البهلولية والتحركات الدولية

جسر التواصل12 يوليو 2023آخر تحديث :
البهلولية والتحركات الدولية

مراكش : مصطفى منيغ  aladalamm@yahoo.fr

إتِّباعُ أتباعِ الأتباعِ قَناعَة (وأيضا ناقصة الأركان) بالدرجة الثالثة وما بَعْدها أَبْعَد ، يعنى بالواضح الصريح النَّأي عن أصحاب السَّعْد والتقرُّب لواضعي الكَمَد ، فالاكتفاء الحتمي (في كل شيء) بتقبُّل نصف الوَعْد مهما زمانه مع الانتظار امتد ، مِن أي جهة ترضَى التعامل عن بُعْد وبشروط عسيرة الحد ، تعامل البُخار مهما طال في الجَوِّ الصُّعْد كأنه ما صَعَد ، أو كانسان يتربَّع فوق التراب إذ لا يجد حتى في الصفوف الخلفية أي مَقعد ، وصوته إن تكلَّم سخر منه الريح وبقلعه من مكانه يتوَعَّد ، فالأفضل أن يكدح ساكتا إن أراد البقاء داخل العدد ، المجرور للحقول لتنقيتها مِن العَوْسَجِ كي لا يخدش شوكه مِن السادة أحد .

… كذلك هي المدن وفي المملكة المغربية نجد مثل العَيِّنَة في “القصر الكبير” تابعة التَّابعين للأتبَاع المتخصصين في مراقبة مَن اشترَى ومَن باع وكلّ منهما دافع تحت الطاولة ما يدخل في بَنْدِ السَّداد ، المنصوص عليه في قانون ذي التخصصات المتعددة الفروع والسَّنَد ، في عهد يتغلب بعد رحيل الأسبان عن كل ما عليه الاعتماد ، وشُكراً لشهداء الاستقلال التاركين دمهم الطاهر عرضة للاستغلال من طرف بناة التخلف خدام أتباع الأتباع لغاية يوم لاحق لن يعتق من يرتاح طيلة الأسبوع ويتحرك لجمع المحصول السري يوم الأحد .

… السعادة عندنا ، انهزام مؤقت للحزن فينا ، وانسلاخ غير دائم عن الألم المزداد معنا ، مسؤولة عن اختيارها لنا ، ولا تستطيع المقامة إن أُبْعِدَت عنَّا ، بل محرومة مثل العديد ممن لهم علاقة بنا ، من معرفة مدة صلاحيتها داخل أعماقنا ، تدغدغ ما يناسب الشعور المحرِّك اتجاهنا ، نحو أكلة مفضلة قليلها يشبعنا ، أو شراب دون سواه ينعشنا ، أو صوب حبيبة منسية لا زالت تنتظرنا . لم أعتقد أن لقاء ثلاثة ساعات تارك مثل البصمة على نفسية الغرناطية الطفلة المُدللَّة التي ما لحقتُ لمعرفة انتسابها لليهود ، إلاَّ تلك الأمسية داخل سيارة تقودني بها نحو المجهول مرة أخرى إن تركتها تفعل . كان لي في “سبتة” ما يجذبني إليها مرات تلو مرات ، في إحداها اتَّجَهت صوبي فتاة رفعتْها الأناقة في نظري إلى الاهتمام بما تريد كجواب عن استفسار عجيب يتعلق بالسعادة التي غمرتها فجّأة حينما التقطتني عيناها المشعان بتيار الزُمُرُّد الأخضر الغامق إلى قلبها الصغير الكبير . مسكتُ في لطفٍ بيدها الأسفنجية الملمس ، الدافئة الإحساس ، المتفوِّقة النعومة خلاف العديد من الناس ، دون أن تنزعج من الاتجاه الذي أخذته صوب مقهى داخل الميناء ، لينتهي بنا ذاك اللقاء ، فوق باخرة مبحرة لغاية الجزيرة الخضراء ( ) حيت أتمت سفرها لمدينة مدريد بواسطة حافلة عمومية على أمل أن ألحق بها متى سمحت به ظروفي ، لم نتجاوز في حديثنا الثنائي أكثر من جمل تعَد فكرياً الفارق بيننا كمغاربة عرب إفريقيين وبين هؤلاء البشر الأيبيريين المُمَثل في استغلال اللحظة متى الإعجاب أثار انتباه أنثى لفتى أحلامها مهما كان ، فتقدمت للبوح بمكنون غايتها دون تردد أو خشية أو حياء . الغريب أنني نسيتُ فعلا أن تمدني بعنوانها ، والأغرب أني عدتُ من حيث أتيت دون معرفتي اسمها ، وهنا تتجلَّى حكمة لقائنا من جديد دون موعد أو ترتيب مُسبق أو حتى استعداد نفسي لتقبل أية صدمة قد تعتري الحدث السعيد كالأنِف ، أو الافتراق الأبدي المؤسف .

… وصلنا معا إلى مدينة كان الفرنسية وأثناء الطريق أخبرتني عمَّا حلَّ بالشيخ الهمام المطابق لسيناريو مَن سبقه ذاك الثري العربي الآخر ، من دولة مشرقية صغيرة لها السمعة المالية المسيطرة على ألْبَاب بعض حكام الدول الكبيرة ، سيحركونه راقصاً ما استطاعوا ، متجرِّعاً أنواعاً لا تترك ركنا في المخ دون تخدير ، إلى أن يفقد الوعي فيجرِّدونه مما يرتدي وكما خُلِقَ يقذفون به فوق فراش لغرفة تؤرخ بالصور الملتقطة بأبعاد مختلفة نومه العميق ، لغاية اليوم التالي حيث يجد نفسه مشلول الفكر محطَّم الإرادة باكياً بغير دموع ، تدخل عليه خادمة ايطالية عادية تحدثه بالانجليزية أنَّ هناك حقيبة بها ما سيرتديه ويرحل صامتا من مكان هادي كأنه ما عَرَفَ صخباً ، ولا أُقيمَت فيه ألعن مسرحية جرَّدت ذاك المسكين حتى من إنسانيته ، ليتذكَّر ولينه يفعل أن مع إسرائيل لا يتم اللعب بأعراض يهوديات ، من أجل تطعيم شهوات الغرض منها إذلال الطرف الثاني ، المُشخَّص في امرأة لا تساوي عنده +قيمة لحظة وجيزة يتم فيها ما تفقد معه أشرف وأثمن ما لديها في الحياة . وتستطرد قائلة وهي تستخرج من بين نهديها غلافاً مختوماً : بالمناسبة “فلةّ” اليهودية المصرية بطلة مسرحية الأمس ، كلَّفتني بمنحك هذه الرسالة لتقرأها جيداً عساها تترك في نفسيتك الصدى الطيب البعيد عن مؤثرات مناظر لا أساس لها من الجدِّية على أرض الواقع . سألتُ إن كانت قد اطلعت على فحواها . أجابتني : كيف سيتمُّ ذلك وهي مكتوبة باللغة العربية ؟ . قاطعتها : وكيف علمت أنها مكتوبة بلغة الضاد ؟ . قالت : كنتُ معها وهي تكتب تعلو محياها كآبة أثَّرت على مساحيق مسلطة عليه .

نص الرسالة : العزيز مصطفى منيغ ، سمعتُ عنكَ من البهلولية وقبلها من صديقك العالم اليهودي التطواني المحترم عند أغلبيتنا جداً جدا ، أنك متعاطف لحد كبير مع اليهود عامة والمغاربة خاصة ، لأنك عشتَ وسطهم وتأثرت بثقافتهم الإنسانية وشاركتهم أفراحهم وكأنك واحد منهم ، عِلماً أنك مسلم شديد الإيمان بعقيدة دينك ، وحينما أحببتَ وأنت لم تخرج بعد من مرحلة الطفولة ، أحببتَ يهودية ولم تسمع لمن هددك بأقصى العقوبات إن لم تبتعد عن تلك الطفلة التي شكَّلت فيك الوفاء والإخلاص ، وجردتك من كل أنواع الحقد ، ومنحتك الشعور بالجمال وهو يعانقك مهما كنتَ سعيداً أو مهموما ، فكيف وأنتَ تراني في حالة من السقوط كعاهرة يمارس عليها ذاك الشيخ ما يمارس من ألعن تصرفات الإذلال والقهر والاحتقار والخزي والعار ، وعدم الاعتراف بحقوق الإنسان ومنها ما للمرأة الشريفة تتقاسمه مع الرجل الشريف . لذا أؤكد لك عزيزي الغالي مصطفى منيع ، أنني لا أقل عن أي امرأة في الدنيا متمسكة بشرف عرضها واستعدادها المطلق لمبادلة ما خُلقَت من أجله مع رجل وفق ما ترخص به الشريعة اليهودية ، أقسم لك أنني لا زلت عذراء ، تربيت بين أحضان العظيمة مصر فعلَّمتني كيف أحافظ على شرفي مدى الحياة ، وشربت لسنين طويلة من مياه النيل الخالد ما يجعل أحاسيسي لا تضمأ أبدا أمام أي شراب ملوث بقلة الحياء ، وما الدور الذي قمتُ به في تلك المسرحية السخيفة سوى مساعدة بسيطة ستكون بسببك الأولى والأخيرة ، من أجل توفير أقصى ما تتطلبه الدولة العبرية من تضحيات مالية . لقد رأيت فيك الرجولة والشهامة والغيرة البريئة عن امرأة تخيلتها قادرة على بيع شرفها ، ولو صُرِفَت عليها كنوز العالم ما فَعَلَت . أخيرا أوصيك خيرا ببائعة العطور الاسبانية الغرناطية الجميلة الروح والجسد ، إنها فعلاً تحبك وتريدك لنفسها دون سواك ، قادرة أن تفعل من أجل الحفاظ عليك ما ستطلبه منها لتنفذه عن طيب خاطر . وحتى نلتقي في قُبْرُصْ أتمنى لك كل خير وسعادة وأن تبتعد عن البهلولية .

… دخلنا منزلا فاخرا غير بعيد عن شاطئ مدينة كان الفرنسية الرائعة الجو والهندسة المعمارية ، لنُستقبل من طرف البهلولية والصديق التطواني ومجموعة مكونة من سبعة رجال وثلاثة نساء خلال مصافحتي لهم الواحد تلو الأخرى استوقفني صاحب وجه لم يكن غريبا عن ذاكرتي ، لينهي انشغالي فائلا أنا الجنرال (…) ابن مدينة القصر الكبير ، طالما راقبتك وأنت تشترى من السيد “مرذوخ” قطعتي حلوى من صنع يهودية في الملاح أنت تعرفها جيدا ، وما كان يشدنى بالفعل تقديمك القطعة الأولى للطفلة اليهودية التي من يراك يراها تابعة لك بكيفية تهز المشاعر حقيقة فتصور ذاك الحب وهو في المهتد يكبر من تلقاء نفسه ، وتستمر في الكلام من قدمها لي كزوجته مشيرة : وهاهو فد استبدل الطفلة اليهودية التي التقى بها كبيرة في بروكسيل بالسيدة البهلولية ، التي اكتشفت معدنه الأصيل فاستولت عليه دون تردد ، وهي عازمة على الاحتفاظ به مهما عارضها في ذلك العالم كله وليس إسرائيل فحسب . تدخَّل الصديق التطواني طالباً منا (وأنا ضمنهم) أن نشرع في المناقشة بعد توطئة جاء ملخَّصها كالتالي : جمال عبد الناصر تجاوز كل الحدود حينما اتجه للإتحاد السفييتي ناشداً التحالف معه في رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية ، التي طالما نصحته بعدم اللعب بالنار ، إذ أمريكا قادرة بمساعدة حلفائها أن ترده عمَّا يفكر فيه ، لكنه تمادى في تجاوز كل النصائح بل واستهزأ بمصدرها أكثر من مرة ، لذا أصبحنا ملزمين لتلقينه درساً يعيده ومصر سنوات إلى الوراء . لم أطق صبراً على مثل الكلام واندفعت دون انتباه لأصرح وبصوت مسموع : اتركوا مصر لحالها والتزموا بمحيط مهمتكم في البحث عن أنجع الحلول لتحقيق السلام العادل بينكم والفلسطينيين ، مصر مشغولة ببناء نفسها بعد الثورة التي قادها محمد نجيب بمشاركة مجموعة الضباط الأحرار ، جمال عبد الناصر يبحث عن الزعامة المطلقة ومثل المكانة تحتاج إلى إمكانات ضخمة ما دامت الإكراهات كثيرة والحالة الاقتصادية لا تسمح ، وفبل الاتحاد السوفييتي اتجهت مصر طالبة المساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وهذه الأخيرة رفضت ، بحجة الأفكار التي يريد جمال تطبيقها ليس على المصريين لوحدهم وإنما على الشعوب العربية بما فيها الجزائر التي قدم لها لتحرير نفسها من الاستعمار ما اغضب فرنسا الحليفة ، متى تعلق الأمر بمصلحتها الخاصة مع أمريكا . لقد بدأتُ أشمّ رائحة عدوان تدبرونه ضد مصر ، إذا كان الأمر كذلك أنصحكم بما يلي : ….

 

 

 

الاخبار العاجلة