد، يُقوم الشباب ولا يعوجهم.
جريدة جسر التواصل : ما هي الأسس التي ركزت عليها في بناء مسارك الفني والأدبي؟ وما الرسالة التي تسعى إلى تحقيقها؟
الحسين السطاتي: أول شيء هو حب الفن الذي أمارسه، فأنا أعشق فن العيطة بكل ألوانه وستجده حاضرا دائما في كل أعمالي سواء منها الغنائية أو الأدبية السردية من مقالة وقصة ورواية ومسرح..، وثانيا حب الجمهور فهو دعامة أساسية لتحقيق نجاح الفنان، إضافة إلى التحلي بالأخلاق الحميدة والثقافة المتنوعة.. لقد بدلت جهدا وطورت من إمكانياتي المادية والمعرفية الفنية، وإني أشتغل على مساري الفني الموسيقي والأدبي بشكل متواصل، أما عن رسالتي فهي بالأساس إدخال البهجة والسرور إلى قلب الغير ومشاركتهم الأفراح، وجميل أن أكون مساهما بل صانعا للفرجة وخلق الفرحة والسعادة للآخر، وأجد نفسي فرحا مسرورا وأنا أجلب قسطا من الفرح ولو مؤقتا للجمهور منه المستمع لي كشيخ للعيطة وللقارئ لكتاباتي بصفتي كاتب، وأجد متعة وسعادة وأنا أساهم في إسعاد الآخر، لهذا تجدني أحيانا أنخرط في الأعمال الخيرية والاجتماعية..جميل أن تشارك الناس فرحتهم وسعادتهم وفرجتهم، والأجمل أن تكون من بين صناع هذه الفرجة.
جريدة جسر التواصل: العديد من الفنانين الشعبيين شعروا بالندم بعد ولوجهم هذا المجال المتصدع، هل ساورك نفس الإحساس يوما ما؟ وهل أنت مع الاكتفاء بمهنة الفن الشعبي؟
الحسين السطاتي: الفن بصفة عامة هو هواية وليس مهنة، وعلى الصعيد العالمي نجد أغلب الفنانين في مختلف الميادين الفنية يعانون ماديا ومعنويا، لكن البعض يحقق النجاح ويحقق الثروة، ويعيش سلطنة الشهرة والنجومية، ونجد الكل يستفيد من ايجابيات الفن، ذلك الشعور الحسي الجميل النبيل الذي يحسه الفنان وهو يمارس فنه ويرى إبداعه يخرج إلى أرض الواقع وحلمه يتحقق، يشعر بفنه يخرج من ذاته ويتحقق في الواقع، أما بالنسبة إلي، فلم يسبق لي أن راودني الندم على الدخول لفن العيطة بل على العكس، فن العيطة والكمنجة أنقدني من الفقر والقهر وحياة البؤس منذ أن كنت شابا مراهقا، ممارستي للفن الشعبي وفن العيطة هي التي أعطت لحياتي معنى، وخاصة أنني كنت أسكن في دوار نائي بريف “أولاد عبو” من أسرة فقيرة، وبسبب نشاطي الفني دخلت المدينة وأكملت دراستي بعدما صار لي مدخولا فنيا محترما، وحتى عندما كنت موظفا دركيا ضابطا للشرطة القضائية والعسكريةكانت الكمنجة هي نقطة قوتي، كنت أعمل بدون خوف لأنني أعرف أنني سأعود لمهنتي شيخ للعيطة وأعيش معززا مكرما، وهي أحسن بكثير من حياة الدركي الضابط السامي بالنسبة إلي، وبصفتي إنسان مجرب ودركي متقاعد، فأنا جد مرتاح لعملي كفنان شعبي “شيخ للعيطة”، لكني قد كونت نفسي وأعددت العدة لذلك، فأنا حلاق ومتقاعد دركي، ويبقى الفن الشعبي هوايتي، أرفه بها على نفسي وألجأ إليها في ضيقي، وكل ما يأتيني منه من مال هو فائض أعين به على تكاليف الحياة، وضمن “عيطة دامي” تلك العيطة المرساوية الأيروسية هناك أبيات تقول:
دامي يا دامي…هوك عداني
عداني عداني…مشى وخلاني
سيدي يا ويل… من تاق ف خوتو
سيدي يا ويح…من قوتو في صوتو
سيدي سعداتو…اللي بليتو في داتو
سيدي يحسن عوان..اللي ليام غدراتو
ما عطاتو ما رحماتو…ما حياتو ما قتلاتو
سيادي كلها فين جاتو…شي عطاتو وشي ركلاتو
ومن هذا المنطلق لا يمكن للفنان أن يأتمن فنه على حياته، كي لا تضيع كرامته، فكرامة الانسان تضيع حينما لا يجد ما ينفق به على نفسه ويصير عالة على غيره وعلى المجتمع..
جريدة جسر التواصل: ماذا تمثل العيطة بالنسبة للحسين السطاتي؟
الحسين السطاتي: كما سبق أن قلت في حواراتي لمنابر إعلامية وسأقولها الآن وسأظل أقولها، العيطة بالنسبة إلي هي تلك الفتاة الحسناء الفاتنة، التي أحببتها وعشقتها وتبعتها وراودتها وأعطيتها من وقتي ومن مالي، فلما علمت أنني عاشق مجنون لها طاوعتني وأعطتني الكثير، ساعدتني في مشواري الدراسي والفني وحتى في مساري المهني كضابط تحري في قضايا جنائية، دللتني وأمتعتني.. لهذا سأظل وفيا لها..سأبقى محبا لهذه الحسناء، وأقول للجمهور المغربي علينا أن نفتخر بهذا الفن الرائع، فإذا كان المصريون يفتخرون بأهراماتهم الفرعونية، فنحن لنا هرم فن العيطة، وكما للأهرام الفرعونية مومياءات، ومداخيل سياحية وأسرار وألغاز ولعنة، كذلك الشأن بالنسبة للعيطة، فهي تجلب السياح والعملة الصعبة وتؤثث المشهد السياحي والثقافي ببلادنا وتنشط حفلاتنا وأعراسنا، لكن لها ألغاز وأسرار ولها مومياءات حية، ولها لعنة، فحذاري من لعنة العيطة.
جريدة جسر التواصل: ماذا أعطت العيطة للفنان الحسين السطاتي ؟ وماذا أعطى هو للعيطة؟
الحسين السطاتي: كان عطاء متبادلا بيننا، فالعيطة بالنسبة إلي هي تلك الأنثى الفاتنة الجميلة التي تعرفت عليها منذ صغري، وأحببتها بصدق، فأعطتني الكثير، أعطتني كل ما أحب..لذلك أعتقد أنني أعطيتها أيضا ما تستحقه من حب ورعاية، أعطتني حب الناس، عرفتني على أشخاص من الجنسين، أدخلتني أماكن مهمة لولاها ما دخلت هذه الأماكن، ساعدتني في دراستي، وحتى في مهنتي كدركي ضابط للشرطة القضائية، لذلك أدخلتها إلى الكتب، أدخلتها إلى القصة والرواية والمسرح، وحضرت معي في الملتقيات الفنية والأدبية والمهرجانات، وسأظل وفيا لمحبوبتي، فهي حبي الأول قبل أن أحب أي أنثى.
جريدة جسر التواصل : عالم الفن الشعبي وخاصة الشيخات يرتبط بالسهر والحفلات والإدمان على الخمور والجنس والمخدرات أيضا، بحكم تربيتك المحافظة ألم يشكل ذلك مصدر تحفظ بالنسبة لك؟
الحسين السطاتي: أي مهنة كيفما كانت لها سلبياتها وايجابياتها، وشخصيا حتى لما كنت دركيا ضابط للشرطة القضائية والعسكرية وضابط للبحث الجنائي، كان كل شي مما ذكرت موجودا وبكثرة، بما في ذلك الجنس والمجون وشرب الخمور والمسكرات والمخدرات.. وقد تعاملت مع أصدقاء في مناصب إدارية مختلفة كالقضاء والصحة والشرطة والمحاماة.. وكان بعضهم يتعاطى لتلك الآفات المدمرة والمضرة “الله يعفو عليهم”، فكذلك الشأن بالنسبة لعالم الشيخات والعيطة، وحسب ملاحظتي فذلك صار قليلا بالمقارنة مع مهن أخرى في نظر المجتمع تبدو أنها مهن محترمة ولها حضوة اجتماعية، وبالنسبة إلي فأنا مسلم سني المذهب، وأعرف أين أضع قدمي كما أعرف العواقب الخطيرة، لتلك الموبقات المخدرة والسامة، بحكم تجربتي الدركية الأمنية، وشخصيا لا أدخن ولا أشرب الخمر، ووجودي في الميدان الموسيقي هو عمل وليبس للترفيه والمتعة فحسب، لكن الجميل أن تعمل عملا تحبه، تستمتع به وتجني منه أموالا، صحيح أن كثيرون يصابون بالغرور، وتخدعهم أضواء الشهرة، فيلجؤون إلى المخدرات وشرب الخمور مقلدين بذلك مشاهير العالم في الفن والرياضة.. وهذا مفهوم خاطئ، ونجد حتى بعض الموسيقيين العالميين مشهورين أغلبهم ينهار ويتلاشى بريقه ويدمر حياته، يخرب نجوميته ويدمر بيته وحياته ومستقبله بسبب إدمانه على شرب الكحول والمخدرات، ومنهم من وضع حدا لحياته ومات منتحرا، إن من يستمتع بهواياته وفنه هو ذلك الشخص المتيقظ المنتبه، الساحي العقل والضمير، أنا فنان أحترم فني وأسرتي وجمهوري، أهتم كثيرا بالجانب اروحي في حياتي، وعلاقتي بخالقي تخصني، والله يعرف ما في القلوب، أسهر دون أن أكون مدمن خمر أو مخدر ولا أدخن حتى السيجارة، أعرف أن لجسدي علي حق، فأكون حاضرا في كامل قواي الجسدية والعقلية، أمتع الناس وأستمتع، أُفرج وأتفرج، وأوثق ما يدور حولي، كي تكون تلك الأحداث مادة خام في كتاباتي الأدبية السردية.
جريدة جسر التواصل: ما موقفك من الانتقادات والشتائم التي توجه للأشياخ والشيخات، وأنت واحد من بينهم؟
الحسين السطاتي: أي مجال إبداعي أدبي أو فني فهو معرض للانتقادات، والإبداع لا حدود له، لا يمكن أن نصنف هذا إبداع نظيف وهذا إبداع خبيث، فن العيطة هو فن راقي، وتراث مغربي أصيل، ونادرا ما أتعرض لانتقادات من طرف متطرفين يدعون أنهم أوصياء على الدين، وذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، وليس على المباشر، لكني أتعامل مع كل واحد حسب ما يستحقه من طريقة الرد، حيث أحيانا أحذف التعليق، وأحيانا أخرى ألجأ إلى حضر الشخص المعلق أي عملية “البلوكاج”، وأحيانا أبلغ الجهات الوصية إذا كان التعليق يحمل تهديدا إرهابيا، وخاصة أن عدد من أصدقائي يتابعون منشوراتي على مواقع التواصل الاجتماعي ومنهم قضاة ومحامون ودركيون ضباط سامون وضباط صف ورجال شرطة، وأدباء وفنانون موسيقيون..كلنا يجمعنا الحب والسلام والتواصل المفيد.وحب الوطن.
جريدة جسر التواصل: ماهي صفات الفنان الشعبي “شيخ العيطة” في نظر الحسين السطاتي؟
الحسين السطاتي: بالدرجة الأولى أن تكون للفنان الشعبي “شيخ العيطة” ثقة قوية بالفن الذي يقدمه ودراية بما يقوم به، وأن يكون شعاره التواضع والعمل المتواصل والاجتهاد، وأن يحافظ على صحته الجسدية والنفسية بالرياضة والتغذية السليمة والابتعاد عن كل ما يدمر الصحة والعقل من مخدرات وخمر وجنس حرام، وأن يحترم الفنان جمهوره، وأن يحرص دائما على التنمية الذاتية واكتساب ثقافة فنية، وتتبع ومعرفة كل جديد متعلق بميدانه الفني، ولكل مجتهد نصيب.
جريدة جسر التواصل: هل توجد عنصرية في فن العيطة؟
الحسين السطاتي: فعلا النص العيطي يحتوي على عبارات عنصرية وتمييزية، وهذا يدل على العصر الذي غنى فيه الأسلاف وأبدعوا قصائد العيطة، وتاريخ التغني بالمتن العيطي تاريخ عريق، كالتغني باللون والجنس، وتفضيل كل ما هو أبيض على الأسود، وحتى الأسماء الفنية نجدها تحمل ألقابا عنصرية، أذكر منا على سبيل المثال “الشيخ الضراوي، الشيخ ولد العرجة، الشيخ ولد العمية، الشيخ الزيطي، الشيخ بوكَلة، الشيخ بونوارة، الشيخ بوالدروكَات، الشيخ العنطيز، الشيخ السلاخ، الشيخ بوكَلة، وفي الشيخات أذكر مثلا: الشيخة الخادم، الشيخة الضراوية، الشيخة الرونو، الشيخة الحولة، الشيخة العمية، الشيخة الجدية، الشيخة المعزة، الشيخة الهرنونية، الشيخة الدرنونية، الشيخة الهاترة، الشيخة الكردة، الشيخة العوجة..ومازلنا نتوارث هذه الألقاب فنجد حاليا الشيخة تسونامي والشيخة الطراكس والشيخة الرونج والشيخة الطيارة والشيخة الفرفارة ..ونجد أن العيطة أفردت للمرأة البيضاء عيطة خاصة بها، بعنوان “البيضا” وهي ما تسمى أيضا ب “عيطة الحريمية”، تدخل ضمن خانة العيطة البلدية الجرفية، ولم تتغنى بالسمراء أو السوداء “الكحلبة”، إلا ناذرا في المتن العيطي، كما نجد أن العنصر الأبيض هو الحاضر بقوة في هذا الفن..ونادرا ما نجد شيخة سوداء “شيخة كحلة” ضمن فرقة للشيخات، ولم أشاهد نهائيا مجموعة غنائية موسيقية سوداء لفن العيطة أي “رباعة كحلة”..
جريدة جسر التواصل : هل فن العيطة يقتصر فقط على الأشخاص ذوي البشرة البيضاء؟
الحسين السطاتي: المظهر له دور مهم في الفن الموسيقي بصفة عامة، وكذلك الشأن بالنسبة لفن العيطة، لكن هناك حالات خاصة من أصحاب البشرة السوداء والسمراء، تركت إرثا فنيا عيطيا راقيا، أمثال شيخ العيطة البلدية الجرفية الشيخ محمد باعوت، وشيخ العيطة حمو البوفي والشيخ الداد سعيد، والشيخ حميد مستور، والشيخ الموكي، والشيخ شجاع، والشيخ طه التماري، وفي الشيخات نجد الشيخة الحاجة حليمة، والشيخة فاطنة بنت الحسين، والشيخة لخويدم الحريزية، والشيخة مينة الزعرية الملقبة بالجدية والشيخة الخادم.
جريدة جسر التواصل: لماذا هذا الاختيار والتركيز في أغانيك على التراث العيطي؟
الحسين السطاتي: تراثنا العيطي يحتوي على كنوز ثرية بالنسبة لي، هو بحر شاسع أسبح فيه وأتغذى منه، ورغم تطورنا وتطور الزمن، فيجب دائما أن نعود إلى هذا التراث المرجع، لأننا لا نستطيع الاستغناء عنه، وإلى حد الآن لم نقدر على وضع موسيقى عيطية أحسن من روادنا الأجداد الأسلاف، الذين سبقونا هذه قرون وليس بسنوات، بل لم نستطع حتى أن نضع ما يعادلهم أو يقترب من إبداعاتهم، أنا لا أدعو إلى الرجعية، بل العكس، لأن لكل زمن أشياخة وشيخاته وعيطاته..ولكل عصر جمهوره، ودائما أدعو إلى التجديد والإبداع، لأن التراث الذي لا يتجدد يموت، لا يمكن أن نركن إلى التقليد والتمجيد للتخليد وإنما علينا بالإبداع والتجديد إذا أردنا أن نسير بهذا الفن إلى بعيد، لكن علينا أن نستحضر ماضينا الجميل ونفتخر به، ونسلم المشعل الفني للأجيال القادمة، فأنا أسعى إلى إحياء تراثنا وتجديده وتطويره وتقديمه في قوالب معاصرة، من هذا وجب تطوير هذا التراث بما يتناسب مع الذوق المعاصر ومع متطلبات العصر مع الحفاظ على الهوية المغربية، ومن تم تصل الرسالة التي أسعى إلى إيصالها، لأن العيطة ليست فن لهو وترفيه ومتعة فحسب، وإنما هو فن ذو رسالة هادفة منذ نشأته، وبصفتي زجال فإنني أستحدث وأبدع أغاني شعبية مستحدثة تعالج مواضيع عاطفية واجتماعية، لكن هذا لا يعني أنني أنسى تاريخ أجدادي الفني.
جريدة جسر التواصل: ماذا جنيت من فن العيطة ماديا ومعنويا؟
الحسين السطاتي: سأكون صريحا معك، والله أنني جنيت الكثير ماديا ومعنويا من الكمنجة وفن العيطة، لأنني بدوي ريفي كنت فقيرا معدما وعشت طفولة بائسة، حيث وأنا طفل أرعى الغنم عند الناس خلال العطلة الصيفية لأساعد والداي وأجمع ما أشتري به الكتب والدفاتر، لكن الكمنجة كانت بالنسبة لي السلاح الذي أنقدني من الجهل والأمية، ومن تلك النظرة الدونية، لقد ساعدتني في دراستي وأمتعتني، صرت أعمل خلال الصيف مع الشيخات وأحيانا أتقاضى مبالغ مالية مهمة، كانت مبالغ بسيطة لكنها بالنسبة إلي في ذلك الوقت كنت أعتبرها ثروة، صرت البس جيدا وأقتني لباسا على الموضة، صارت لي علاقات اجتماعية وكونت صداقات، وأعادت إلي ثقتي في نفسي، وبفضلها توظفت، وحتى وأنا موظف دركي ضابط للشرطة القضائية كانت الكمنجة والعيطة هي نقطة قوتي، حيث كنت أحارب المجرمين والأعداء وأنا مطمئن بأنني فنان شعبي “شيخ للعيطة” لن أخاف من تهديدات بعض رؤسائي الدركيين والقضائيين الفاسدين..وحتى لو تم فصلي أو حكم علي بالسجن، سأخرج وأعمل في نفس الليلة بكباريه، لهذا أقولها دائما الكمنجة مثل أمي أكرمتني أمتعتني، رافقتني في السراء والضراء، وهي سلاح حقيقي لا يمكنهم تجريدي منه، والكمنجة حبيبتي الغالية أنا أضربها ولا أشفق عليها وهي تعطيني المال والأنغام، لهذا سأظل أحبها ما حييت.
جريدة جسر التواصل: هل الحسين السطاتي يعمل في النوادي الليلية والمطاعم والملاهي والفنادق؟
الحسين السطاتي: طبعا، أعمل أحيانا في هذه الأماكن، لأن جمهور كبير من عشاق فن العيطة يكون في المؤسسات السياحية والمراقص الليلية، وحتى بعض المواضيع التي تعالجها القصيدة العيطية هي مقبولة بل هي المفضلة في هذه الأماكن، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فهي تضمن لي مدخولا ماديا في وقت الحاجة، وتؤمن لي اللقاء مع الجمهور، إضافة أنها تشكل إلي مادة دسمة في كتاباتي السردية الأدبية، بما في ذلك كتابة المقالة والقصة والرواية.. أجد متعة وأنا أعمل في هذه الأماكن، وإن الاشتغال في هذه الفضاءات لا يلغي ثقافتي ولا إنسانيتي ولا مبادئي أو أخلاقي ولا مواقفي الشخصية التي أدافع عنها، بحكم تجربتي الحياتية ومهنتي الدركية السابقة أعرف جيدا أن هذه الأماكن مثل كافة الأماكن الأخرى، المهم أحترم فني وأحترم جمهوري، فهذه الأماكن هي عزاء للفنان المعطل، على الأقل يمرن صوته ويغني ويلتقي بالجمهور ويشحن بطاريته الفنية، لأن الغناء بالنسبة للفنان كالهواء والأكل والشرب من الضروريات، الغناء في الملاهي الليلية هو واقع وظاهرة اجتماعية شأنها في ذلك شأن القضايا الاجتماعية الأخرى، يجب الفصل بين الثقافة الفنية والأخلاق، فهناك نواد ليلية مختلفة خدماتها، توجد بأماكن مختلفة عبر ربوع المملكة.
جريدة جسر التواصل: يطغى بفن العيطة على أعمالك الموسيقية والأدبية، هل هو أكثر القوالب الفنية تعبيرا عما بداخلك من مشاعر مختلطة متضاربة؟
الحسين السطاتي: ملاحظة جد مهمة، فن العيطة، هو فن تراثي مغربي أصيل، موسيقى وغناء ورقص.. ومنذ أن وعيت تشبعت بهذه الموسيقى البدوية، وفعلا خير فن العيطة علي كثير، أكرمتني العيطة من كل الجوانب ماديا ومعنويا، فن الجمال والحب، لذلك أنا ممتن لهذا الفن بالكثير، لقد كنت فقيرا ماديا ومعنويا، وبفضل الله وموسيقى العيطة.. صار لي وجود في بداية مراهقتي، ساعدتني في دراستي وحتى لما صرت موظفا كان لفن العيطة الفضل الكبير والخير الكثير علي، دائما كانت هي نقطة قوتي، لهذا أنا أحب هذا الفن، وسأظل كذلك كنوع من رد الجميل ، إضافة أنه هو الفن الذي تربيت عليه، منذ صغري وأنا أعيش في عالم العيطة، وهو عالم غني بالتجربة الحياتية، مادة خام دسمة للكتابة الأدبية، لهذا تجدني دائما أوظف هذا العالم في كتاباتي المتنوعة.
جريدة جسر التواصل: يلاحظ أن لباسك تقليدي وتوجهك الفني أيضا كذلك، ترتدي في سهراتك الفنية؛ الجلباب والجبادور والسلهام والطربوش والبلغة، لماذا لا نرى الحسين السطاتي في أزياء عصرية أو صيحات للموضى؟
الحسين السطاتي: أنا أصلا ريفي من بادية “أولاد عبو” منطقة “أولاد سعيد” إقليم سطات، ونشأتي قروية محضة، لا أعير اهتماما لصيحات الموضة أو آخر مستجدات شركات الأزياء، ولست مثل بعض الفنانين الذين تغريهم الماركات المعروفة، لأني أعتبرها بالنسبة للشركات طريقتهم لبيع منتجاتهم وتسويقها، لهذا أختار في لباسي العصري ما يناسبني ويتلاءم مع سني ومع الزمان والمكان، المهم أن يكون لباسي سترا لي، نظيفا ومنسقا، أما فيما يتعلق بارتدائي خلال السهرات للزي التقليدي المغربي فأنا فنان شعبي “شيخ للعيطة” وخاصة العيطة المرساوية، فهو فن بدوي رعوي، والزي التقليدي “الجلباب، والسلهام، والقفطان، والجبادور، والسلهام، والسروال القندريسي والطربوش والبلغة”، هو اللباس الذي عرف به هذا الفن الموسيقي الغنائي على مر السنين. كما أني أشعر بفخر واعتزاز وأنا أرتدي الزي التقليدي المغربي وأروج له داخل وخارج المغرب، حيث يعد جزءا من هويتي المغربية والريفية على الخصوص. ومن حسن حظي أنني كنت أزاول مهنة الخياطة التقليدية للرجال كمتدرب “متعلم”، مع أخي “المحبوب عبد القادر”، لهذا أختار لباسي التقليدي بما في ذلك نوعية الثوب ونوع الخياطة بعناية كبيرة.
جريدة جسر التواصل: على الصعيد الإنساني، كيف يمكن أن يلعب الفن الشعبي والعيطة دورا في قضايا المجتمع؟
الحسين السطاتي: فن العيطة هو فن شامل وكامل، فن أدبي موسوعي يجمع بين الموسيقى والشعر والرقص، فيه الأقصوصة والقصة القصيرة جدا والقصة القصيرة والرواية والحكاية والأسطورة، وفيه كذلك المسرح والفرجة…لهذا بالإضافة إلى الفرجة والمتعة، نجد أن فن العيطة ينقل رسائل وبرقيات مشفرة إلى المتلقي، ويعالج ظواهر من خلال النصوص والألحان والرقصات، ويحتوي المتن العيطي على نصائح وأمثال وأقوال وعبر، صارت جد متداولة ويستفيد منها المتلقي، وقصائد عيطية تذكر المغاربة بتاريخ الأجداد العريق، بتاريخ مقاومة العدو والكفاح من أجل الحرية ومن أجل سيادة الوطن.. و كذلك الشأن بالنسبة للفن الشعبي، فهو ينفس عن الأفراد ويخلق جو من الفرجة والمرح، ويعالج ظواهر اجتماعية كالهجرة والمخدرات وإدمان الخمر، والتغني بالأم والأب وكرامات الأولياء الصالحين..وجميل أن يخلق الانسان السعادة من فنه، والأجمل أن يكون الفنان من بين صناع هذه الفرجة والسعادة.
جريدة جسر التواصل: ما هي المميزات الفنية التي يجب أن تتوفر بمن يعمل بمجال فن العيطة؟
الحسين السطاتي: أن يكون ذكيا، لأن الفن بدون ذكاء يبقى متعة وغباء، وعليه أن يكون مستعدا لاستغلال الفرص واقتناصها، وإن لم يجدها يصنعها، على من يدخل غمار العيطة أن يكون حريصا على مداومة التعلم الفني، ويبحث في كل ما يتعلق به، والحمد لله الآن كل شيء صار متوفرا وموجودا عبر الأنتريت وعلى منصات التواصل الاجتماعي، كما ينبغي عليه أن يبتعد عن الثالوث الملوث للفن سواء كان ذكرا أو أنثى، أن يبتعد عن التدخين بكل أنواعه وشرب الخمر بكل أنواعه و الابتعاد عن الجنس الحرام.
جريدة جسر التواصل:بعيدا عن فن العيطة وعلى ذكر أنك تفرغت للقراءة والكتابة، كيف جاء إلمامك بالكتابة؟ وهل هناك من مشاريع أدبية؟
الحسين السطاتي: أمي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، هي أول من حببت إلي الحكاية والقصة والسرد بصفة عامة، لم تتلقى أي قسط من التعليم، لكنها ربتنا وكبرتنا نحن أربعة عشر ابنا، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، لم يكن بمنزلنا الريفي سنوات السبعينات والثمانينات وسائل ترفيه وتثقيف، لا مذياع ولا تلفزيون ولا مكتبة..كانت رحمها الله تجمعنا بالليل نحن أبنائها وتحكي لنا على ضوء الفانوس أو قنديل الغاز أو على ضوء الشمعة، حكايات مسلية ومشوقة، وقصص ممتعة مثل؛ قصص: هينة والغول، حديدان لحرامي، العنزة والذئب، طائر بوفسيو والسبع وغيرها.. أنداك تشربت جرعات الفن الأدبي، كما كان لعدد من أساتذتي بالمستوى الابتدائي دور في تحبيب الأدب إلينا، وخلال وصولي للمستوى الدراسي الإعدادي والثانوي بدأت كتابة خواطر وأزجال غنائية، وكنت دائما أقرأ ما يصل إلى يدي من قصاصات الجرائد والمجلات والقصص والروايات، وخاصة بسلك الإعدادي والثانوي حيث كنت بالقسم الداخلي وكنا نتبادل الكتب فيما بيننا، بعد ذلك صرت أحضر لمنتديات وملتقيات وصالونات أدبية، وبدأت بكتابة مجموعة من القصص، ولما حصلت على التقاعد النسبي جمعتها في مجموعتين قصصيتين ” العيطة والغيطة- و ضحكات الشيخات”، ” وديوان زجل تحت عنوان “سروت الحصبة”، وكتبت رواية طويلة بعنوان “عيطة بيضاوية” كتبتها في أربعة أجزاء، ونشرت بعض الفصول منها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما كتبت سيرة روائية بعنوان “عيطة دموع الخيل”، ونشرتها عبر سلسلة حلقات يومية على صفحات جريدة وطنية خلال شهر رمضان، وكتبت نص مسرحي فردي بعنوان “عيطة الكرسي”، والآن أكتب في كتاب ثاني لسيرتي الذاتية “الجزء الثاني” تحت عنوان “عيطة عريس الخيل”، و أشتغل حاليا على رواية بعنوان ” عيطة هيت الشيخات”، وأكتب مقالات وأنشرها على صفحتي في الفايسبوك وعلى الملاحق الثقافية في بعض الجرائد الوطنية..
جريدة جسر التواصل : لماذا عناوين كتبك تحمل دائما ما يشير إلى فن العيطة؟
الحسين السطاتي: أنا أعشق فن العيطة إلى حد الهوس، وشغوف بهذا الفن، والعيطة في جيناتي، ومنذ صغري وأنا أعمل في ميدان الموسيقى وأعيش داخل عالم فني جميل، عالم الأشياخ والشيخات، عالم الحب والفن والمتعة.. لهذا تجدني مهتم بهذا العالم، وستجد دائما “العيطة” حاضرة في سهراتي الفنية الموسيقية، وفي مقالاتي وفي كتاباتي الأدبية السردية من قصة ورواية ومسرح..لأنني عشت في عالم موسيقى الشيخات وهو فضاء ثري للكتابة، لذلك تجد كتاباتي مباشرة وجريئة جرأة الشيخة، وسأظل إن شاء الله وفيا لهذا التوجه الموسيقي، عشت في عالم الشيخات فلا تنتظر مني أن أكتب عن الأميرات.
جريدة جسر التواصل: ما سر تسمية عنوان سريتك الروائية “عيطة دموع الخيل” بهذا العنوان؟
الحسين السطاتي: أنا شيخ للعيطة، مغني وعازف كمان “وكومنجي لرباعة الشيخات”، أعشق هذا الفن، والعيطة هي نداء واحتجاج، غناء مع الوجع، كما أعشق الخيل والفروسية، ومن هواياتي ركوب الخيل، والعيطة هي طريقة للاحتجاج كي يسمع صوت المغني أولا وليسمع صوت الشعب، صوت المقهور المظلوم، كذلك الشأن بالنسبة للخيل هي مخلوقات لها عز ونظرة جميلة، تخدم الانسان وتتعب وتتألم لكنها لا تشكو ولا تحتج، رغم القهر والتعب، أحيانا نرى في عينيها دموع وهي صامتة، كذلك الشأن بالنسبة لسيرتي الروائية فهي تحمل في طياتها محن وعذابات وتجارب حياتية قاسية، هي عبارة عن عيطة، نداء وصرخة، وبما أن هناك مجموعة من “العيوط” تحمل عناوين تتعلق بالخيل مثل “عيطة ركوب الخيل، وعيطة تكبت الخيل..ارتأيت أن أجعل سيرتي الروائية أو عيطتي بعنوان “عيطة دموع الخيل”، أردت أن يعرف جيلنا والجيل القادم عن تجربة عشتها قد يستفيد منها الشباب، وقد تكون دافعية قوية وتحفيز لعدم اليأس وعدم الاستسلام، والتصالح مع الذات والثقة في النفس..
جريدة جسر التواصل: هل كل بطلات قصصك ورواياتك نابعات من الواقع المعيش؟
الحسين السطاتي: ليس بالضرورة، هناك من يشبهن الخارجات من الواقع، ذلك الواقع الذي عشته وعايشته، وهناك من صنعهن خيالي، وتوجد اللاتي تم التقاطهن من الواقع ثم أضاف لهن الخيال الكثير، فالأدب ليس مرآة مسطحة تعكس ما يجري في دنيا الناس كما هو، إنما من حق الكاتب أن يرى الشخصية كما يريد أن تتراءى له،. في روايتي “عيطة بيضاوية”، نجد أن الشيخة مليكة وصديقتها سميحة، كما نجد نهيلة بطلة روايتي “عيطة هيت الشيخات”، والشيخة ميلودة بطلة قصتي “الشيخة والذئاب”، هن محض اختلاق حتى وإن كان من الممكن أن تجد شبيهات لهن في التاريخ البعيد أو القريب، في المقابل نجد “الحسين السطاتي”، بطل روايتي “عيطة بيضاوية”، قد يشبهني إلى حد كبير، والقارىء للرواية يظن أنها سيرة ذاتية محضة، لكن ليست كذلك، هي تحمل الكثير من حياتي لكن ليست كلها أحداث حقيقية، ولأنها تحتوي على أحداث واقعية قد لا يصدقها العقل.
جريدة جسر التواصل: كيف كان إحساسك وأنت تحيي أول عرس أو سهرة بعد التقاعد من الوظيفة العمومية؟
الحسين السطاتي: إحساس لا يوصف وكأنني ولدت من جديد، وبالمناسبة كانت حفلة زفاف بمدينة الدار البيضاء وكان معي فيها ثلاثة أفراد موسيقيين من مجموعتي القديمة قبل أربعة وعشرين سنة، يعني قبل ولوجي سلك الوظيفة العمومية، لذلك عندما خرجت للاستراحة الموسيقية، دمعت عيناي ولم أعرف إن كنت فعلا صاح أو في حلم، وفي نفس الشهر من صيف 2016، أحييت سهرة “حفلة زفاف” لأخت صديقي وكان يعمل معي دركي برتبة أجودان، وكانت الحفلة بقاعة الأفراح للدرك الملكي بمدينة سلا الجديدة، حيث حضر الحفل دركيين ضباط وضباط صف، منهم أصدقائي ومنهم من كانوا تلاميذ دركيين عندي، ولما أخذت في تلك الليلة فترة استراحة خرجت إلى الحديقة الجميلة رفقة أفراد الأوركسترا، وكان بعض الحاضرين يأخذون معي صورا للذكرى منهم تلاميذي الدركيين وأبنائهم، فلم أشعر وبدأت أبكي، طبعا هي دموع الفرح، أعود الى شبابي وأعمل بالميدان الفني الذي أعشقه، فهذا شيء جميل ورائع.
جريدة جسر التواصل: بصفتك فنان شعبي عشت مع أجيال ومازلت تحافظ على فن العيطة، فكيف تتعامل مع وسائل تواصل الجيل الحالي، خصوصا المواقع الاجتماعية؟
– الحسين السطاتي: هذا شيء رائع وجميل، فعلا لقد تعديت سن الخمسين، ومازلت أطمح أن أحقق الكثير في المجال الفني الموسيقي، والمجال الأدبي السردي وفي السينما.. مادمت قادرا على العطاء وفي صحة جسدية ونفسية جيدة، وأعتقد أنني من الجيل المحظوظ، عشنا مع جيل الأمس أعني جيل الخمسينات والستينات والسبعينات وها نحن نعيش اليوم مع جيل الألفيات، وهذه في حد ذاتها نقطة قوة، تعاملت سابقا مع الرسالة الورقية والتلغراف، والتيليكس، وأسطوانة اللفة، وشريط الكاسيت، وشريط الفيديو، والقرص المدمج، وها أنا اليوم أتعامل مع التقنية الرقمية، والذكاء الاصطناعي، ولذي عناوين على أغلب مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك قناة على اليويتوب تحمل اسمي الفني والأدبي “الحسين السطاتي”، وحساب على الفايسبوك، والانستغرام وتويتر..وأنا أدون وأكتب وأغرد على هذه المواقع، أنشر أعمالي الفنية بما فيها الغنائية الموسيقية والأدبية السردية من شعر وخاطرة وقصة ومقالة ومسرح ورواية.. كما أتفاعل مع الجمهور الكريم حول توجهي الموسيقي وهو موسيقى العيطة. وهذا التواصل صار جد مهم بالنسبة للإنسان العادي فبالأحرى للفنان الذي يتحتم عليه الدخول إلى هذا البحر والإبحار افتراضيا، كما أني أسعد بعدد التعليقات الايجابية على منشوراتي وصوري، أسعد بها سواء كانت سلبية أو ايجابية، لأن السلبية منها تعطيني وقفة تأمل لأستفيد من النقد وأصحح أخطائي، أما الايجابية فهي تغدي غروري الفني إذ صح التعبير وتحسسني أنني في المسار الفني الصحيح وموجود في الساحة الفنية الغنائية.
جريدة جسر التواصل : شخصيتك في مواقع التواصل الاجتماعي، هل هي نفسها في الواقع؟
الحسين السطاتي: لا أبدا، إن كتاباتي وموسيقاي فيها الكثير من شخصياتي المتعددة، لكنني في مواقع التواصل الاجتماعي أنتقي الأجود والأجمل والأروع، سواء في الصور أو في المنشورات، فيعرفون بذلك الحسين السطاتي الفنان شيخ العيطة والكاتب القاص والروائي والشاعر الزجال الحالم، الانسان العاشق للحياة المحب والمحبوب، والفنان المبدع العاطفي الرومانسي، عاشق الأيروسية، لكن في الواقع أنا شخص مبهم الشخصية، أجمع بين الفنان والحلاق والخياط، والفلاح، كما أجمع شخصية العسكري والمدرب العسكري وضابط الشرطة القضائية وضابط التحري الإجرامي، وأشرس المجرمين، وبتجربتي البوليسية الدركية أقول أن الحياة حرب إن لم تكن الجاني ستكون الضحية، وإن لم تكن المستعمِر ستكون المستعمَر، لذلك فشخصيتي حربائية قد تجدني أتلون بالصفة التي تأتيني أنت بها. قد تأتيني فنان مغني فأعزف لك على الكمنجة ونغني معا، وقد تأتيني شاعرا أدخل معك في سجال شاعري، وقد تأتيني مجرما فتجدني ضابط الشرطة القضائية والعسكرية ذلك المجرم قاهر المجرمين.
جريدة جسر التواصل : هل من السهولة الجمع بين الذكاء الاصطناعي والفن العيطي؟
الحسين السطاتي: كل شيء ممكن في عصر التطور التكنولوجي، شخصيا أرى أن الذكاء الاصطناعي أداة من الأدوات الإبداعية التي يمكن للفنان أن يستخدمها في إنتاج أعمال فنية مبتكرة، ومنها فن العيطة، الأمر لا يتعلق بقدرة الآلة على تجاوز قدرات الفنان البشري أو محاكاة إبداعه أو أن تحل محله، إذ ليس للإبداع منطق محدد، والإبداع البشري تحديدا يختلف عن الإبداع التقني الرقمي، مهما بلغت قدرات الأخير ومهما احتوت بياناته، لا يمكن للآلة أن تعوض العقل البشري، ومن الجيد أن يكون الفنان منفتحا على كل جديد ومطلعا على مستجدات التكنولوجيا، وأن يجرب طرقا وأساليب فنية باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، وفي النهاية أجد أن عمل الفنان وإبداعه، لا يمكن استبداله أو الاستغناء عنه بأي شيء آخر، تبقى له نكهته وميزته، قد تجد مستقبلا عيطة جديدة من كلماتي وعزف كمنجة الراحل الشيخ الماريشال قيبو، وغناء الشيخ الراحل بوشعيب البيضاوي والشيخة الراحلة فاطنة بنت الحسين والشيخ الحسين السطاتي، بمعني أنه صار بالإمكان أن نجمع أصوات الأموات مع الأحياء، ونركب موسيقاهم بطريقة رقمية الكترونية، وخلق إبداع جديد، إنه العلم وتقنية الذكاء الاصطناعي، لكن يبقى عمل الانسان ينبني على مشاعر وأحاسيس آدمية، والآلة تعتمد على عقل الكتروني مبرمج، لذلك لا ولن تعوض الآلة العقل البشري.
جريدة جسر التواصل: بقيت وفيا لفن العيطة رغم انقطاعك عليه لمدة تزيد على عقدين من الزمن، ما السر في ذلك؟
الحسين السطاتي: فن العيطة هوايتي أجد فيها راحتي وسلوتي، وهي نقطة قوتي، حيث كانت حديقتي التي أرتاح فيها كلما ضاقت بي الدنيا، وكلما تكالبت علي الأيام المهنية، والصعوبات التي كانت تصادفني في عالم الإجرام بصفتي كنت دركيا ضابط للشرطة القضائية نشيطا في عالم الجريمة، وباحث جنائي في حقل الضابطة القضائية، وكانت الشيخة دائما حاضرة في الكثير من أبحاثي الجنائية، وساهمت معي في إنجاح العديد من القضايا، لذلك أقول أن فن العيطة أعطاني الكثير، ولهذا بقيت وسأبقى مخلصا لهذا الفن، وقد عدت إليه بعد تقاعدي من سلك الوظيفة العمومية، لأنني أجد فيه متعة وراحة نفسية، كما أجني منه مدخولا ماديا وعملا يناسب عمري، ويتلاءم مع قدراتي الجسدية والنفسية..
جريدة جسر التواصل: كيف هو حال العيطة المغربية الآن؟
الحسين السطاتي: العيطة كانت ومازالت وستظل فنا أصيلا راقيا ناجحا، بصفتها فن الحب والحرب، دائما بخير وفي تحسن مستمر، وكما قلت وسأقول وسأظل أقول “العيطة قد تقتل لكن لا تموت”، وهي حاليا في نظري سلطانة تجلس على عرش الفنون الموسيقية الأخرى، فهي تؤثث وتنشط فضاءات متنوعة، حاضرة في جميع المناسبات؛ في الأعياد الوطنية والدينية، وحاضرة في حفلات الزواج وحفلات النجاح، وحاضرة في أعياد الميلاد، وحفلات العقيقة وأعياد الزواج وحتى في مناسبات الطلاق، وحاضرة في ليالي الأنس “القصارة”، وحاضرة في وسائل النقل العمومي في الحافلات وسيارات الأجرة وفي القطارات..وتحت خيام الشواء في السوق الأسبوعي، وفي الحلقة، وفي الرحابي بالأسواق الأسبوعية، وفي الساحات العمومية في المدن، وعند الحرفيين في محلات النجارة والحدادة وعند الجزارين..وحاضرة في مواسيم الفروسية “التبوريدة”، وفي ملاعب كرة القدم، والمدرجات الرياضية والثقافية، وفي الصالونات الأدبية، وفي المهرجانات وعلى الشواطئ وحتى في مناسبات الاحتفال بالعائدين من أداء مناسك الحج، نجد العيطة حاضرة في المقدس والمدنس، حاضرة في البحر والبر وفي المدشر والقصر، محبوبة الكل يعشقها الصغير والكبير، يستهلكها الفقير والوزير والأمير، فن السلاطين والملوك والأمراء..وفن الأشرار والأخيار.. إذا لا خوف على العيطة فهي أغنية الحب، الحب الجمالي، تلك العلاقة التي تسمي العلاقة الحميمية في بعدها الإنساني، تتسامى بنا إلى الأيروسية، وإذ صح التعبير بالنسبة إلي كشيخ للعيطة هي أغنية الجنس أردنا أم أبينا، أستمتع وأمتع، وأنت تعرف دور الجنس في حياة الانسان، الانسان متعطش للجنس لذلك سيبقى المغربي المتلقي والممارس لهذا اللون الغنائي متعطش لفن العيطة، ومهما شرب منه لا يصل إلى حد الارتواء، فللعيطة سلطان، نحن الآن لا نعيش حربا لكننا نعيش الحب، ونعيش الجنس، لذلك فالعيطة لا أخاف عليها بقدر ما أخاف على عشاقها والمولعين بها.
جريدة جسر التواصل: هناك بعض الباحثين يؤكدون على أن الشيخة ستختفي وستنقرض، ما جوابك عن هذا؟
الحسين السطاتي: لا أعتقد ذلك هم يبنون أقوالهم عن الملاحظة من بعيد ولا يعرفون ما يروج في الكواليس، فبصفتي فنان شعبي شيخ وممارس في ميدان الشيخات، أقول أنه واهم من يظن أن الشيخة ستنقرض، الشيخة ليست فنانة شعبية مغنية وراقصة فحسب، بل هي ظاهرة فنية مغربية اجتماعية، إذ لا يمكن تكوين الشيخات بمدارس أو معاهد موسيقية.. الشيخة خليط متجانس من هذا وذاك، خليط من الموهبة الفنية الغنائية، والقهر، والدكتاتورية الذكورية، والحرمان من الدراسة، وتزويج القاصرة، والاستغلال بكل أنواعه ومنه الجنسي.. هذا الخليط هو الخلطة السحرية التي تنتج لنا الشيخة، فبما أنه مازال هناك بالبادية المغربية استغلال للمرأة والحد من حريتها وحرمانها من العلم والعمل، وقهرها واستعبادها، وتزويجها قاصرة أو بالغة بمن لا ترتضيه زوجا، ستظل هذه المرأة تصرخ وتنادي وتستنجد وستبقى “تعيط”، لذلك سنظل ننتج الشيخة بل صار لدينا الفائض منها، وقد نصدرها إلى الخارج بما في ذلك إلى دول الخليج وأوربا.
جريدة جسر التواصل: هل ندمت على عودتك إلى المجال الفني؟
الحسين السطاتي: لا أبدا ، بل العكس هو الصحيح، المجال الفني الغنائي العيطي مجال رحب ورائع، بالنسبة لي شخصيا أجد فيه متعتي وأفجر فيه غضبي وطاقتي الفنية، وهو مصدر قوتي، وقوة شخصيتي، وبصفتي شيخ للعيطة أقول كل ما يتمناه المرء في العيطة يجده، العيطة كريمة تعطي بسخاء، العيطة أنثى حسناء فاتنة، إذا أحببتها واحترمتها وأعطيتها، أحبتك وحببت الناس فيك وأكرمتك، وأنا شخصيا لا أندم على شيء مارسته وجربته، بل أندم على أشياء لم أجربها.
جريدة جسر التواصل:ما الهوية المفضلة لديك كمتقاعد دركي أم فنان شعبي شيخ للعيطة أم كاتب قاص وروائي أم شاعر أم حلاق؟ ولماذا؟
الحسين السطاتي: شخصيتي تجمع كل هذه الشخصيات التي ذكرت، لكن أحب شخصية إلي هي شخصية الفنان الشعبي “شيخ العيطة”، لأنه يجري في إسعاد الناس، يغني ويعزف الموسيقى ويصنع الفرجة ويسلي الناس، ويجعلهم ينسون همومهم ويمرحون ولو للحظات أمامه، وهو الذي يؤدي أمانته بإخلاص دون غش ولا خيانة للأمانة.
جريدة جسر التواصل: ما هي المدرسة الأدبية والعيطية التي استفدت منها في بناء تصور لتجربتك الفنية الموسيقية الغنائية والأدبية؟
الحسين السطاتي: لو طلبا من كل فنان مبدع أن ينطلق بالضرورة من مدرسة أدبية أو فنية موسيقية ما، محترما في ذلك اختياراتها، متقيدا بقواعدها وأساليبها لما كان هناك أصلا أي مبدع، إن المبدع الحقيقي الأصيل بل والعبقري، في تصور الفيلسوف الألماني “كانط” مثلا هو من يصير مدرسة لغيره، منه يستمدون قواعد الخلق والابتكار، ولا أدعي في تجربتي المتواضعة هذه والتي ما تزال في بدايتها أنني انطلقت من فراغ، ولابد أن أكون قد خضعت لتأثير نمط معين، فبالنسبة لفن العيطة تأثرت بفن “العيطة المرساوية” وهو موطن النشأة بسهل الشاوية الكبير، وقد تأثرت بمجموعة من الأشياخ؛ كالشيخ بوشعيب البيضاوي، والشيخ الماريشال قيبو، والشيخ عبد الله البيضاوي، والشيخ حمو البوفي، والشيخ عبد السلام ولد علو، والشيخ أحمد البيضاوي، والشيخ خالد ولد البوعزاوي، والشيخ عبد الحق ولد الحلاوي، والشيخ الأمازيغي لمغاري ميلود والشيخ الستاتي عبد العزيز، والشيخ سعيد ولد الحوات، والشيخ عبد الرزاق لبيشي السطاتي، والشيخ عبد الله الداودي، والشيخ مصطفى بوركَون وغيرهم، لكني ركزت كثيرا على الشيخ خالد ولد البوعزاوي، لأنه هو الذي حافظ على فن العيطة المرساوية في حلتها التقليدية بما في ذلك “رباعة الشيخات” والأزياء التقليدية، وعندما أغني فأنا أغني بطريقتي الخاصة وبصوتي ليصل كما هو إلى المتلقي دون أن أقلد أحدا، أما فن الكتابة الأدبية السردية فقد تأثرت بالكتاب الأدباء العرب الكلاسيكيون ومنهم المغاربة؛ نجيب محفوظ، واحسان عبد القدوس، ونجيب الكيلاني ومحمد شكري ووفيق العلايلي وعبد الرحمان منيف ويحيى حقي ونوال السعداوي وفتيحة مرشيد ولطيفة لبصير ومليكة مستظرف والزهرة رميج وبشرى اجورك وفدوى مساط والكاتبة التركية أليف شافاك، وفي الأدب البوليسي تأثرت بالكاتبة الأنجليزية أكاتا كريستي والكاتب المغربي فضل أطاع الله وميلود الخمليشي وعبد الإله الحمدوشي..وغيرهم…ولكني وأنا أكتب لا أستحضر في ذهني أي نمط أو أي اتجاه، هاجسي الأول كان وما يزال أن أعبر عن تجربتي الخاصة بما يكفي من الصدق والعمق، وأن لا تشبه كتاباتي غير عمقي الخاص ونوعية التجربة التي اقتضتها.
جريدة جسر التواصل: كيف تقيم تجريبتك الموسيقية والأدبية؟
الحسين السطاتي: أنا حديث العودة إلى الساحة الفنية بعد التقاعد من الوظيفة العمومية ربيع 2016، والحمد لله حققت الكثير بعد عودتي إلى الميدان الفني والتفرغ للكتابة، رغم سنتين من جائحة كورونا، في رصيدي إلى حد الآن أزيد من عشرين أغنية شعبية، وأعدت غناء وتسجيل مجموعة من “العيوط” الخالدة، ومجموعتان قصصيتان ( العيطة والغيطة- وضحكات الشيخات-، ورواية طويلة بعنوان “عيطة بيضاوية” من أربعة أجزاء، ونص مسرحي فردي بعنوان “عيطة الكرسي”، وكتبت الجزء الأول من سيرتي الذاتية تحت عنوان “عيطة دموع الخيل”، وسبق وأن نشرت على شكل حلقات طيلة شهر رمضان وكتبت ونشرت أكثر من مائة مقال عبر جرائد وطنية..وأحييت عدة حفلات خاصة وأعراس ومهرجانات ومواسيم تبوريدة، وشاركت في احياء حفلات خيرية، ومثلت فن العيطة أحسن تمثيل، والحمد لله على كل ما وصلت إليه.
جريدة جسر التواصل : في حال قرر أحد أبنائك دخول المجال الفني الموسيقي الشعبي فهل ستوافق أو تمانع؟
الحسين السطاتي: لدي ثلاثة أبناء؛ بنثين “بذرة وريحانة” وولد “محمد”، وكلهم بالغين راشدين في سن الزواج، لقد أدخلتهم للمعاهد الموسيقية منذ صغرهم درسوا الصولفيج والموسيقى وتخصصت ابنتي الكبرى “بذرة” في الكمان، وكل من ريحانة ومحمد في آلة البيانو، لكنهم فضلوا أن يمارسوا الموسيقى كهواية، ورفضوا أن يدخلوا المجال الفني الغنائي كمغنيين محترفين، فتركت لهم حرية اختياراتهم ولا أتدخل في قراراتهم، وللناس فيما يعشقون مذاهب،.
جريدة جسر التواصل : ما المسؤولية التي تقع عليك كشخصية فنية أمام الأجيال الجديدة التي تقتدي بالفنانين؟
الحسين السطاتي: بالطبع المسؤولية موجودة، لذي جمهور ومعجبين من الجنسين ومن مختلف الأعمار، وصرت شخصا مؤثرا، وأعي جيدا بأن هناك من يحتذي بي، ويجعلني قدوة له، لهذا علي أن أكون فنانا نموذجيا، وأحب أن أكون قدوة للأجيال القادمة، أن أكون مثالا يحتذ به، أول شيء أذكرهم به بأن الفن يبقى هواية وليس مهنة، وعليهم تحمل مسؤولية قراراتهم، وأذكرهم بأبيات من عيطة دامي المرساوية( ياويل من تاق في خوتو…وياويح من قوتو في صوتو)، وأنصحهم بالدراسة وتعلم حرفة أو صنعة، والحفاظ على أمانة الجسد، وأن يكونوا صالحين لنفسهم ولأسرهم وللمجتمع.
جريدة جسر التواصل: ما هي المهنة التي كنت تحلم بها وتحب أن تمارسها؟
الحسين السطاتي: الحمد لله والشكر له، حلمت في اليقظة بأشياء كثيرة وتحقق البعض منها، فبحكم أنني ابن البادية كنت أحب أن أكون دركيا، لما كنت ألمسه من قيمة للدركي في البادية، وبالفعل عملت دركيا، بل حصلت على رتبة جد مشرفة في التكوين الدركي واجتزت اختبارا للمدرسين المدربين لضباط الصف ونجحت، وصرت مدربا ومدرسا، ثم انتقلت للعمل في حقل الضابطة القضائية بمراكز ترابية وقضائية للدرك الملكي، ونجحت في عالم محاربة الجريمة، وأنجحت قضايا جنائية صعبة، وبحثت في قضايا مختلفة، وحاربت الجريمة بشتى أنواعها. وحلمت أيضا وأنا صغير خلف قطيع الغنم بالبادية أعزف الكمنجة التقليدية “كمنجة الطارو”، تمنيت أن أصير فنانا “شيخا للعيطة” أحيي الحفلات وأنشط الأعراس والمهرجانات.. وها أنت ترى أنني شيخ للعيطة مغني وموسيقي “كومنجي” كازف كمان لمجموعة غنائية “رباعة الشيخات”، وحينما قرأت الخبز الحافي للكاتب المغربي الكبير محمد شكري الله يرحمه وأنا في مستوى التعليم الثانوي، تمنيت وحلمت أن أكون كاتبا، وأكتب أنا أيضا سرتي الذاتية، وها أنا اليوم كاتب، كتبت الجزء الأول من سيرتي الذاتية تحت عنوان “عيطة دموع الخيل”، ولي كتابات متنوعة في القصة والرواية والمسرح والمقالة..وصار لي جمهوري من القراء ومن محبي فن العيطة والفن الشعبي. هذا من فضل ربي، ومازالت لي أحلام إن شاء الله سأحققها.
جريدة جسر التواصل: من هو فنانك المفضل في الفن الشعبي؟
الحسين السطاتي: في الفن الموسيقي الشعبي المغربي أعز الكثير من الفنانين واللائحة طويلة، لكن الذي أثر في كثيرا، هو الفنان الراحل الشيخ “المغاري ميلود”، الفنان الأمازيغي والشعبي، بالنسبة إلي يعد نجم الأجيال في الفن الشعبي له فن موسيقي راقي، وهو موسيقي عازف كمان “كومانجي” ومغني ضمن مجموعة غنائية “رباعة الشيخات”، وحينما أتفرج على مجموعته للشيخات في تسجيلات فيديو لسهرات عمومية أو أعراس وكأنني أتملى لوحة تشكيلية رائعة يتناسق فيها الألوان حيث تتمازج في لوحاته الأزياء والرقصات والأنغام والألحان، كان فنانا مبدعا الله يرحمه، وهي الطريقة التي أنهجها خلال عملي مع الشيخات، كان يتميز بجدية في العمل، وأناقة في المظهر، واثقان في العمل بعيدا عن الابتذال والرداءة والتفسخ الفني عند الراقصات. والذي يطربني في الأغنية العيطية هو الفنان الشيخ خالد ولد البوعزاوي، وفي الأغنية الشعبية حاليا هناك الفنان الكبير ذو البحة الشجية الحنينة، الفنان الشيخ “الداودي عبد الله” فهو فنان مطرب ذو صوت شجي.
جريدة جسر التواصل: ما هو أدنى أجر تقاضاه الفنان الشعبي الشيخ الحسين السطاتي؟
الحسين السطاتي: أدنى أجر لم أتوصل به بعد، وهو أن يقذفني الجمهور بالطماطم أو البرتقال، ويصيح في وجهي بأن أغرب عنه، والحمد لله لم أصل إلى هذا ، وأعتقد أن العيطة هذا سر من أسرارها، إذا بدا لي الجمهور غير متحمس معي في الحفل، أبدأ في عيطة الساكن مثلا “العلوة” و “مولاي الطاهر” و “الباشا حمو” و “الحارتية ميرة”، وغيرها من الأغاني العيطية التي تتغنى بكرامات الأولياء وطقوس “الجدبة”، فيظهر لي أن الوضع قد تغير وسط الجمهور، أما إذا كنت تقصد أن أعطيك أجرا ماديا، فقد كنت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ، أذهب رفقة مجموعتي الغنائية فقط من أجل وجبة طعام دسمة وبعض الإكراميات القليلة من الجمهور، وكنا جد فرحين بهذا وما يهمنا هو الفن الموسيقي.
جريدة جسر التواصل: هل سبق لك وأن غنيت في حانات أو ملاهي ليلية ” الكبريهات”؟
الحسين السطاتي: فعلا لقد غنيت عدة مرات في المؤسسات الفندقية السياحية، حيث يتواجد بها ملاهي ليلية وحانات، حيث وأنا فنان “شيخ للعيطة” أمثل فن مغربي أصيل، سواء في الموسيقى والغناء أو الأزياء التقليدية التي أحضر بها رفقة المجموعة الغنائية، وهناك جمهور كبير متعطش لفن العيطة ويحبني، ولا أمانع من الغناء في مثل هاته الأماكن لأني كنت أحيانا أدخلها وأنا باحثا في حقل الضابطة القضائية بصفتي كنت دركيا ضابطا للشرطة القضائية، أحيانا يكون داخلي متكدرا لكن لضرورة العمل الدركي كنت مجبرا على دخول مثل هذه الأماكن، ولكنني اليوم والحمد لله صرت متقاعدا من الوظيفة العمومية وأدخل هذه الأماكن فرحا وبمحض إرادتي، أستمتع مع الناس وأغني وأتقاضى مبالغ مالية، المهم أنني لا أدخن ولا أشرب خمر ولا أخون.
جريدة جسر التواصل: ما رأيك في تجارب فنية مزجت بين فن العيطة وأنماط غنائية أخرى؟
الحسين السطاتي: هذا شيء جميل ويساعد بالتعريف بموروثنا الثقافي الفني وانتشاره على نطاق واسع،كما يعطي دفعة قوية، ودافعية للشباب ونفحة شبابية لفن العيطة، وخير دليل على ما قامت به مجموعة “مزكَان” في اسم الفنان عصام كمال فيما يتعلق بتجربته في “عيطة ألباس”، وعيطة “ركوب الخيل” المرساوية، إنها تجربة رائعة، وتحبب الشباب في فن العيطة.
جريدة جسر التواصل: في نظرك لماذا لا يهتم الشباب بفن العيطة؟
الحسين السطاتي: بل العكس هو الصحيح، الشباب المغربي اليوم من الجنسين متعطش لفن العيطة ولما هو تراثي أصيل، نجد شباب اليوم من الموهوبين المولعين بالموسيقى يعطون أهمية كبرى لفن العيطة، وذلك ليثبت للآخر أنه كبير، كما هو الحال بالنسبة للشيخ حينما يريد أن يبقى شابا، نجد في فن العيطة أن الشاب بطريقة غير مباشرة يريد أن يظهر للمتلقي أنه شيخ للعيطة، بمعنى أنه يعرف أكثر في مجال الموسيقى الشعبية، ونضج أكثر ومتمرس على فن الكبار، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الشباب يعرف أن فن العيطة فنا كريما وسخيا، قد يجني من المال في ليلة واحدة ما لا يجنيه غيره في سنة، أما نفور البعض من فن العيطة، فذلك راجع لأنه في البداية يجد صعوبة في حفظ المتون العيطية، وكذا في طريقة العزف والأداء لأن أغلب الأغاني العيطية مركبة ومعقدة الايقاع والألحان، لكن حينما يدخل الشاب الفنان إلى الميدان الموسيقي يعرف حقيقة هذا الفن وطلبات الجمهور من أجل التحدي والتعجيز، في تلك اللحظة يكون مجبرا عليه أن يتعلم ولو النزر القليل من الفن العيطي، وبذلك يضمن بقاءه في الميدان العيطي ويفرض وجوده.
جريدة جسر التواصل قريبا منك ومن محيطك الأسري، كيف هي علاقتك مع أسرتك؟ وهل لها دور في عملك الفني والأدبي؟
الحسين السطاتي: أسرتي هي الظل الذي ألجأ إليه وقت الشدة والضيق سواء الأسرة الكبيرة أو الصغيرة، وهي الشجرة الوارفة الظلال التي أحتمي بها، وخاصة زوجتي “كريمة نرجس” حفظها الله، فهي تهيئ لي الجو المناسب للكتابة والقراءة، رغم أني أزعجها أحيانا بصوت الكمنجة بالبيت، فهي تتعايش معي وتتقاسم معي كل أعمالي وهي الركيزة الحقيقية للبيت “ركيزة الخيمة”، هي وأبنائي “بذرة وريحانة ومحمد”، وقد اعتادوا على حماقاتي الفنية، وأطلعهم على أعمالي سواء منها الموسيقية الغنائية بصفتي فنان ممارس للفن الشعبي “شيخ للعيطة”، أو كاتب قاص وروائي وشاعر زجال، وأبنائي كبار وفي سن الزواج، وقد ربيتهم تربية فنية موسيقية، ودرسوا الصولفيج والموسيقى في معاهد موسيقية، لكنهم رفضوا أن يدخلوا الميدان الفني الموسيقي.
جريدة جسر التواصل: نلاحظ أن العديد من الفنانين يتعاطون أكثر للأغنية الشعبية، لماذا في نظرك؟ وهل يعني أن هناك صراعا أو منافسة مع الأغنية العصرية؟ وما الذي يميز النمطين في نظرك؟
الحسين السطاتي: لا أظن أن هناك صراع بين الأغنية الشعبية والعصرية المغربية بقدر ما هو تكامل بينهما، فأصبحنا الآن نسمع ونشاهد الأغنية الشعبية تعتمد على الآلات الموسيقية العصرية بما فيها الرقمية والالكترونية، واتخذت المجموعة الغنائية الشعبية شكل أروكسترالي وتوزيع موسيقي وألحان عصرية، والعكس صحيح صرنا نجد الأغنية العصرية تدخل آلات موسيقية تقليدية وتتضمن أهازيج وإيقاعات شعبية، إذن هناك تكامل بين الأنماط الموسيقية، ولكل فنان اختياراته، كما أن لكل جمهور ذوقه، “وكل تمر عندو كيالو”، أما عن ميل الشباب إلى الأغنية الشعبية فأظن أن أماكن وفرص العمل متوفرة للفنان الشعبي أكثر مما هي متوفرة في نمط العصري، لذلك نجد الفنان يميل إلى النمط الشعبي ليكسب جمهورا أكبر ويحضا بفرص عمل أكثر، ليضمن دخلا ماديا أوفر.
جريدة جسر التواصل: هل تتذكر أول أغنية شعبية أو “العيوط” التي كنت تغنيها في عرس أو حفلة رسمية، وكان يطلبها الجمهور كثيرا خلال بدايتك الفنية؟
الحسين السطاتي: أنا مغني شعبي وشيخ للعيطة، وبدأت الفن الشعبي في سن مبكرة، يعني تقريبا في سن أربعة عشر سنة بدأت في إحياء الحفلات والأعراس، وكنا نغني الأغنية الشعبية، بما في ذلك أغاني الشيخات واللعابات وفرق المجموعات الشعبية بما فيها “نجوم بوركَون، ونجوم السمر، وأهل النشاط، ونجوم الفرح، وأهل التراث، وأولاد فضالة، وأولاد العوني”… وفنانين مشهورين من أمثال “الراحلين الفنانين الأمازيغيين لمغاري ميلود ورويشة محمد، .وأذكر من الأغاني الشعبية التي كان يطلبها الجمهور كثيرا :”شحال تسنيتك ما جيتي، آش نكَول ليك يا حبيبي منين نبدا لحديث، واش المحبوب كيلوموه الناس، وأغاني الأم والهجرة وغيرها من الأغاني العاطفية والاجتماعية، أما عن فن العيطة فيمكنني أن أقول لك أنني كنت في بدايتي الفنية أغني براويل العيطة الشيظمية والعيطة المرساوية وعيطة الساكن، لأنها أغاني عيطية ذات إيقاع خفيف، وبسيطة غير مركبة، وأذكر منها: ساكن العلوة، وبوعبيد الشرقي، ومولاي الطاهر، ومولاي بوشعيب الرداد، وبويا لغليمي وبويا رحال..ومن العيطة المرساوية أذكر عيطة ركوب الخيل ،وعيطة دامي، وعيطة الشاليني، وعيطة ألباس، وعيطة الحساب الزعري…
جريدة جسر التواصل: ماذا أعطت العيطة للفنان الحسين السطاتي ؟ وماذا أعطى هو للعيطة؟
الحسين السطاتي: كان عطاء متبادلا بيننا، فالعيطة بالنسبة إلي هي تلك الأنثى الفاتنة الجميلة الحسناء التي تعرفت عليها منذ صغري، وأحببتها بصدق منذ مراهقتي، فأعطتني الكثير، أعطتني كل ما أحب وكل ما أشتهي..لذلك أعتقد أنني أعطيتها أيضا ما تستحقه من حب ورعاية، أكرمتني بالمال وأعطتني حب الناس، عرفتني على أشخاص من الجنسين، أدخلتني أماكن مهمة لولاها ما دخلت هذه الأماكن، ساعدتني في دراستي، وحتى في مهنتي كدركي ضابط للشرطة القضائية، ساندتني في أبحاثي وتحرياتي القضائية في الجرائم..لذلك لن أنسى خيرها وسأبقى وفيا لهذه الحسناء الرائعة، أدخلتها إلى الكتب، أدخلتها إلى القصة والرواية والمقالة والمسرح، وحضرت معي في الملتقيات الفنية والصالونات الأدبية والمهرجانات، وسأظل وفيا لمحبوبتي، فهي معشوقتي وحبي الأول قبل أن أحب أي أنثى.
جريدة جسر التواصل: في اعتقادك ما نظرة المجتمعات المحافظة إلى الفنان الشعبي، بما في ذلك نظرة أهل قبيلة أولاد سعيد مسقط رأسك، التي تجعلهم يعترضون على إتجاه أبنائهم إلى الفن وخاصة الفن الموسيقي ومنه فن العيطة؟
الحسين السطاتي: المجتمع المغربي بصفة عامة يضع الفن والثقافة في الذيل، ومنها الفن الغنائي الشعبي، فحتى في الجرائد تجد الاعلان الفني أو الصفحة الثقافية في الصفحة الأخيرة، وحتى في السهرة الفنية تجد الفن الشعبي مبرمج في نهاية السهرة، وهناك الكثيرون يعيشون نفاقا اجتماعيا، تجد الرجل يدفع الأموال من أجل استقدام فرقة موسيقية لفن العيطة “رباعة الشيخات” في زواج ابنه أو ابنته، يستمتعون معهم بلحظات الفرح، يغنون ويرقصون، وفي يوم الغد تجده يدم ويقذف الفنانات “الشيخات” بأقذع النعوت، هذا أسميه نفاقا وازدواجية في الشخصية، تلك الازدواجية المرضية السلبية.
جريدة جسر التواصل: ماذا أضاف الفنان الشيخ الحسين السطاتي لفن العيطة؟
الحسين السطاتي: الفنان المبدع الحقيقي هو الذي يضيف إلى فنه، إذ لا يمكننا أن نركن إلى التقليد والتمجيد من أجل التخليد، إذ لابد لنا من التجديد إذا أرضنا أن نذهب بهذا الفن إلى بعيد، نحن نغني من تراث الأجداد، نغني قصائد الأمس البعيد، وإذا اكتفينا بالتقليد ماذا ستغني الأجيال القادمة، إذا نحن لم نطور أنفسنا ونساير العصر ووسائله التكنولوجية والتقنية ونضيف إلى هذا التراث مع الحفاظ على هويته الطربية العيطية سيندثر هذا الفن، والتراث الذي لا يُطور يموت، قمت بالبحث عن بعض “العيوط” الغابرة من تراث فن العيطة المرساوية والعيطة البلدية والعيطة الملالية، وأضفت إليها الكلمات والألحان بعد حذف كلمات كانت دخيلة على النص الأصلي للقصيدة، وطرحتها للسوق الفني بحلة جديدة أمثال: عيطة البيضة، وعيطة العين، وعيطة ألباس، وعيطة ركوب الخيل وعيطة الشجعان”، حيث صارت الأغنية قصيرة المدة الزمنية والنص مكتملا والصور الشعرية به واضحة. كما قمت بتجديد في الكلمات لعيطة الساكن مع الحفاظ على اللحن، وذلك لإخراجها من طابع النمطية، كما هو الحال في عيطة “العلوة” وعيطة “زمران”، التي كانت قصائدهما تحمل أبياتا شعرية تدخل في خانة الشرك بالله واعتاد الجمهور سماعها وكأنها تدخل ضمن النص الأصلي للقصيدة العيطية الأصلية..وأدخلت العيطة في أغلب مؤلفاتي السردية من قصة ورواية وسيرة ذاتية ومسرح، وكتبت بحثا يتضمن مجموعة ندوات حول فن العيطة تحت عنوان “فن العيطة بين نظرة الاحتقار ورد الاعتبار”، كما أن فن العيطة صار حاضرا معي في لقاءات فنية أدبية وخلال توقيعات كتب لمؤلفيها وهذا في حد ذاته يعتبر إضافة نوعية لفن العيطة.
جريدة جسر التواصل: سبق وأن تم تكريمك في عدة مناسبات من طرف جمعيات كفنان شعبي “شيخ للعيطة” محافظ على تراث العيطة، ماذا يمثل بالنسبة إليك التكريم؟
الحسين السطاتي: أنا جد سعيد بهذه الالتفات، وأعتز بهذه التكريمات، وهي كانت بالنسبة إلي أحلام وتحققت، هذه التكريمات الرائعة والمشجعة التي أحضى بها بين الفينة والأخرى من طرف جمعيات بمهرجانات أو خلال سهرات أو تظاهرات الفنية وأدبية، بصفتي فنان شعبي “شيخ للعيطة” وكاتب قاص وروائي وشاعر زجال، وهذا شرف لي، هذا تكليف أكثر منه تشريف، فتكريمي هو تكريم لجميع الفنانين الشعبين المغاربة وممارسي فن العيطة “أشياخ وشيخات”، وتكريم لكل من له غيرة على هذا التراث الأصيل الموروث الثقافي اللامادي وهو ملك مشترك لجميع المغاربة داخل وخارج أرض الوطن.
جريدة جسر التواصل: لمن تهدي هذا التكريم؟
الحسين السطاتي: أهذي هذا التكريم إلى كل الفنانين المغاربة بكل ألوان الفنون، الأحياء منهم والأموات الذين فارقوا الحياة، أهديه للفنانين العيطيين “شيخات وأشياخ العيطة”، ولكل من جد واجتهد وناضل من فناني الأمس الأسلاف إلى أرواح الأجداد العيطيين الذين مهدوا لنا السبيل وتركوا لنا هذا الكنز الثمين، فأشياخ العيطة يدفنون لكن لا يموتون..يبقون أحياء بيننا خالدين تسمع أصواتهم وكتاباتهم وأشعارهم وموسيقاهم.. وعلينا أن نرعى هذا الفن ونهتم به ونحافظ عليه، ونمرره إلى الأجيال القادمة في أبهى حلة
جريدة جسر التواصل: هل تقوم بمشورة أحد في اختيار مواضيع أعمالك الفنية الغنائية؟ وكيف تخرج أغنية شعبية إلى حيز الوجود؟
الحسين السطاتي: الخلق بمعنى الإبداع دائما يبدأ من الفرد ثم تتبناه الجماعة، فيما يتعلق بكتابة القصائد الشعبية، تأتيني فكرة القصيدة في زمن أو مكان ما غير محدد قد أكون في حصة رياضة على شاطىء البحر أو في الغابة، أو في رحلة الصيد البري مع أصدقائي القناصين أردد الكلمات في مخيلتي مرارا واذا أعجبتني أخرج الهاتف النقال وأسجل الأبيات الأولى حيث يتضح لي جيدا الموضوع، وقد يسبق اللحن أحيانا الكلمات فأسجل بداية الأغنية، وأناقشها مع بعض أصدقائي، وعندما أكمل القصيدة أرقنها في الحاسوب وأطبعها، وأشارك بها في ملتقى للشعر، فأرى تجاوب الجمهور معي، وأحيانا أغنيها في الملتقى الشعري أمام شعراء وزجالين كبار بمدن وقرى بالمملكة، وأذكر على سبيل المثال قصائدي من بينها قصيدة “جيبو ليا بنت خالي”، وقصيدة “أنا في عاركم يا ناس الحب”، وقصيدة ” وقصيدة “هولني ركوب الخيل”، وقصيدة الزين لحرامي”غيرها من القصائد التي سجلتها وطرحتها في سوق الفن ولاقت رواجا كبيرا ومازال الفنانون يتغنون بها في الأعراس والمناسبات، وأحيانا أستشير زوجتي “كريمة نرجس” وأبنائي “بذرة وريحانة ومحمد”، وأقرأ عليهم القصيدة وأناقش معهم موضوعها، بعد ذلك أناقش مع زملائي في الفرقة الموسيقية وأتشاور معهم خلال التسجيل، حيث يمكننا أن نضيف وننقص سواء في الكلمات أو الألحان.
جريدة جسر التواصل : كيف كانت المرحلة الانتقالية للحسين السطاتي من دركي ضابط للشرطة القضائية والعسكرية إلى شيخ كومنجي للعيطة المرساوية؟ وهل كانت مغامرة أو بالأحرى مجازفة؟
الحسين السطاتي: لا أبدا، لم تكن مغامرة ولا مجازفة، بل كانت مرحلة انتقالية مدروسة ومخطط لها من قبل، وأنا أعمل دركي ضابط للشرطة القضائية والعسكرية، وضابط للشرطة المكلف بالأحداث، وضابط للشرطة التقنية والعلمية، وتقني التشخيص الجنائي، كنت أعرف أن هذه الشواهد الوظيفية لا تنفعني في الحياة المدنية، لأنه لا توجد لدينا بالمغرب مؤسسات خاصة وحرة للبحث التمهيدي الأمني “التحري الخاص”، لذلك كونت نفسي في مجال الموسيقى واشتريت الآلات الموسيقية وكدا معداتها الالكترونية والرقمية، ووبدأت أقوم بكرائها للموسيقيين المحتاجين إليها، وكونت نفسي ماديا ومعنويا، طبعا بتنسيق مع زوجتي “كريمة نرجس” وأبنائي الثلاثة “بذرة وريحانة ومحمد”، كونت أبنائي دراسيا وفنيا، حيث درسوا جميعا الصولفيج والموسيقى وصارت لهم ثقافة موسيقية، بعد ذلك تقدمت بطلب الحصول على التقاعد النسبي، وبعد دراسة ملفي من طرف الرؤساء الدركيين كان لي ما أردت، وحصلت على التقاعد النسبي بعدما قضيت مدة اثنان وعشرون سنة في الخدمة الدركية، والحمد لله لذي أجرة شهرية محترمة كمتقاعد دركي، وتأمين عن الحياة، والرعاية الصحية العسكرية، والاستفادة من جميع خدمات المصالح الاجتماعية الدركية والضمان الاجتماعي وهذا شيء جد رائع يتيح لي التفرغ للفن وللقراءة والكتابة، ثم انتقلت إلى ممارسة هوايتي الفنية بموازاة مع مشروع الحلاقة الرجالية والنسوية، وقد درست الحلاقة وتكونت فيها، وحصلت على شواهد ودبلومات واستثمرت في مجال الحلاقة والتنكَيف، فأنا الآن حلاق وفلاح وفنان وكاتب، قاص وروائي وشاعر زجال، والحمد لله في خلاصة القول أن انتقالي من حقل الضابطة القضائية إلى العيطة المرساوية كان قرارا صائبا وخيارا ناجحا.
جريدة جسر التواصل: هل يمكن أن نقول “سبع صنايع والرزق ضايع”؟
الحسين السطاتي: لا أبدا، العكس هو الصحيح، “سبع صنايع والرزق دايع” وليس “ضايع”، حينما تكون لك موارد دخل متعددة فذلك شيء مربح وجميل، والمخيف هو أن يكون لك مورد رزق واحد أو أن تكون موظفا عموميا ولا تجيد أي حرفة أو صنعة، حينها تكون مهددا إن قُدر وفقدت مصدر رزقك الوحيد.
جريدة جسر التواصل: حدثنا عن المحيط العائلي الذي ترعرعت فيه؟
الحسين السطاتي: أنا ابن أسرة فقيرة نشأت وترعرعت بالبادية، بريف “أولاد عبو”، “جمعة فوكو قديما”، بمنطقة “أولاد سعيد”، ضواحي مدينة سطات، من أب “المحبوب محمد بن الجيلالي” رحمه الله، متقاعد عسكري وفلاح بسيط، و”طيان”صانع أواني طينية، وأم “المرشود السعدية بنت محمد” رحمها الله، ربة بيت وفلاحة نساجة وطباخة، كنا أربعة عشر ابن “ستة أولاد وثمانية بنات” ماتوا منا أربعة “ولدان وبنتان”، وأنا متوسط الأبناء، درست المستوى الابتدائي بمدرسة “المداحة”، تبعد عن الدوار بثلاث كيلومترات تقريبا، كنا ونحن أطفال نقطعها صباح مساء مشيا على الأقدام، بين الطبيعة الخلابة والسهل المنبسط، ودرست المستوى الإعدادي بالقسم الداخلي بثانوية خالد ابن الوليد بقرية أولاد عبو، أما المستوى الثانوي فقضيته بالقسم الداخلي بمدينة برشيد، وفي ربيع 1994 التحقت بصفوف الدرك الملكي سلك ضباط الصف، وبعد قضائي أكثر من عقدين من الزمن “اثنان وعشرون سنة” في مهنة الدرك الملكي حصلت على التقاعد النسبي، وعدت من جديد لمزاولة هواياتي في الموسيقى والقراءة والكتابة ومزاولة مهنة الحلاقة العصرية، وقد دونت هذا في سيرتي الذاتية في كتاب تحت عنوان “عيطة دموع الخيل”..ونسخته الالكترونية توجد على محرك “كَوكَل” فقط بكتابة العنوان “عيطة دموع الخيل” سيجد الباحث فصول هذا الكتاب.على شكل سلسة حلقات “ثلاثين حلقة”.
جريدة جسر التواصل: ماذا يريد الفنان والكاتب الحسين السطاتي من نفسه ومن الجمهور؟
الحسين السطاتي: ذكرت كلمة النفس، فالنفس أمارة بالسوء ومنها النفس اللوامة، إنني أستغفر ربي وأتوب إليه إذا ما أخطت، وأحاول جاهدا أن أتغلب على النفس اللوامة، أريد أن أكون عند حسن ظن الجمهور الكريم.. وأريد من الجمهور أن يشجعني ويسامحني إذا ما أخطأت، كما أطلب من الجمهور الكريم وجميع محبي “الحسين السطاتي” أن يشجعونني ويدعمونني بشراء مؤلفاتي وكتبي، والانضمام إلى حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، والمشاركة في قناتي على موقع اليوتيوب التي تحمل اسمي الفني والأدبي “الحسين السطاتي”.
جريدة جسر التواصل: عدت مؤخرا إلى الساحة الفنية المغربية بعد غياب دام اثنان وعشرون سنة، وفرضت وجودك، إلى ماذا تعزي ذلك؟
الحسين السطاتي: هناك أسباب عديدة، جعلتني أفرض وجودي وأتميز عن الكثيرين من الفنانين “شيخات وأشياخ” فن العيطة، منها تميزي أنني كنت دركيا وصرت شيخا للعيطة، ثانيا أنني أحب عملي الفني وشغوف به وأدافع عليه، ثالثا أنني كاتب قاص وروائي وشاعر زجال وناشر للمقالات، وعندي حضور في الساحة الإعلامية، كما أنني أمارس فن تراثي أصيل وهو فن العيطة، فن يساوي بين الجنسين، أعتقد أن هذا جعلني أعود من جديد إلى الساحة الفنية بتميز.
جريدة جسر التواصل: هل سبق لك وأن تعرضت للتهديدات؟
الحسين السطاتي: طبعا، تعرضت لتهديدات كثيرة، تهديدات بالاختطاف والقتل بحكم أنني كنت دركيا ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية وضابط مكلف بالأحداث وضابط للشرطة التقنية العلمية، كنت عنصرا نشيطا داخل حقل الضابطة القضائية وسط عصابات المخدرات ودور الدعارة وجرائم السرقة والقتل، لذلك كنت أتعرض لتهديدات من طرف المجرمين الذين كنت أطاردهم، تهديدات بالاختطاف والقتل، وكانوا يهددوني باختطاف أبنائي لما كانوا صغارا، لكن الحمد لله لم يحصل شيء من هذا، فقط هي سلوكيات وتصرفات لبعض الأشخاص الأشرار، يريدون بذلك إخافة الضابط كي لا يلاحقهم ويغظ الطرف عن إجرامهم، لكن أغلب الأحيان كنت أنجح مع زملائي الدركيين وبتوجيهات من الرؤساء القضائيين، في إلقاء القبض على المجرمين، أما في الحياة الفنية والأدبية فليس هناك أي تهديد لدي جمهور ومعجبين أحترمهم ويحترمونني.
جريدة جسر التواصل : ما هي السهرة أو العرس الذي ترك بصمته في حياتك؟
الحسين السطاتي: كثيرة هي السهرات والأعراس التي أحييتها وتركت بصمتها في حياتي، من بينها أنني كنت في أوج مراهقتي بمستوى السنة الثانية من التعليم الثانوي، وكنت من بين التلاميذ النزلاء بالقسم الداخلي بمدينة برشيد، وأتذكر أنه في عطلة نهاية الأسبوع وكان الفصل نهاية الربيع، أحييت حفلة عرس بدوار قريب من دوارنا، وكنت لوحدي أعزف على آلة الكمنجة وتشاركني بعض النساء الحاضرات في ضبط الإيقاع وذلك بالعزف على” البنادير” و”الطعارج” والغناء، حيت كانت حفلة زفاف مقامة بالليل، سهرة خاصة بالنساء وقليل من الرجال من أهل العرس، وكنت خلالها المستفيد من أموال الإكراميات التي تمنح إلي من الجمهور الحاضر وأغلبه نساء، وفي الصباح لما عدت إلى منزلنا بالدوار حوالي الساعة الخامسة صباحا، أعددت النقود فوجدت مبلغ يفوق تسعمائة درهم، وكان بالنسبة إلي مبلغ كبير في ذلك الوقت، يشكل ثروة بالنسبة إلي، زادني ذلك محبة وارتباطا وعشقا لفن العيطة.
جريدة جسر التواصل: غنيت أغنية “جيبو ليا بنت خالي”، ولاقت نجاحا، ما رأيك في زواج العائلة؟
الحسين السطاتي: نعم غنيت أغنية “جيبو ليا بنت خالي”، بإيقاع شعبي سريع وراقص، وبكلمات اجتماعية تدل على نجاح الزواج من بنت الخال، فعلا أنا مع زواج العائلة، الزواج من بنت الخال وبنت العم، وضد مقولة “بعد من دمك لا يطليك”، كما أن القلب يختار من يحب ولا يميز بين أفراد العائلة وغيرها، وفيما يتعلق بنسبة نجاح زواج العائلة، فالقرابة العائلية تعزز من طاقات الصبر لدى الزوجين أو لدى أحدهما، كما أن اللحمة العائلية تُستحضر في كل الخلافات التي تحدث بينهما، وهي عامل أشبه بمناعة تدفع إلى تحصين الزواج من كل الهزات والارتدادات التي تحدث داخل محيط الأسرة، ذلك أن قرابة الدم تفرض منطق آخر في علاقة الزوجين التي يتم تقويمها تحت رقابة الأهل، ورابطة القرابة هي صمام الأمان، وابنة العم أو الخال أولى من الغريبة بالنظر إلى قدرتها على التحمل، وأنا أتكلم من تجربة فأنا متزوج من قريبتي “كريمة نرجس” وتجمعنا قرابة أبناء العمومة، وعلاقتي بزوجي تعدت الثلاثين سنة، وكانت لي دائما هي الركيزة والسند الحقيقي، وهي السبب الرئيسي في كل ما وصلت إليه من نجاح.
جريدة جسر التواصل: هل تقتصر مجموعة “أوركسترا الحسين السطاتي” على الرجال فقط أم هناك العنصر النسوي؟
الحسين السطاتي: مجموعتي الموسيقية الغنائية هي مجموعة غنائية لفن العيطة، تجمع موسيقيين فنانين رجالا ونساء، بمعنى ” أشياخ وشيخات”، لكن أحيانا نعمل بالمجموعة الرجالية فقط حسب طلب صاحب الحفل أو نوعية السهرة ومكانها، “سهرة عمومية، مهرجان، موسم، خيمة، قاعة أفراح، لقاء أدبي، توقيع كتاب..”، فالمجموعة كاملة نساء ورجالا قد تصل إلى عشرين شخصا (ستة عشر من الرجال وأربعة نساء “شيخات”، أما المجموعة الرجالية فهي تضم عشرة رجال، بالزي التقليدي المغربي؛ السروال القندريسي، والجلباب والبلغة والطربوش الوطني، أو الجبادور، أما النساء فيكن بزي القفطان النسائي أو التكشيطة والبلغة…
جريدة جسر التواصل: إعادة إحياء التراث الغنائي العيطي المغربي بحلة جديدة، أسلوب راهنت عليه منذ البداية، في نظرك هل هناك طلب على هذا التراث العيطي التقليدي؟
الحسين السطاتي: فن العيطة دائما له إشعاع وحضور متميز في المجتمع المغربي وحتى في حفلات وأعراس الجالية المغربية داخل الوطن وخارجه، والجميل أن فن العيطة له ارتباط وثيق بالفن الشعبي، لذلك فأنا أفرض فن العيطة على المتلقي حيث أبدأ بأغنية عيطية ثم أختم بالبراويل والأغنية الشعبية، وهناك إقبال كبير على الأغاني العيطية، فدائما خلال سهراتي ألاحظ تفاعلا كبيرا مع الوصلات الغنائية لفن العيطة، وخصوصا الطلب على أنواع العيطة ذات الإيقاع السريع والصاخب “أغاني الجدبة”، مثل عيطة الساكن على سبيل المثال “العلوة” و”الزاوية” ومولاي الطاهر”..
جريدة جسر التواصل: بصفتك فنان شعبي “شيخ للعيطة”، ما هي نصيحتك للمرأة الفنانة العاملة في مجال العيطة؟
الحسين السطاتي: نصيحتي لكل امرأة عاملة في مجال فن العيطة أو بمعنى آخر تشتغل بميدان “تشياخيت”، أن تكون فنانة ذكية وعلى حذر، أن تكون نفسها في مجال فنها الموسيقي، وأن تحترم نفسها وتحترم جمهورها، وتبتعد عن الثالوث الملوث للفنان بصفة عامة، وهو الابتعاد عن التدخين بأنواعه، وتجنب شرب الخمر بأنواعه و الابتعاد عن الجنس الحرام، إذا أرادت أن تخرج سالمة غانمة من هذا الميدان، وأذكرها أنه كما للعيطة متعة ولذة ودخلا ماليا، وإذا خانتها ولم تحترمها ستلحق بها في الأخير ذل وقهر ولعنة.
جريدة جسر التواصل: لنقترب أكثر منك، من عالمك أو مملكتك الصغيرة، ما دور الزوجة في حياتك ونجاحاتك ومكانة الأبناء؟
الحسين السطاتي: الزواج يلعب دورا مهما في الاستقرار، وعلاقتي بزوجتي “كريمة نرجس” تتعدى ثلاثين سنة، نحن ريفيان من نفس الدوار، وتربطنا علاقة القرابة العائلية، أبناء العمومة، والحمد لله والشكر له على أن وهبي الله زوجة متفهمة، مثقفة ومطيعة تبادلني الحب وعشقي للفن، وساهمت معي في تربية أبنائي الثلاثة “محمد وبذرة وريحانة”، حتى تمدرسوا وتعلموا وحصلوا على شواهد جامعية ودبلومات من معاهد علمية، وصاروا الآن راشدين في سن الزواج، جزاها الله خيرا على كل ما قامت به لأجلي، وما وصلت إليه وما حققته من نجاح في حياتي إنما هو بدعم ومساندة من زوجتي.
جريدة جسر التواصل: ماذا لو أفصحت لك إحدى بناتك أنها تريد أن تكون شيخة، فهل سيرضيك ذلك وستوافقها رأيها؟
الحسين السطاتي: بناتي راشدات بالغات راشدات في سن الزواج، لهن ثقافة موسيقية، وقد درسن الصولفيج والموسيقى، لكنهن رفضن أن يدخلن عالم فن الموسيقى والغناء، و يكملن تعليمهن وتكوينهن الجامعي وفي معاهد علمية، فهن مثقفات وواعيات ويتحملن مسؤولية اتخاذ قراراتهن، فلو كانت ابنتي قد مسؤولية فن العيطة، ولها ثقافة الشيخة وذات شخصية قوية، سأوافقها الرأي إذا اقتنعت بأنها تصلح أن تكون شيخة، لكن أعرف أن بناتي من الناحية الفنية لسن من مستوى الشيخة، وإذا حدث وأخبرتني برغبتها الملحة في دخول عالم “تشياخيت”، سأحاورها في الموضوع بعقلانية وثقافة موسيقية، وسأشرح لها صعوبات هذا المجال، ولها كامل الحرية في اختيار طريقة عيشها، لأنني فنان شعبي موسيقي “كومنجي” ومغني لفرقة موسيقية شعبية “رباعة الشيخات” و أعرف جيدا أن الشيخة يوجد في جيناتها فن العيطة، ولو حتى نهاية عمرها، فقد تكون أمك أو أختك أو زوجتك تحمل بداخلها شيخة وأنت لا تدري، وبحكم تجربتي كضابط للشرطة القضائية وضابط الأبحاث متقاعد وأبحاثي متنوعة في عالم الجريمة بالضابطة القضائية، خرجت بنتيجة مفادها أنه لا يمكن أن تمنع المرأة من مزاولة شيء هي مقتنعة به وتحبه بشغف حتى لو أدى بها الأمر إلى ارتكاب الجرائم أو الانتحار.
جريدة جسر التواصل: هناك مجموعة من الفنانين الشعبين “أشياخ العيطة”، متزوجين بفنانات شعبيات “شيخات”، ويعملن معهن في نفس المجموعة الغنائية، ما ردك على هذه الظاهرة؟
الحسين السطاتي: للناس فيما يعشقون مذاهب، وللحب سلطان على القلوب، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على رقي هذا الفن واحترامه للإنسان كإنسان وانفتاحه وتفتحه على الحياة وحرية الاختيار ونضج الوعي، وتحديه للنظرة الرجعية المتخلفة لبعض أفراد المجتمع، ولبعض الرجال المتزمتين المتشددين.. فالشيخات هن نساء من المغرب، وأعرف بعض أصدقائي أشياخ للعيطة متزوجين بشيخات ولهما أبناء ويعيشان في ود وتفاهم ومحبة راضين ببعضهما، وقد عمر زواجهما طويلا، وكم من شخصيات سامية تزوجوا بشيخات وكان زواجهم ناجحا، عكس بعض الزيجات في مجالات أخرى، ومن طبقات اجتماعية مختلفة ومن مناصب ومهن محترمة اجتماعيا، لكنهم أزواج فقط بالمظاهر، يمثلون ظاهريا السعادة الزوجية وهم يعيشون جحيما زوجيا باطنه الكراهية والقهر والخيانة الزوجية والغدر..
جريدة جسر التواصل: بحكم أنك فنان شعبي “شيخ للعيطة” عازف كمان ومغني، وتعمل ضمن مجموعتك نساء “شيخات”، في نظرك ما موقع المرأة في المجموعة الغنائية العيطية ؟
الحسين السطاتي المرأة بصفة عامة أينما حلت في العمل تضفي عليه جمالا وحماسا ونشاطا وحيوية، أما عن سؤالك فوجود نساء “شيخات” أحيانا بمجموعتي يضفي عليها جمالا وروعة، وتكتمل الصورة وتنسجم الأصوات، فتعطي لوحة فنية رائعة، وهذا ما سارت عليه العيطة منذ قرون، والمرأة ملح الفن العيطي سواء بحضورها كامرأة جسدا أنثويا ضمن المجموعة فنانة عازفة آلاتية أو ايقاعية أو مغنية وراقصة، أو كمادة شعرية في المتن العيطي، وفن العيطة هو الفن التراثي الأصيل الذي يساوي بين المرأة والرجل، في العزف والغناء والرقص وفي حرية اللباس، وكما سبق ذكره نجد المرأة تقاسم الرجل في مهمتها الفنية؛ تعزف على الآلات الموسيقية وتغني وترقص.. كما أن هناك عدد من النساء “شيخات” يترأسن مجموعات غنائية، وفي مجموعتي لا فرق بين رجل وامرأة إلا بالفن..
جريدة جسر التواصل: بصفتك فنان شعبي “شيخ للعيطة”، يلاحظ مؤخرا في المجموعة الغنائية العيطية “رباعة الشيخات”، التركيز على الجانب الاستعراضي للشيخات، من الرقص والغنج والدلع..فهل هذا يضيف إلى العيطة أو ينقص منها؟
الحسين السطاتي: فن العيطة هو فن تراثي مغربي أصيل، يجمع بين الشعر والغناء والأداء والرقص وحتى المسرح..وضمن المتن العيطي نجد القصيدة القصة، و الأقصوصة، والقصة القصيرة جدا، والقصة القصيرة، والقصة، والرواية، والأسطورة حيث يمتزج الواقع بالخيال..لهذا فالجانب الاستعراضي بما فيه من غنج ودلال ودلع إذا كان يصب في خانة الأغنية العيطية فهو مقبول تبعا للنص الذي غنى، والمعروف أن فن العيطة هو فن بدوي رعوي، يعبر عن البيئة الريفية التي نشأ فيها، وجميع الرقصات مأخوذة من حركات الطيور والحيوانات والحشرات وحتى النباتات، والرقصة في فن العيطة تسمى “الشطحة”، فنجد مثلا “شطحة الوردة” و “شطحة النحلة” و “شطحة الأفعى” و “شطحة التمساح” و “شطحة العود”، وغيرها من الرقصات، فنجد الشيخة تحاكي في رقصاتها تلك الحركات التي تقوم بها هذه المخلوقات فمثلا إذا أخذنا رقصة الفرس “شطحة العود”، نجد أن الشيخات يحاكين ويمثلن ما تقوم به الخيل من حركات وتحركات في عنفها وعنفوانها، من حركات مثيرة وأصوات صهيل ونفير، نجد الشيخات تتصادم بالأرداف، وتتشابك بالأيدي وتركب الواحدة فوق ظهر الأخرى وتصهل .. أما عن تلك الحركات والإيحاءات التي يسميها البعض”إباحية”، فهي تبقى خلق وإبداع حسب مزاج بعض الشيخات في حالة غواية وانتشاء، وفي لحظة تجلي مع القطعة الموسيقية العيطية، وهو إبداع فردي من الشيخة، من أجل أن يستحسن الجمهور أدائها وأن يغدق عليها بالإكراميات.
جريدة جسر التواصل: الحسين السطاتي كشيخ لفن العيطة ما الفرق بين شيخات الأمس وشيخات اليوم؟
الحسين السطاتي: دائما هناك خلف والحياة تستمر، والعيطة تتجدد وتتطور، لا يمكننا أن نتطور باستنساخ الماضي، فالعيطة قد تمرض وتقتل لكن لا تموت، ولكل عصر عيطته وشيخاته وأشياخه وجمهوره، وبصفتي ممارس وشيخ نشيط في هذا الفن، أجد أن العيطة تسير من حسن إلى أحسن، بفضل التطور التكنولوجي من رقمنة ومكننة، فالآلة لعبت دورا مهما في الفن بصفة عامة، بما في ذلك تطور الآلات الموسيقية ومعدات الصوت ومعدلاته من البدائية التقليدية إلى العصرية الرقمية، وحتى الأزياء، كل شيء يتطور إلى الأحسن، فشيخات الأمس كان همهن الأكبر هو الفن، وكن ذوات مستوى دراسي وثقافي متوسط إلى ضعيف، لذلك نجد أغلبهن متن وهن يعانين العوز والحاجة وتنكر المجتمع لهن في آخر أيامهن، أما شيخات اليوم فأغلبهن ذكيات واعيات بعملهن وبمصيرهن الختامي، كثيرات منهن دارسات متعلمات وحاصلات على شواهد جامعية، وحاصلات على بطاقات فنية مهنية، ولهن ثقافة جيدة، ويعرفن الطريق الذي يسرن فيه، منهن المتزوجات برجال أعمال أثرياء، ومنهن من فضلن حياة العزوبية على الزواج وقد تقدم لخطبتهن عدد من الرجال، ومنهن من يسيرن مشاريع تجارية كبرى.. أما من الناحية الفنية فنحن نختلف في نبرة الصوت والصورة ولا أحد يشبه الآخر، لكل فنان بحته الصوتية وطريقة تعامله مع الجمهور، ولكل عصر شيخاته وأشياخه، أجزم لك أن شيخات اليوم أحسن وأذكى وأجمل من شيخات الأمس في مجتمع يتنكر لعطاء المرأة الفنانة المجتهدة الساذجة.
جريدة جسر التواصل: هل جمال الشيخة يلعب دورا في شعبيتها وسط الجمهور وداخل الفرقة العيطية؟
الحسين السطاتي: المظهر الآدمي مطلوب في جميع الفنون سواء بالنسبة للرجل أو للمرأة، لكنه ليس معيارا لنجاح الفنان أو فشله، والجمال وحده لا يكفي بل يتطلب أن تكون الفنانة موهوبة فنيا، ومجتهدة تحترم نفسها وتحترم جمهورها، وتكون دكية ولها بيداغوجية جيدة لتحسن التصرف مع الجمهور، وأحيانا قد يكون الجمال سبب شقاء للفنانة الشيخة وقد يدمر مسيرتها الفنية، وتجد عراقيل في مسيرتها الفنية، فأغلب الشيخات المتمكنات في فن العيطة لم يكن جميلات أو حسناوات بل كن مقبولات الشكل ومنهن من كانت ضعيفة الجمال وحققن شعبية كبيرة، خذ على سبيل المثال الشيخة فاطنة بنت الحسين والشيخة الحمداوية والشيخة الحاجة حليمة، لم يكن غادات ولا حسناوات، كن مقبولات الجمال لكنهن رائدات فن العيطة وتركوا لنا ارثا ثقافيا موسيقيا غنيا.
جريدة جسر التواصل: في بعض السهرات نجد أن بعض الفنانات الشعبيات “الشيخات”، يعتمدن على أسلوب الإغراء والدلع لجذب الإكراميات من الجمهور، هل أنت مع هذا التوجه؟
الحسين السطاتي: بصفتي فنان شعبي موسيقي عازف كمنجة “كومنجي” ومغني للعيطة “شيخ للعيطة”، فالرقص أحد مكونات وركائز الفن العيطي، وهو عرض فني لأنواع الرقصات، هناك عدة رقصات فنية؛ منها رقصة الطير المذبوح، ورقصة التمساح أو ما تسمى بغزلة الموت، ورقصة الوردة، ورقصة النحلة، ورقصة العود، ورقصة البارود، ورقصة الأفعى وغيرها من الرقصات، وحركات الشيخات في هذه الرقصات مأخوذة من حركات هذه المخلوقات، أما إذا كان نوع آخر من الدلع والحوار مع الجمهور يبقى ذلك من اجتهاد الفنانة الشيخة ويتعلق الأمر بتصرفات شخصية فردية.
جريدة جسر التواصل: في نظرك ما رأيك في من يفرضون الرقابة على أجساد الفنانين والفنانات؟
الحسين السطاتي: المغرب ينطلق من المرجعية الإسلامية، والقانون الجنائي المغربي يجرم العلاقة الجنسية الرضائية بين الرجل والمرأة، إذ تعد هذه العلاقة جريمة دعارة، وفساد أخلاقي أو خيانة زوجية، أما فيما يتعلق في فرض البعض الرقابة على أجساد الفنانين والفنانات فهي عادات وتقاليد تربى عليها هؤلاء، هم لا يرون في المرأة سوى أنها عورة يجب سترها من رأسها إلى أخمص قدميها، فكيف لهذه المرأة أن تشارك في عجلة التنمية والتقدم وهي مغلفة بالكامل.
جريدة جسر التواصل: بعد سنوات من عودتك إلى الميدان الفني، هل تعتبر نفسك محترفا وعلى أي مقاييس تبني اختيارك؟
الحسين السطاتي: لا أعتبر نفسي فنانا محترفا، لأن كلمة الاحتراف هي كلمة كبيرة، تعني أن هناك إدارة أعمال تسير عمل الفنان، وهناك أفراد يعملون معي بدوام، وهناك إستراتيجية متبعة لهذه الإدارة، وهذا غير متوفر الآن، كما أني أهتم بأعمالي الحرة، حيث أنني مستثمر في مجال الحلاقة، وأجد في الموسيقى المتنفس وهي الحديقة التي ألجأ إليها للتخفيف من ضغوطات الحياة، الموسيقى والحفلات هي المادة الخام التي ألجأ إليها في كتاباتي الأدبية، رغم ذلك أحاول التعامل بطريقة احترافية مبدئي هو أن العمل والمثابرة والاجتهاد والاستمرارية هم سر النجاح، فالموهبة وحدها لا تكفي بل على الفنان أن يتحلى بالصبر ولا ينسى الجانب الروحي في حياته، ويعمل جاهدا وأن يحسن اختياراته ويستغل الفرص، وأن يعطي لكل مرحلة حقها وقتها الكافي.
جريدة جسر التواصل : هل سبق لك وأن شاركت ضمن مهرجانات الشواطئ التابع لمؤسسة اتصالات المغرب، زكيف تصف لنا هذه المشاركة؟ وكيف ترى مشاركة باقي الفنانين ضمن نفس المهرجان؟
الحسين السطاتي: مهرجانات الشواطئ بادرة طيبة ترعاها مؤسسة اتصالات المغرب للتنشيط الصيفي، وكانت لي مشاركة ناجحة بكل المقاييس، وآخر مشاركة لي كانت بشاطئ “الهرهورة” رفقة الفنان الكبير حميد القصري والفرقة الموسيقية الرائعة “هوبا هوبا سبيريت”، كان جوا رائعا بين الجماهير الغفيرة وأفراد المجموعات الموسيقية الغنائية، ثم مع الإعلاميين، وكان حضور جماهيري كبير تفاعل مع السهرة بشكل أكثر من رائع.
جريدة جسر التواصل: رسالتك إلى المرأة التي تود الدخول إلى عالم فن العيطة؟
الحسين السطاتي: دائما هناك خلف للسلف والمجتمع المغربي هو الذي ينتج الشيخة، ولا يمكن أن تتخرج الشيخة من المدارس أو الجامعات أو المعاهد الموسيقية، الشيخة هي فتاة مغربية وغالبا ما تكون بدوية، فنانة بالسليقة، عاشت الظلم والقهر والاستعباد، والاستغلال والفقر.. لتتوجه مستنجدة بفن العيطة كاحتجاج منها على هذا المجتمع الذي يعذبها ويهين كرامتها، فتحتج وتثور بصوتها وجسدها، وأنصح المرأة التي تود ولوج عالم العيطة وأعني مهنة “تشياخيت”، أن تكون لها الموهبة الفنية والشغف والحب لفن العيطة، كما أنصحها بالابتعاد عن الثالوث الملوث للفنان؛ وهو التدخين بكل أنواعه وشرب الخمر بأنواعه والجنس الحرام، فالعيطة هي غابة مثمرة نافعة ومضرة في نفس الوقت، فيها الأشجار والثمار والورود والأزهار والفراشات الملونة والعصافير الشادية.. لكن وسط هذه البيئة الرائعة نجد فيها الثعابين والأفاعي والثعالب والذئاب… فعليها أن تكون ذات شخصية قوية وأسلحة ذاتية وترسانة ثقافية، وتكون حربائية لتدخل هاته الغابة، وعليها أن تكون ذكية تجيد كيف ترقص وتراقص هذه المخلوقات لتخرج غانمة سالمة.
جريدة جسر التواصل : كيف ترى وضع الأغنية العيطية الأصيلة في ظل موجة أغنيات الشباب هذه الأيام؟
الحسين السطاتي: الجميل في غناء العيطة أنه منبثق من الشعب وإلى الشعب وينتمي إلى الأغنية الشعبية، التي تحضى بأهمية وبإشعاع كبير في المغرب، إضافة إلى أن فن العيطة أعطى للمرأة كامل حريتها التي لم يمنحها لها أي قطاع في المجتمع، لذلك فالعيطة كانت ومازالت وستظل حاضرة ولها إشعاع قوي، العيطة قد تمرض وتتعافى لكن لا تموت، وهي أغنية خالدة ومعمرة، فمثلا عيطة “حاجتي في كَريني” غناها الأسلاف الأجداد الأشياخ في القرن التاسع عشر، وها أنا أغنيها في القرن الواحد والعشرين ويطلبها الجمهور بكل فخر وزهو، إنها موسيقى الأجداد، أما عن الأغنية الشبابية فهي أغنية العصر وجد رائعة تتناول مواضيع مختلفة وتوجه نقدا لمجموعة من القضايا المنتشرة في المجتمع، وهذا شيء جميل ودور جوهري من أدوار الفن.
جريدة جسر التواصل: تعتبر من الفنانين الأوفياء للون الطربي الشعبي “العيطة”، فهل مازال هذا اللون الغنائي يلقى التجاوب نفسه مقارنة مع السنوات السابقة؟
الحسين السطاتي: طبعا الإنسان ابن بيئته ومنه الفنان، وأنا بدوي من ريف “أولاد عبو” أو ما كانت تسمى ب”جمعة فوكو قديما”، بمنطقة أولاد سعيد جهة ولاية سطات الدار البيضاء الكبرى، وفن العيطة هو نشيدي الأول، وهو الفن الذي تربيت عليه في المراعي والبراري الريفية، في الطبيعة الغناء وسط المروج الخضراء وعلى ضفاف النهر والتلال وفي الغابة، وفي الأعراس ومواسم التبوريدة.. لذلك فأنا أعشق هذا الفن ووفي له، وكل ما هو طربي لن يموت، وفن العيطة فن شعبي طربي أصيل ومازال عشاقه كثيرون، والجميل بالنسبة لهذا الفن التراثي هو اقترانه بالفن الشعبي، فهو من الشعب وإلى الشعب، زجل وغناء وموسيقى ورقص، بأشعار تُغنى بلغة عربية عامية دارجة “عروبية” ضاربة في عمق الريف المغربي، نابع من الحياة اليومية والواقع المعاش للإنسان البدوي المغربي، لذلك فهو مطلوب وكان ولازال وسيظل يحضى بإشعاع كبير، فغالبا ما تُختم الوصلة العيطية بأغنية شعبية أو بروال أو ساكن.. أنا لا أقوم بالتقليد بقدر ما هو تجديد وتخليد للعيوط الخالدة، إذ يعتبر فن العيطة جزء من هويتنا الثقافية لذا ينبغي علينا صونه والمحافظة عليه، وهذا ما جعلني أُضمِن كل عمل فني جديد مجموعة من العيوط بعدما أقوم بتنقيحها، إضافة إلى أغاني جديدة مستحدثة، ذات إيقاع خفيف وسريع تماشيا مع روح العصر وفي نفس الوقت محافظا على الهوية العيطية، لكي لا أركن إلى الماضي ولا أتهم بالنمطية والرجعية.
جريدة جسر التواصل: في نظرك وبحكم تجاربك الحياتية، أية تجربة هي الأفضل بالنسبة لك، هل تجرية دركي ضمن عناصر الضابطة القضائية أم تجربة “كومنجي” شيخ العيطة المرساوية؟
الحسين السطاتي: كلتا التجربتان ممتعتان ومفيدتان وناجحتان ومكملتان لشخصيتي، بفضل الله ومهنتي السابقة كدركي كونت نفسي ماديا ومعنويا وثقافيا.. تزوجت وكونت أسرة، ساعدت والدي وإخوتي، واشتريت المعدات والتجهيزات الموسيقية، وبعد قضائي أكثر من عقدين من الزمن في الوظيفة العمومية عدت من جديد بعد التقاعد إلى عالم الفن الموسيقي الذي أعشقه وأحبه، وهو حقل الفن الشعبي و”العيطة المرساوية”، وكذلك هو الشأن وأنا دركي ضمن عناصر الضابطة القضائية كانت العيطة تعطيني دفعة قوية وثقة في النفس وتشعرني بأنني غير محتاج لمهنة الدرك الملكي وهذا شيء جميل ورائع، وكنت كلما أحسست بضغوطات العمل الدركي أذهب مع أصدقائي الموسيقيين إلى حفلة أو عرس، رغم المنع في القانون الإداري، وفنت أعزف على الكمان وأغني وأرقص وأعيش أجواء الفرح والبهجة …وأعود ناشطا نشيطا خاوي الوفاض من الطاقة السلبية ومشحونا بطاقة ايجابية، ومازلت أعيش تجارب فنية تغني سيرتي الذاتية. إذن فكلتا التجربتين ناجحتين والحمد لله لقد خرج “السريس” على خير وأتمنى أن تخرج العيطة على خير.
جريدة جسر التواصل: كيف استفدت من مواقع التواصل الاجتماعي “السوشيال ميديا” في مجال فنك؟
الحسين السطاتي: الحمد والشكر لله على نعمة العلم والتطور التكنولوجي،إنني أنشر أعمالي الفنية الموسيقية وبعض أعمالي الأدبية السردية على صفحاتي للفايسبوك وانستغرام، وأقوم بالتسويق لأعمالي الفنية الغنائية والأدبية عبر هذه المواقع وعبر قناتي بموقع اليوتيوب، وأتواصل عبرها مع الجمهور الكريم داخل وخارج المغرب، إنها وسيلة لوجيستيكية علمية جد نافعة.
جريدة جسر التواصل: هل ترد على من يحاول استفزازك على مواقع التواصل الاجتماعي؟
الحسين السطاتي: أنا دركي متقاعد برتبة “أجودان”، ضابط للشرطة القضائية والعسكرية وضابط للشرطة التقنية العلمية، وضابط شرطة مكلف بالأحداث، وضابط التشخيص الجنائي الإجرامي، وضابط مركزي للأبحاث، ومن واجبي بل من المفروض علي أن أدافع عن وطني وأبلغ بوقوع الجرائم، لهذا وردا عن سؤالك، سأعرف مدى خطورة ما يكتبه الشخص المستفز، وأحلل عقليته، وتوجهه وتشدده، إذا ما عرفت أنه شخصية مجرمة، أخبرت بذلك بعض أصدقائي من الرؤساء السامون، وبعض أصدقائي من القضاة ممثلي النيابة العامة، أما إذا كان الأمر تافها، فقد أحذف التعليقات أو أحضر الشخص المتنمر المستفز حيث ألجأ إلى عملية الحضر “البلوكاج”.
جريدة جسر التواصل: كيف هي علاقتك بوسائل الإعلام المغربية؟
الحسين السطاتي: الحمد لله على نعمة العلم والتطور التكنولوجي، إذ صار باستطاعة الفنان، التواصل مع الجمهور يوميا بل ساعاتيا ، عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، أما عن وسائل الإعلام التقليدية، فظهوري بها قليل، وأنا مازلت في بداية مشواري الفني، وعلاقتي بها جد طيبة، وكلما طلبني أحد المنابر الإعلامية ألبي طلبه، وأجيب على أسئلته وتساؤلاته بما علمت وما استطعت، والتواصل الإعلامي ضروري للفنان وهو لبنة مهمة في بناء المسار الفني.
جريدة جسر التواصل: ما الذي سيسجله تاريخ العيطة عن الفنان الشعبي الشيخ الحسين السطاتي؟
الحسين السطاتي: الحمد والشكر لله، لقد تركت رصيدا فنيا، وسجلت أثرا طيبا في فن العيطة، سواء من الناحية الغنائية الموسيقية أو من الناحية الأدبية السردية، تركت مجموعة من العيوط المرساوية والبلدية والملالية بصوتي ( عيطة ركوب الخيل، عيطة الغزال، عيطة جنان سطات، عيطة الشاليني، عيطة اللي بغا حبيبو، عيطة البيضة، عيطة السطات بلادي، عيطة الشجعان ..”، وعدد كثير من الأغاني الشعبية ذات المواضع العاطفية والاجتماعية، ألبومي الأول وزعته شركة “مايا ديسك” التي كان مقرها بمدينة طنجة، وزعت الشركة الشريط السمعي داخل وخارج المغرب، وكتبت الجزء الأول من سيرتي الروائية بعنوان “عيطة دموع الخيل”، ونشرت عبر حلقات خلال شهر رمضان لسنة 1444 الموافق لشهر ماي 2023، بجريدة جسر التواصل المغربية، كما كتبت رواية طويلة من أربعة أجزاء تحت عنوان “عيطة بيضاوية”، وكتبت نص مسرحي فردي بعنوان “عيطة الكرسي”، ومجموعة قصصية بعنوان “العيطة والغيطة”، وما يزيد على مائة مقال نشر عبر الجرائد والمجلات المغربية.
جريدة جسر التواصل: ظهرت في إحدى سهراتك العمومية وأنت ترتدي الجلباب الأحمر التقليدي وعلى الصدر نقشت نجمة خماسية، ما الهدف من ارتدائك لهذا الزي؟
الحسين السطاتي: من مميزات فن العيطة هو ارتداء الزي التقليدي المغربي بما في ذلك الجلباب والجبادور والبلغة والطربوش والسروال الفضفاض القندريسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأنا مغربي وبصفتي فنان شعبي أروج للباسنا التقليدي الجميل، وعن ارتدائي للجلباب باللون الأحمر وعلى الصدر نقشت نجمة خماسية، فهي رمز إلى هويتي المغربية، وأعبر من خلاله على حبي لوطني وروعة تراثنا الفني الأصيل.
جريدة جسر التواصل: البعض يقول أن أغنية “جيبو ليا بنت خالي”، مأخوذة من أغنية “جيبو ليا ولد عمي” للفنان حجيب، وغيرت فيها الكلمات فقط؟
الحسين السطاتي: لا أبدا، أغنية “جيبو ليا بنت خالي”، هي من كلماتي، أما اللحن فمأخوذ من أغنية تراثية للفنان الأمازيغي الراحل “الشيخ لمغاري ميلود” من أغنية “جيبو ليا مولات الخال”، أما أغنية “جيبو ليا ولد عمي” فهي بروال تراثي من العيطة الشيظمية، وعلى المتلقي أن يميز بين موضوع الأغنيتين، وبصفتي شيخ للعيطة ذكر، أوجه كلمات لبنت خالي، وأعالج في القصيدة زواج الأقارب، وأطلب عدم وقوف الأهل عائقا أمام زواج العائلة، وحب أبناء العمومة وأبناء الأخوال، وبصفتي كنت دركيا ضابطا للشرطة القضائية، بحثت في قضايا انتحار شباب من الجنسين، كان السبب فيها رفض الأهل لأبنائهم بالزواج من أقاربهم.
جريدة جسر التواصل: ماذا يعني لك أن تكون شيخا للعيطة في المغرب؟
الحسين السطاتي: يبقى ذلك متعلقا بالفنان نفسه، ثقافته وطريقة احترامه لفنه ولجمهوره، وثقته بنفسه وقوة شخصيته، فإما أن يكون دليلا منبوذا في المجتمع، أو يعيش فنانا سلطانا، محبوبا ومطلوبا ومحترما، وذلك حسب شخصيته، كما نقول في فن العيطة، في عيطة دامي المرساوية (عزها تعزك …دلها تدلك).
جريدة جسر التواصل: كيف يعرف الحسين السطاتي أن موسيقى العيطة مؤثرة في الجمهور؟
الحسين السطاتي: فن العيطة فن تراثي عريق، تشارك فيه المرأة إلى جانب الرجل بالتساوي، وهو فن جمالي، موسيقى البدو، فن رعوي بامتياز، فن الطبيعة، الغابة والسهل والنهر والجبل..فن الخيل والليل والحب والقمر..وهي أغنية تناقش مواضيع تخاطب الوجدان، مواضيع اجتماعية وسياسية وعاطفية وجدانية، وخير دليل على ما أقوله أن بعض الجمهور خلال غناء “عيطة الساكن” يفقد وعيه وحتى شعوره بالإحساس، فتجد من بينهم من يغمى عليه، ومن يشرب الماء الحامي ومن يشعل النار في فمه ومن يمضغ الزجاج، ومن يحمل الأشواك على جسده العاري..وحتى العلم الحديث وقف عاجزا أمام هذه التأثيرات الموسيقية، أما خلال السهرات العمومية، وأنا فوق المنصة أغني أرى تجاوبا كبيرا مع الجمهور في ساحة العرض، أرى التلويح بالأيدي والتلويح بأضواء الهواتف مما يخبرني أن الجمهور متأثر بما أقدم ومتفاعل مع الأغاني العيطية.
جريدة جسر التواصل: ما هي الأغاني العيطية التي يطلب الجمهور من الحسين السطاتي غنائها كثيرا؟
الحسين السطاتي: لكل مكان نوعية أغانيه العيطية والشعبية، هناك فرق بين الحفلة الخاصة والسهرة العمومية، واحتفالية أدبية، وتوقيع كتاب، وحفلة عرس بمدشر أو دوار ريفي، وسهرة بملهى ليلي أو بمنتجع سياحي، وسهرة بمناسبة احتفالية وطنية،ونحو ذلك، لذلك فأنا أعزف وأغني العيطة والأغنية الشعبية الملائمة التي تليق بهذا الحفل أو ذاك، لكن هناك بعض العيوط التي يطلبها الجمهور كثرة في كل مكان من بينها “عيطة الساكن” مثلا: “العلوة” و”مولاي الطاهر” و”بوعبيد الشرقي”..
جريدة جسر التواصل: كفنان مجرب في الحياة، كيف تنصح الشباب الذين يودون دخول ميدان العيطة؟
الحسين السطاتي: فعلا لقد تعديت سن الخمسين ولي تجربة حياتية وفنية، ومازلت أبحث وأجتهد في ميدان موسيقى العيطة، ولم أصل بعد إلى ما أرغب في الوصول إليه، طبعا حققت الكثير من أحلامي، وأزاول الفن الذي عشقته في طفولتي وشبابي.. وأنصح الشباب من الجنسين أن يحترموا فن العيطة، وأعطيهم بيت من عيطة “دامي” المرساوية ( عزها تعزك…دلها تدلك)، أول شي أن لا يفرطوا في الجانب الروحي في حياتهم، ويبتعدوا عن الثالوث الملوث للفنان وهو التدخين بكل أنواعه وشرب الخمر بكل أنواعه والجنس الحرام، هذه الآفات هي المدمرة للشخص الفنان، وأوصيهم بالصبر والالتزام والاستمرارية، ودراسة الموسيقى لمن استطاع لذلك، وحب فن العيطة، فبالنسبة إلي العيطة هي حسناء فاتنة ورائعة، لكنها متمردة، إذا أحبها الشاب وأخلص لها وضحى من أجلها واحترمها أكيد أنها ستبادله الاحترام والعطاء والكرم
جريدة جسر التواصل: هل الفن وحده يستطيع أن يحقق الاكتفاء المادي للفنان؟
الحسين السطاتي: لا أبدا، وخاصة في البداية، تقول كلمات في المتن العيطي “يا ويل من تاق في خوتو..وياويح من قوتو في صوتو”، ولا يمكن للفنان الشعبي ومنه العيطي أن يعتمد على الفن لوحده، لابد له أن يتعلم حرفة أو صنعة يعول عليها في الفصول غير النشيطة وفي أيام الأزمات كالأوبئة والحرب والعطالة الفنية، لهذا على الفنان أن يكون على دراية بهذا وأن ينوع من مصادر دخله، كي يجد الحالة النفسية الصافية للإبداع الفني.
جريدة جسر التواصل: هل هناك سهرة أو عرس أو مهرجان ندمت على المشاركة فيه؟
الحسين السطاتي: لا أبدا، كل عرس بالنسبة إلي هو درس، أستفيد قدر المستطاع من الاحتفالية، ألتقي بناس جدد، أصنع الفرجة رفقة مجموعتي الموسيقية، أمتع وأستمتع، أفرج وأتفرج، أتبادل المعرفة وأشارك الناس الفرح، أعزف الموسيقى أغني وأضحك وأبتسم، أستمتع بهوايتي الموسيقية وأتسلم أجرا عن هذا العمل الفني، إذن أنا الرابح ، لا أشعر أنني أعمل بقدر ما أستمتع بهوايتي، الموسيقى شيء مذهل ، كم هو رائع أن تكسب أموالا من عمل تهواه وتحبه، جميل أن تشارك الناس فرجتهم وفرحهم، والأجمل أن تكون من بين صناع تلك الفرجة والفرح.
جريدة جسر التواصل: لو عاد بك الزمان إلى الوراء، هل كنت ستسلك نفس الخيارات؟
الحسين السطاتي: لست نادما على أي شيء فعلته، الندم لا يورث سوى الحسرة والأمراض..الحياة تجارب، وقد جربت كل ما نفسي فيه، ومازلت أجرب، وهذه هي سنة الحياة، وهذه هي الطريق التي اختارها لي ربي وأنا راض بقد الله خيره وشره، كانت رحلة حياتي جد ممتعة، بعذابها ومرها، وحلوها وجمالها، لقد كتبت جزءا من حياتي إلى حد الآن في كتابين، الأول بعنوان “عيطة دموع الخيل”، والثاني بعنوان “عيطة عريس الخيل”، ومازلت أكتب ما مر بحياتي ، رغبة في التطهر والاستشفاء، لعل القارئ يجد فيها ما يفيده وما يسليه ويمتعه..وأنا جد راض على ما وصلت إليه، الحمد والشكر لله على كل حال.
جريدة جسر التواصل: تذكر العيطة كثيرا في كتاباتك، ومستمر في غناء العيطة، ما الذي يجعل شغفك متقدا للمثابرة والعمل على تجاوز العقبات الفنية؟
الحسين السطاتي: الموسيقى والرياضة والقراءة والكتابة من ضمن هواياتي، وأجد فيهما متنفس لضغوطاتي من الحياة، وأجد في موسيقى العيطة متنفس، سواء عزفت موسيقاها أو غنيتها أو كتبت عليها، وكان لفن العيطة أثر ايجابي في حياتي كلها منذ سنين المراهقة إلى يومنا هذا، لقد أمتعتني وساعدتني على تجاوز الصعاب، وكانت هي سلاحي لأحافظ دائما على توازني النفسي. لذ كنت ومازلت وسأظل وفيا لهذا الفن إلى أن أموت.
جريدة جسر التواصل: لديك حضور مهم على منصات التواصل الاجتماعي، كيف ترى تأثيرها في حياتنا؟
الحسين السطاتي: فعلا ، بفضل التطور التكنولوجي وظهور الانترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي، تغير العالم، وصار عبارة عن قرية صغيرة، وتسارعت وثيرة الحياة، ولابد لنا أن نساير العصر ومتطلباته، لذلك تجدني حاضرا بقوة على منصات التواصل الاجتماعي، سواء من الناحية الموسيقية أو الناحية الأدبية السردية، وصارت لنا الفرصة مواتية للتعبير عما بداخلنا وهذا شيء رائع، ولكن الأهم كيفية إدارتنا لمواقع التواصل الاجتماعي، لأنها سيف ذو حدين، فقد يكون لها تأثيرا سلبيا أو ايجابيا، وذلك يتوقف عن مدى ثقافة الشخص وكيفية تعامله مع هذه المواقع.
جريدة جسر التواصل: هل منصات مواقع التواصل الاجتماعي في صالح الفنان أم خصما له؟
الحسين السطاتي: أكيد أن منصات مواقع التواصل الاجتماعي في صالح الفنان، وهي تفتح له آفاقا أرحب للتواصل المباشر واليومي مع جمهوره، وتمثل فرصة سانحة له ليعرض أعماله الفنية بكل حرية، ولا أعتقد أن هذه المواقع خصما للفنان، وعليه تحمل مسؤولية أعماله الفنية وتصرفاته، فالفنان صار شخصية عمومية، له محبين ومعجبين كما له منتقدين وحساد وغيورين..وعليه تحمل مسؤولية الانتقادات الموجهة إليه والتي هي عادة جزء من طبيعة عمله الفني بشكل عام، كذلك يمكننا القول أنها كسرت احتكار القنوات التقليدية والمنابر الإعلامية الورقية التي لم تكن تعطي لكل الفنانين فرصا كبيرة ومختلفة للظهور والتواصل مع الجمهور.
جريدة جسر التواصل: نشرت لك احدى الصحف المغربية الالكترونية الجزء الأول من سيرتك الذاتية تحت عنوان “عيطة دموع الخيل”، كيف ثم ذلك وهل هناك جزء ثاني ينتظره القراء؟
الحسين السطاتي: فعلا لقد نشرت لي جريدة “جسر التواصل “المغربية ، الجزء الأول من سيرتي الذاتية تحت عنوان “عيطة دموع الخيل”، وتم نشره عبر حلقات يومية طيلة شهر رمضان من سنة 1444، الموافق لشهر أبريل المنصرم من سنة 2023، وكان تفاعل جمهور القراء جد رائع مع العمل الأدبي، حيث توصلت بطلبات كي يحول الكتاب إلى عمل سينمائي من طرف المخرج السينمائي والسيناريست الأستاذ عبد الله الغازي والمخرج السينمائي علوان منير. ويمكن للقراء الكرام أن يكتبوا عنوان الكتاب “عيطة دموع الخيل” على محرك البحث الالكتروني “كَوكَل”، وسيجدون النسخة الالكترونية من هذا الكتاب في شكل حلقات، أما عن الجزء الثاني فقد شرعت في كتابته وأعطيته إلى حد الآن عنوان “عيطة عريس الخيل”، والحمد لله أنني أنهيت الجزء الأول وأخرجته للعموم وقرأه الناس وأنا في سن الخمسين، أتمنى أن يطيل الله عمري ويزكي فيه حتى أكتب أجزاء أخرى، وأعمال أدبية سردية أخرى..
جريدة جسر التواصل: كيف كان موقف أفراد أسرتك الصغيرة والكبيرة أتناء تركك للوظيفة وعودتك إلى الساحة الفنية؟
الحسين السطاتي: كلهم كان لهم رد سلبي ولم يقبلوا أن أغير وظيفتي الدركية العسكرية التي كانت تعطيني في نظرهم وجاهة وحضوة اجتماعية، ولا أحد أعجبه ما قمت به، منهم من عاتبني لكنه عتاب حب، لكن الحمد لله مات والداي راضيان علي وأنا دركي، كانا رحمهما الله أن يرياني بالبذلة الدركية والنياشين، وفعلا كبحت جماح هواياتي الفنية ورغبتي الأدبية وبقيت دركيا إلى أن ماتا رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته، أما زوجتي “نرجس كريمة” وأبنائي “بذرة وريحانة ومحمد”، فقد كونتهم فنيا وموسيقيا ولم يعارضوا على قراراتي، أما الباقون فلا أبالي بأحد، أتحمل مسؤولية قراراتي وأنفد ما أرتاح إليه، كنت أبدو لهم دركيا محترما برتبة “أجودان” في المراكز الترابية والقضائية الدركية، وهذا ما كان يبدو ظاهريا، لأنهم لا يعرفون ما كنت أعانيه من عذاب ضمير وعذاب جسد في مهنتي السابقة، إنها مهنة المتاعب، مهنة الموت مهنة المخاطر والمغامرة، طبعا مهنة جد شريفة ومحترمة، لكنها جد صعبة ومتعبة، وسأعيش حياة واحدة، علي أن أختار ما يريحني وما أريد، وفي الأخير انتصرت وفزت وكان نعم الاختيار، وحققت الكثير من أحلامي، وقد صرت أعمل في المجال الفني بل قد أقول صرت ألعب الموسيقى وأستمتع بما أقوم به من فن، وأنا أشارك الناس الأفراح وأضحك وأستمتع بالمال والجمال، كم هو رائع أن تجني المال من عمل هو في الأصل هوايتك وشغفك به كثيرا
جريدة جسر التواصل: ما هو اللون الغنائي الذي يطرب الفنان الحسين السطاتي؟ ولمن يستمع؟
الحسين السطاتي: أستمع لأنواع مختلفة من الموسيقى والغناء، حسب الوقت المستطاع وحسب الحالة المزاجية التي أكون فيها، وتطربني كثيرا الموسيقى الصامتة التركية والكردستانية، أطرب لسماع موسيقى الناي الصامتة، أستمع لأنواع مختلفة من ألوان الفن المغربي من أجل التتبع كي أساير الظرفية، لكن تطربني أغاني العيطة المرساوية بصوت الراحلة فاطنة بنت الحسين، وأستمع لعدد كثير من شيخات وأشياخ العيطة، أذكر منهم الشيخ بوشعيب البيضاوي وأحمد البيضاوي والمصطفى الميلس، وخالد ولد البوعزاوي والداودي عبد الله وعبد السلام ولد علو وعبد الرزاق البيشي السطاتي.. وفي الشيخات أطرب لسماع الشيخة فاطمة الزحافة والشيخة فاطنة بنت الحسين والسيخة ضونة والشيخة الخودة والشيخة خديجة مركَوم والشيخة خديجة البضاوية…
جريدة جسر التواصل: كيف ترى حال العيطة المغربية مقارنة مع أصالة القديمة منها؟
الحسين السطاتي: بصفتي فنان شعبي “شيخ للعيطة”، أقول لك أنني جد متفائل لمصير فن العيطة، فالعيطة على أحسن حال وهي في أيادي آمنة، مازالت حاضرة في جميع المناسبات باختلاف أنواعها، ومسجلة وموثقة بأحدث الآلات الموسيقية وأعذب الألحان و الأصوات العيطية، والعيطة دائما في تجديد مستمر وتسير من حسن إلى أحسن. وهذا راجع إلى التقدم العلمي، بما فيه التطور التكنولوجي، واستغلال المكننة والرقمنة في هذا الفن، صار اليوم الفنانين العيطيين “شيخات وأشياخ” من المثقفين الواعين بفنهم وبما يقدمونه للمتلقي، هناك شباب ذكورا وإناثا دارسين للموسيقى دراسة أكاديمية، يعيون جيدا معنى الموسيقى والغناء ويتعاطون لفن العيطة، ومن الممارسين لهذا الفن من لهم مستوى دراسي وثقافي عالي، ودبلومات وشواهد علمية عالية، منهم أطباء وأساتذة جامعيين ومهندسين وضباط جيش وقضاة متقاعدين ..الشيء الذي أضفى على فن العيطة حضوة اجتماعية جيدة، وإقبالا وقبولا جماهيريا، وحببها لذا الشباب.
جريدة جسر التواصل: كيف وجدت طموحات وأفكار الشباب الذين يشتغلون معك بفن العيطة؟
الحسين السطاتي: أفتخر بالشباب المغربي من الجنسين، فهم يمتلكون شغفا فنيا وطموحا كبيرا، ويتميزون بالقدرة على التعلم والإنتاج، لكن يحتاجون فقط إلى من يوجههم ويدعمهم، علينا القيام بتمكين الشباب وتعليمهم وتدريبهم وتعزيز قدراتهم وصقل مواهبهم، ومساعدتهم في الانخراط في سوق العمل بما في ذلك الميدان الفني.
جريدة جسر التواصل: كيف تصف لنا مشاعرك بعد انتهائك من حفل فني غنائي في مهرجان؟
الحسين السطاتي: شعور أعجز عن وصفه بالكلمات، وخاصة حينما ألمس تجاوب الجمهور معي في الحفل، سواء داخل خيمة في مدشر ريفي نائي أو على منصة مهرجان أو على خشبة مسرح أو في قصر من قاعات الأفراح الفخمة..أكون مبتهجا مسرورا وأنا أرى الفرح والبهجة في عيون الناس، تلك هي قمة السعادة عندي، وأشرع في إعطاء التصريحات للإعلاميين فور الانتهاء من السهرة أو عقد لقاء صحفي، يُحسني هذا بأنني فعلا فنان حقيقي وعلي أن أحافظ على هذه الحضوة الفنية المتميزة. جميل أن تشارك الناس أفراحهم وأعراسهم والأجمل أن تكون من بين صناع الفرجة والبهجة في هذه الأفراح.
جريدة جسر التواصل: هل في رأيك لصوت الفنان الموسيقي العيطي عمر افتراضي؟
الحسين السطاتي: بصفة عامة الفنان لا يتقاعد، إلا إذا صار عاجزا عن القيام بفنه، وبصفتي فنان شعبي “شيخ للعيطة” وموسيقي عازف كمان “شيخ للشيخات”، أقول لك أن راقص القعدة لا يتقاعد وشيخ العيطة لا يشيخ، أما عن الصوت فكم من فنانين حققوا شهرة لأغانيهم وهم في سن الشيخوخة، وبخصوص فن العيطة فكلما كبر الفنان وافقه لقب شيخ العيطة، وهناك أشياخ وشيخات أبدعوا في سن السبعين والثمانين والتسعين واللائحة طويلة منهم: الشيخة فاطنة بنت الحسين، والحاجة الحامونية، والحاجة الحمداوية، والشيخة عايدة، والشيخ عبد الله البيضاوي، والشيخ الباعوت محمد، والشيخ جمال الزرهوني، والشيخ الدعباجي والشيخ ميلود الدهامو وكثيرون غيرهم…
جريدة جسر التواصل: لماذا صرت تعتمد على الأغنية المنفردة بدل تقديم الألبوم؟
الحسين السطاتي: العصر تطور وصار عصر الأغنية المنفردة “السينكَل”، فهي أقل تكلفة من الألبوم وأسرع إنتاجا منه، وبها أظل دائم الحضور في الساحة الفنية، وحينما أصل إلى خمسة أو ستة أغنيات يمكنني أن أجمعهم في شريط وأضعهم على قناتي في اليوتوب، لقد ولى عصر الشريط والكاسيت والقرص المدمج، التطور التكنولوجي سيد العصر،فالمكننة والرقمنة غيرت العالم الموسيقي، لها ايجابيات ولها سلبيات، لكنني أظن بل متأكد أن ايجابياتها أكثر من سلبياتها للفنان وللمتلقي.
جريدة جسر التواصل: ما هي هوايات الفنان الحسين السطاتي ا؟
الحسين السطاني: الحمد لله لذي مجموعة من الهوايات، وأزاولها قدر المستطاع، وإضافة إلى الموسيقى والغناء، هناك القراءة والكتابة والرياضة والصيد البري يعني القنص.
جريدة جسر التواصل: ما هي الهواية التي تمنيت أن تكون عندك ولم تحرزها؟ ولماذا؟
الحسين السطاني: تمنيت أن أتقن التكلم بمجموعة من لغات العالم، لكني لم أوفق في ذلك. لأنني أولا لم أهتم بتعلم اللغات سوى ما تلقيته في التعليم بالنسبة للغتين العربية والفرنسية، ثانيا أحب هذه الهواية لأن تعلم لغة يقود الانسان أن يصير من تلك الأمم التي تتكلمها، وكم تمنيت أن أتكلم وأكتب باللغة الأنجليزية والاسبانية والصينية، لكني سأحاول وسأتعلم اللغة الأنجليزية قدر المستطاع ولو من أجل التواصل، ما دمت حيا وبصحة جسدية وعقلية يمكنني التعلم.
جريدة جسر التواصل: حدثنا عن هوايتك الصيد البري “القنص”، وما هي الحوادث التي تخشى منها أتناء خرجة الصيد؟
الحسين السطاتي: أنا دركي متقاعد برتية “أجودان”، يعني عسكري متقاعد بل كنت أستاذا ومدربا عسكريا، درستُ وكونتُ ودربت ُضباط الصف الدركيين العسكريين على حمل واستعمال السلاح، كما دربتهم على الرماية وفنون الحرب العسكرية، وحرب العصابات..وكنت أرافق فرقا عسكرية في خرجات طبوغرافية ميدانية تدريبية وخلال حصص الرماية العسكرية، وأعرف جيدا ما يتطلبه حمل واستعمال السلاح الناري من حيطة وحذر، كما أعرف إعادة تفكيك وتركيب الأسلحة، وعمليات التفخيخ والتفجير، فحمل السلاح مشحون مسؤولية صعبة تتطلب تكوينا وتدريبا للقناصين ولحاملي السلاح، إذ يجب على حامله أن يشعر بمدى خطورة هذه المسؤولية، فخطأ بسيط يمكن أن يؤدي بحياة شخص، وقد يقتل حامل السلاح نفسه من جراء تهوره وعدم مبالاته وإهماله وعدم يقظته، كما أنني أتقن كيفية معالجة عطب الرماية ودراسة الخرائط، وأصدقائي الصيادين يفرحون بوجودي ضمنهم، لكن المشكل يكمن في ثقافة بعض رفاقي الصيادين، فهم مدنيين لهم تكوين تقليدي عشوائي على استعمال الأسلحة النارية ولا يعبؤون بخطورة حمل السلاح، وبعضهم يهمل حتى تجديد وثائق الصيد، وقد يحدث أن يشرع أحد الصيادين باللعب بسلاحه في كل الاتجاهات في لحظة انتشاء كإعجابه برمية أصابت الهدف، فالبعض يحملون الأسلحة النارية وكأنهم يحملون لعبة في أيديهم، وللتفاخر والزينة، هذا ما يخيفني في هذه الهواية، لكن تعجبني خرجة الصيد مع الأصدقاء والمشي طويلا عبر الهضاب أو الغابة أو في الجبل، وخاصة لحظة الاستراحة وشواء الطرائد البرية على نغمات العيطة، أعشق فن الصيد كيفما كانت الظروف وخاصة في موسم افتتاح الصيد، وبأية وسيلة كان الصيد؛ سواء بطريقة تقليدية باستعمال الفخ والجباد والمقلاع والشراك..، أو بالطريقة العصرية باستعمال الأسلحة النارية، المهم أن أشارك في خرجة صيد، ولو لمسافات طويلة، إنها هواية الملوك والسلاطين..
جريدة جسر التواصل: هل تراقب التعليقات التي تأتيك على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل تأخذ بما يقوله الجمهور؟
الحسين السطاتي: أجل غالبا ما أراقب كل التعليقات التي تأتيني على مواقع التواصل الاجتماعي، وأتفاعل معها، أحاول أن أقرأها كاملة إذا كانت محدودة العدد أما إذا كانت كثيرة فاني ألجأ إلى الجواب الإجمالي أو الجماعي، وطبعا آخذ بمحمل الجد كل ما يكتب، كي أستفيد منها سواء كانت تعليقات ايجابية أو سلبية، قد تكون تعليقات اعجاب وشكر ومجاملة بين الجمهور والفنان، وأحيانا يلجأ البعض إلى النقد الهدام السلبي، فهذا ما أكرهه، أقرأ تعليقاتهم السلبية جيدا وأحللها، ولا أرد عليها، قد ألجأ إلى حذف التعليق وقد أقوم بحضر “البلوكاج” للمعلق، أما إذا كان التعليق يحمل تهديدا أو عنفا يستحق المتابعة فأنا ضابط للشرطة القضائية والعسكرية وضابط للشرطة التقنية العلمية ومنا البحث في الجريمة السيبيرالية، وأعرف جيدا ما يمكن اتخاذه في هذه الحالة.
جريدة جسر التواصل: هل يزعجك أن يغني فنانين آخرين أغانيك؟
الحسين السطاتي: لا أبدا، بل هذا يعجبني، أسعد وأنا أسمع كلماتي وألحاني تغنى ويرقص عليها الناس في فرح وسعادة، وهذا يدل على أنني نجحت في وصول الأغنية الشعبية إلى الجمهور ثم إلى الفنان، الذي يزعجني هو أن ينسبها الفنان إلى نفسه، إنني أسمع أحيانا في الحفلات والأعراس غناء بعض الأغاني التي سبق لي وأن أبدعتها وسجلتها وهي أغاني عاطفية مثل أغنية “جيبو ليا بنت خالي”، وأغنية “واش كاين شي دواء للحب”، وأغنية “الزين البلدي”، وأغنية “هاني جاي يا الخيالة”، وهذا يعجبني كثيرا وأحس أنني فنان مبدع، لكن ما يغضبني أن يسجلها فنان ويغنيها في سهرات رسمية ويدعي أنها تراث مغربي أو هو من كتب كلماتها.
جريدة جسر التواصل: كيف يتعامل الفنان الحسين السطاتي مع توتر المقابلات الصحفية؟
الحسين السطاتي: طبعا يكون هناك في البداية بعض الارتباك والتوتر المقبول، ومباشرة بعد البداية بدقائق ينتهي، لكن ليس هناك أي توتر حاد مبالغ فيه بالنسبة لمقابلاتي الصحفية، الحمد لله عندي ثقافة فنية حول الفن الذي أزاوله، وعلى استعداد للمناضرة والمحاضرة والندوة والمؤتمر الصحفي.. والجميل في فن العيطة، أن المجتمع يتغاضى عن كل أخطاء الشيخ والشيخة، يتسامح مع فنان العيطة، بدعوى أنه ليس لديه ما يخسره، فهو حر في تصريحاته، لكنني أكون حريصا أن يكون حضوري يشرف الفن الذي أقدمه.
جريدة جسر التواصل: لماذا لم يهاجر الفنان الحسين السطاتي خارج المغرب كما فعل بعض فناني العيطة؟
الحسين السطاتي: أتمنى أن أقوم بجولات فنية في دول أوربية وأمريكية..للتعريف بفن العيطة المغربي وبالزي التقليدي المغربي، ولأكتشف وأتعرف على ثقافة الآخر، لكنني لا أريد أن أستقر خارج المغرب بصفة نهائية، لدي عائلتي زوجة “نرجس كريمة” وأبناء “بذرة وريحانة ومحمد”، وأتحمل مسؤوليتي في مساعدة زوجتي في أمان الأسرة حتى يصل الأبناء إلى بر الأمان ويتزوجوا، كما أنني إلى حد الآن مرتاح في بلدي و أستثمر في مجال الحلاقة العصرية والحفلات.
جريدة جسر التواصل: ما هو سر رغبتك في العودة إلى عالم العيطة بعد قضائك لأكثر من عقدين من الزمن في الوظيفة العمومية؟
الحسين السطاتي: أولا قبل أن أكون دركيا موظفا عموميا، ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية وضابطا مكلفا بالأحداث وضابط مركزي للأبحاث، وتقني التشخيص الجنائي، ومدرسا ومدربا لضباط الصف الدركيين، كنت في ثمانينيات القرن الماضي فنانا شعبيا، موسيقيا “كومنجي” ومغني، لفرقة موسيقية “رباعة الشيخات”، احمل اسم “الحسين السطاتي”، معناه أنني دقت حلاوة الفن المادية والمعنوية، ثانيا لقد سئمت العمل في عالم الوظيفة العمومية، كرهت عالم الأحزان وخاصة العمل في حقل الضابطة القضائية، عالم الجريمة والدماء والسجن وعصابات المخدرات والقتل ولاختطاف والاغتصاب وحوادث السير ليل نهار…إنها مهنة الإجرام والمتاعب، مهنة الدماء والأشلاء، مهنة المغامرة والتضحية، ومع ذلك كنت أحيانا أقابل بغضب من الجمهور، وتعرضت لشكايات كيدية من بعض المجرمين، وتعرضت لمحاكمات، لكن الحمد لله خرجت منها سالما غانما، هذه حقيقة يجب أن يعرفها جمهوري الكريم، حيث كنت ضابطا نشيطا في محاربة الجريمة، لذلك فضلت التقاعد النسبي، أردت أن أستريح وأريح، وذلك بالعودة إلى عالم الفن، عالم كله فرح وبهجة وسرور ودخل مادي، عالم أجد فيه متعة ولذة، أغاني ورقص وضحك وحب، لعب ولهو وأموال..والكل يصفق ويشجع ويهدي لي الأموال ويكرمونني، أعيش مع الناس أفراحهم ومسراتهم. وفعلا كان اختيارا موفقا وحققت الكثير مما كنت أحلم به. لكني لا أنكر خير مهنة الدرك الملكي فلولاها ما كان “الحسين السطاتي” فنانا بهذه الشخصية وبهذه الثقافة، إن مهنتي السابقة كدركي ضابط للشرطة القضائية والعسكرية كونتني ماديا ومعنويا، أعادت تربيتي وأكرمتني، أدخلتني أماكن لولاها ما كنت لأدخلها، عرفتني على شخصيات وازنة في البلد، أكلت ونمت في أفخم الفنادق والمؤسسات السياحية، طفت العديد من القرى والمدن المغربية خلال أبحاثي وتنقلاتي الدركية، تزوجت وصار لي أبناء، ودرستهم حتى صاروا جامعيين، وحاليا يدرسون في معاهد عالية، كونت نفسي ماديا ومعنويا وفنيا، اشتريت مجموعة من الآلات الموسيقية التقليدية والعصرية ومعداتها من مكبرات الصوت وآلات ولوازم موسيقية الكترونية ورقمية، كل هذا بفضل الله وعملي السابق بمهنة الدرك الملكي، فهي بالنسبة إلي بمثابة أمي الثانية.
جريدة جسر التواصل: بصفتك فنان شعبي “شيخ للعيطة”، ما رأيك في مصير الفنان ومنه الفنان العيطي في المغرب؟
الحسين السطاتي: في جميع الأزمنة يبقى الفن هواية وليس مهنة، وعلى الفنان الموسيقي المغني أن يتعلم حرفة أو صنعة أو يعملا عملا رسميا يدر عليه دخلا ماليا ثم بعد ذلك يمارس هوايته الفنية، أما عن حال الفنان الشعبي المغربي ومنه فنان العيطة، فهناك من ينعم بالسهرات والمهرجانات على طول السنة، وجمع ثروة من الفن الغنائي، وهناك من يعمل موسميا في الصيف، وهناك من يرزح تحت الفقر والحاجة، لذلك على الفنان أن يشتغل شغلا يدر عليه دخلا ماديا ويقيه حاجة السؤال، ولا يعول على الفن. بما أنه ليس هناك تقاعد فني ولا تأمين ولا تغطية صحية ولا مصالح اجتماعية تهتم بحا الفنان، فعليه أن يجد ويكد ويعمل ليعيش حياة كريمة.
جريدة جسر التواصل: من وجهة نظرك ما هي العوائق والصعوبات التي يمكن أن تواجه الفنان في مشواره الفني؟
الحسين السطاتي: أرى أنه من الطبيعي أن يواجه الفنان بالذات الكثير من العوائق والصعوبات التي تعترض مسيرته الفنية، وذلك لعدة أسباب أهمها برأي الخاص، أن الفنان إنسان مرهف الإحساس بالدرجة الأولى يتأثر ويتفاعل مع كل شيء حوله بطريقة ومعدل أعلى من غيره، وفي ذات الوقت الإبداع الفني يتطلب من الفنان أن يكون صافي الذهن خاليا من الهموم والمشاكل سواء الأسرية أو المادية أو غيرها، لذلك يمكن أن تؤثر حالته النفسية على إبداعه الداخلي، ونجد أن للفنان التزامات فنية أدبية اتجاه محبي فنه، توجب عليه أن يحتفظ بعلاقات جيدة مع الجمهور خاصة الذي يداوم على حضور سهراته والتفاعل معه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يتطلب صبرا ومجهودا نفسيا وجسديا لا يشعر به إلا من مر بذات تجربته.
جريدة جسر التواصل: عملت دركيا ضابطا للشرطة القضائية، ثم عملت بعد تقاعدك فنان شعبي شيخ للعيطة المرساوية، أين وجدت نفسك أكثر؟
الحسين السطاتي: طبعا وجدت نفسي في الفن، أنا مرتاح في عالم العيطة، عالم الأفراح والمسرات وأطيب الطعام، عالم المتعة واللذة والمال والجمال، وجدت ذاتي في العيطة، أشتغل فيما أحب وأعمل ما أريد وقتما أريد وكيفما أريد، بدون تعليمات ولا أوامر..حيث في الفن أصنع الفرجة وأتفرج، أمتع وأستمتع، لا أشعر وكأنني أعمل بقدر ما أستمتع بهوايتي الفنية وأجني أموالا، أشارك الناس أفراحهم ومأكولاتهم في الحفل وأتقاضى مقابل ذلك أجرا ماديا، والناس يغنون معي ويرقصون ويصفقون لي ويشجعونني ويدعمونني ويشكرونني على ما قدمت لهم من عمل فني، وهذا شيء جميل ورائع، يشعرني بالمتعة واللذة والراحة النفسية، كما أنني صرت أحلم بأنني قد أكون يوما ما فنانا موسيقيا نجما مشهورا، ويمكنني أن أحقق نجاحا فنيا وأبني ثروة مالية، وأسافر في جولات فنية إلى دول أوربية وأمريكية وعربية..هذا مجرد حلم أحلمه، لكنه حلم يصدقه العقل ويمكن أن يتحقق، على عكس الوظيفة العمومية، فلا يمكنني حتى الحلم بالثروة وتحقيق النجاح، فأجرتي محدودة ومتاعبي كثيرة، فوظيفتي السابقة كدركي ضابط للشرطة القضائية والعسكرية، هي مهنة شريفة ولها وجاهة وحضوة اجتماعية، كانت بالنسبة إلي بمثابة أم ثانية، أكرمتني وأعادت تربيتي وقوت شخصيتي، حتى صرت ما أنا عليه اليوم، لكنها مهنة المتاعب والمصاعب، مهنة المخاطر والسجن والموت والأوجاع، مهنة صعبة وخطيرة وخاصة أنني كنت عنصرا نشيطا في حقل الضابطة القضائية، باحثا جنائيا بميدان الجريمة بكل أنواعها، كنت أحيانا أعيش في جو إجرامي يتنوع بين القتل والاختطاف والاغتصاب والسرقة والاعتداءات بالسلاح الأبيض والخيانة والغدر وحوادث السير.. جو مأساوي مروع، مشحون بالدم والأشلاء والدموع..يعني الحرب ليل نهار مع المجرمين، كنت أعيش مع الناس أحزانهم وفواجعهم وأوجاعهم، مهنة محفوفة بالمخاطر، لكن الحمد والشكر لله، صبرت حتى حصلت على التقاعد، وأمنت مستقبلي، لقد مرت خدمتي الدركية سليمة وسالمة، “السربيس خرج على خير”، والله يخرج العيطة على خير.
جريدة جسر التواصل: هل أنت نادم على السنين التي قضيتها في العمل كدركي ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية؟
الحسين السطاتي: لا أبدا على العكس، بل أنا ممتن لتلك السنين “اثنان وعشرون سنة”،التي قضيتها في مهنة الدرك الملكي، حيث عملت كأستاذ ومدرب لضباط الصف الدركيين، وعملت ضابطا للشرطة القضائية والعسكرية، وضابطا للشرطة مكلفا بالأحداث، وضابط للشرطة التقنية والعلمية، وضابط مركزي للأبحاث، وتقني التشخيص الجنائي، بهذه الشواهد والديبلومات كنت عنصرا نشيطا في حقل الضابطة القضائية، ضابطا فاعلا في عالم الجريمة بمدن وقرى مختلفة بلمملكة، فبفضل مهنتي دركي، زرت العديد من المناطق المغربية، وتعرفت على الكثير من الناس مغاربة وأجانب، ونمت في أفخم الفنادق وأكلت أشهى الأطباق في أرقى المطاعم، لولا مهنتي دركي ما دخلت هذه الأماكن، إن مهنتي السابقة كونتني ماديا ومعنويا، وكونتني عسكريا وقانونيا وثقافيا، سنين كانت حافلة بالتجارب المثمرة بحلوها ومرها، قربتني من الناس، ومن قضايا المجتمع المثيرة، تعرفت خلالها على فنانين كما تعرفت على مجرمين، وعلى ناس من مختلف الطبقات الاجتماعية بالمغرب، وأنعم الآن بتقاعد لا بأس به يقيني السؤال والحاجة، ولي تأمين عن الحياة وتغطية صحية، كما أستفيد أنا وزوجتي وأبنائي من الخدمات الاجتماعية للدرك الملكي، فلولا هذه المهنة ما كان شيخ العيطة الحسين السطاتي بهذه الثقة في النفس وبهذا المستوى الثقافي والفني.
جريدة جسر التواصل: هل من السهولة الجمع بين الذكاء الاصطناعي والفن العيطي؟
الحسين السطاتي: شخصيا أرى أن الذكاء الاصطناعي أداة من الأدوات الإبداعية التي يمكن للفنان أن يستخدمها في إنتاج أعمال فنية مبتكرة، الأمر لا يتعلق بقدرة الآلة على تجاوز قدرات الفنان البشري أو محاكاة إبداعه أو أن تحل محله، إذ ليس للإبداع منطق محدد، وبفضل المكننة والرقمنة صار ممكنا الإبداع الذي كان بالأمس مستحيلا، وقد تجد في المستقبل أغنية عيطية جديدة من كلماتي وألحاني وعزف الراحل شيخ العيطة الماريشال قيبو وتغنى بصوت الراحلة الشيخة فاطنة بنت الحسين والحسين السطاتي، إنه إبداع بشري عن طريقة الذكاء الاصطناعي، والإبداع البشري تحديدا يختلف عن الإبداع التقني الآلاتي، مهما بلغت قدرات الأخير ومهما احتوت بياناته، ومن الجيد أن يكون الفنان منفتحا على كل جديد، وأن يجرب طرقا وأساليب فنية باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، وفي النهاية أجد أن عمل الفنان وإبداعه، لا يمكن استبداله أو الاستغناء عنه بأي شيء آخر، لأن عمل الانسان ينبني على مشاعر وأحاسيس آدمية، والآلة عديمة الشعور، فلا ولن تعوض العقل البشري.
جريدة جسر التواصل: ما النموذج العيطي الذي يلهمك وتحتدي به؟
الحسين السطاتي: كثيرة هي النماذج الفنية العيطية التي احتذيت وأحتذي بها، وأذكر منها نموذج الفنان الشيخ خالد ولد البوعزاوي والفنان الشيخ عبد الله الداودي
جريدة جسر التواصل: كيف تتعامل مع النقد والتعليقات السلبية أو الايجابية عن أعمالك الفنية الموسيقية والأدبية السردية؟
الحسين السطاتي: أي فنان بل أي شخص حي يتنفس هو معرض للانتقادات، أتقبل النقد البناء، النقد الذي أستفيد منه ويوجهني ويعلمني ويصحح أخطائي، الناقد النافع يحاول أن يكشف عن ما لا يظهر للفنان ويكون نقدا مفيدا، حيث ينبهني إلى أشياء لم أنتبه إليها، هذا نقد بناء ومطلوب إن كان نابعا من ثقافة فنية ورؤية جمالية، وليس من دوافع مرضية وحقد دفين، أو أنانية أو منفعة، لكن النقد السلبي من أجل النقد، ومن أجل عرقلة سيري الفني الموسيقي والأدبي، أتعامل معه حسب ما يستحقه الناقد، قد أتعامل معه فنانا موسيقيا بحس مرهف، وأرد على نقده بجملة مرصوعة مسجوعة، وقد أتعامل معه بصفتي حرفي خياط صانع تقليدي وحلاق، وأرد عليه بفضاضة، وقد أشتم من تعليقاته تشدده ومرضه فأعامله معاملة ضابط الأبحاث، وقد يجد نفسه متورطا في جريمة ويجد نفسه أمام قاضي التحقيق يجيب على تهديداته، إذ أن هناك نقاد مكانهم الطبيعي هو المصحات النفسية وليس الملتقيات ونقاش الأعمال الفنية الموسيقية والأدبية.
جريدة جسر التواصل: بماذا تنصح من هو في بداية طريقه في مجال الفن الشعبي والعيطة؟
الحسين السطاتي: أقول له أن الفن بصفة عامة غير مضمون ولا يؤتمن غدره في جميع أنحاء العالم، ومنه الفن الموسيقي الغنائي، فالفن هواية وليس مهنة، لهذا على الشاب أن يتعلم حرفة أو صنعة أو يشتغل شغلا موازيا لفنه، ليعيش معززا مكرما، ثم يغني ويرقص كيفما شاء، عليه أن يكتسب ثقافة فنية، وأن يدرس الموسيقى إن استطاع إلى ذلك سبيلا، وأن يُلِم بالفن الذي يمارسه، وأن يبتعد عن الثالوث الملوث للفنان وهو؛ التدخين بأنواعه، وشرب الخمر بمختلف أنواعه، والابتعاد عن الجنس الحرام، والاجتهاد والصبر والمثابرة في مجال فنه، والاعتناء بالجانب الصحي والروحي في حياته..
جريدة جسر التواصل: كيف تصف أعمالك الفنية؟ وما هي الرسالة التي تحاول إيصالها عبر عملك الفني؟
الحسين السطاتي: بصفتي فنان شعبي “شيخ للعيطة”، فأنا أحافظ على الهوية الفنية المغربية في أعمالي الموسيقية، أحافظ على موسيقى العيطة، أقوم بتنقيح القصيدة حسب ثقافتي مع الحفاظ على هوية العيطة الأصلية بمعنى “العيطة الأم”، أحافظ على وجود المرأة داخل الفرقة الموسيقية وتمتعها بكامل حريتها الفنية، كما أحافظ على الترويج للزي المغربي التقليدي داخل وخارج المغرب، بما في ذلك “الجلباب والجبادور والسلهام، والقفطان،والطربوش والبلغة”.. وأهدف كذلك إلى تمرير هذا الفن إلى الأجيال القادمة في حلة جيدة، أتوق أن تكون أحسن مما تركه لنا الأجيال السابقة، أما بصفتي كاتبا قاصا وروائيا وشاعرا زجالا، فإني أنتقد في أعمالي الأدبية السردية؛ بما فيها القصة والرواية والمسرح والزجل والمقالة..أنتقد تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فأنا أعالج المواضيع التي ينبغي على المثقف أن يعريها، أعالج مواضيع الهجرة، وموضوع حرية المرأة، والفساد الإداري والسياسي والأخلاقي، وغيرها من القضايا التي عشتها وعايشتها ، سواء بصفتي موسيقي ومغني لفن العيطة “شيخ للشيخات”، أو دركي متقاعد ضابط للشرطة القضائية والعسكرية سبق وأن كنت نشيطا في حقل الضابطة القضائية، ضابطا باحثا في عالم الإجرام.
جريدة جسر التواصل: ما هو طموح الفنان الحسين السطاتي في الحياة.
الحسين السطاتي: طموحي لا حدود له، ويا ليت لو كان لي طموح واحد لسارت الأمور على أحسن وجه، أنا إنسان حالم وطموح، أحلم كثيرا ولي عدة طموحات، أريد أن أترك شيئا أذكر به بخير، أطمح أن أكتب كتبا وأغني أغاني تخلد اسمي ويذكرني بها الأجيال القادمة، والحمد لله والشكر له لقد حققت الكثير من أحلامي ومازلت أطمح إلى تحقيق المزيد، وكل شيء بالعزيمة والصبر والتوكل على الله
جريدة جسر التواصل : ما هي نصيحتك للشباب من الجنسين الذين يرغبون في اكتشاف مواهبهم الفنية في فن العيطة؟
الحسين السطاتي: الفن لا وصفة رسمية أو نهائية له، كل ما أنصحهم به، أن يتخذوا الفن هواية وسلاحا إضافيا، أما الأسلحة الحقيقية فهي أن يتمدرسوا ويتعلموا حرفة أو صنعة أو تجارة، يعني أن يتخذوا مهنة موازية مع الفن تدر عليهم دخلا رسميا، لأن الفن لا يؤتمن غدره، ثم يدخلون غمار التجربة الفنية، يعني أن تكون الهواية شيئا إضافيا، وكما نقول “خضرة فوق الطعام”، وعليهم أن يبتعدوا عن الثالوث الملوث للفنان، وهو شرب الخمر بأنواعه والتدخين بأنواعه والمخدرات والجنس الحرام، يعني أن يحافظ الفنان على سلامته الجسدية والعقلية، ثم البحث والاجتهاد والاطلاع على الفن العيطي من كل جوانبه بصقل الموهبة والتمرين، وتعلم آلة موسيقية وترية، ولا يفرطون في الجانب الروحي.
جريدة جسر التواصل: كلمة أخيرة لجمهورك ؟
الحسين السطاتي: شكرا للجمهور الكريم على التشجيع المادي والمعنوي، فبفضل الله وبفضله تكون لي دافعية أقوى للاجتهاد وللعطاء، وأعده أنني سأعطي كل ما في وسعي لفن العيطة من موقعي كفنان ممارس، وشيخ للعيطة، وككاتب قاص وروائي وشاعر..وسأظل وفيا لهذا التوجه الموسيقي، للحفاظ على هذا الفن الأصيل..هذا الكنز اللامادي، ونقله للأجيال القادمة كما أخذناه عن الأجداد الأسلاف، وشكرا لجميع المنابر الإعلامية التي تساهم بجد في إعطاء إشعاع للفن والفنانين المغاربة وتنوير الحقل الفني المغربي، وشكرا جزيلا لمنبركم الإعلامي جريدة “جسر التواصل” الذي سمح لي بأن أقف على هذا الجسر وأطل منه على الجمهور الكريم، أتمنى لكم مزيدا من النجاح والتوفيق.
Views: 8
























