الحلقة العاشرة من السيرة الروائية “عيطة دموع الخيل” لشيخ العيطة الحسين السطاتي

جسر التواصل2 أبريل 2023آخر تحديث :
الحلقة العاشرة من السيرة الروائية “عيطة دموع الخيل” لشيخ العيطة الحسين السطاتي

شيخ العيطة الحسين السطاتي

من ظن أنه تعلم فقد بدأ جهله، الدنيا كالماء المالح كلما ازددت منه شربا ازددت عطشا.
المهاتما غاندي


الحياة في الكُتَّاب “الجامع”:
خلال سنوات السبعينيات من القرن الماضي، لم يكن هناك دور نشأ أو حضانة ولا روض أطفال بالبادية، كان المسجد هو الكُتَّاب الوحيد مصدر العلم والمعرفة بالدوار، وأنا عمري خمس سنوات (1978)، دخلت أتعلم كتابة الحروف العربية وحفظ آيات وبعض السور من القرآن الكريم، كان المسجد أو “المسيد”، يقع وسط الدوار وهو عبارة عن غرفة واحدة بمساحة تقريبا ثلاثة أمتار عرضا وثمانية أمتار طولا وأربعة أمتار ارتفاعا، بلا كهرباء ولا ماء، وبدون مئذنة مبني بالحجر والطوب، مبلط بالاسمنت مسقف بالحديد والاسمنت بدون نافذة، بابه له مصراعين من الخشب بدون مرحاض، ومن يريد قضاء حاجته عليه أن يخرج إلى جنان نبات الصبار “التين الشوكي” أو ما يسمى ب”الدركَ”، أتذكر الفقيه الدكالي “سي عبد الله”، والمحضار “سي أحمد”، وكنا نحن خمسة عشر طفلا ذكورا وليس بيننا أنثى، حيث يمنع على الأنثى التعلم في المسجد وحفظ القرآن، والويل كل الويل لمن لم يحفظ الآيات القرآنية، كان مصيره الفلقة والضرب بعصا جريد النخل، كنا نسمي الفقيه بلقب “الطالب” ونناديه “نعام سيدي”، ينحدر من ضواحي مدينة الجديدة بمنطقة دكالة، وتلميذه “سي أحمد” نسميه “المحضار”، هو الآخر من ضواحي مدينة الصويرة، كانا ينامان بالمسجد وكنا نحضر لهما الوجبات الغذائية اليومية بالتناوب، إضافة إلى مبلغ نصف درهم واحد “عشر ريالات”، وبيضة كل يوم أربعاء وتسمى ب (لاربعية)، وكنا نأخذ تلك العشية عطلة ونسميها “التحريرة”.

لازلت أتذكر أول يوم ذهبت فيه إلى الكُتاب وكنا نسميه “الجامع”، كان ذلك في ربيع سنة ألف وتسعمائة وثمانية وسبعون، ذهبت برفقة أبي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، الذي سلمني إلى الفقيه “سي عبد الله”، أتذكر السيد الفقيه وهو ملفوف في جلباب وسلهام..وجدت الجامع يمور بالنشاط، الأطفال يرتلون القرآن الكريم وأحيانا يتقافزون ويلعبون.. طفل يقرأ من لوح خشبي وآخر يرتل، وثالث يعيد ما حفظه ورابع يمسح لوحته الخشبية بالماء والصلصال.. كان هناك أطفال في سني وآخرون أكبر مني سنا، كان يوحدنا البؤس والفقر، كلنا أبناء فلاحين صغار وأغلبنا أبناء فخارين صانعي الأواني الفخارية الخزفية.. تحملنا برودة الحصير ورائحة الصلصال والسمق، وقسوة مسح اللوحة بالماء البارد، كنا ونحن صغارا نتسلى بالذباب في غفلة من الفقيه نصطاده بالخيط من فوق أرجلنا ونمثل به، نقطع أجنحته، بينما ذباب آخر يمارس طقوس النكاح على كؤوس صينية الشاي المهداة للفقيه، كنا نفرح للتلميذ الذي يحفظ حزب قراني (خرج سلكة)، ونذهب جماعة إلى منزله حيث يحمل لوحته على صدره ونحن خلفه ننشد:

طالب طالب يايوه … فرحات امو وبــــــوه
يا مولات الخيمـة… عطيني بيضــــــــة
باش نزوق لوحتـي … لوحتي عند الطالـــــب
و الطالب في الجنـة …والجنة محلولـــــــة
حللها مـــولانا …ونبينا معــــــــنا
الطالب وصحابـو…في الجنة يتصابــــــو
كانت النساء تستقبلنا بالزغاريد وأمه تحتضنه بين ذراعيها، ثم نأكل البندق (الزميتة) والحمص والبيض المسلوق ونشرب الشاي، وتوزع علينا الحلويات “الفانيد”.. ونعود إلى المسجد فرحين ومعنا هدية إلى الفقيه (الطالب)، وهي عبارة عن قالب سكر وعلبة شاي ودجاجة أو إوزة، وفي أحسن الأحوال تكون الهدية ديك هندي “بيبي”..
 

الاخبار العاجلة