( غناء العيطة بين الايروتيكية والاباحية) 

جسر التواصل16 أغسطس 2022آخر تحديث : منذ سنة واحدة
جسر التواصل
الأغنيةالتراث الشعبيفن وثقافة
 ( غناء العيطة بين الايروتيكية والاباحية) 
Array

شيخ العيطة الحسين السطاتي
297139540 428309849335527 4983596114195269051 n  - جريدة جسر التواصل

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من نطفة أمشاج، وميزه عن باقي المخلوقات بالعقل والتفكير، وجعل له أحاسيس وشعور وجداني، وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتوالد ونتكاثر، وهذا لا يتأتى إلا بفعل العملية الجنسية، فالجنس هو سر الإخصاب والتوالد عند جميع الكائنات الحية، وهو سر الاستمرارية في هذا الكون بمشيئة الخالق عز وجل، فلا يكون إزهار للطبيعة إلا بفعل التلاقح الذي تقوده الطبيعة برياحها ونحلها ومطرها، ولا تتم الولادة الحيوانية والإنسانية إلا بفعل جنسي ترعاه الطبيعة والغرائز أولا، كما لا يتم للقصيدة الشعرية الحقيقية أن تتحقق إلا بفعل شبيه بالولادة الحية لتكون قابلة للنمو والاستمرار والحياة.. ومن الشعوب من اتخذت الجنس من ضمن طقوس عبادتها، ونجده حاضرا في جميع الفنون الأدبية والفنية الغنائية، حاضرا في النحت والتشكيل والشعر والقصة والرواية والصورة والمسرح والسينما..سواء كان هذا الحضور بطريقة فنية شهوانية ايروتيكية، أو بشكل واضح إباحي.
والأيروتيك قضية لها أهميتها الوجودية والروحية والإنسانية، التي عبر عنها الإنسان الفنان منذ أقدم الأزمان، ولا أعتقد أن هناك من عمل أدبي أو فني يتطرق للمرأة ولا يحمل بين دفتيه علامات ايروتيكية، وإنما المشكل يكمن باتهام البعض للايروتيكية بالقصور الأخلاقي في شبه خلط ما بين الإباحية العمياء والايروتيكية بما هي حالة إبداعية صافية. والإبداع الفني الايروتيكي أمر لا يخص ثقافة دون أخرى وشعبا دون آخر، وإنما هو أمر مشترك بين كل الثقافات والشعوب، سواء سعت هذه الشعوب إلى احتوائه والتساهل معه أو قمعه وإخفائه وتقليص مكان وجوده في المجتمع، ومن بين الفنون الغنائية المغربية التي تطرقت إلى موضوع الجنس الايروتيكي نجد فن العيطة..
والمغرب بلد غني بفنونه الجميلة وبثقافته الشعبية وبثرائه الغنائي التراثي المتنوع، ومن هذه الفنون نجد فن الموسيقى والغناء، ومنه فن “العيطة”، هذا الفن الشعبي الذي يؤدى من طرف رجال ونساء، “أشياخ وشيخات”، يشتركون في النظم والعزف والغناء والرقص على حد سواء، في مساواة بين الرجل والمرأة. إذ يشكل هذا النداء صرخة الإنسان القروي، وهو نداء القبيلة والاستنجاد بالسلف، لتحريك واستنهاض الهمم، واستحضار ملكة الشعر والغناء والرقص.. صرخة كتعبير عن ألم مشترك، وعن الحب بلذاته وعذاباته..أشعار تحمل قيما إنسانية قوية، مازالت تصدح بها حناجر المغنيين من أشياخ وشيخات إلى يومنا هذا، وقد تطرق هذا الغناء لمواضيع مختلفة منها السياسي والاجتماعي والعاطفي، حيث تغنى الأشياخ والشيخات بالمقاومة ورجالاتها ونسائها وبالوطنيين وبالحركات السلطانية، وتغنوا بالجمال بكل صفاته؛ جمال الطبيعة، وسرمدية الليل وسكونه، وخيلاء الخيل ونخوتها، ولذة الخمر ونشوتها، كما تغنى هؤلاء الشعراء أشياخ وشيخات وتغزلوا في أشعارهم وأغانيهم بجمال مفاتن الجسد البشري بما في ذلك جسد المرأة والرجل..
وقد تأثر الشعراء العيطيون بايروسية الجسد الإنساني، فنظموه ووصفوه وغنوه في أشعار ضمن قصائد زجلية عاطفية عمرت لسنين طويلة، بمفردات وعبارات شهوانية مبطنة في النص، إذ غنوه بأعلى أصواتهم وصرخوا به حتى بحت حناجرهم بعبارات ايروتيكية حيث يتنفس الشاعر العيطي عطرها وتعطر ما حولها لما تحمله من رؤية إبداعية وعمق شعري، بلهجة مغربية عربية عامية دارجية بسيطة “عروبية”، تتغزل بمفاتن جسد المرأة وتصفها وصفا حسيا في صور جمالية رائعة تحاكي الواقع الملموس والمعاش، وتعري الكبت ونوعية التربية الجنسية، عبر عيوط بها رسائل وبرقيات مشفرة ضاربة أشعارها في العمق الريفي البدوي بمختلف مناطق المغرب، وأوغل الشعراء العيطيون أشياخ وشيخات في تضمين قصائدهم بأفكار شهوانية تضع فوق الجسد الأنثوي بصمات الأصابع الذكورية..كوصف العشيقة الهيفاء الحسناء، وعرض فواكه جسدها الثائر الفاتن في صور مثيرة وعميقة الدلالة. بتعابير تُظهر تخيلات وإيحاءات جنسية، تشي بالإيحاء والتلميح بدل التصريح، وتتوسل بالاستعارات والمجازات والكنايات لتفادي السقوط في فخ الخطاب الواضح والمباشر، الذي يسقط الأغنية في الابتذال والإسفاف ويفقدها القدرة على الإثارة الحقيقية. والمشكل هو أن بعض من الجمهور يقع له خلط بين الأغنية العيطية والأغنية الشعبية التي تغنى في فضاء العيطة، حيث يعمد بعض الأشياخ والشيخات على استحداث كلمات سوقية إباحية ومكشوفة وأحيانا بورنوغرافية، تلك التي تسمي الأمور الجنسية بمسمياتها الحقيقية كما هي متداولة في الأزقة “بلغة الزنقة”، ويقومون بتركيبها على الألحان والإيقاعات العيطية، وهي عبارة عن صور لغوية لمشاهد جنسية مجردة من أية قيم تعبيرية أو جمالية، وعند الاستماع إليها من طرف المتلقي الذي يجهل أصول العيطة، يشجبها ويستهجنها ظنا منه أنه يستمع لفن العيطة.. وقد ساهمت في ترويجها وسائل التكنولوجيا الحديثة من هواتف ذكية ولوحات الكترونية..كما سمح لها محتواها الاباحي بالانتشار الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر تطبيقات التراسل الفوري..لتتجاوز بذلك الحدود المرسومة لها والمقبولة فيها، وانسلالها من الفضاءات الليلية المغلقة والجلسات الخاصة “لقصاير” لتصل إلى الجمهور العريض. لهذا علينا أن لا نخلط بين الأغنية العيطية التراثية الأصيلة الأيروتيكية وبين الأغنية الشعبية المستحدثة التي تدخل في خانة الأغنية البورنوغرافية الإباحية والتي تحوم في فضاء العيطة وليست في صلبها. وهناك أسئلة وتساؤلات كثيرة يمكن طرحها في هذا الموضوع المسكوت عنه، فيا ترى كيف يمكن التمييز بين القصيدة العيطية الأصلية العاطفية الايروتيكية والأغنية الشعبية المستحدثة الإباحية؟ وهل الأشعار العيطية العاطفية في الأصل إباحية أم ايروتيكية وجدانية؟ وهل الايروتيكية في الغناء العيطي هي عبارات حمراء مسكوكة هدامة، أم عبارات خضراء مقبولة وبناءة؟ وكيف استطاع الفنان العيطي الشاعر والشيخ والشيخة تمرير الخطاب الايروتيكي ضمن القصيدة العيطية؟ وما موقع المرأة في هذا الغناء الايروسي بكونها موضوعا لإنتاج اللذة وبين كونها فاعلا ذاتيا منتجا أي كيانا منتجا ابداعيا “شيخة” تكون اللذة والجسد احدى موضوعاته أو اشتغالاته أو همومه؟ وكيف تسنى للعيطة المغربية في ايروتيكيتها أولا وفي تناولها لموضوع الجنس أن تتجاوز وتتجادل مع السائد وأن توثر في أجيال عديدة؟ وكيف أمكن لهذا الغناء الشعبي التراثي أن يخلد ويعمر هذه مدة قرون رغم نعته من طرف البعض بفن الفساد والمجون؟

144665474 1185659325170579 4390426755534815078 n - جريدة جسر التواصل

إن كلمة “أيروتيك” غير موجودة في اللغة العربية وتقترب منها كلمة “شبق”، من شبْقَ، يشبق، شبق.. وهي حالة النزوع إلى الجنس بصفة عامة، أو كل المشاعر والأحاسيس والتصورات التي تمكن من ممارسته أو التحدث عنه، وشبق الحيوان بمعنى اشتدت شهوته للأنثى..وكلمة الأيروتيك في اللغة الأنجليزية تعني المثير للشهوة الجنسية، أما كلمة أيروسية فتعود لتسمية أحد آلهة الحب عند الإغريق قديما، و”أيروس” في الميثولوجيا الاغريقية هو إله الحب والرغبة الاباحية والجنس والخصوبة والسعادة، وكان ملازما ل”أفروديت” أمه، وراصدا لتجليات الجنس عبر الحضارات البشرية، فصُور أعمى لا يرى عيوب المعشوق، أو بجناحين بزرقة السماء، أو عازفا على فيثارة، أو ممتطيا ظهر دلفين، وكلمة أيروتيك مشتقة من كلمة أيروس، أي جنسي وشهواني، يماثلها في الميثولوجيا الرومانية “كيوبيد”، أما عن المحاور التي تدور في فلكها الأيروسية فهي : الرغبة الجنسية العامة والجامحة والجسد والانتشاء ما بين خمر ومجون طائش وتجارب جنسية عابثة، تتلوى على فراش الشره والافتتان.، والشاعر المغربي العيطي بدوره قد أولى أهمية كبرى للهوية الجنسية منذ سنين، وكان جريئا شجاعا حيث تحدى العادات والتقاليد وذلك بالنظر إلى عمق الأشياء، وجسدها في تعابير ومفردات ورقصات ايروتيكية شهوانية في الغناء العيطي، تمُرر في صور شعرية وفنية بديعة تتعلق بالجسدي والجنسي، مشحونة بكثير من العواطف اتجاه المحبوب المعشوق، وذلك بالتجائه إلى التلميح بدل التصريح.. وللتوضيح أكثر بين الايروتيكي والاباحي ينبغي استحضار المقارنة بين الفيلم البورنوغرافي الذي ينقل للمتفرج ميكانيكية الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة، والفيلم التخييلي الأيروتيكي الذي يجسد العلاقة بين الرجل والمرأة في تعقدها وبعدها الإنساني والجمالي.
ومنذ قرون تناول الشعراء والأشياخ والشيخات العيطيون الشأن الجنسي في القصيدة العيطية ومازالوا يتغنون به إلى اليوم، هذا التوجه الذي يُعد في نظر البعض فحش وبغي يتسم بالجرأة غير المبررة رغم أن وجوده في بعض الأحيان يكون لضرورة شعرية محضة، وثمة انتقادات وهجوم شرس يوجه إلى أشياخ وشيخات العيطة وذلك لتناولهم للموضوع العاطفي من الناحية الايروتيكية غناء ورقصا. إلا أن ذلك الهجوم ساهم بشكل أو بآخر في الترويج للعيطة وانتشارها وليس حجبها وطمرها. لأن الأدب والفنون عموما في مختلف ثقافات الشعوب تطرقت للأيروسية، إذ نجد حضور الأدب والفن الايروتيكي بقوة وبانتشار واسع، وهذا مرده إلى النظر باحترام وتقدير للإنسان وأعضاءه البشرية ومنها الجنسية.وكلما كان وصف الفعل الجنسي والأعضاء الخارجية لجسم المرأة بلغة رومانسية تلطيفية وشعرية كان أقرب إلى الايروتيكية، لكن في هذا النوع من الثقافة الجسدية بالمغرب، يبرز الجسد الذكوري دوما في وضع فحولي، والجسد الأنثوي في وضع شبقي، ينتظر مداهمة الآخر له، وهذه القيمومة مازالت قائمة إلى حد الآن، على الرغم من وجود أكثر من حالة قهر اجتماعي ونفسي وثقافي تشمل الجنسين..وعلى الرغم من ذلك نجد بعض الناشطات المغربيات النسويات، ينظرن إلى الايروتيكية نظرة عدائية بوصفها تتوسط نوعين فنيين في نظرهم مهينين للمرأة وهما: الرومانسية والفن الاباحي اللذان يميلان إلى تصوير النشاط الجنسي للمرأة بوصفه سلبيا خاضعا..
و”العيطة” فنيا هي فن شعبي يأتي فيه الإيقاع الموسيقي مصاحبا للكلام، وهي أغنية مهيكلة على شكل أجزاء، تنطلق من بداية وتحتمل جزأين إلى تسعة أجزاء أو أكثر وتنتهي بخاتمة، كما أنها مجموعة من المقاطع الغنائية والفواصل الموسيقية الإيقاعية في منظومة تختلف عناصرها باختلاف أنواع العيطة نفسها. ويأتي التركيب كخاصية موسيقية وهوية إيقاعية وزجلية. وهي تتوزع إلى تسعة أنواع، تتنوع حسب تنوع المناطق الجغرافية التي تحتضنها، ونجد هناك: العيطة الجبلية، والعيطة الغرباوية، والعيطة الزعرية، والعيطة المرساوية، والعيطة الحصباوية وتسمى أيضا بالعيطة العبدية، والعيطة الشيظمية، والعيطة الحوزية، والعيطة الملالية، ثم العيطة البلدية وتسمى أيضا بالعيطة الفيلالية الجرفية. وضمن هذه الأنواع العيطية نجد عيطة الساكن التي توجد في كل نمط من هذه العيوط. كما نجد لوحات فلكلورية تعبيرية من الرقص الشعبي تأثث هذا الفن التراثي.
“وإن هذا الغناء الذي يطلقون عليه اسم العيطة، وأحيانا أسماء أخرى للتمييز، هذا النفس الساخن الصاعد من الدواخل، عبر الأصوات البشرية- الأنثوية والذكورية- والإيقاعات والألحان الآسرة، هو الذي أسعف على ميلاد شعر شفوي ظل يخرج من الجراح الفردية والجماعية مثل النزف الدافق، ويلتصق بذوات وبمصائر الفلاحين والمزارعين والرعاة، والقرويين عموما، المنحدرين من ذاكرة عميقة ومن سلالات عربية لها تاريخ بعيد، مهمل، مكبوت ومسكوت عنه”. المرجع: الباحث الدكتور حسن نجمي في كتابه بعنوان: “غناء العيطة، الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية بالمغرب 1″، الصفحة 17.
وفن العيطة هو فن شفوي وصلنا عبر التواتر والتناقل الشفهي من جيل لجيل، حيث لم يكن هناك توثيق للمتون العيطية، فظل الشاعر العيطي مجهول الاسم، واستنادا إلى ما توفر لدينا من ربائد عيطية “أرشيف” غنائي قديم، ( أسطوانات اللفة، أشرطة الكاسيت، أشرطة الفيديو، تسجيلات بالكاميرا لحفلات عيطية، أقراص مدمجة، تسجيلات لسهرات عمومية وتلفزيونية، منشورات فيديو على موقع التواصل الاجتماعي “يوتيوب”، فايسبوك..)، وما سمعته شخصيا بالمباشر من أفواه الأشياخ والشيخات والرواة..منهم الذين ماتوا الله يرحمهم، ومنهم الذين مازالوا على قيد الحياة، وبصفتي الشخصية فنان شعبي شيخ للعيطة مغني وعازف كمنجة، كوامنجي ل”رباعة الشيخات” ومرقِص للراقصات الشعبيات، ومن خلال ممارستي الميدانية لهذا الفن التراثي الأصيل، اتضح لنا الاهتمام الشديد الذي كان ومازال يوليه الناس لهذا الجانب من الغناء وخاصة منه الأبيات العيطية ذات النفحة الايروتيكية الشهوانية، وهو الطرب الذي يحضى بكثرة الطلب. ووجدت أن الأبيات التي يتحدث فيها الزجالون العيطيون عن ايروتيكية اللذة كثيرة مقارنة بالمواضيع الأخرى، كوصف الطبيعة والخيل والخمر والليل وغيرها.. فهي أبيات ذات حمولة أيروسية نجدها متفرقة داخل القصيدة الواحدة، إلا أن الأثر الشعري والفني لتلك الأبيات التي ذُكِر فيها الخطاب الجنسي الايروسي يبقى فيها ناظم الكلام “الشيخ العيطي”، مسيطرا على نوعية التصوير الفني والإبداعي لايروتيكية المتخيل الجنسي في القصيدة. مستعملا لغة مغربية عامية دارجية عربية أيروسية، وعلى بساطتها نجدها مليئة بالتعابير والتراكيب اللغوية التي تمكن اللسان المغربي البدوي من التعبير عن مشاعره، وأحاسيسه، شهواته، تفضلاته وتحديدا التعبير عن التجربة الأيروتيكية.

144560018 1185716281831550 4985652651251606779 n - جريدة جسر التواصل

إن الجنس يلعب دورا أساسيا في حياة الإنسان سواء من أجل المتعة أو للتوالد والتكاثر، ونجد الإنسان يبحث عنه سواء كان في الحلال أو كان في الحرام، بينما في العمق ينفتح الجسد على ما يحركه حقيقة ويغذيه، ويعيش لأجله وفي انتظاره في شبق وتعطش، ولكن أيا من المفردات والتعابير التي تخرج من هذا السياق الشعبي الشفهي، فإنه لا يلبث أن يعتم عليه، ويعتبر عند البعض خدشا للحياء العام وإساءة إلى الأخلاقيات العامة، حيث تُتخذ إجراءات لإظهار الفاعل هنا بالعاق اجتماعيا. وهناك فرق كبير بين الغزل والرفث، فالتغزل الايروتيكي بالمرأة ووصف جسدها بشهوة، يختلف كثيرا عن الرفث، الذي هو الفحش في ذكر النساء بحضورهن، أي خلط للجنس بالبذاءة، والرفث غير مقبول اجتماعيا حتى في أعراف بعض الدول الغربية التي تعتبره جريمة شنعاء وتعده بمثابة تحرش جنسي غير مباشر، إذ يُكوِن جريمة معاقب عليها قانونيا بعقوبة سجنية صارمة.
ويشغل الغناء الأيروتيكي حيزا مهما من فن العيطة، ويلازم الخيال والإبداع والشاعرية كصور عميقة ثرية ومتنوعة لا تخلو من التميز، وانقسم حوله الناس، فمن جهة هناك من يذهب أنه غناء ترفيهي مكشوف، وغناء شهواني خاص بغرف النوم، وينظر إليه في الخطابات الشعبية على أنه معرفة محرمة اقترنت بالفضيحة والهامش، وأغاني ريفية “عروبية” مثيرة للغرائز وداعية لممارسة الرذيلة وانتشار الزنا، وبأن موضوعاته عبارة عن غناء مدنس.. ومن جهة أخرى نجده عند البعض الآخر غناء راقي رفيع من حيث مكوناته البنيوية، وفن معاصر مرتبط بالحياة الثقافية للمجتمع متواصل بالتراث بشكل وثيق، إذ يستمد تحريضاته من الواقع، بما تتضمنه القصيدة العيطية من تعابير ومفردات لفظية وإيحاءات رقصية والتي لا تستهدف الإثارة الجنسية فقط، بل كانت تخدم أهدافا وأخلاقا تسمو بالإنسان ولا تهبط به إلى قبح الغرائز الحيوانية كما يتوهم البعض. وكيفما كان الحال فالشاعر (ة) العيطي كان قويا جريئا وشجاعا حين استطاع أن يغني بأعلى صوته ويعبر عن مكنوناته النفسية الدفينة الداخلية ومنها الشهوانية داخل الخيام في المداشير والدواوير النائية وبالمواسيم القروية وفي المناسبات الدينية والوطنية.. كما صدح الأشياخ والشيخات بأيروتيكيتهم على المسارح الكبرى وصالات العرض العالمية..وتحدوا العادات والتقاليد ليجهروا ويجاهروا بفنهم العيطي الأيروسي. وخاصة تلك المرأة المغربية القوية “الشيخة” التي غنت واشتغلت على موضوع اللذة الايروسية بوصفها تجربة إنسانية لها من الخصوصية قدر ما لها من الشيوع التوظيفي في الإطار الفني الغنائي، ولا أظن أن امرأة مغربية غير الشيخة في الفن أو الأدب فعلت قدر ما فعلت الشيخة، هذه الفنانة التي فتحت فمها وتكلمت بجرأة وبأعلى صوتها متحدية الرجال والأعراف والتقاليد، وتفننت وأبدعت في الحديث عن جسمها ومتعلقاته، وكانت ومازالت هي لسان ذاتها ولسان الآخر، وبجرأتها وشجاعتها استطاعت أن تقول ما تريد هي قوله وليس ما يراد منها قوله.
إن غناء العيطة الايروتيكي هو غناء رائع، لأن الرائع هو ما ندرك جماله ونريد احتواءه، ويتعدى أثره الجمالي إلى عضو ما..بأن يسيل اللعاب أو تدمع عين أو تُشم رائحة محددة ونادرة أو تثار الشهوة بالانتصاب أو نفور الحلمات..لهذا فالايروتيك في القصيدة العيطية وفي الرقصات يعتبر ملح هذا الفن وسر تألقه، لأن كل ممنوع مرغوب، وكل مقموع متمرد..والتعبير الايروتيكي ليس الجنسي الصِرف، وليس العضوي البيولوجي، وليس العلمي، وليس البورنوغرافي بالطبع، وليس الشعبي الشفاهي، كما يتصور البعض، ولكنه ذلك الشعور الجمالي وهو النقيض الشعري فهو الروحي في الجنسي، والعاطفي من العلمي، والوصفي من العضوي، والشعوري في البورنوغرافي، وأخيرا هو العشقي من الشعبي الشفاهي. لذا يحتاج التعبير عنه إلى سلاسة الفكر وقوة الترميز، وهو مصدر إلهام للشعراء العيطيون أشياخ وشيخات، وملهما لقريحتهم يسبح فيه الخيال ويسرح فيه الفكر، ويبقى غاية عزيزة الوصول صعبة المنال، فنجد هؤلاء الشعراء قد أبدعوا وأمتعوا في التصوير والتشبيه والترميز الأيروسي، حيث قاموا بوصف جسد المرأة وأجزائه بدقة وشهوانية..وباشتغال فائق على صعيد الفن والتوظيف والدلالة، وتوظيف الأفق الرمزي في التناول الخلاق على نحو لا يخون الجمال بقدر ما ينتصر للقيمة. فكان ومازال وسيظل الايروتيك حاضرا في الأدب والشعر وفي اللوحة والأغنية بصفة عامة.. كما كان ومازال وسيظل حاضرا يفرض وجوده في غناء العيطة، هذا الفن التراثي الشعبي الطربي الأصيل، والعاطفي الوجداني.. ولولا الايروتيك في المتن العيطي ما تألق هذا الفن واستمر منذ قرون خلت إلى اليوم.. لكننا لم نجد قصيدة عيطية واحدة من العيوط المركبة فيما وصلنا إلى اليوم خصها الشاعر العيطي لهذه الغاية لوحدها، وإنما جاء ذكر العبارات والمفردات الايروتيكية متفرقة في أثناء الأبيات، حيث نعثر على هذه الأبيات مدسوسة موزعة داخل النص العيطي، وفي براويل العيطة الشيظمية التي تمتاز بوحدة النص في الغناء العاطفي.
وكما هو معروف ففن العيطة هو مكون أساسي من مكونات تراثنا الموسيقي ودليل هويتنا الثقافية والفنية والتاريخية، وهو فن بدوي بامتياز، تغنى به الأشياخ والشيخات في السهل والجبل، وفي القرية والمدينة، والبدو المغاربة الريفيون ذو نفوس حساسة وأذواق لطيفة، يعشقون مظاهر الجمال بما في ذلك جمال الطبيعة والمرأة، والخيل والليل.. فإذا ما رأى أحدهم الجمال أخذ بشغاف قلبه، وملك عليه مشاعره، وإذا فارق من أحب جاشت مراجل الحب في نفسه، وخرج من فمه ما يختلج بداخل نفسه من آلام البعد، وتباريح الشوق.. والحب من أجمل المشاعر التي نشعر بها وتملأ حياتنا بهجة وسرورا، وتجعلنا نسهر الليالي نتغنى وننشد الكلمات التي تعبر عن ما بداخلنا، فأبدع الشاعر (ة) العيطي بتلك اللغة الشفاهية المتداولة فيما يُحكى ويستأنس به في جلسات وليالي الأنس والخلان، وخلال اللقاءات الخاصة.. وتغنى بالجسد الأنثوي ومفاتنه وصور العلاقة الحميمية بمفردات شهوانية حسية، في صور مختلفة في الصياغة ومتشابهة في المعاني، كما نجد ذلك في العيطة المرساوية “الغزال”: ( سعدي أنا وحليلي..نعنق ونحوز خليلي…بقنديلي وخليلي..نضوي ليلي يا خليلي)..وتشبيه القضيب وعلمية الانتصاب بالخنجر والكمية ( جيبو ليا مول الخنجر والكمية…جيبو ليا حبيبي عقلي وعينيا) .. ومعروف في الشعر العربي عموما ما يرمز إليه السيف والخنجر والمدية.. ونجد أروع الكلام الايروتيكي وبكثرة في هذه العيطة المرساوية، فهي عيطة وجدانية في المقام الأول يهمها أن تحتفي بالعاطفة الإنسانية وتصور تقلباتها بين الحب والهجر والشوق واللوعة والشهوة المتأججة، والتوسلات إلى الحبيب من أجل العودة ونبد الخلافات بين المحب والمحبوب، كما هو مبين في هذا المقطع التالي:
أهياوين أهياوين…ويلي يايلي
ليلي ليلي ليلي…هيا واهيا
سعدي أنا وحليلي…ويلي يايلي
نعنكَ ونحوز خليلي…هيا واهيا
يانا بقنديلي وخليلي …نزهى ليلي يا خليلي..سيرا واهيا
أنا الساكَ لمبروم… في لفراش يعوم يا سيدي…هيا واهيا
سيدي لعود لكَليل… ديال ركوب الليل يا بابا ..سيرا واهيا
أنا ما شفتو لخليل…يا صحاب الخيل أمالي…وايلي هياييلي
عودك جواد… على ربيع الواد يا سيدي..سيرا واهيا
مالي حجر لواد …ع نده وزاد يا سيدي…ايلي ياييليا
سيدي الساكَ المبروم…وسط لفراش يعوم يا بابا..سيرا واهيا
مالي شوك الضربان…في الصدر يبان يا سيدي..وايلي هيا ييلي
لالة رقيق الحالة…زين بكَبالة سيدي…سيرا واهيا
مالي جناب الواد…متيهة لولاد يا سيدي..ايلي ياييلي
لالة أش داك تحكيه…حتى يبات لهيه يا لالة…سيرا واهيا
أنا جيبو ليا …مول الخنجر والكمية يا سيدي…ايلي ياييلي
يانا جيبو ليا.. السالب عقلي هو عينيا…سيرا واهيا
يا كاسي فريد…أهيا واهيا..يا جرحي جديد…أيلي هيا ييلي
يا المولى يا المولى وأنت تحفظيه…وايلي هيا ييلي..دابا يعفو سيدي
هاهاه هاههاه عليه نسول.
سيدي عينو كحلة وحاجبو خروبي…هايلي ياييلي
يا مالي خدو وردة مفتحة في الجردة…هاهيا
يانا فيمو خاتم داكَها مكاوي…هانا هانا
سيدي غير بشوية نساعفوه يجيني..وايلي هياييلي
هذا مقطع من عيطة “الغزال”، وللمتلقي أن يوظف قدرته على التخييل، ليتصور المشهد الأيروسي أمام عينيه ويتخيله كما طاب له، وهذا هو ما يسمي العشق في بعده الجمالي، وهذه هي الايروتيكا العيطية التي تعبر عن ذات متكلمة تسمي التجربة الجنسية وتتغنى بالجسد المعشوق وبمفاتنه، وذلك بالتقاط حميمية العلاقة بين الرجل والمرأة بلغة مغربية شهوانية محضة ضاربة كلماتها وتخيلاتها في عمق الانتماء الشعبي.

144779113 1185679931835185 2382382009218172057 n - جريدة جسر التواصلونجد كذلك أن الشاعر العيطي المرساوي قد بث من خلال مطالع قصائده، عاطفته ومدى حبه وشوقه واشتهائه للمحبوب، وهو يصف حالته النفسية المضطربة لما يكون في انتظار الحبيب، حيث يجد العاشق المتيم في أشعاره الايروسية التي تطفئ عطشه للمعشوق بلسما لجراحه ووعاء لشهوته، فباله دائما مشغول به ليل نهار في اليقظة والمنام ( نبات كنحلم…ونصبح نخمم).. ويتغنى برومانسية مكان اللقاء ( رياض حبيبي فيه شي وردات..نارو كَدات يا سيدي)، ويستحظر جمال مفاتن وجه الحبيب ( سيدي عيون وحجبان..شاغلين البال)..كما هو واضح في الأبيات التالية من عيطة “ركوب الخيل” تلك الرائعة المرساوية :
ايلي ياييلي …مال حبيبي مالو عليا …ما بيدي ما ندير ياسيدي
واهلي واهلي …أنا نبات ك نحلم… ونصبح نخمم… الله يداوي الحال حبيبي
ايلي ياييلي …سيدي صياد الحوت… ما يتساهل موت…كلشي يفوت يا سيدي
هايلي هياييلي…رياض حبيبي فيه شي وردات…نارو كَدات حبيبيي
واهلي واهلي…حبيبي عيون وحجبان شاغلين البال…الله يتاوي الحال يا سيدي
وايلي هيا ييلي…كويتيني وشويتيني وشطنتيني…داري مقابلة دارو….لحبيب شاعلة نارو
أش داني حتى نخلوضك يا راس العين…أش داني حتى نشوف فيك يداك الزين
سيادي سولو الفاهمين واش القلب يحب ثنين…وسولو العاشقين علاش العين تعشق الزين
أنا كَولو لحيبي لا تعاديني عل اللي فات…كَولو للمحبوب دبا ربي يعفو يتوب
أنا شحال هذا ما دوينا…فين غ نتلاقاو
شحال هذا ما زهينا..بغينا نزهاو.
أهو أهاو أهاو أهاو أهاو أهاو…أهاو أهاو على الخلاطة شحال دواو
أهاو أهاو أهاو أهاو أهاو أهاو…أهاو أهاو على الحضاية شحال حضاو
حبيبي ياك حضاو ياك دواو أش قضاو…يا مالي يسواو الريح دوك اللي كَالو كلام العار
ها هاه هاه هيا واهيا… ها هاه هاه يا سيدي
أنا فين نخبيك عل الموت يا لعزيز عليا…هاه هيا واهيا
ولفتي رفاكَتك وسخيتي بيا…هايلي ياييلي
دوقتيني حلاوتك وسمحتي فيا…ها هيا وهيا
هايلي ياييلي..ويلي هيا يلي
كَولي لمك كَولي…هيا واهيا
عيونك عجبوني..ها انت هانت
عجبوني ثلاثة…وايلي هيا يلي
العيون والخيل والسراتة….هايلي هيا يلي
ويا ربي مولاي أش من حيلة تلاقيني معاه
حبيبي أنا اللي عارفاه…وايلي هيا ييلي ع سويعة في الهوى.
ونجد الشاعر العيطي في عيطة “الكافرة غدرتيني” من العيط المرساوي، يتغزل بمعشوقته بغزل حسي محض ما بين الرغبة الصريحة والتأسي المرمز، ويصف ولهه بمعشوقته، وصرخته ومناداته عليها لملاقاته، لنقف عند هذه الأبيات الرومانسية الأيروسية في مقطع من هذه العيطة:
الكافرة غدرتيني ….أش بلاني بيك حتى بليتيني…كَولي متايبة لله
هاه يا لاه نمشيو للواد..تما نديرو ميعاد..منبقاوش ديما بعاد
من صاب يا من صاب…نبقاو ديما صحاب..حباب ديما قراب
هاه هاه هاه عينين وحجبان شاغلين البال…الكافرة شطنتيني
ها يلي يا ييلي ياييلي…بايتة نتسنى وقليبي ما تهنى…حياني يا لعدو
هاه هاه هاه ايلا ما جيتي نحاسبك بدنوبي..راني نتسنى يا سيدي
هاه هاه هاه اهيا واهيا…العيون زاهية…والفام فاهية…ولعقول لاهية
لموني بيك يا الحبيب ما بيدي ما ندير…بضاض ما فيه مزية عذابو كثير
ايلي هيا ييلي ..ايلي هياييلي…وايلي هيا ييلييييي
عسيت كَاع الليل…والليل طويل— عسيت كَاع الليل…والنجوم شاهدين
سهرت طول الليل…ما بان لخليل — طلعت الكَمرة…بانو نجوم الليل
الكَمرة ضوات…نيرانو كَدات — صورتو في الكَمرة…نيرانو جمرة
حاطة برادي …والمكتابة تنادي — حاطة صينيتي…نتسنى ف كيتي
وفي عيطة “عريس الخيل” المرساوية، نجد الشاعر(ة) العيطي يركز على تأجج لوعة العشق في الليل، يبوح بعاطفته الوجدانية، والتوسل للحبيب بالحضور لقضاء الأوقات الممتعة، بعبارات ايروتيكية حسية تصف تلك الحالة التي يبرز فيها الشاعر عذابه العاطفي وشوقه وحنينه لملاقاة المحبوب، كما تصور ذلك هذه الأبيات :
اجدب اجدب يا البركَي يا عريس الخيل…اهيا
اجدب اجدب شحال هذا ما جدبتيشاي..ايلي هياييلي
ركَب اركَب يا خليلي والليل طويل…هيا واهيا
اركَب اركَب شحال هذا ما ركَبتيشاي …وايلي هيا ييلي
ع ركب اركب راك مالف بركوب الخيل…هيا واهيا
واركب اركب شحال هذا ما ركبتيشاي…ايلي هيا ييلي
لحيبيب يا لحبيب الكية جديدة وبضاض صعيب..هيا واهيا
والحبيب يا الحبيب راه فراج الله قريب…ايلي ياييلي
كما نجد الشاعر العيطي المرساوي في عيطة “جنان سطات” يبتكر للأنوثة صورا ايروتيكية موغلة في الرمزية، فحتى عنوان العيطة يشير إلى كلمة “جنان ” وهو مكان متمر مزهر، ذلك الفضاء الجميل الذي يجمع أنواع الفواكه من مشمش وبنان ورمان وغيرها، موغلا في نعث تفاصيل الجسد الأنثوي بصفات الطبيعة، وبجمال بعض الحيوانات “الطاووس، الغزال”، وذلك في عبارات ايروسية كما في المقطع التالي:
وبابا جنان سطات…سيدي كاملة خيرات…كاملة غلات.
بابا سطات يا سطات…وبابا زين لبنات…بويا لغليمي في الوسط
ايلا وصلتي للجنان…تلقا تفاح وبنان…..ومشماش ورمان
ايلا وصلتي للجنان…تما طاوس وغزلان…كلها عندو ثمن…ع تعالى يا حبيبي
وصلاة الجمعة…بنادم كلو مجموع…وحبيبي ماليه رجوع
في صلاة الجمعة…الركوع والخشوع…وأنا نبكي عليه بالدموع….أش درت أنا يا حبيبي
للإشارة فهذه العيطة الأيروسية ذات الحمولة الشهوانية المدسوسة في النص بمهارة، ثم تحويرها وأركبت على ألحانها وإيقاعاتها كلمات مسكوكة وأعطوها اسم عيطي جديد ” عيطة لمسيخيطة”، وهي جد مطلوبة في السهرات الخاصة والأماكن المغلقة ” حانات، ملاهي ليلية..” نظرا لحمولتها الجنسية في كلماتها البورنوغرافية، فهي عبارة عن فيلم بورنوغرافي يعرض بجرأة زائدة مشاهد العلاقة الحميمة بين الرجل والمرأة في غرفة النوم.

144434736 1185563165180195 1338994269266937834 n  - جريدة جسر التواصلوقد تكون عيطة “الشاليني” المرساوية، هي أرق عيطة تشخص الانكباب على استحضار الذكريات الجميلة مع الحبيب والبوح بمكامن النفس في انتظار عودة المعشوق، وتذكر نشوة اللذة والمتع الحسية.. والسؤال عن الحبيب الغائب، وانتظار عودته في شوق ولهفة مرضية، ( وصلت للجريدة يا لالة…تفكرت لكبيدة…ورجعت مريضة يا لالة)، فنجد الشاعر يتضرع إلى الله أن يغفر ذنوبه ويعفو عن زلاته، وعن تلك العلاقة الأيروتيكية بينه وبين ذلك المعشوق الغائب والحبيب المجافي المفقود الذي هجره وجافاه، “الشاليني” بمعنى الحبيب المجافي له، ولنقف على ذلك عند هذه الأبيات الايروتيكية في هذه العيطة الخالدة :
الشاليني يابابا …ديرني حداك دابا تحتاجني يا سيدي
حبيبي يا حبيبي…دبا تحتاجني يا سيدي…والشاليني
حزمي لي قلبي يا لالة …راه ضرني..لحبيب غدرني يا لالة
يا لالة يا لالة…الكافر غدرني يا بنيتي….والشاليني
دوك العينين يا مالي…المخبلين…ديما سكرانين يا لالة
يا لالة يا لالة…ديما ناعسين يا لالة….وشاليني
جريت وجاريت يا حبيبي…سببت وداويت…تجرحت وتكويت يا لالة
يا لالة يا لالة…تجرحت وتكويت يا لالة…والشاليني
طلعت الكَمرة يالعالي…وتبعها المشبوح.. وما بان المكَروح يا سيدي
العالي يا العالي…قليبي مجروح يا سيدي….والشاليني
ضوات الكَمرة يا مالي…وطلع الغرار….مابان الغدار يا سيدي
ليلي ليلي ليلي…بضاض القهار يا لالة….والشاليني
مزاوكَة في الليل يا با…الغري لكحل…لعقيل تخبل يا بنيتي
ليلي ليلي ليلي….لفحل ما طل يا العالي…والشاليني
وصلت للجريدة يا مالي…تفكرت لكبيدة …ورجعت مريضة يا لالة
يا لالة يا لالة…رجعت مريضة يا لالة…والشاليني
نطلب العالي يا مالي…يداوي ولفو…مولانا يعفو يا لالة
العالي يا العالي.. أنت تعفو يا العالي….على الشاليني
وفي العيط الزعري، نجد الشاعر المؤلف أو المغني شيخ وشيخة، يطفح غناءه بالمحتوى الايروتيكي والجنسي الحسي بتلك اللغة الضاربة في عمق الريف، وبهذه اللغة البسيطة “العروبية”، استطاع تأسيس نموذج لكتابة أشعار ايروتيكية تتناول شهوة متبادلة بين الذكر والأنثى، فعد النهد رمزا للأنوثة الصارخة( هدوك نهود …ولا ركابي عود/ أو رميمينات بانو…كَاع ما كانو / أو بعينيا شفت البيض…في لكَواشش نايض / أو تفيفيحات طلو…من تهلو)..ونجده يصف المرأة الحسناء الفاتنة لقلبه بجمال الطيور الجميلة المغردة في بيئته الزراعية، ( سطيلة، لحجل، لحمام،كَريكَر..)، كما يبين ذلك في عيطة “الحساب الزعري” من العيطة الزعرية:
هدوك نهود…ولا ركابي عود— شي تفيفيحات طلو…ع من تهلو
لغدد ومرمد…ما يتسالك حد—ميهة الواد…ساقية بضاض
رميمنات بانو…كَاع ما كنو…لحمام لمركَط…من الجبل هبط
بعيني شفت البيض…في لكَواشش نايض–خليوني نعركَ وندوش..فوكَ ديك الكرش
شوك الضربان…وسط الصدر يبان—لحمام ولحجل…ماكلة في شكل
كَولو لسطيلة…تطل ع طليلة—كَولو لكَريكَر…را الكَليب تضر
تعالى يا لخليل…نتوادعو بالليل—الجدعة لعريضة…ديال التبوريدة
تلق راسك يا لعشير…را الليل قصير—تعالى يا لعشير…ع سويعة وسير
لفعى في لفراش…متسهونهاش…لفعى في لغرام…وخا طناشر عام
هذه بعض الأبيات من مئات الأبيات في عيطة الحساب الزعري، كما نعثر كذلك على عدد من الأبيات في عيطة “الخادم”، من العيطة الزعرية، التي تغنى بلحن وإيقاع موسيقي مغاير:
والخادم هااااااه أنت مالك مالك…دوك لعيون لكبار…كواوني بالنار
عدبتي ومحنتيني يالالة أش هذا ليــــــــــام…خيتي يا خيتي…شحال ترخيتي
والخادم هااااااه أنت مالك مالك…تعالي نحييو الرحيم …ونتفكرو لقديم
والخادم هااااااه تعالي تعالي…تعالي نتعانكَو ونبكيو…حتى الدموع يجيو
ونجد كذلك عبارات التجربة الايروتيكية في الوصلة العيطية المسماة ب”الوجبة الدايرة” من عيطة “الحساب الملالي”، الذي يندرج ضمن أغاني العيطة الملالية، المعروفة باللحن الفجائعي النائح بالندبة والبكاء، و هذه المرة نجد أن الشاعر “الشيخ العيطي الملالي”، قد استعمل الهجاء الايروتيكي اتجاه المعشوقة الغادرة به، حيث سيكون هذا الهجاء مرتكزا بالأساس على المرأة وجسدها، لكن لن يكون هذا الهجاء محاورة فكرية مع المرأة ولا دعوة للمبارزة بل خدش في الأعراض وعتاب بصيغة الانتقام، إذ يستعرض فيه الشاعر العيطي جسد المهجوة، وعلاقتها الجنسية، وسوء أخلاقها ومعاملتها، وتنويعها في الرجال..كما هو مبين في هذا المقطع :
وا ميمتي ميمتي ميمتي..ميمتي ميمتي أش هذ ليام…كون كانت تحشم…كَاع ما توشم
واه لالة يا لالة لالة…يالالة لالة أش هذ المكتوب…ظاهرة مسيميمة…ع من التحيزيمة
واميمتي ميمتي ميمتي..ميمتي ميمي طابو لقلوب…سمعت التكَركَير…في كَويع البير
واه لالة يا لالة لالة…يالالة لالة ليام تكَلبت…حفرنا البير…وما دينا خير
واميمتي ميمتي ميمتي..ميمتي ميمتي أش هذ ليام…داك البير حفرناه…وما شربنا ماه
واه لالة يا لالة لالة…يالالة لالة الصبر يعاون…كون ما العينين…ما عليك بزين
واميمتي ميمتي ميمتي..ميمتي ميمتي أش هذ ليام…هديك هي اللفعى…اللي قاتلة رُبعا
واه لالة يا لالة لالة…يالالة لالة الوقت يحنت…كون كان عندي لحديد…نطحنها ونزيد
واميمتي ميمتي ميمتي..ميمتي ميمتي أش هذ ليام…هديك هي التعلب…اللي تبات كتلعب
واه لالة يا لالة لالة…يالالة لالة أش هذ المكتوب..لبنيدير تقبتيه…أنت فين شطحتي بيه
هذه بعض الأبيات “الحبات” من مئات بل من آلاف الأبيات من عيطة “الحساب الزعري” و “الحساب الملالي”، التي تصف التجربة الايروسية، كما نجد كذلك الفنان”العيطي الغرباوي”، يصف شوقه الجنسي خلف لغة غزلية مألوفة معروفة، ولكنه يتسامى بها خلف معان أكثر إجلالا، يتغزل في مفاتن المرأة، كما يجد في رومانسية الليل ظالته في السهر والسمر والتمتع بالجمال الأنثوي، وهو يشبه العذراوات الجميلات بالخيل، كما يظهر ذلك في الأبيات التالية عيطة “الغابة”:
الخيل كسرب لحمام…وعجاجها كيف لغمام
وحيدة دايرة اللثام…كيف العودة باللجام
الحمام اللي في لرسام…قرا لوحيدة السلام
سبع سلامات في سلام…لفحل مولاي عبد السلام
ياك البوسة في شفايف…واللذة في اللسان
لا تغرك الغليظة…راه اللذة في لعظام
طويلة وجبوجية…وتنفع في الزحام وتحلي ليام
وراح الليل وغربو نجومو… كلها حاز كبيدتو
البنات كيف الخيل ..يا خيي كلا وكَيمتو
العيون كحلة صرادة…والنيف بشمامتو
الخدود حمرة ورادة…خوكم راح بكيتو
فمها براد تاع أتاي …مشحر بليقامتو..مكَواني على مكتوبي
هذا يا عودي هدا…علاش عليك لولادة
خلي كرشك عاكَرة..زين التعنيكة وعليك نتبورد أنايا.
أما العيطة الحصباوية والتي تسمى كذلك بالعيطة العبدية، فهي تتميز ببعض الملامح الفنية التي لا نجدها عند غيرها من العيوط بنفس الوضوح والقوة..مثل ارتفاع الشعور الذاتي والوجداني لدى الشاعر..أو الشاعرة..مقارنة بباقي العيطات الأخرى، الشيء الذي يجعلنا أمام غناء قوامه البكاء والندب والشكوى الحارقة التي تصدر عن العشاق المكتوين بنار العشق والمتيمين المتلهفين للجمال واللذة والمتع الحسية، كما يصف أن شرب الخمر لا يحلو إلا بوجود الرفيق أو النديم، ومن الأمثلة على ذلك مطلع عيطة “كاسي فريد:”
وبابا كاسي فريد..وبابا جرحي جديد…وايلي هياييلي هياييلي هياييلي
بابا اركب وتسناني…الفرادي وحدو غادي
يا سيدي الدنيا تفوت…وبابا وحيها يموت..وايلي هياييل هياييلي هياييلي
سيدي كب وتسناني…الشارب وحدو شي ما دارو
يا سيدي لهوى صعيب…وحبيبي لا تغيب….تعالى تعالى حتى نتوادعو
راك عزيز وغالي… يا سيدي وحشو عماني
أو ذلك العيط الذي نعثر عليه في عيطة “حاجتي في كَريني”، تلك العيطة العبدية الوجدانية الغزلية، حيث يختلط الحديث عن مجالس الشراب واللهو عند القايد عيسى بنعمر قايد منطقة عبدة بذكريات الحب، فنجد الشيخة تتغزل بمفردات ايروتيكية في حق أبناء هذا القايد كل من القائد سيدي أحمد وأخوه القائد سيدي ادريس وهذا مطلع من هذه العيطة الحصباوية:
ياو حاجتي في كَريني…لاموك ولاموني…ما يدوم حال يا سيدي
ياو حاجتي في الساقي…الساقي كب الكاس…ما يكون باس ألباس
يا مالفاك يا سيدي…حبيبي شطنتيني…ع ما يكون باس يا سيدي
كلها وكلامو…اللي دواو مهموني…يا الهوى صعيب يا سيدي
يا هاهو هاهو..اهيا وهيا..ياو دابا يحن مولاي ونرجعو حباب يا سيدي وايلييي
ياو هاهو يا سيدي أحمد..ياو هاهو يا حرش لعيون
ياو هاهو يا سيدي ادريس…ياو هاو يا ذهب لكويس
ياو هاهو هاهو ..اهيا وهيا..ياو دابا يعفو مولانا..ياو عادا الخيل يا سيدي
. يا بابا لعقيل عندك والجناوح خانوني…كلشي يعكَرني لاموك ولاموني…را ما يدوم حال يا سيدي.
ونجد كذلك الشأن في عيطة “رجانا في العالي”، التي تسير على نفس النهج والبكاء والضياع الذي يصيب العاشق أو العاشقة عندما تنقطع بينهما عرى المحبة ويضيع كل أمل في اللقاء، فيوظف الشاعر أو الشاعرة، أسلوبها الأيروسي لتبوح بما حل بها،كما هو الأمر في هذه الأبيات:
يا بابا رجانا في العالي…وبابا رجانا في العالي …سيدي غريب وبراني
يا بابا من حر الحب…يا لالة نظل كنشرب…ونبات ك نتكَلب…هااااحياني
يا بابا قيست خويتمو….يالالة جات على يدي…اللي حصل يعدي
يلالة لباس ياودي….لا لباس يا ودي….اللي حصل يودي…لالة رجايا في العالي
يا لالة جريت وجاريت…لالة سببت وداويت…تجرحت وتكويت.
يالالة ضالة نسول….لالة بايتة نسال…واش جا ولا مزال….هااا حياني
وفي عيطة “باع عزيبو في الميلحة” أو ما تسمى أيضا بعيطة “سيدي أحمد” نجد الشاعر (ة) يصف تعطشه لعودة الحبيب بعد غياب وطول انتظار في غناء أيروسي بمفردات وتعابير معبرة:
واسيدي أحمد..سبع سلامات في سلام يا الغادي زربان..أيلي ياييلي يا ييلي…طال عذابي سيدي حبيبي
على قبلو بايتة نمشي ونجي نتسناه تا يجي…على قبلو بايتة عساسة والنعاس ما داني
على قبلو بايتة سهرانة والبوج عند راسي…حرك يا مول الجدع الزيتي مذا زهيتي
هذا عام ونص ما مشطت رويسي نتسنى في حبيبي…الليل وما طال بايتة عطشانة والما عند راسي
علي يا فريكَ لحمام…علي وطير في لرسام…وقرا لحبيبي السلام…سبع سلامات في سلام.
ونجد كذلك الشاعر (ة) العبدي في عيطة “خويتمو في ايديا وحكامو عليا” يشتغل على صعيد الفن الايروتيكي وذلك بالعمل على فنية الاشتغال والأفق الرمزي في التناول الخلاق للمفردات الأيروسية على نحو لا يخون الجمال قدر ما ينتصر للقيمة الفنية، بلغة ريفية دارجية بسيطة لكنها حسية ايروتيكية عميقة الدلالة، وهذا مطلع هذه العيطة:
يا لالة يالالة ويا لالة ….هاه هاه خويتمو في ايديا وحكامو عليا …ما بيدي ماندير
يا لالة ولالة ولالة …هااااه نسيت ما عنقتو وبردت كيتو الله يداوي الحال
علاش يالالة ولالة ولالة…كون صبرتي يا سيدي حتى يبان عيبي…ما بيدي ما ندير
هاه هاه أنت بابا…أنت سيدي
الزين بيضاوي…يجرح و يداوي
العديان بغاو يفرقونا…حنا منتفرقوشي
وحشنا شلا…خاصنا ليلة
ايلي ياييلي ايلي ياييلي…أش بلاني بيك حتى بليتيني
ها أنت هانت هانت هانت…أش داني ليك حتى كويتيني
ايلي ياييلي ايلي ياييلي…زين بلا لولة عطية المولى
ها أنت هانت هانت هانت..عيون حجبان شاغلين البال.
يلالة ولالة ولالة…هاه هاااه صباح وعشية..ع مزادني كية..الله يداوي الحال.
وفي العيطة الجبلية، نجد الشاعر العيطي الجبلي يعبر عن أحاسيسه وشهواته، وعن تجربته الايروتيكية بطريقة فنية محبوكة، فهو يتغزل بحبيبته ويشبهها بذلك الثوب الحريري “مجدول لحرير”، وفي جمالها بالقمر الساطع في ظلمة الليل “كَمرة ضوات”، وأحيانا يصفها بالغزال ذو العيون الكحيلة، “غزال كحل العينين)، ويتوسل إليها أن تسهر معه هذا الليل الرومانسي السرمدي الطويل، وقد استخدم في ذلك التستر والترميز اللغوي بديلا للطرح المباشر، تفاديا للإشكالات الاجتماعية، كما نجد ذلك في هذه “السوسة ” من عيطة “راح الليل”، هذه العيطة الجبلية الرائعة:
يا غزالي يا مجدول لحرير مزال الليل طويل…مزال الليل طويل يهديك الله قصري الليل معانا
عويشة لغزال كَمرة طلعت…أها أها أها…لالة ويا لالة
سير غدار صاحبو مدار مزية…طل لغزال بالليل كحل العينين
هو الوليد مع الرباعة هو لوليد…هو لوليد في الجماعة هو لوليد
الوليد يا لوليد زين السمية…لعزيز عليا يهديك الله
أجيني يا لغزال أجيني يا لغزال أجيني يا لغزال
أجيني يا لغزال بالليل شاعلة نارك بلا دخان
اليوم غدا نرحلو اليوم وغدا نرحلو…رحيلك أنا نزلو زينك عقلي هبلو
وأنا هذ الرحيل تقيل عليا يا الهاشمية…ها عار الله حاولي عليا
وأنا هذ الليل طوال عليا يا الهاشمية…ها عار الله شوري عليا
نفيق الناعسين ونعيق الساهرين…عيونك يا لالة غزالي زادوني فلعداب
راني في حالة ويا الغزالة…وكلت عليك الله لا تجافيني
علاش كتعاديني خلي النوم يديني…دبا يجيك ويجيني
وأنا أجري على ربي …والليل طويل
داز الصيف وطاب لخريف…يا مولات الساكَ لخفيف
يا مولات الزين الظريف…والله أنا قصدي شريف..يالالة راح الليل.
ونجد الشاعر (ة) الحوزي قد برع في التغزل بالمرأة وهو يصفها بالنخلة في طولها المتجرد، ويشبهها ببياض السكر، ويصف جمال مفاتنها في عبارات ايروتيكية حسية صرفة، كما هو في عيطة حادة:
البيضة ايلا دارتو…تستاهل ايلا دارتو…..كيف القالب هرسو مولاه وداه للجماعة يتعنا بيه
والحمرة ايلا دارتو..تستاهل ايلا دارتو…كيف المنجل زندو مولاه للحصاد
حادة يا حادة..هي والنخلة مگادة…خلات الحطة مگادة…خلات السارح بلا غدا…وخلات قليبي مغروم
وقد نجد بعض قصائد العيطة الفيلالية الجرفية البلدية تتغنى وتتغزل بجمالية وروعة الجسد الأنثوي، فنجد الشاعر “الشيخ” الصحراوي قد اخترق بجسارة إبداعية المسكوت عنه انتصارا للعيطة في تجلياتها الخلاقة، فبدا عازفا شهوانيا على جسد المرأة، محولا بذلك تفاصيل هذا الجسد إلى جمال الورد ولذة العسل، حيث يصف الخدين بلون الورد، والشفتين الحمراوين بلون شقائق النعمان، والعيون بلون عيون البقرة، واللسان في حلاوة شهدة العسل، والنهد يشبهه بالبيض المسلوق ، فيحول هذا الجسد إلى روضة عاطرة شهية شهوانية، في قالب إبداعي مشفر جميل، بعيدا عن الإسفاف والابتذال والكلام الداعر، وهو يتغنى بحور العين ونسق الجسد البديع، وكمثال على ذلك ما نجده في عيطة “العين”:
عينيا آه يا عينيا…..عينيا عينيك عجبو عينيا
عينيا آه يا عينيا…عينيا ايلا وتيت سامح ليا
سامح ليا بضاض ما عمل لي شرعية
سيدي بضاض صعيب والربطة زغبية
عين مسكي الحيـــــــة…..وسط الجبال مبنية
نخلة عالية محنية……الميهة صافية ونقية
الخدود الوردية….العيون الحجلية
لحناني صحراوية….الكاس والصينية
بلاد النخلة….بلاد الرملة..بلاد النعمة
بلاد التمرة….بلاد الصحرا…بلاد الخضرا
قليبي مكَواه….الزين كواه….والعين دواه
قليبي مكَواه….خرج من جواه….من غير هواه..ع الرجا في الله
العين كحلة بلا كحل تهبل وتقتل…..العين كحلة بلا مرود تداوي وتمرض
الحاجب نخلة مخلخلة دايرة خبلة ….الخد وردة بلا ندى مفتحة في الجردة
الشعر كحل غري غراب زاد العذاب….الشفايف حمرة بلعمان صباغة الرحمان
السنين جوهر وريحة الفم مسك العنبر…واللسان شهدة عسل مهبلة لعقل
حبيبي صدرو بيضات مسلوقات منقيات…كرشو شقة مزوقة مفرشة في الحلقة
ونجد الشاعر الصحراوي السجلماسي في مقطع آخر من هذه العيطة يسترسل في التغزل بعيون المرأة بمفردات مشحونة بتصريحات ايروتيكية يمتزج فيها العاطفي بالهيام الجسدي حيث يتوحد العاشق بالمعشوقة عبر دلالات رمزية حسية محضة:
لالة عينيك ياوا جابو الهوى من شيشاوة…لالة عينيك عينيك رجعو الغاشي وهو ماشي
لالة عينيك بحور ميهة صافية تداوي المضرور…لالة عينيك أمواج عقيلي طاج وقليبي هاج
لالة عينيك نسور طيحو الزرزور من فوق السَور…لالة عينيك نبلة في قليبي دارو خبلة
يا لالة عينيك سيوف طعنو الجوف ما بقيت نشوف…لالة عينيك جباد طيحو الصياد في وسط الواد
يا لالة عينيك سلاح في قليبي زادو لجراح….لالة عينيك ملاح هلكوني مخلاوني نرتاح
يا لالة عينيك قرطاس سهروني بيتوني عساس…لالة عينيك ماس جرحو الكبيدة ولقليب تقاس.
هذه الأبيات من عيطة “العين”، كما نجد بعضا منها في العيوط المرساوية؛ عيطة “عريس الخيل” وعيطة “ركوب الخيل” ، وعيطة “ألباس”، وعيطة “عشاق الخيل”،..وقد نجدها في أنواع أخرى من الغناء العيطي الأيروسي.
إن الاحتفاء بجسد المرأة يلعب دورا متميزا في الغناء الايروتيكي وكذا الاباحي، بعيدا عن بعض الكتابات والصور المرئية التي تعرض الجنس صراحة. وإن حالة العمل الفني الاباحي لا تعتمد على النشاطات الجنسية التي يتم تناولها بقدر اعتمادها على طريقة تناول ووصف هذه النشاطات، إذ كلما ازدادت صراحة وبذاءة وبلادة اللغة الموظفة في النص، كلما مال النص إلى الإباحية وابتعد عن الايروتيكية، وكلما كان وصف كل ما هو جنسي بلغة رومانسية تلطيفية وشعرية كان أقرب إلى الايروتيكية، لكن في بعض الأحيان يتخذ التغزل بالمرأة بعدا ماديا صرفا وتجسيديا أكبر أو ايروتيكيا أكثر فيسقط في الإباحية حيث يتجاوز التلميح إلى التوضيح، ولنا في غناء العيطة الشيظمية، تلك العيطة العاطفية الوجدانية نمادج عديدة من العيط الايروتيكي، ونذكر منها على سبيل المثال عيطة “الصيكَع بغا يطلقني” وهي تدخل ضمن خانة البروال الشيظمي حيث تعالج هذه القصيدة موضوع علاقة المرأة مع زوجها الذي يرغب في تطليقها والزواج من أخرى أصغر وأجمل منها، وهي تعيط وتعاتبه عتابا ايروسيا، وتستنجد بزميلاتها وتستشيرهم وذلك في أسلوب عيطي مشوق ، وأداء كوميدي ممسرح وبلغة ايروتيكية ضاربة في عمق الريف الشيظمي، لكن تطفل بعض الفنانين الذين استحدثوا كلمات ماجنة إباحية بمفردات تسمي الأعضاء الجنسية بمسمياتها المتداولة في الشارع، وركبوها على “السوسة” الخاتمة من هذه العيطة وتم ترويجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر تطبيقات التواصل الفوري، ونذكر مقطعا أصليا من هذه العيطة الجميلة:
وناري ها ناري الصيكَع بغا يطلقني…وناري ها ناري الصيكَع بغا يطلقني
برعتو في لكساوي … يا كان ع هداوي… واليوم بغا يطلقني
في نص الليل يفيقني… يمرمدني ويلغددني… واليوم بغا يطلقني
وقفت ليه الدار …ودرت معاه اللي ما يدار..واليوم بغا يطلقني
نجيت ليه الجلالب…ورديتو كيف الطالب..واليوم بغا يطلقني
كون كان ع راجل …نحش معاه بالمناجل…اليوم بغا يطلقني
وناري ها ناري الصيكَع بغا يطلقني يا والله ما نسكت…ع سكتي ع سكتي
يا والله ما نسكت…ع سكتي ع سكتي
يا كندير حتى نسكت…ع سكتي ع سكتي
يا كَلبي غ يسكت…ع سكتي ع سكتي
يمنسكتشي..ع سكتي ع سكتي—يا ما نسمحشي..ع سمحي ع سمحي
وناري ها ناري الصيكَع بغا يطلقني… ياو كندير أنا حتى نصبر..ع صبري ع صبري
يا والله ما نصبر..ياو بالصبر
كندير حتى نصبر…ياو بالصبر
نديه عند القاضي… ياو بالصبر
ندير عليه بوكَاضي.. ياو بالصبر
طاب قليبي طاب.ياو بالصبر
واهيا لعيالات..ياو بالصبر
لا تكونو طماعات..ياو بالصبر
إلى آخر هذه الصرخة، حيث نجد الشيخة تغني وترقص، وتؤدي الوصلة الغنائية في عرض فرجوي ممسرح وحوار بينها وبين زميلاتها الشيخات، وهي تغني لتوضح بالألفاظ والمفردات الايروتيكية والايحاءات الرقصية أنها مازالت في كامل فورتها الجسدية، لذلك تعاتب زوجها وتفضحه أمام الغير، بصفته الزوج الخائن للعهد، والذي يريد استبدالها بامرأة أخرى صغيرة السن، هذه الفقرة الأخيرة من الأغنية ثم استحداث كلمات إباحية على منوالها وترويجها، وهناك عدد من العيوط بل أغاني شعبية مستحدثة على هذا المنوال مثل “المسيخيطة، لولاد هما لولاد..وغيرها”، قد نجد مثل هذه الأغاني الشعبية تتقمص ألحان العيطة بعدما ألبسوها على إيقاعاتها وأنغامها، ونجد عليها إقبالا كبيرا وتلقى رواجا وجمهورا وشهرة ونجومية وذلك لأنها تحكي تفاصيل غرف النوم..وليس جلال الشعر الغنائي وألق التصوير وإبداع التركيب، طبعا هي لا تثير لغطا عندما تكون في فضاءات مغلقة، أو سهرات خاصة “قصاير”، حانات، ملاهي ليلية…لكنها تقابل بالرفض والاستهجان والنقد عندما تصبح عمومية. والمؤسف اليوم أنه قد زحفت على فن العيطة الأصيل موجات متتالية من التمييع والتشويه لأصوله وتوابثه، وتعددت مظاهر وألوان المساس بالقيمة الفنية للعيطة، سواء في الكلمات أو الأداء أو الرقص، لكن لا يصح إلا الصحيح، نعم نحن مع الحرية لأن الأصل في الإبداع هو الحرية، لكن يجب أن تكون حرية فنية مقبولة ومحروسة..
هذه بعض النماذج من الأبيات من غناء العيطة، التي جاء فيها الشعر الأيروتيكي، وهي مجرد أمثلة قليلة لغيض من فيض ما تم غناؤه والعيط به في سياق إشباع الغريزة و إرواء الشهوة، وبهذا نكون قد استعرضنا ما تيسر لنا في ما قيل في العيطة من إبداع ايروتيكي تغنى بالمرأة وبمفاتن جسدها، تلك المفردات والعبارات الحسية التي أبدع فيها الشيخ والشيخة على حد سواء، فالشيخة كانت ولازالت امرأة جريئة غنت ومازالت تغني وتعيط بأعلى صوتها، فأبدعت وأمتعت في الجانب الأيروسي، في عيطاتها وصرخاتها بصوتها الناحب النادب، وفي تموجاتها الجسدية وايحاءاتها الراقصة، فهي الكل في الكل وسيدة الكل، وهي الموسوعة الغنائية التي تجمع فيها ما تفرق في غيرها؛ فهي الشاعرة والمغنية والراقصة، والباكية الضاحكة، والنائحة النادبة، وهي الثائرة المثارة والمثيرة، وهي المبدعة الممتعة والمعذِبة المعذَبة، وهي الضحية والمذنبة، وهي محور الايروسية ومصدر الإباحية، لذا فهي تلك الريم شيخة الحريم، وهي الركيزة الأساسية في هذا الغناء التراثي الأصيل، الذي كان ومازال وسيظل يحتل المكانة الرفيعة في المشهد الفني الغنائي المغربي، فن يتعاطاه ويتبادله ويتوارثه المغاربة جيلا عن جيل، فهو تراث أصيل ومعمر وفن حي متحرك ومتجدد. فن يجمع بين الأصالة والحداثة ليؤكد أصالته في أشكاله وقوالبه الموسيقية التقليدية، كما يؤكد حداثته في الاستفادة من الأحداث والوقائع كعوامل مثيرة للإبداع والتجديد والإنتاج. وبصفتي فنان شعبي شيخ للعيطة وكاتب، فهذا الفن يسري في عروقي وموجود في كل أعمالي بما فيها الأغنية والمقالة والقصة والرواية، أحب الفن والأدب الأيروسي وأفضل الايروتيكية على الاباحية، لأن العمل الايروتيكي يخدم الفن أكثر من العمل الاباحي، كما سأظل وفيا لفن العيطة، لقد أعطاني الكثير ولم أعطيه سوى النزر القليل، فهو بالنسبة لي نقطة قوة ومصدر فخر واعتزاز.. فهذا الفن هو جب لا ينضب نشرب ونرتوي منه من جيل لجيل، كنز ثمين، ورأسمال لامادي، يجب علينا أن نهتم به ونحافظ عليه، وننقله للأحفاد في أحسن حلة كما أوصله إلينا الأسلاف والأجداد. فن أصيل مليء بالألغاز والأحلام والأسرار والمتع منها الحسية الايروتيكية.
وختاما لهذا المقال نختمه بمقطع أيروتيكي من عيطة “لعدو يا لعدو” المرساوية، التي غالبا ما تأتي مرادفة “طيوح”، تابعة لعيطة “الكافرة غدرتيني”، حيث نجد الشاعر العيطي يتغنى بزمان ومكان شربه للخمر “سطات”، فهو ينهل من المتع واللذات ما طاب له من حسن نساء وجودة خمر معتق، واستطاع بايروسيته خلق معادلة عيطية تعالج الأخذ والعطاء الشهوانين، وهو يتمنى أن يختم حياته بتوبة نصوح بالحج إلى بيت الله، يزور ويطوف بالكعبة المشرفة، لتمحى ذنوبه حيث نجده يعيط بذلك في هذا المقطع:
لعدو يا لعدو لعدو يا لعدو لعدو يا لعدو…لعدو يا لعدو لوح سلاحك أجي نتفاردو
لعدو يا لعدو لعدو يا لعدو لعدو يا لعدو…لعدو يا لعدو جيب شرابك أجي نتواردو
أجي نتفردو ونتجردو ونتواردو…آجي نتجردو ونواردو ونتمرمدو
محداتنا عشران والقلوب طايبة…قبل ما المحبة تولي عداوة ويقساحو لقلوب
سطات راس العين مركَد الزين…الكويسات دايرين والشمعات شاعلين
الزين الظريف ظاهر من تحزيمتو…كاس لعنب لمقطر باين من ريحتو
كَمح لبرانش ظاهر من زريعتو…ويلا كان مصفي يضوي على كَاعتو
مرتي وصاحبتي عاجبيني بجوج..مرتي وصاحبتي خاطر من ندير
ندير خاطر صاحبتي ومرتي دايمة…صحيبتي تبرد كيتي ولمرا تعمر الخيمة
ع دوزي عل الحمام وكَولي عايمة…لالة ع كولي رمضان وكَولي صايمة
من دارني حمام نعوم لحمام…لالة من دارني فران نشوي الغزلان
وسعدات من زار الكعبة شاري جنتو…يشلل عظامو ويمحي زلتو
ونقفل هذه العيطة بقفل “سدة” ايروتيكية، من العيطة الحوزية: العيون اللي كواوني…مازالو حيين

المصدرArray

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة