همسات الفنان المغربي عبد الصمد بويسرامن بدبي

جسر التواصل8 نوفمبر 2022آخر تحديث :
همسات الفنان المغربي عبد الصمد بويسرامن بدبي

جسر التواصل محمد معتصم 

“همسات الصمت”، هو العنوان الذي اختاره الفنان البصري المغربي المعاصر عبد الصمد بويسرامن، عنوانا لمعرضه الفردي بقاعة العرض “كلمات Kalimat” في مدينة دبي الإماراتية. والذي يمتد من الخميس 14 أكتوبر إلى غاية 14 نوفمبر 2022.
حيث يعرض إلى جانب لوحاته الصباغية أعمالا إنشائية وأدائية.. وهي أعماله تسعى إلى استخلاص كنه المشترك الإنساني، وذلك من خلال العمل على الأبعاد الأركيولوجية بكل ما تكتنزه من غموض ومن ضرورة للحفر والنبش والتنقيب.. مما يجعلها منجزات قابلة لتعدد إمكانيات التأويل.
ينمحي الحرف في أعمال عبد الصمد بويسرامن الأخيرة، لصالح الحضور المكتف والمشهدي للكتابة في بعدها الأركيولوجي. أي حضور الشكل في بعده الكوني.. حيث الحركة والإيماءة هما أسّ الاشتغال البصري والغرافيكي للمنجز. غير أنه، وفي الوقت نفسه، يظل العمل محافظا على قدسيته الأيقونية، التي يتحصل عليها من قدسية الحرف الـمُضمر وجوباً.
إنها بالتالي، أعمال تبحث عن استنطاق صمت المشترك بين كل الحضارات الإنسانية، غير متبعة أي ملمح هوياتي محدد، متحررة من كل القيود.. غير أنها “تتكلم كل اللغات لكن بالعربية”، حيث يجعل بويسرامن من انسيابية وحركية وعنفوان الخط العربي، المتحرر من كل شكل كتابي وقرائي، روحا يتعبها، لكتابة وإبراز “هسيس العالم اللامرئي”.

يقول الباحث الجمالي عز الدين بوركة عن هذا الحدث الفني :” تجربة بويسرامن تتفرد في تعددها، وفيها يحضر ويغيب البعد التجريدي.. إذ تصير اللوحة شبه مشهدية رحبة تطل على العالم من نافذة بانورامية، مما يمنح العمل قوته وانفعاليته.. وإمكانية التأويل المفتوح على كل الاحتمالات والآفاق. تجربة إستتيقية ناطقة في صمتها، تتحدث من خلال صمت الأحرف التي تتجرد من كل قابلية للقراءة.. تجسيد حر لهسيس العالم اللامرئي. وما الفن إلا إثارة للانفعالات من خلال الرموز والأشكال والألوان والهيئات التي تكوّن العمل الفني، وإظهار للذي يستحيل إبصاره ولو كان مرئيا وعاديا.. نوع من “تجلي الجميل” و”تجلي المبتذل” .
“أكتب كل اللغات لكن بالعربية” هكذا يهتدي بويسرامن في عمله لتشييد الرؤية الفنية الخاصة، منطلقا من الحرف العربي وما يتيحه من انسيابية، ليعانق كل أبجديات اللغات العالمية، بشكل مجرد، لتصير اللغة، هي العنصر الجمالي القادر على مطابقة الأشكال الاستتيقية، ومن ثم وسيلة بصرية وصباغية لإظهار المشترك الإنساني وإبراز المخفي والكشف على الـمُعتم. كل ذلك داخل مساحات صباغية تراكبية تصير معمارا أركيولوجياً، يلزم الحفر بمعاول النظر وأزميل التأويل للكشف على طبقاتها المستثيرة في “عمق مسطح”، بتعبير نيتشه.
يذهب بويسرامن بالكتابة إلى أبعد من حدود الإشارات، إلى تخوم الرموز وفضاءات الأيقونات. لهذا فهذه الأعمال الفنية التي تطالعنا، تنطلق من دهشة وتمر بالتأمل وصولا إلى ربط علاقة وجدانية (اجتماعية) مع المتلقي، الذي يتأمل تراكب الطبقات الكتابية، ليدرك زمنية العمل في بعده الأركيولوجي، وهي مدعاة لـ”يحفر” بمخيلته تلك المنازل الصباغية المتموْضعة فوق بعضها البعض والمشكلة للعمق والخالقة لمشهدية طبيعية مجردة.. مشاهد خالية من الأشياء والوجوه، غير أنها تدعو –وتحرضّ- المتلقي إلى ملئها عبر إعمال علاقة ذهنية تواصلية باطنية.
ولأن العمق يظل يطفو على السطح دون أن يَكفَّ عن كونه عمقاً، فالسطح في أعمال عبد الصمد بويسرامن، بقدر ما يغدو عمقا فهو صياغة للتضاريس وجغرافيا تتحرك عليها المخيّلة، نتاج بصري لتباينات الألوان وحقل لصيرورات وانزلاقات السطوح المتراكبية، مما يجعل النظر إلى سطح العمل بمثابة النظر إلى أعمق نقطة فيه.. وإعادة إنتاج السيرورة الزمنية التي تولّد عنها.. ومنه جعله يفكر من جديد. فالمنوط بكل عمل فني أن يجعل الفن يفكر. ولا يمكننا أن نتحدث عن الفن إلا بكونه عملية تفكير وكونه يُفكر في الآن ذاته.
من الفوضى الإبداعية الخلاقة، تنبعث أعمال بويسرامن لتخلق مشهدية سحرية من خطوط مجردة، إذ لا يسلك هذا الفنان مسلك التجريد ولا يبتعد كل البعد عن التشخيص، يقف في مفترق الطرق مستعينا بكروماتيكياته المبهرة. فهو بقدر ما يبتدع خطوطه الغرافيكية الخاصة، يستحدث ألوانه الخالصة. باحثا بذلك على ملامسة الجانب الحسي والسيكولوجي في آن واحد. بالإضافة لكونه يبتدع سطوحا عميقة، فهو يلعب على وتر التشياروسكورو clair-obscur من خلال رؤية بصرية وهمية ناتجة على خليط الألوان وتبايناتها، إلى جانب تخفيف حدةّ اللون في بعض الطبقات، مما يؤثر على المتلقي على المستوى اللاوعي، أو ما يسميه غوتيه “الأفعال الحسية والذهنية للألوان”.

 

Views: 4

الاخبار العاجلة