رشيد الياقوتي
مؤسس ومدير مهرجان رباط الثقافات
رئيس جمعية رباط الأنوار للثقافة والفنون
لم يكن يخطر ببالي قبل بضعة شهور أن أجدني حاملا للواء الثقافة السودانية بعاصمة المملكة المغربية الرباط، إذ في غمرة الإحتفاليات التي تنظمها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، في إطار الإحتفاء بمدينة الأنوار بوصفها العاصمة الإفريقية والإسلامية، وبالنظر لعدد المهرجانات المنظمة، كان من الصعب على الشاعر الذي يعج به شغاف الفؤاد أن يجد موطئ قدم، في شعاب الإحتفاليات الصاخبة، لأمنية ظلت تخامرني ولطالما منيت النفس بتحقيقها منذ أن جالست العظيم محمد الفيتوري.
كيف أحتفي بالسودان وأرد بعضا مما ندين به، نحن المغاربة، لشعب السودان الطيب وهو الذي احتفى بحفدة طارق ابن زياد بأنْ شاد بالخرطوم “حي المغاربة” و ” دار المغرب” وفاء لوشيجة متينة تجمع بين الشعبين؟ السودان شعب من الزهاد والدراويش المتصوفة على المذهب المالكي إسوة بالمغاربة، هكذا انتهجوا عقيدتهم الروحية منذ قرون خلت واتخذوا المغرب على مدى عقود وجهتهم المفضلة لولوج جامعات الرباط وفاس والبيضاء.
كيف أجعل بهو مسرح محمد الخامس يزدهي بحياء ونخوة الأستاذ إدريس عبدالله أحمد، محاضرا، وهو الأمين المؤتمن على الشؤون الثقافية للجالية السودانية بالمملكة المغربية. كيف أجعل مسرح با حنيني يتهجد في خشوع أمام كلمات الدكتور مصطفى أحمد علي وهو يرتل ورقته القيمة عن “ملامح المؤثرات المغربية في الثقافة السودانية” ..و النيل؟ نيل السودان العظيم، هل يعيره نهر أبي رقراق مجرى يليق بخضرته الزمردية ؟ وأهرامات السودان الخالدة، هل تتسع ساحات الرباط لتاريخها المجيد؟ أين أنا بكل ما أوتيت من مجازات واستعارات من شساعة أروض السودان وخصوبة ترابها؟ و كيف أحتفي بشعب تسير بذكر كرمه الركبان في مشارق الأرض ومغاربها. طبعا لم أكن أملك في ذلك سوى شروى نقير.
غير أن الحياة علمتني أن الحب والإرادة القوية سلاحان كفيلان برفع أعتى التحديات وتذليل أقوى الصعاب.
هكذا تبدأ الفكرة بدرة، فشتلة، فجدعا، فغصنا ناضرا، دانية قطوفه. وكذلك كان.
تواصلت مع سعادة سفيرة السودان بالمغرب السيدة مودة عمر حاج التوم البدوي، كان أول انطباعي بزيارة سعادتها مدى تحضر الشعب السوداني وثقته الحكيمة في المرأة العربية بتقليدها مسؤولية جسيمة، من مقام السلك الدبلوماسي برتبة سفيرة. كان اللقاء مثمرا تكلل بقبول سعادة السفيرة طلبنا كي يحل السودان ضيف شرف على مهرجان رباط الثقافات. كان إنجازا عظيما بالنسبة لي وفاتحة عهد جديد بين السودان والمغرب على الصعيد الثقافي.
إمتدت فعاليات المهرجان على مدى أربعة أيام، إنطلقت بحفل إفتتاح أقمناه ببهو مسرح محمد الخامس يوم 29 غشت بحضور سعادة سفيرة السودان وأعضاء السفارة الموظفين يتقدمهم المستشار المحترم السيد معتصم عبد الغفار طلحة كما حضر رئيس جالية السودان الأستاذ عبدالرحمن ميرغني عبدالله والأستاذ إدريس عبدالله أمين الشؤون الثقافية للجالية السودانية والدكتور مصطفى أحمد علي وصفوة من المثقفين والإعلاميين والطلبة السودانيين. إستقبلهم الضيوف المغاربة من أهل الرباط بمنتهى الحفاوة، بالتمر والحليب، دليلا على المحبة الصافية التي يكنها المغرب للشعب السوداني الكريم.
توالت فعاليات المهرجان موزعة بين بهو المسرح وقاعة باحنيني وفضاء التشكيل المعد للأطفال، خلالها إنعقدت ندوات وتواقيع كتب من إبداع شباب المغرب والسودان. اجتمع أطفال الرباط ونظرائهم من أبناء الجالية السودانية بمرسم فضاء با حنيني لتخط ريشاتهم ألوانا قزحية ترشح براءة ومحبة بين أجيال المستقبل. وكان الختام مسكا بحفل فني بهيج رقصنا وغنيا به على إيقاعات سودانية ومغربية وإفريقية بديعة، حملت كل معاني التضامن العربي الإفريقي، مجسما بمدينة الأنوار.
لم تكن الدروع الموزعة على الفنانين والإعلاميين والأدباء المحتفى بهم سوى باقات ورود تلك المشاعر الفياضة التي جاشت بها صدور الجمهور، الحاضر بكثافة ليلة العرس السوداني برباط الأنوار.
كانت لحظة منح درع الدورة الأولى من مهرجان رباط الثقافات لسعادة سفيرة السودان لحظة مؤثرة وفارقة تشهد على ميلاد عهد جديد للوشائج الثقافية التي تجمع السودان العظيم بالمغرب.