مونودراما قلنديا (التركيب الأخير) الخروج إلى الحرية

سعيد غزالة

(عابر في ضباب كثيف..)
عابر:
حنَّا، أتعلمين أنك كنت أنت الرسم؟ أنت التماهي ولقد تناجت أرواح الأرض الشهيدة بمدح الحسن فيك وحاكت روحا فيك فأنت الآن ملاكي والروح في قبل أن تكون فيك.. ها أنت تماديت في الحسن فهب من فزع الإطار بشر.. جسد ينبض بكل آهات الحياة والحب والشوق والحنين.. ها أنت، يا حنَّا، بعد كل هذا المسير وهذه الحروب الحمقاء تخرجين لي بكل المفاتن فتمررين كفيك على كمدي فتكوني سندي.. ولتعيدي لأوثار الروح نغماتها الجفلى.. ها أنت تعودين بعد رحلة معاكسة كنت أجر لها وتجرين لها ولما انقطع الحبل كان العناق جوابا على أن الجر كان جرا للقيانا وإن تبدى للوهلة الأولى جرا عكسيا.. حنَّا، كنت أجر لك وبك كنت أجر حتفي اليقيني.. أموت فيك لأحيى لك.. وأحيى حنينا لأنقش شاهد قبري بخطبتي وأعلن فيها المصير.. هو مصير مشترك بيننا.. هو المصير البشري الذي يبتسم سخرية من سخفنا وتفاهة التفكير وصفاقة التدبير وهزالة التسيير.. كان الرسم أنت.. وكانت الفرشاة في اليد أناملك الندية ترسمك بي.. كنت أرسمني فيك عاشقا بلا هوية.. ولما اكتمل الرسم كنت أنا الهوية والآخر النسخ والفسخ.. اكتمل الرسم ليعلن لي ولك أن العبور قصور.. وأن الوطن هو الزمن.. وزمننا توقف وجمع كل أغراضه فلم يبق له مقام في حياة كل ما فيها مكرر غير محرر.. كل المفاهيم والمعاني تحمل حقائبها فلم يعد لها مقام في زحام الجذب الدموي..
اكتمل الرسم وملأ كل الفضاء.. هو السماء في صحوها والأرض في ربيعها.. وأنت الكوكب الذي ضهر ضياؤه بكل الألق الليلي الليلكي الملكي..
اكتمل الرسم وكان العناق لغة العبور الأمثل.. اللغة المثلى لعزف لحن الخلود الأبدي لأجل لقاء باذخ الإحساس.
حبك يقيني ويقيني موتي وموتي شهادة وشهادتي لحن نضال الأمة، الولادة، فلترددوا يا أجيال الغد هذا اللحن الأوحد لحن عابر الغابر الظاهر.. لحن الأم الرؤوم وهدير الأب الرؤوف الناعم في الدعاء ودمعة الاشتياق.
حنَّا، تكرمي يا امرأة امتشقت المحبة دستورا والفن عمرا تعيشه بكل الجوارح.. تكرمي ولتطأ قدماك سماء صلاتي، فالدعاء محفوظ والاستجابة رضا.. ورضا الله محبتي، الوطن لي كما كل ألعابي الصغيرة التي ستبقى تنتظرني.. وجريدتي ستظلل صغيرتي.. متعتي أن أجري لعلي أجد مغرسا لجريدتي أو محتدا لنخلتي.. هو الحقل ذاك يمتد وينضح أقحوانا وزعترا.. وسننشد نحن مجمع الأطفال قصة الخلق الأول، قصة الحصان الطائر والجندب الحزين الطائر اللقلاق صانع أبراج مراقبة المحبة والجمال.. نعم، حنَّا إنه رسمك هذا الساحر الذي تمادى في تشكيلي وتحويلي وخضخضة الصارخ نضالا في قولي ومقالي..
عابر.. أنت العابر..
كل البحار مخرتها سفن مسافر..
والأرض كلها فجاج ومعابر..
الطفل الصغير سيبقى طفلا..
ولطفلته وأحلامها لن يغادر..
لن يغادر.
سنسافر ونقامر ونسامر
وميعادنا عند كل عبور..
أفراح وأعراس وتزاور.
عابر .. أنت العابر..
معراج القلوب يتلو صلاته الأخرى
وإسراء النفوس تستغفر للأسرى.. وحنيني أنيني
والجدار انحنى هذا عريني
تمايل عند الصحو
أسكره اللهو فهو قريني..
ولأني مؤمن حتى النخاع
سيدين هذا القرين لديني..
عابر.. أنت عابر..
وهذا الإسفين في جذر النخلة
ولن أغادر..
تصافوا واعلنوا العبور
فلقد طرزت آخر خطاب للبشرية
وأعلنت عرس الشهداء بلا تعريف
أنا الكاتب الصاخب
والرسام الكاتب
والحاكي والشاكي
والفقيه المخاطب
والمفتي المشاغب
بكل المذاهب
معلن المصائب والعجائب
الوطن لي..
الوطن لي..
الوطن لي..
ولي..
ولكم المناهب
و.. المناصب.