سعيد غزالة
2
(عابر يلقي خطابا)
عابر:
الشمس تشرق كل يوم ولا تعلن الحرب على أحد.. كل الظواهر الطبيعية وكل الأشياء المرئية والغير المرئية لا تعلن حربا ضد أحد.. كل المخلوقات تتعايش.. تتصارع من أجل البقاء، لكنها لا تتظالم! ولا تعلن حربا ضد أحد، الدود ينخر الجثث.. هو يقوم بمهمته على الوجه الأكمل ولا يعلن حربا ضد أحد.. الروح لا دخل لها في تحلل جثثنا أو فنائها.. الروح خالدة.. ولا تضمر الشر لأحد.. عندما تنسلخ الروح بقسوة من الجسد تتحرر منه.. تتماهى مع محتدها.. تعود طوعا إلى النور وتأسف على حياة قصيرة ساهمت في كل الحروب التي أعلنها الإنسان ضد الإنسان.. حياة قصيرة عشقت فيها الدماء حرارة الدماء، وسفك الدماء ينادي سفك الدماء.. زج الأعناق وهتك الأعراض وكل فعل النفس التي تلهو بألعابها كأي صغير يستبيح كل اللعب من أجل الاكتشاف والتخريب!!
وتبقى الشمس تشرق كل يوم ولا تعلن الحرب ضد أحد.
أنا الخطاب. والخطاب تناسج من روح حنَّا.. ولأني هنا هي في كل المكان فقد حان الحين لتطريز المعاني ورفع الحجاب عن المعنى وتحرير الصواب.. أنا الخطاب الذي رقنَ حروفا وعذابا في جسد التاريخ المنهوك بالتزوير المنهوك بالتدوير وتلاوين التنوير على بقايا القهر ومغالطات الظلم والتقرير.. أنا الخطاب وسأتلى عليكم بصوت جهوري اكتسب من أحلام طفل صغير كان يوما يحن إلى صناعة ظليلة لطفلة صغيرة.. الصوت، يومها لما حرم هذا الحلم، صاح في داخله بصمت مقهور مرعوب.. وها هو الآن وهنا سيبدأ بنفس الإحساس لكن بعد أن طلق كل أسباب الخوف والقهر الغير مبرر.
لماذا؟
لماذا اغتصبتم أحاسيسنا وجعلتم منها أسبابا لقعرنا؟ لماذا حرمتمونا من الخوف الحقيقي الذي ينعش خلايانا ومناعتنا بالمقاومة؟ لماذا جعلتم من إحساس الخوف الجميل سلاحا للرعب للموت الأزرق؟ لماذا في ساعة جعلتم من الحب شعارات ومن الوطنية ترفا فلسفيا؟ أتعلمون أننا نموت لنحيى؟ ولأننا لم نحى إلا في حدود ضيقة فإننا نعشق الحياة كما هي.
ستقف البشرية يوما ها هنا (تذكروا) لتعلن توقفها ولتضع الحياة أمام العالم وأمام الرب تنتظر جوابا.. لم يعد مقنعا هذا التسليم.. لم تعد مقنعة كل تلك الدساتير والمواثيق.. ولا هذا الغلو في تزيين الحياة الحياة وهي تنزف قهرا.. لم يعد مقنعا هذا المسير المطأطئ للهامات فتيلا.. انتهى كل هذا العبث واستنفذ كل ألاعيبه.. إننا عرايا أمام كل المرايا.. لم يعد الكلام ولا الشعر ولا الخطابة ولا ولا ولا تنفع لأن نكتب التاريخ.. ولأن القلم جف من مداده.. وتكلست العقول نضب معين الحب للإله.. فلا مجال لأن نعيد طلاء جدران اللقاءات أو إعادة صياغة الديباجات والتمهيدات والتوطئات وكل زغاريد أعراس النفاق والبيع والشراء.. لقد تماديتم في كوابيسكم ولم يعد للحلم متسع في الفراش.. ولأن الدفء طلق كل الحميميات.. فليعيدوا ترتيب المفاهيم ولنحرق كل الكتب وتجريد كل النخب من المناصب والمزايا فلا يتساوى الحق إلا والكل عرايا.. حان الوقت.
هذا الخطاب لك أيتها البشرية.