جسر التواصل/ الرباط: الحسين بلهرادي
بينما سكان العالم ينتظرون دخول السنة الجديدة..قصد الاحتفال..وبينما أهل الرياضة على مشارف توديع عام 2022 وانتظار العام الجديد..وبينما عشاق كرة القدم مازالوا يناقشون مونديال قطر العالمي..والإبهار الكبير الذي تحقق هناك على جميع المستويات..ومنها الانجاز الخرافي الذي حققه زملاء الحارس بونو..وهم يرسمون لوحات التألق أمام كبار العالم…وبينما أهل الغناء يستعدون لإطلاق العديد من الأغاني بمناسبة رأس السنة.
وبينما أهل السياسة يتصارعون للبحث عن المصالح الخاصة..وتقسيم الكعكة..ورسم المخططات الميزانية..سواء داخل قبة البرلمان أو في مقرات الجهات أو مجالس الأقاليم والعمالات أو داخل مقر الجماعات.
كان هناك العديد من الناس يصارعون الزمن والوقت ومواجهة الموت في صمت..دون ضجيج..ودون علم أهل الميدان..
وبينما المدن المغربية تعرف الحركة في كل شيء..كانت اسفي تستعد لتودع أحد أمهر العازفين على آلة الطعريجة..عبر التاريخ..وخصوصا أهل فن العيطة..انه الفنان مولاي احمد المرضي..المعروف بمولاي احمد الشريف..الاسم الذي شق الأرض والسماء بصوته الذي يشبه صلصال أسفي..الذي تصنع منه زخرفة عاصمة عبدة ..الصوت الذي زعزع كل الأعراس والمهرجانات والسهرات التي حضرها..والأغاني التي شاركها مع العديد من المجموعات الغنائية…
مولاي احمد الشريف الفنان الخلوق المتواضع..الذي دخل في سن مبكرة عالم الغناء والعزف..وبالضبط في 18 سنة..بحيث جاور كبار العيطة الحصباوية..
وعندما نقول العيطة الحصباوية.. فهي عبارة عن غناء شعبي متونه في أغلبها ثلاثيات وثنائيات. فراش وغطا، كما يقال بالدارجة المغربية. ورباعيات أحيانًا مع ضرورة الانتباه إلى أن هناك جملًا شعرية مسترسلة أو ذات إيقاع نمطي معين.. تغنى بشكل جماعي للانتقال من مرحلة إلى أخرى داخل العيطة.
هذا النوع من الغناء تطرق إلى قضايا ذات بعد ديني ووطني واجتماعي وعاطفي. وقد اتخذ هذا الشكل الغنائي أشكال عيوط، منها ماهو متداول ومنها ما أصبح في عهدة النسيان. من أكثر هذه العيوط تداولًا نذكر “خربوشة” و”رجانا في العالي” و”حاجتي في كريني” و”كبة الخيل”. أصنف المتن الزجلي لبعض العيوط الحصباوية اعتمادًا على الراوي والقافية، حيث نجد بالنسبة للثلاثيات (المثلث) خمسة أشكال.
ومن المعلوم ان الحصبة هو اسم المكان الذي ظهرت فيه العيطة الحصباوية.. التي نقدم لها هنا بعض النماذج، بمنطقة عبدة المحاذية مع دكالة شمالًا والشياظمة جنوبًا وبلاد أحمر”اليوسفية والنواحي”في الشرق.
مولاي احمد اشتغل في البداية خلال السبعينات رفقة رضوان و الفنان ولد الحلاوي والفنان مبارك و الجمل..وعبد الصادق و ولد الصوبة..والدعباجي والشيخ الجيلالي..وغيرهم..لكن الفترة الاطول كانت مع ولد الصوبة..حيث كان العطاء في القمة..وقد سجل ما يقارب العديد من أشرطة الكاسيط” 14 نسخة”… كما سجل مع الفنان الشعبي المعروف عبد العزيز الستاتي و العربي الشهب ..وكذلك رفقة المرحومة فاطنة بنت الحسين..التي كانت تعيش بين سيدي بنور وأسفي..حيث سجل العديد من الأغاني معها في استوديوهات في مدينة فاس..
الفنان مولاي أحمد الذي ودعنا إلى دار البقاء كان يتكلم بالربع..ولكنه كان يسير المجموعة الغنائية..بطريقة غير مباشرة..فقد كان القائد المتمكن..القائد الشجاع..قائد بصوته وبإيقاعاته الفريدة…
العيطة التي أداها مولاي احمد كانت مع الطعريجة..عبارة عن توأم.. فقد وصل عدد العيوط حوالي 14 عيطة.. حفظها عن ظهر قلب..دون نقصان..فهو ضابط إيقاع من العيار الثقيل..فقد كانت الطعريجة تتكلم لغة خاصة عندما كانت تكون بين أياديه..وبدونه لا مكان للعطية ولا مكان للكمان.. ولا مكان لباقي الآلات الأخرى..
مولاي أحد قبل ان يودعنا دون إعلان ..طاله النسيان بعدما مرض وظل يعاني في صمت..و غاب صوته بشكل تدريجي..وبالتالي أصبح “مغيبا” عن الساحة الفنية..
قبل أشهر رحلت الفنانة حفيظة الحسناوية “تلميذة فاطنة بنت الحسين” بعد معاناة مع المرض وفي صمت..وبعدها رحلت خديجة البيضاوية..وقبلهما غيب الموت كبار العيطة.
قبل ختام الكلام
مع مرور الوقت نتأكد أن العيطة عرفت لعقود طويلة التهميش والإقصاء لارتباطه بالعمق البدوي..وبقي أهل العيطة وكبارها يعيشون التهميش والقهر والحركة والفقر وخصوصا عندما يتقدم بهم السن.. وكلهم غنوا الأغنية المعروفة “خربوشة”
ومن أهم الأبيات التي ألقتها خربوشة في هجاء عيسى بن عمر، وبقيت خالدة حتى يومنا هذا، تلك التي قالت فيها
والأيام الأيام أيام القهرة والظلام فينك يا عويسة وفين الشان والمرشان
شحالْ غيرتِ من أعباد شحال صفيتي من أسْياد
ماتت خربوشة أو “حادة الزيدية”.. و بقيت قصتها خالدة عند الجميع، ومولاي احمد الشريف ضبطها صوتا وإيقاعا مع العديد من كبار العيطة..
الآن مات مولاي احمد الشريف..فمن الصعب إيجاد من يقوم بما قام به هذا الفنان من أجل العيطة
ختام الكلام
رحم الله الفنان الكبير وضابط الإيقاع مولاي احمد الشريف..الذي غيبه الموت قبل أيام…