لمن يملك الوقت للقراءة : مقال مميز للكاتب الصحفي المصري مجدي الجلاد،،،

جسر التواصل17 مارس 2020آخر تحديث :
لمن يملك الوقت للقراءة : مقال مميز للكاتب الصحفي المصري مجدي الجلاد،،،

الكاتب الصحفي المصري مجدي الجلاد

وسط حالة الذعر العالمي غير المسبوقة.. قد يكون مناسباً أن ننظر لهذا الفيروس بعين مختلفة.. نظرة واقعية مجردة، قد تجعلك لا تناصبه العداء.. أما أنا، ورغم ضعف مناعتي، فأعترف بأنني أُحب «كورونا» وإن قتلني.. ولي في ذلك أسباب كثيرة..!

أسوأ ما فينا، أننا لا نُدرك مغزى وحقيقة الحياة.. لا نريد أن نقتنع ثم نعترف بأن هذه «اللعبة» نزلت الأرض مع آدم عليه السلام، وسوف تستمر حتى يرث الله الكون وما عليه.. حرب شرسة على جولات، بين الإنسان والطبيعة، بزلازلها، وبراكينها، وأعاصيرها، وأمراضها، وفيروساتها.. وكلما اعتقدنا أنها دانت لنا، بالعلم والتكنولوجيا والقوة، جاءتنا لطمة جديدة، من حيث لا ندري، وفي أعز ما نملك: حياتنا..!

لا تخف، حتى وإن عطست، وسعلت، وارتجفت، لا تبتئس مهما أرعبوك من «كورونا».. اعقلها وتوكل.. ثم توقف لحظة، وفكر في الأمر من أعلى، وليس من بين ركام الرعب، الذي صنعته أضخم حملة إعلامية في التاريخ..!

– ربما كان الوقت مناسباً، ليكسر «كورونا» أنف العالم .. فيروس متناهي الصغر، هز شنبات، فلم يُفرق بين فقير مُعدم، وملياردير، وخفير ووزير، وقائد عسكري، ورئيس وزراء، ورئيس دولة.. الكل في الرعب سواء، والكل في المصير متقاربون.. هو تحدٍ جديد لقوة العالم المُفرطة وهماً وغروراً.. وهو أيضاً درس قاسٍ للعلم الذي ظن بأن المواجهة مع الطبيعة باتت محسومة لصالحه..!

– كورونا ضرب مُقدمة الجيوش.. الصين، بلد المعجزات العلمية، والتكنولوجيا المتقدمة.. ومن أين؟!.. من سوق شعبية للحيوانات البرية التي لا يأكلها أحد على سطح الكرة الأرضية.. تناقض صارخ وفاضح كشفه الفيروس.. وقصور فادح في تنمية عقل وثقافة الإنسان، في غمرة خيلاء الروبوت، وغطرسة موبايل «هواوي»، وكبرياء «5G»..!

– الكائن التاجي الذي انتقل إلينا من حيوانات صغيرة، كشف كذلك خللاً رهيباً في أولويات العالم الحديث.. فرغم الطفرات الهائلة في الموارد والثروة خلال العقود الأخيرة.. خصصت الحكومات الجزء الأكبر منها في تطوير وإنتاج أسلحة الفتك والدمار الشامل، وتركت الفُتات للأبحاث وعلوم الأمراض والأوبئة والفيروسات والميكروبات الخطيرة.. والنتيجة أن طفرات وتحورات هذه الكائنات، باتت أسرع وأقوى من إمكانيات العلم والعلماء..!

– لماذا لا نُحب «كورونا»، وهو الذي فضح الكذب والخداع؟!.. فإذا كانت أنظمة وحكومات العالم اعتادت الكذب على الشعوب وتضليلها، فإن الفيروس أرغمها على الاعتراف بالإصابات والضحايا.. كورونا ليس معارضاً سياسياً أو ناشطاً، كي يُعتقل، ويقولون للعالم «لا نعرف عنه شيئاً»، ومنظمة الصحة العالمية والمراكز البحثية ليست «هيومان رايتس ووتش» ومنظمات حقوق الإنسان، حتى تُخفي الحكومات عنها ممارسات القمع وجرائم التعذيب وكبت الحريات..!

– كورونا ياسادة تسبب في وفاة 5400 شخص في العالم حتى الآن.. ولكنه لم يقتل مليون مواطن في العراق، بكذبة أمريكية، وتواطؤ دولي حول امتلاك بغداد أسلحة دمار شامل.. مات المليون عراقي بلا ثمن، ومعهم عدة ملايين، يعيشون أمواتاً بعد فقدان ذويهم، ولم تُعلن الأمم المتحدة حالة الطوارئ، ولم تصنفه أي منظمة وباءً، ووصمة عار عالمية..!

– كورونا المتحور والمخادع، يبدو ملاكاً، مقارنة بأولئك الذين فجروا وأشعلوا سوريا، ولايزالون ينفخون في نارها، فقتلوا نصف مليون مواطن، وشردوا الملايين في مخيمات اللاجئين.. وهو أيضاً لم يقتل ما يزيد على 200 ألف أفغاني، في حرب هزلية، ولم يقتل 100 ألف في حرب اليمن الجنونية، و50 ألفا في ليبيا.. غير أن الفيروس تحول إلى «شيطان عالمي»، لسبب واحد، فقط لأنه لا يختار ضحاياه.. الصيني عنده مثل الأوروبي، والإيراني كالأمريكي، والكويتي صاحب الشركة يواجه نفس الخطر الذي يهدد عامل النظافة الهندي في ذات الشركة.. إنه فيروس عادل في عالم لا يعرف إلا الظلم والعنصرية المقيتة..!

– كيف لا نُحب «كورونا»، وهو الذي زرع الرعشة في أيدٍ مُخضبة بدماء الأبرياء؟!.. تخيل معي لو كان يختار ضحاياه في أفريقيا الفقيرة، أو الشرق الأوسط المغضوب عليه، هل كان سيتحرك أحد؟!

– لماذا نكرهه أكثر من «ترامب» الذي يفخر علانية، بنزح ثروات دول الخليج، وإفقار العرب، وقتل الفلسطينيين، وسرقة أراضيهم وعاصمتهم التاريخية؟!!.. كيف نخافه، وهو تلميذ فاشل في مدرسة «تميم» حاكم قطر؟!.. هل لدى أحدكم دليل أو حتى قرينة على تورط «كورونا» في تمويل الإرهاب، وقتل الأبرياء في سيناء وليبيا وسوريا؟!.. وهل هو أكثر دموية من «أردوغان» الذي يقتل الأكراد والسوريين بدم بارد، ويتلاعب باللاجئين، لينصب نفسه «خليفة للشيطان» على جثث النساء والأطفال والشيوخ؟!

– لماذا نتهم «كورونا» بالقسوة في مهاجمة دول العالم الثالث، ولا نوجه أصابع الاتهام لمن سرقوا ونهبوا شعوبها، فتدهورت الرعاية الصحية، وساد الجهل، فلم نجد أحداً جاهزاً لمكافحته، فلا المواطن يمتلك الوعي الصحي للوقاية منه، ولا الحكومات قادرة على اكتشاف المصابين وعلاجهم.. إنه فيروس كاشف للقوى الكبرى، التي تغرس أنيابها في جسد العالم، وتمتص دماءه.. وهو أيضاً فاضح للأنظمة الاستبدادية، التي تأكل لحم الشعوب وتهشم عظامها، بالفساد والقهر والديكتاتورية..!

.. إن أجمل ما في «كورونا»، أنه أخرج أفضل ما فينا، فجعل الصينيون ينشدون الأغاني لمؤازرة بعضهم البعض، من الشرفات في مدن العزل الإجباري، وأعاد للإيطاليين روح التواصل الاجتماعي، واستدعاء قوة التحدي الجمعي، بهتافات الأمل في الشوارع الصامتة.. أما نحن العرب، فقد سخرنا منه ومنا على شبكات التواصل الاجتماعي.. وكأننا نتعمد التقليل من شأنه.. ربما لأننا اعتدنا العيش في عالم يحكمه «الفيروسات»، أو لأننا نؤمن بالمقولة الشهيرة «ما فيروس إلا بني آدم»..!

الاخبار العاجلة