بقلم رشيد الياقوتي
فيما يرفل نجوم السينما والمسرح في أثواب من الغنى المادي، تحت أضواء النجومية في بلدان تقدر الفن والفنانين، نجد السواد الأعظم من فنانينا يرزحون تحت وطأة الفقر المذقع وهم يتجرعون كؤوس التهميش وشظف العيش، وهم مئات من الفنانين والفنانات ممن قضوا نحبهم ومنهم من لا زالوا على قيد الموت البطيء لأنهم لا يتذوقون معنى الحياة في ظل الظلم الفني وغياب العدالة الفنية، ولأنهم على وجه التحديد لا يتقنون مهنة التمسح بالأعتاب والأحذية مقابل الحصول على دور بئيس وتعويض بخس. ولأن عزة النفس أصبحت قيمة نادرة الوجود فقد ساد التطفل والمحسوبية في معترك الفن وتعملقت شرذمة من أشباه وأنصاف الفنانين ممن حازوا نجومية زائفة ومجدا من ورق سرعان ما خبا بريقه بعد شهور معدودة.
في غمرة هذا البؤس ظلت الفنانة المغربية الممثلة كوثر ضمير تكابد في صمت بعد عطاء متواصل. وقد اتسمت أعمالها باحترافية عالية، يشهد عليها ذلك التنوع في الأدوار والمدارس الفنية التي تنقلت بين أقسامها، طيلة فترات متقطعة الإنتاج.
- لقد عانقت الفنانة كوثر ضمير تجارب فنية عديدة، حيث شاركت في أعمال ناجحة، منها “ثمن الرحيل” من إخراج محمد الطريبق، و “فطومة” من إخراج حميد باسكيط.
كما أبانت عن علو كعبها في الأداء المسرحي بصحبة الراحل عبد العظيم الشناوي في مسرحية “بين البارح واليوم” و” رجل من شمس” من إخراج محمد عفيفي، بالإضافة إلى تجربة غنية بالمسرح الجامعي.
وقد إنتبه الفنان الكوميدي والمخرج السينمائي سعيد الناصري إلى موهبتها فشاركته التمثيل في عدة سلسلات متلفزة بارزة، لا زالت إلى يومنا هذا تحظى بنسب مشاهدة عالية على قناة اليوتوب، أهمها “الربيب”، “العوني” و ” نسيب الحاج عزوز”. كما ظهرت في فيلم وثائقي من إخراج طوني ميتشل عنوانه “مصر القديمة”.
هكذا ظلت الفنانة المميزة كوثر ضمير تتنفس فنا وإبداعا وهي تشتغل في صمت غير عابئة بالنجومية أو بالبحث عن الثروة المادية في بلد لا يختلف فيه مدخول الفنان كثيرا عن مدخول البائعة المتجولين في أزقة المدن العتيقة، (كل نهار ورزقو).
تعتبر حالة الفنانة كوثر ضمير امتدادا لمسلسل من التهميش طال فنانين كبارا إذ عاشوا ضحايا جملة من الإختلالات التي تطبع سياساتنا السمع-بصرية والثقافية، حيث أصبحت الزبونية العملة الأكثر تداولا ورواجا في برصة الفساد الفني والثقافي.
غير أن الضربة القاضية سددتها الشركة الوطنية للتلفزيون والإذاعة التي تحولت إلى قناة تركية تقدم أفلاما رخيصة مدبلجة تلتهم قسطا كبيرا من البث التلفزي على حساب الإنتاج الوطني الذي توفاه النسيان، حيث لا يظهر إلا في شهر رمضان مع سيتكومات رديئة لا تقنع حتى مؤلفيها و منتجيها.
ولأن كوثر ضمير، بتعبير المثل الدارج، ليست لها عمة في العرس، فقد طالها النسيان والإجحاف حيث أصبح أغلب المنتجين وبعض المخرجين يبحثون عن “وجوه فنية” جميلة الشكل و تثير غرائز المشاهد، من عارضات الأرداف وممتهنات الحفلات الخاصة بحثا عن النجومية والمال السهل.
يحدث هذا في غياب أي وازع أخلاقي أو رقيب فني يضع حدا للتسيب الذي اكتسح المجال الفني مع كل ما يستتبع ذلك من إهدار للمال العام دون حسيب أو رقيب.
وفي حوار أجريناه مع الفنانة كوثر ضمير، صرحت هذه الأخيرة أنها لا تطالب بأكثر من حقها في الشغل لتصون كرامتها وتكسب قوتها بعرق جبينها.