“الشاعر عبد الحافظ بخيت متولي عندما يكون المبدع صوت عصره” للكاتب والشاعر عبد العزيز حنان 

جسر التواصل15 أكتوبر 2022آخر تحديث :
“الشاعر عبد الحافظ بخيت متولي عندما يكون المبدع صوت عصره” للكاتب والشاعر عبد العزيز حنان 

عبد العزيز حنان  
الدار البيضاء / المملكة المغربية
14 أكتوبر 2022

ارتباك .
حين يتآلف الدّال و المدلول لتقديم الصورة المبتغاة من الشاعر . هو زمن الارتباك في كل شيء … في الرؤى ، في العواطف ، في الأحلام ، في المواقف …
حينها لا يجد الشاعر من ملاذ ، غير خلق عالمه الخاص يجسد فيه كل هذا الارتباك الذي يفرّ منه ، لكن إليه .
الشاعر عبد الحفيظ ، لم يستعمل التورية أو الإشارة أو الرمزية في العلاقة بين العنوان و المتن الشعري ، و إنما جسّد لوحة النص الاحتفالية في العنوان ، و هو بذاك يضع المتلقي في الصورة منذ البداية ، و يعدّه لمشاركته صور و ملامح و امتدادات الارتباك .
هو نص يشبه الشاعر، و يشبه ما يعتمل في ذاته من القلب إلى الجسد إلى الروح إلى الأحلام الممكنة و المستحيلة .
حركية النص
النص هو حزمة متحركة … من اللحظة التي عرف فيها الوجود إلى لحظة العلَن . متحركة في الحاضر المستمر و كأني بها صرخة الإنسان أنى كان زمنه أو مكانه بدءا من الآني إلى ما لا نهاية . و يتجسد هذا في زمن الأحداث التي اختارها الشاعر عن وعي . إنه الزمن الحاضر المستمر ( الأفعال جميعها في المضارع ) و الأفعال هذه تشكل نسبة مهمة من الكلمات التي تم توظيفها في النص ، مما يدل على هذه الحركية غير المتوقفة ، بل المتسارعة و الضاغطة كأنها في سباق للإعلان عن نفسها .
الانسياق
النص يتقاسمه شقان متضادان . الأول يتجلى في المأمول الممكن ، و الثاني في نقيض كل ذلك أي في الواقع .
و هذا يبدأ مع أول أنْفاس النص :
“” يمنحني البحرُ الملحَ
ولا يمنحني الماءَ “”
المأمول ، الماء . رمز الحياة و الاستمرار ، و نقيضه الملح ، رمز الجراح التي تكتوي به . و ابحر / الحياة بقدر ما تمنحه الألم الناجم عن الملح في الجراح فهي تمنع عنه ما يعطي للحياة عنصر الوجود و الاستمرار . و يقابلهما لوحة تجسد الراهن :
“” وكهوفي مظلمة
وليس في كفْي إلا الصحراء “”
هي لوحة تشكيلية تصور قتامة اللحظة التي يعيشها الشاعر و التي أسماها ب ( ارتباك ) هو ليس كهف واحد ، و إنما كهوف و هي رمز الوحدة و الهروب من المجهول إلى المجهول . و ليس بكفّي الهارب غير هذا الامتداد المرعب . الصحراء بكل حمولتها الغامضة و اللامتوقعة .
ليتوالى المأمول / الحلم متدفقا و الذي يصور تشعب هذا الارتباك الذي يجثم بطأته على الشاعر و من خلاله على من يعيشون نفس الارتباك .
“” و الجوع سيد حرف “”
لجوع هنا أشكال و مستويات .هو ليس جوع البطن ، و إنما جوع الرغبة في الوجود الحقيقي . البطن يكفيه رغيف حتى لو كان من حزن لكن الروح تحتاج إلى وطن . و من الصحراء التي يكمن الموت بين رملها ، فها هو ينفلت من الخوف الكامن فيها ليصنع لنفسه عمرا جديدا أكثر جرأة على البقاء و تحدي الموت ، و بقلب لا يوجد في خفقه معنى للخوف ، و أمل في صبح / حياة جديدة حتى لو كانت من وهم . المهم يعيش الحلم الجميل القابل للتحقق .
يستمر الشاعر في المأمول / الحلم .كما يستمر التشكيل اللغوي و الذي يقدم لنا لوحات رائعة بما يصطلح عليه بالصورة الشعرية الكثيرة في النص و ذات التكثيف الكبير .
لنأخذ اللوحة التشكيلية الآتية : شبح في أحضان الرمل ،و قدمان تخطوان عليه و زبد البحر يلامسه ،و في أعلى اللوحة غيما يمطر وردا مع ليل تضيئ عتمته الآهات ….و على المدى ، ينادي صبح بالانعتاق تداعب خيوط ضياءه أوجاعه . من يستطيع رسم هذه اللوحة غير الشاعر…!!!؟؟؟
لتستمر بعد ذلك صور الارتباك بين ما يعيشه الشاعر من ارتباك داخلي و من ارتباك خارجي مأمول .
فعلى المستوى الداخلي هناك :
رجل الصخر≠ رجل الماء
مرايا المستحيل ≠ أجراس الوفاء
الخطى منكسرة ≠طلل السكينة
هو الارتباك في أوضح تجلياته ، هكذا ينقلنا الشاعر إلى حقيقة إنسان هذه اللحظات التي نعيشها . اختلط فيها اليقين باللايقين ، تمزق فيها الإنسان بين واقع لا يكاد يفهم سيرورته و أحداث لا يعي أسبابها و دوافعها و لا حتى مآلاتها .
زمن عنوانه الكبير : ارتباك .
و مع ذلك نجد الشاعر يتشبث بالأمل ، بالآتي الذي يحمل البشرى :
“” لكن حتما ستأتي سنابلٌ
تضرب مواعيد الحصاد
وتعيد الصبح من جديد “”
و الآن أيها القارئ ، أعد معي قراءة النص و أكيد ستكتشف و تلامس ما خفي عني و ما لم أستطع إماطة اللثام عنه ، فحاول ….
/////
عبد الحفيظ بخيت متولي
ارتباك
يمنحني البحرُ الملحَ
ولا يمنحني الماءَ
وكهوفي مظلمة
وليس في كفْي إلا الصحراء
والجوع سيِّد حرفي
أصنع منه رغفيا من حزن
ووطنا من كلمات
ومن حبات الرمل
أصنع عمرا لا يعرفه الموت
وقلبا لا يعرف خوفا
وصبحا من وهم
وأنا في أحضان الرمل
أخطو علي طين البحر
أفتح بوقا للزيف
وأصنع غيما يمطر وردا
وليلا تقمر فيه الآهات
وبراءة الصبح
تهدهد أوجاعي المبعثرة
فوق حروف القصيدة
ومشاعر الأصدقاء الزجاج
تعيدني إلي محطات الخريف
أنا رجل الماء والصخر
ومرايا المستحيل
و أجراس الوفاء الخرس
تطلق أصواتها للداخل
أقف مقهورا علي طلل السكينة
والخطي منكسرة
في ليل العابرين
لكن حتما ستأتي سنابلٌ
تضرب مواعيد الحصاد
وتعيد الصبح من جديد

Views: 3

الاخبار العاجلة