صدر للمسرحي والروائي الاستاذ سعيد غزالة أول مؤلف يحمل بين دفتيه تجربة عميقة في المسرح انصهرت في بوثقتها معاناة الذات الكاتبة في اشتباك ملحمي مع واقع الحصار الذي يرزح تحت وطأته الانسان الفلسطيني من خلال معبر قلنديا كما أعاد المؤلف قراءة شكسبير من خلال دمى غير متحركة تشي برؤية جديدة لتراث المسرحي العالمي بمنئى عن القراءات السطحية.هي تجربة في الكتابة وارهاصات اولى للتنظير بعد تجربة حبلى بالمكابدات في واقع شيمته الجمود والتردي .
دمى شكسبير وقلنديا اضافة جديدة لمكتبة المسرح المغربي ومحاولة لخلق دينامية في مضمار الكتابة المسرحية التي عرفت تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة . في مقدمة للكتاب يقول الدكتور عبد الكريم برشيد
أجساد وأرواح شكسبيرية
بين حد السلطة وحد الخيانة
د. عبد الكريم برشيد
هو شكسبير الكبير، يعود إلينا ونعود إليه، من خلال رؤية مسرحية جديدة، ومن يجرؤ على الاقتراب من عوالمه السحرية والغريبة والعجيبة والمثيرة والمدهشة والمحرضة على التفكير وعلى إعادة التفكير؟
وما معنى أن يختار مؤلف مسرحي مغربي شاب خمس شخصيات من المتن الشكسبيري (القديم) من أجل أن يكتب مسرحية جديدة، روحا وشكلا ومضمونا وأسئلة، وأن ينطقها لغة عربية جميلة وراقية؟
دائما هي الشخصيات واحدة، ودائما يظل الموضوع فيها واحد أوحد، والذي هو موضوع السلطة والخيانة، أي تنازع السلطة والاستبداد بها، بدل اقتسامها مع الآخرين، وفي هذا الصراع يكون البقاء للخائنين، ويكون الموت المأساوي للشرفاء.. حتى لا أقول للأغبياء،
وقد يسأل سائل: ولماذا شكسبير؟
ومن حق هذا الكاتب المخاطر في مجال الإبداع أن يجيب: ولم لا شكسبير؟ وهل هناك إبداع حقيقي بدون مخاطرة؟ وهل يتحقق التجريب إلا بالمخاطرة؟
شكسبير إذن مرة أخرى، لأنه يمثل المركز في دائرة المسرح العالمي والكوني، ولأن لهذا المركز إشعاعه الكبير والخطير، وله جاذبيته أيضا، وله طقسه، وله مناخه، وله شعريته، وله لغاته، وله أبجدياته، وله سحره، ويخطئ من ينسب مسرحه إلى الماضي، وهو مسرح جديد ومتجدد وحداثي بشكل دائم، وهو معاصر لنا نحن ـ الآن ـ هنا، تماما كما كان معاصرا للذين سبقونا، وللذين سوف يأتون بعدنا، وهو غير قابل لأن يلحقه القدم، أو أن يلفه النسيان، وهو بهذا جديد ومتجدد في القراءات الجديدة والمتجددة، فهل كانت قراءة سعيد غزالة للمتن الشكسبيري قراءة جديدة ومجددة؟
بالتأكيد نعم، لقد فهم روح شكسبير بشكل جيد، وتمثل عوالمه المخيفة والمرعبة، فكانت النتيجة هي هذه التجربة الدرامية الصادقة والجديدة، وشكسبير لم يكن مؤرخا لأحداث ووقائع عصره مضت وانتهت، ولكنه كان مؤرخا لروح الإنسان، وكان مؤرخا لخياله ولنوازعه الباطنية ولأحلامه ولأوهامه ولطموحاته المشروعة واللامشروعة، لقد راهن على الثوابت في شخصية هذا الإنسان، ومن هذه الثوابت عشق السلطة عشقا جنونيا، عشقها لحد الخيانة، ولحد الغدر القاتل، فالأحداث التي وقعت في مسرحيات شكسبير يمكن أن تتكرر، ولكن بشكل آخر، وفي زمن آخر، وفي سياق آخر، وفي شروط موضوعية أخرى، ولعل هذا هو ما جعل هذا الكاتب يقبض على الأساسيات وعلى الثوابت، وأن يغير في المتغيرات، وأن يكون مجددا من غير أن يكون (خائنا) لروح الإنسان ولروح الأشياء ولروح التاريخ ولروح شكسبير أيضا.
هذا الاقتراب، لحد التماهي الصوفي مع كون شكسبير الفكري والجمالي، ليس بالأمر البسيط والهين، وكثيرة هي الفراشات التي طافت حول المصابيح المشعة بالنور حتى احترقت، وأرى أن هذا الكاتب قد جنبه صدقه وحبه للمسرح وللحياة وللفن عموما، أن يسقط، وأن يحترق، ولذلك فقد خرج من هذه المخاطرة وقد أصبح كاتبا حقيقيا، وأعطانا هذه الرؤية المسرحية الغنية بالحالات والمقامات وبالصور والمشاهدات وبالانفعالات الصادقة صدق الوجود والحياة، وأقول دائما إن من يحب المسرح يحبه المسرح، وأن من يعشق الكتابة تعشقه الكتابة، ولقد لمست هذا العشق المتبادل والمقتسم في هذه التجربة الدرامية، هو كاتب يعرف أن الكتابة في المسرح هي أساس المسرح، وأنها ذاكرته المستقبلية وأنها تاريخه الذي كان، وتاريخه الآخر الذي سوف نستعيده في الآتي من الأزمان، والكتابة الدرامية الحقيقية لا يمكن أن تكون إلا راقية، وهي بالتأكيد ليست السكيتشات، ولا هي السندوتشات الهزلية، ولهذا فإنني أحترم هذا الكاتب الشاب، وأقدر طموحه المشروع في تأسيس كتابة درامية راقية، وأهنئه بالمناسبة على هذه الخطوة الإبداعية الأولى، والتي أتوقع أن يكون لها ما بعدها، وأن يكون الآتي فيها أجمل وأشمل وأكمل.
ولعل أجمل وأخطر ما في كتابات شكسبير هو أنها مثل أمنا الحياة، يمكن تفسر ملايين التفسيرات، وأن تقرأ ملايين القراءات، وهي تقبل أن تعيد كتابتها برؤى مختلفة، وهي بهذا تعطيك الحرية في أن تكون مبدعا، بدل أن تكون متبعا، وأن تكون جديدا ومجددا ومعاصرا، بدل أن تكون تقليديا وسلفيا، وأن تكون حرا في قراءتك وتفسيراتك وتأويلاتك، وتعطيك الفرصة من أجل أن تفهم طبيعة الإنسان، وأن تغوص عميقا في وعيه ولاوعيه، وأن تفهم مساره الوجودي والتاريخي، وأن تعرف طبيعة مأساته، وأن تجد نفسك تستعيد معه سؤال الوجود ( أكائن أنا أم غير كائن؟) وتستعيد معه كل الأسئلة الوجودية الكبرى، وأعترف، بانتمائي الروحي والفكري والوجداني لهذه المدرسية الاحتفالية الكبرى، وأعتز بكوني قد عشت نفس هذه التجربة تقريبا، وذلك من خلال احتفالية ( عطيل والخيل والبارود) والتي كتبتها سنة 1974 بمدينة الخميسات، والتي شكلت في تاريخ المسرح المغربي الحديث منعطفا مهما وخطيرا، والتي نبهت المسرحيين إلى ما يسمى المسرح داخل المسرح، وأعتقد أن أجمل التجارب المسرحية في الكتابة، هي التي تحرضك على الكتابة، وهي التي تقول لك ( اكتب) والتي لا يمكن أن تقول لها ( ما أنا بكاتب) وتجد نفسك ـ ومن حيث لا تدري ـ ( تقترف) فعل الكتابة بحب، وهذا ما صلني من قراءة هذه الرؤية المسرحية، واقتنعت بأن من كتب ( دمى شكسبير) لا يمكن أن يكون إلا شاعرا، بالكلمة والصورة، ومحبا للحكمة، وعاشقا للكلمة الجميلة، وله إحساس حقيقي بقضايا الساعة، وله أسئلته الوجودية والاجتماعية والسياسية الصادقة، وإنني أزعم دائما، بأن مسرح شكسبير بشكل خاص، وبأن كل المسرح العالمي بشكل عام، يمكنهما تفسير كل قضايا العالم المعاصر، ولعل هذا هو السر في أن يعيد الكتاب اليوم كتابة نفس المسرحيات (القديمة) وأن يعيد المخرجون قراءتها، ورغم أن شكسبير قد (قال كل شيء) فإنه من الممكن أن نقول من خلال مسرحه اليوم (كل شيء) وهذا هو ما راهنت عليه هذه المسرحية، لقد انطلقت من مادة (قديمة) تمتلك داخلها طاقتها الحيوية المتجددة، وأخضعتها لتقنية التدوير، فكانت النتيجة هذا الإبداع المسرحي الجديد، شكلا ومضمونا، وروحا ورؤية..
نعم، هي مخاطرة بلا شك، وهي مخاطرة جميلة بكل تأكيد، ومشروعة أيضا، أن تصر على أن تولد كبيرا، وعلى أن تجرب اللعب مع الكبار، وعلى أن تطرح القضايا الفكرية الكبيرة، وعلى أن تسأل الأسئلة الوجودية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية الكبرى، وأن تبدع الجديد انطلاقا من القديم، وأن تكون قارئا جيدا، حتى تكون كاتبا حقيقيا، وما لا يعرفه الكثيرون هو أنه لا أحد يمكن أن يبدأ من الفراغ، وأن الأصل في الإبداع أنه تركيب جديد لمواد قديمة، وأن الخطورة لا تكمل في مواد البناء، في حد ذاتها، ولكن في الصورة التي يمكن أن تصير إليها، وهنا تحضر عين الفنان، وتحضر رؤيته، ويحضر خياله وحسه، وتحضره لمسته الجمالية، ويحضر سحره الذي يصنع المعاني الجديدة.
نحن اليوم أمام مسرحي شاب، وأمام تجربة إنسانية ناضجة، وأمام حالات وجودية غنية، وأمام كتابة مسرحية مستفزة، وأمام نموذج رائع لما يمكن أن تمثله الكتابة الدرامية المغربية في حقيقتها، بعيدا عن إشاعة ما يسمى (ما بعد احداثة) أو (ما بعد الدراما) أو (الحساسية الجديدة) أو (الدراماتورجية البديلة) لأنه في مجال الفنون لا مجال للحديث عن البديل، وهل يمكن أن نتصور وجود جمال فني يمكن أن يكون بديلا عن جمال فني آخر؟ فالجمال قيمة مطلقة، وهو لا يمكن أن يكون إلا بديلا عن القبح، تماما أنه كما لا يمكن أن يكون الحق إلا بديلا للباطل، وبمثل هذا الوعي يمكن أن نؤسس كتابة مسرحية مغربية وعربية حقيقية، وأن يكون الأساس هو إضافة الجمال الجديد إلى الجمال (القديم) وليس تخريب الكائن الحقيقي، وذلك من أجل بناء الممكن الوهمي والشبحي والغيبي، والذي قد يأتي أو لا يأتي، والذي لا وجود له إلا في الخيال المريض.
أعترف أن هذه المسرحية، عند قراءتها الأولى قد أدهشتني، وأمتعتني، وأقنعتني بأن الكتابة المسرحية المغربية بألف ألف خير، ولقد كان من حظي أنني قرأت هذه المسرحية بالتزامن مع مسرحية مغربية أخرى، والتي هي (زورق إيلان) للكاتب المسرحي محمد أمين بنيوب، ولقد تأكد لي بأن الجيل الجديد من الكتاب المسرحيين المغاربة يملك كلمته الجديدة، والتي على المخرجين المسرحيين أن يحسنوا قراءتها، وأن يترجموها إبداعا مسرحيا، قريبا مع الناس وهموم واهتمامات الناس، وأن ينقلوها لهذا الجمهور المسرحي الذي أغرقوه بالإعداد السهل وبالمقتبسات وبالمختلسات وبالمترجمات، وهربوه بذلك من مسرح لم يجد فيه روحه، ولم يجد فيه وجدانه ولغته وقضاياه.
ومباشرة بعد القراءة، اتصلت بكاتبها سعيد غزالة، وعبرت له عن فرحي بما كتب، وهنأته على رؤيته المسرحية الكونية، وعلى حسه الشعري الجميل، وعلى وعيه الفكري العالي، وعلى معجمه اللغوي الراقي الخلاق، وعلى انحيازه إلى الكتابة المسرحية وهي في درجة السمو الجمالي والفكري الراقي، لقد أسعدني أنني وجدت كاتبا مسرحيا مغربيا لا تأخذه موجة الشعبوية إلى الابتذال، ولا يراهن على السهل ولا على العابر ولا على السطحي ولا على السريع ولا على (لفراجة) الخالصة، وبدلا عن كل ذلك، فهو يراهن على كتابة مسرحية جادة، كتابة فيها أدب وفن، وفيها فكر وصناعة مسرحية، وفيها أسئلة ومسائل، وفيها فعل وانفعال، وفيها فهم وتفهم لقضايا الساعة، والتي يمكن أن تكون مسرحيا هي قضايا كل البشرية في كل زمان مكان، وكل هذا الإعجاز يتم بثمانية وعشرين حرفا من حروف اللغة العربية فقط، أي بدون تقنيات، وبدون آليات، وبدون ادعاءات، وبدون شقشقات ببغاوية تردد ما في الكتب االمترجمة.
لقد عبرت للكاتب، تلفونيا، بأنه لا يكفي لأن نلتقط (أخبار السوق) وأن نختار بعض النماذج البشرية المعطوبة في المجتمع، حتى يمكن أن نكون بها مسرحيين واقعين، أو أن نتبنى لغة اليومي، بكل ابتذالها، حتى نكون قريبين من الناس، ومن حيواتهم، لأن الأساس في المسرح هو أن يتحدث بلسان الحال، وأن يقول ما لا يقال، وأن يكشف عن الجانب المقموع في الواقع، وأن يحرر في الإنسان طاقاته المكبوتة، وأن يقربه أكثر من إنسانيته ومن مدنيته ومن حيويته التي اعتدت عليها العادة، ومسختها الآلية، وحولت الإنسان إلى مجرد دمى متحركة، دمى بلا حياة، ولقد اقتنعت دائما بأنه يمكن تفسير كل مآسي العالم اليوم، وذلك من خلال قراءة مسرحيات شكسبير، أو من خلال إعادة قراءتها، ولقد صدق ذلك الكاتب الانجليزي الذي كتب كتابا وأعطاه اسم (شكسبير معاصرنا) وهو فعلا كذلك، وهذا ما تنبه له هذا الكاتب، عندما طرح مسألة السلطة والخيانة من خلال خمس شخصيات مأساوية لشكسبير والتي هي الملك لير وماكبث وهملت وعطيل المغربي ويوليوس قيصر الروماني، ولقد قلت دائما بأن الحقيقة ثورية، وبأن عظمة شكسبير تكمن في أنه راهن في مسرحه على هذه الحقيقة الأبدية والسرمدية، أي على حقيقة الإنسان، والتي لا يمكن أن يغيرها تبدل الأحوال والأزمان، وعليه، فمن غير المنطقي أن تجد كثيرا من الكتاب المسرحيين يبحثون عن الجديد، مع أنه (لا جديد تحت الشمس) وأن الجديد الحقيقي موجود دائما في العين الجديدة، وفي الرؤية الجديدة، وفي العلاقات السليمة والجديدة، بالناس وبالأشياء وبالأمكنة والأزمنة، وموجودة في الإحساس الجديد، وفي المتخيل الجديد، وفي الفهم الجديد والمجدد، للكلمات والعبارات والحالات، وبذلك، فإنه لا يعقل أن نكون طائفيين في مملكة الفن، والتي هي مملكة ديمقراطية بكل تأكيد، أو أن نكون عنصريين فيها، أو نكون شعوبيين، وأن نؤمن بصراع الثقافات أو صراع الحضارات أو صراع الأجيال أو صراع الحساسيات، وهل يصح أن تدعي جهة من الجهات أن (حقيقتها) هي وحدها الحقيقة، أو أنها أحسن من حقيقة الآخرين، أو أن جمالها هو وحده الجمال، وأنه أجمل وأكمل من الجمال الموجود عند الآخرين؟ ولقد أدهشني في هذا الكاتب المسرحي أنه في كتابته لا يساير موجة (الموضة) ولا ينحاز لصرختها العالية، وهو يكتب بهدوء وبرصانة، مراهنا في المسرح على روح المسرح، وعلى جوهره الحقيقي، والذي تمثله الكتابة الدرامية، والأساس في هذه الكتابة هو الذي تمثله الشخصية المسرحية، وتاريخ المسرح الإنساني، من بداياته الأولى إلى الآن، هو تاريخ المأساة الإنسانية وتاريخ الملهاة الإنسانية، ويتم التعبير عن كل هذا من خلال قناعين اثنين، أحدهها ضاحك والثاني باك، وهل هذه الحياة إلا دمعة وضحكة؟ وما الذي يمكن أن يبكينا غير مآسي الناس، وما الذي يمكن أن يضحكنا غير حماقاتهم الغريبة والعجيبة؟
تقوم بنية مسرحية (دمى شكسبير) على وجود مسرحيتين اثنتين في مسرحية واحدة، المسرحية الأولى أبطالها الملك لير وماكبث وهملت وعطيل ويوليوس قيصر، وتدور أحداثها في أمكنة وأزمنة مختلفة، أما المسرحية الثانية فبطلها إنسان بسيط من هذا الزمان، يشتغل حارسا للمسرح، ويعشق المسرح عشقا جنونيا، ويحلم بأن يصبح ممثلا، ويعبر عن هذا الرغبة بقوله (هل أستطيع أن أنتعل حذاء الملك أو الأمير؟ أن أضع على رأسي التاج أو أمسك بالصولجان؟ هل أنا قادر على سكب العطر وإشعال فتيل الافتتان؟ هل أكون ذلك الذي كان؟)
كل هذا الإيهام المسرحي تحركه شهوة التمثيل لدى حارس يعيش في المسرح، ويتنفس المسرح، ويرافق شخصيات المسرح، ويجسده اللعب المسرحي الجاد، وتمليه الرغبة في الدخول إلى أرواح ونفوس وعقول الشخصيات المسرحية، والتي لها إغراءاتها وغواياتها على الذين يعشقون المسرح، وعلى الذين قد يصل بهم هذا العشق إلى حده الأقصى، والذي هو حد الجنون وحد الانتحار، ونحن في هذه المسرحية أمام مغامرة خطيرة، مغامرة الخروج والدخول بين عالمين اثنين متداخلين، أولهما عالم واقعي والثاني هو عالم وهمي متخيل، ويبقى السؤال التالي يطرح نفسه بعد قراءة المسرحية: أين يلتقيان؟ وعند أية درجة يفترقان؟
وآخر الكلام، أن مستقبل المسرح المغربي قد ربح كاتبا، وأن الحركة المسرحية المغربية والعربية قد تعززت بهذه المسرحية الجديدة، والتي اختار لها كاتبها اسم ( دمى شكسبير)
قرأه محمد بلغازي
حارس المعبد يحرك دمى شكسبير
في البدء كان الحلم، تبلورت بداخله ذوات وحكايات أفرزت إرهاصات ما قبل الميلاد، وحين تفجر الحلم ظهر حارس المعبد بحمولة ركحية يداعب دمى كانت ذات زمكان في أوج الصولة والصولجان مخضبة بالعنفوان ترسم معالم السطوة تارة وتارة سرابات حزن ويأس وكآبة ..
حارس المعبد / المسرح / لم يكن يوما ممثلا أو صانع ديكور ولكنه كان وما يزال شاهدا على ملاحم شكسبيرية أبطالها ملوك وأمراء وأعيان تحولت في هذا السفر والسفر إلى مجرد دمى يحركها وفق تسلسل مرتبك استهله الملك لير في جدلية الأعيان والعامة رافضا المناداة باسمه ..وكذلك حارس المعبد الذي تحول في سياق الحزن إلى ماكبث يعاتب ساحرته، باحثا عن رأسه المفصول عن جسده … وبلا قطرة دم على الركح يواصل حارس المعبد هوسه المسرحي مداعبا دمى شكسبير ليتوقف عند هاملت أميرا دانماركيا موشحا بمأساة عناصرها الخبل , القتل، الغدر والخيانة.. إلا أن لحكايته مع عطيل نكهة أخرى هذا الحارس المهووس بدمى شكسبيرية تائهة في الزمكان التاريخي والإبداعي وفي غياب ديدمونة عن المشهد ارتبك العشق هنا واستحالت الفروسية إلى مجرد وهم يحمل سيفا من خشب .
حارس المعبد / المسرح / يردد : حتى أنت يا بروتوس؟ على لسان يوليوس قيصر الغارق في عشق كيليوباترا على حساب روما لينزف أمام علية القوم حتى الموت غدرا أو انتقاما أو أي دافع آخر .. المهم مات حارس المعبد وهو يقلب أجثات ملوك وأمراء وشخوص بلورية أنهكها الزمن بكل امتداداته ,مات عشقا لشخصيات لبسته فلبسها افتراضيا وقدمها على ركح الحلم ليلتقطها الفنان سعيد غزالة ململما أشلاءها ويصنع منها دمى صارخة في صمت ..
رشيد الياقوتي