عبد المجيد فنيش

من يكون ذاك الرجل الذي ركب على مطالبة فئة من الفنانين ( منتجو الأفلام) الحكومة بالنظر إلى أوضاعهم في ظل تداعيات الجائحة التي طالت العالم كاملا.!؟
من يكون ذلك الرجل الذي أطلق العنان للسان خبيث مقيت حاقد، وهل كان ينطق بهواه ، أم لم يكن إلا بوقا ظاهرا والمتحدث غيره يجلس القرفصاء في الكواليس .؟!
علمت – ويعلم غيري- أن ذاك الرجل المتحدث ، يصف نفسه بالحزين، وذاك حقه، بل وله أن يحزن متى يشاء وأن يقيم في حزنه أو يتركه ، فذلك شأنه .
لكن متى كان حزن فلان ، مبررا لقصف عشوائي بأخطر أسلحة التحقير والتشهير و التبخيس و التضليل والتدليس، إضافة إلى ماهو مصنف في باب السب والقدف، بل ومن أخطر أسلحة ذلك الفلان الحزين : التحريض ضد الفنانين المغاربة ، إذ أومأ بأكثر من إشارة ماكرة ا
إلى أنهم زنادقة،
أستطيع القول إن الرجل الحزين هذا، قد لخص في خمس دقائق بأوسخ أوساخ العبارات ، موقف البعض من الثقافة والمثقفين والفكر والمفكرين، و الرياضة والرياضيين و الفن والفنانين، و…و…، حيث أن هذا الحزين أسقط الجنسية المغربية عن العاملين في هاته الحقول، و اعتبرهم من غير الشعب المغربي وحرمهم من حقهم في التعبير ، بل و جعلهم مجرد ناس عهر وفسق و ميوعة، وفجور، و…و..
خطاب هذا الحزين واضح جلي، و مرجعياته واضحة معلومة، و قد اعتقد المسكين أن أحسن مناسبة لتصفية حساب الجهل مع حقل الفنون، هي أيام كورونا، إذ أنه راهن بسوء نية على إقناع عقلية مهزوزة من أمثاله ، بأن معضلة المغرب تكمن في فنانيه ، و بالتالي فقد حسب أن المناسبة سانحة لدق آخر مسمار في نعش حقل الفن المغربي.
لا يا هذا الحزبن، ولا أخرى، وبكل لغات وبلهجات الناس اجمعين، لا ثم لا ، فالفنانون المغاربة بنات وأبناء لهذا الوطن، تختلف حساسياتهم وتجاربهم و قدراتهم ، و تتنوع مستوياتهم الإبداعية والمعرفية والجمالية، و تتباين أدواتهم بتباين المتلقي وتعدده وتنوعه في الأزمنة والأمكنة.
نعم الفن المغربي صنوف و ضروب، فيها الجيد وفيها الحسن، وفيها المتوسط و فيها الضعيف البئيس، تماما كما هو قائم في كل الحقول والمهن ليس في مغربنا فقط، وإنما في كل أرض الله تعالى وسبحانه ، وقد تطاولت أيها الحزين على جلال قدرته و مشيئته، و لعنت و رجمت عباده الذين لم تشق قلوبهم لتعرف سرائرهم.
الفنانون المغاربة لهم معايير قانونية وهيكلية تنظمهم، وقد ناضلت الأجيال الفنية لإرساء تلك البنيات التي هي المرجع الأوحد للتصنيف والتقويم والتقييم، و العاملون في الفنون المغربية – طبقا للقانون الذي ربما لا تؤمن به – يؤدون خدمة عمومية – ليس هذا زمن تقييمها جماليا- ، وإن اشتغلوا فهم يشتغلون بناء على طلبات عروض بمسطرة غاية في التعقيد و التعجيز ، ويؤدون الرسوم و الضرائب، ويسهمون في تشغيل الآلاف من المغاربة، و يتعرضون للافتحاص و للمحاسبة ، ويعاقبون إن ارتكبوا ما خالف القوانين .
إنهم مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، وفرص اشتغالهم قليلة شحيحة في الأيام العادية، و تزداد شحا في بعض الأيام كأيامنا هاته، ولهم مؤسسات وصية هي الأدرى بخصوصيات مهنهم في الأحوال العادية، و في الأحوال الاستثنائية و منها حالة هاته الجائحة، وقاك الله منها أيها الحزين.
فيا عجبا لحزين – هو في حاجة إلى لحظة انفراج لشيء من حزنه-، يشحذ السيوف داعيا خيل الله إلى حرب ضروس ضد عدو اسمه الفن.
لقد أخطأت الطريق، لأنك أيها الحزين اخترت السواد لنظارتيك ول(كمامتك) في زمن كورونا.
أدعوك أن تتقي الله في نفسك، فقد تتقيه في عباده، وذاك أفضل بكثير من قذف الناس بما لا يرضي الله و لا العبد.
6 أبريل 2020