الفنان الكبير الحسين السطاتي لجسر التواصل : القراءة والكتابة ومتابعة مستجدات المجال الفني هي طقوسي في رمضان

جسر التواصل5 مايو 2021آخر تحديث :
الفنان الكبير الحسين السطاتي لجسر التواصل : القراءة والكتابة ومتابعة مستجدات المجال الفني هي طقوسي في رمضان

أجرى الحوار: محمد نجيب

جريدة جسر التواصل: مرحبا بكم في جريدتكم “جسر التواصل”، ورمضان مبارك، بداية كيف تمر الأجواء الرمضانية بالنسبة للفنان الحسين السطاتي ؟
الحسين السطاتي: بسم الله الرحمن الرحيم، شكرا لمنبركم الإعلامي “جسر التواصل” على هذا التواصل المستمر عن بعد، وعلى هذا الجسر الفني الثقافي والأدبي، العلمي والإعلامي المتميز..المبني على الثقة والمصداقية والذي يربط الفنان بالجمهور، أقول لكم وللجمهور الكريم رمضان مبارك وكل عام وأنتم بخير، اللهم نجينا من هذا الوباء والعناء.. والله يحفظ بلدنا وملكنا، والله يحد البأس من جائحة “كورونا”، والله يرحم الموتى ويشفي المرضى من هذا الداء، والوباء البلاء.. الحمد لله بالنسبة إلي الأجواء الرمضانية تمر في أحسن الأحوال والظروف، يعمها الجو الرمضاني التعبدي الروحاني، رغم القيود الصحية التي تفرضها علينا إجراءات وباء “كورونا” المستجد، “كوفيد 19″، ورغم هذه الظرفية فالأجواء فهي تمر بين عبادة وعمل وقراءة وكتابة.

جريدة جسر التواصل : ماذا يمثل شهر رمضان بالنسبة للفنان للحسين السطاتي؟
الحسين السطاتي: شهر رمضان بالنسبة إلي هو شهر الصيام والصوم..شهر المغفرة والتواب، شهر العبادة والتهجد والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، شهر العلاج الجسدي العضوي والنفسي، ومراجعة صلتي بخالقي، وتقويم أعمالي ومصالحة الذات.

جريدة جسر التواصل: كيف هي نظرتكم لرمضان اليوم بالمقارنة مع رمضان الأمس؟
الحسين السطاتي: طبعا هناك فرق كبير بين رمضان اليوم ورمضان الأمس، العالم يتغير ودائما في تطور وتجدد مستمر، تغييرا في الثقافة وفي الغداء. بالنسبة إلي شخصيا وبصفتي بدوي من ريف بادية أولاد سعيد “اقليم سطات”، كنا غالبا ما نقضي رمضان سنوات الثمانينات والتسعينات في العمل في الحقول حسب الموسم الفلاحي، إذا ما تزامن ذلك مع العطلة المدرسية، فكنا نحس بالصيام بما في ذلك من تعب وعطش وجوع.. وفي المساء عند الإفطار تلتف العائلة حول مائدة متواضعة، لنخرج بعد ذلك إلى باحة الدوار حيث الصبيان يلعبون “الدينيفري”.. والكبار بعد أدائهم للصلاة يلتجئون إلى جانب الحانوت الوحيد بوسط الدوار، يلعبون الورق ويتسامرون. لم تكن إنارة عمومية ولا هواتف محمولة بالبادية، وأحيانا بعد صلاة التراويح في الصيف كنا نعود للعمل الفلاحي إلى حين اقتراب موعد السحور.. أما اليوم فقد تطورت وسائل تكنولوجيا المكننة والرقمنة، وبعد انتقالي للعيش بالمدينة رفقة عائلتي وفي ظل توفر وسائل التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنيت، سواء عبر الهواتف الذكية أو أجهزة الحواسيب، صار بإمكاني وأنا بداخل مكتبي بالمنزل التواصل عن بعد، وصلة الرحم مع الأصدقاء والأهل والأحباب، وتتبع ومعرفة ما يجري بدوارنا وحتى بمناطق مختلفة عبر العالم.. كما يمكنني التواصل مع البرامج الإذاعية والمنابر الإعلامية، والدخول في نقاشات حوارية داخل مجموعات عبر تطبيقات التراسل الفوري..الحمد لله على نعمة العلم، لقد أتاح لنا التقدم التكنولوجي ما لم يكن متاحا للأسلاف العيطيين، لكننا افتقدنا حميمية اللقاء والتواصل المباشر، ومتعة الجو الرمضاني بما فيها من صلاة التراويح بالمسجد، والنشاط الرمضاني الليلي، وخاصة هذين العامين الأخيرين بسبب التدابير الوقائية الاحترازية للحجر الصحي الليلي الذي تفرضه علينا احتياطات تجنب انتشار عدوى وباء كورونا، أما عن المائدة فالحمد لله الخير موجود والله يديم نعمة الأمن والأمان على المغرب بلدنا الحبيب.

جريدة جسر التواصل : ما هو برنامجك اليومي خلال هذا الشهر الكريم؟
الحسين السطاتي: فعلا لذي شبه برنامج يومي بما تفرضه أجواء الحجر الصحي الليلي الذي فرضه علينا فيروس “كورونا كوفيد19 المستجد”، وقد برمجت وقتي كي أستفيد من هذه المحنة وأجعل منها منحة، وفعلا ركزت على الكتابة في روايتي بعنوان “عيطة بيضاوية”، والكتابة في فصول الجزء الأول من سيرتي الذاتية بعنوان “عيطة دموع الخيل”، كما أقوم بقراءة روايات كانت تنتظر في الرف..حيث أستيقظ غالبا حوالي الثامنة صباحا، أتصفح هاتفي الخلوي بإطلالة على بريدي الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي لأبقى على تواصل عبر حساباتي على الأنترنيت مع الجمهور وأتابع مستجدات الحقل الفني، وأقوم بالقراءة في بعض المنابر الإعلامية في نسخها الالكترونية، بعذ ذلك أطل إطلالة خفيفة على الأخبار ببعض القنوات التلفزيونية، وأخرج حوالي العاشرة صباحا أتمشى وأتسوق ما أحتاجه، ثم أعود إلى المنزل حيث أستأنف الكتابة، إلى وقت الصلاة، أصلي الظهر ثم أتفحص هاتفي إلى ساعة القيلولة حيث أغفو نصف ساعة وأقوم أصلي وأقرأ القرآن ثم أقرأ في كتاب، وقبل موعد الإفطار بساعة أو أقل أدخل غرفة الموسيقى وأقوم بداخلها بحصة رياضة أو أتريض بالغابة القريبة مني..وخلال وبعد وجبة الإفطار مع زوجتي وأبنائي أشاهد برامج التلفزيون المغربي، وبعد الصلاة أتفحص من جديد هاتفي ثم أدخل أحيانا غرفة الموسيقى أتمرن على الكمنجة وعلى جديدي الغنائي القادم إن شاء الله، بعد ذلك أعود من جديد إلى الكتابة.. أتناول وجبة السحور حوالي الثانية صباحا، وأتصفح القنوات الإخبارية إلى أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر فأقوم أتوضأ وأصلي وأنام، وقد أخرق فقرات هذا البرنامج إذا ما كان هناك تواصل عن بعد مع أفراد المجموعة الموسيقية، أو أجري حوارا فنيا مع موقع إلكتروني أو برنامج إذاعي، أو مع مجموعات حوارية على “الوات ساب”، وإذا استدعى الأمر أخرج من المنزل في النهار لقضاء أغراض عند الحاجة الملحة.

جريدة جسر التواصل : هلا تدلي لنا بكتاب قرأته أو برنامج أو فيلم تشاهده أو شاهدتهفي رمضان؟ الحسين السطاتي: أنا مدمن قراءة .. وأجد متعتي في ذلك، قد أقرأ من ثلاثة إلى عشرة كتب في الشهر، طبعا أقرأ آيات من القرآن الكريم كل يوم، وأحيانا أقرأ كتابا أدبيا في اليوم إذا ما كنت في مزاج رائق ومتفرغ للقراءة .. تتوزع قراءاتي بين الرواية والقصة وكتب علم النفس والتاريخ وكتب البحث في التراث الشعبي.. وآخر كتاب بين يدي خلال هذا الشهر الكريم أنني أعيد قراءة رواية “لقيطة اسطنبول” للكاتبة العالمية التركية “إليف شافاك”، وهي رواية رائعة تغري بإعادة قراءتها عدة مرات،.. وأحيانا أتفرج على فيلم مع زوجتي وأبنائي أو أشاهد برنامجا وثائقيا. جريدة جسر التواصل : ماهي طقوس الحسين السطاتي في هذا الشهر المبارك؟ الحسين السطاتي: الله يبعد عنا هذا الوباء، ونعود لحياتنا الطبيعية ونستأنف أنشطتنا الفنية والثقافية، لقد كانت لذي طقوسا كقضاء بعض الأيام بالبادية وسط الجنانات، وبين أحواض النعناع، والتمتع بجو الحصاد وبالجو الروحاني الرمضاني بالريف، وصلة الرحم مع الأهل والأحباب، لكن بحكم الحجر الليلي المفروض لم أسافر، وأكتفي بصلة الرحم عن بعد بالهاتف الخلوي والتواصل مع الأصدقاء عن بعد. وقد سبق لي وأن نشرت على حسابي الفايسبوكي سلسلة ندوات ومقالات حول فن العيطة كنت قد أجريتها عن بعد مع صرح فني وثقافي وأدبي وعلمي يحمل اسم “اللمة الشرقاوية وأهل أبي الجعد”، وهي مجموعة تواصلية حوارية عبر تطبيق “الواتساب”، تجمع خيرة من المثقفين إخوان وأخوات من مختلف التخصصات، وكان لي الشرف أن أكون من بين الفنانين المنشطين عن بعد لهذه اللمة العائلية، وخلال هذا الشهر أعيد تنقيح هذه الندوات والمقالات كي أصدرها في كتاب إنشاء الله بعنوان “فن العيطة بين نظرة الاحتقار ورد الاعتبار”… جريدة جسر التواصل : ماهي أكلتك المفضلة في رمضان؟ الحسين السطاتي: لست أكولا ولا شرها، أكتفي بما هو موجود، لكنني أحيانا وحسب المستطاع أفضل الأسماك والسلاطة. جريدة جسر التواصل : هل من ذكريات حافرة في ذهنك مع رمضان؟ الحسين السطاتي: طبعا رمضان بالنسبة إليً حافل بالذكريات منها الأليمة والجميلة؛ الأليمة لما كنت دركيا ضابطا للشرطة القضائية.. فغالبا ما كنت أقضي عشية رمضان رفقة زملائي الدركيين في المشاحنات والجري وراء تجار المخدرات والمتشاجرين “المرمضنين”، ومعاينة ضحايا حوادث السير وقضايا الضرب والجرح بالسلاح الأبيض، أو الملاسنات مع السائقين المخالفين لقانون السير …بالقرى والمدن الصغيرة التي عملت بها، إذ غالبا ما كنا نتناول وجباتنا الرمضانية خارج المنزل، وهذا بالطبع عملنا الطبيعي الذي كنت أتقاضى أجرا عليه، ورغم ذلك في خضم هذا الجو المشحون بالجريمة والدم كانت هناك ذكريات كثيرة جميلة بالدرك الملكي، والأجمل أتذكر بحنين أجواء رمضان بالبادية حيث كنا نعيش البساطة في كل شيء، نعمل بالنهار في الفلاحة وبالليل نجتمع نحن مجموعة من أبناء الدوار ونقطع مسافة ثمانية كيلومترات على الأرجل لنصل إلى”الفيلاج”، مركز قرية “أولاد عبو”، نسهر بالمقاهي الشعبية ثم نعود راجلين، وصرت الآن أتذكر تلك الأيام بحنين أعدها من الزمن الجميل. جريدة جسر التواصل : معروف عنك أنك “أجودان” للدرك الملكي متقاعد، كنت ضابطا للشرطة القضائية، فكيف جاء هذا التحول من الضابطة القضائية إلى الأغنية العيطية؟ الحسين السطاتي: قبل أن أكون موظفا بسلك ضباط الصف للدرك الملكي، كنت فنانا شعبيا ممارسا لفن العيطة، وكوامنجي ل “رباعة الشيخات”، إذن فالشيخ الحسين السطاتي الفنان، قبل الحسين المحبوب الدركي ضابط الشرطة القضائية، وبعد حصولي على التقاعد ربيع سنة ألفين وستة عشر عدت من جديد إلى هوايتي المفضلة وعشقي الفني “العيطة”، ولا أنكر فضل إدارة الدرك الملكي علي، لقد كونتني ماديا ومعنويا، إن هذه الإدارة الدركية المحترمة قد أعادت تربيتي، وكونت شخصيتي وقوت ثقافتي، لهذا أنا ممتن لها بالكثير. وشكرا لكل من ساهم في تربيتي وتعليمي وتكويني وتثقيفي.. جريدة جسر التواصل: لماذا بقي الفنان الحسين السطاتي وفيا لفن العيطة ولم يتوجه لأي شكل من أشكال الفنون الموسيقية الأخرى؟ الحسين السطاتي: يقال من شب على شيء شاب عنه، كما يقال أن الإنسان ابن بيئته، وفن العيطة هو فن تراثي مغربي أصيل، وارث ثقافي وحضاري يحق لكل مغربي أن يفتخر به، وهو نشيدي الأول، إذ أن المراعي والحقول بالبادية هي بمثابة المعهد الموسيقي الأول الذي تلقيت فيه أولى أبجديات فن العيطة، وبحكم أنني بدوي من ريف منطقة سهل الشاوية، فهذا النوع الموسيقى هو الفن الذي كان سائدا أنداك بقوة خلال سنوات السبعينات، والثمانينات من القرن الماضي، ومازال يلقى إقبالا وإشعاعا إلى يومنا الحاضر، وخاصة “العيطة المرساوية”، بمنطقة سطات..حيث لم يكن هناك إشعاع لأي نوع موسيقى آخر متداولا بالمنطقة ك”الراي، أوالهيب هوب، أو الراب، أو الملحون، أو الأندلسي…”، فجميع الحفلات ومناسبات الأفراح بالمنطقة كانت تُنشِطها فِرق “الشيخات والثنائيات واللعابات”، بما في ذلك حفلات الزفاف والعقيقة، والختان، والنجاح الدراسي، وحفلات الخروج من السجن، وعودة الغائب، واستقبال وفود مخزنية أو شخصيات سامية، وكذلك في المناسبات الدينية والوطنية، وحتى العائدون من أداء فريضة الحج كان يتم استقبالهم بفن العيطة وبالشيخات، لهذا تشبعت وارتويت من نبع هذا الفن، فهو الموسيقى التي أعشقها، هذا الموروث الثقافي اللامادي الأصيل الذي يُشكل جزءا من هويتنا المغربية..إنه فن الأجداد الأسلاف علينا أن نحافظ عليه، ونعتز بهذا الموروث الثقافي الذي ظل مخلصا لبيئته ومحيطه البشري والطبيعي بمناطق مختلفة بالمغرب، بل اكتسح جل الطبقات الاجتماعية، سواء من خلال الموضوعات المتنوعة أو الإيقاعات والأنغام…الشيء الذي يؤكد أصالته وانغراسه في الوجدان الشعبي المغربي، ويعطيه مشروعية الانتماء بكل جدارة واستحقاق إلى خزان فنوننا الشعبية التراثية الأصيلة. وبصفتي فنان شعبي شيخ للعيطة، موسيقيا ومغنيا ومهتما بهذا التراث، سأظل وفيا ومخلصا لهذا الفن، بصفتي البدوية، ذلك الرجل الريفي الخشن الذكوري، فقد منحتني نشأتي البدوية تعلقا كبيرا بهذه الموسيقى، وإني أحمل على عاتقي إظهار ارثنا الحضاري العريق في أعمالي الفنية الغنائية، كما ستكون العيطة حاضرة في كل كتاباتي الأدبية السردية؛ من بحث ومقالة وقصة ورواية..فهي بالنسبة إلي مصدر فخر واعتزاز ونقطة قوة.. جريدة جسر التواصل: ماذا تمثل العيطة بالنسبة للحسين السطاتي؟ الحسين السطاتي: العيطة فن يسري في عروقي، وهي تلك الحسناء الفاتنة التي أحببتها وأعطيتها كل ما في وسعي فأعطتني كل ما أريد؛ أعطتني حب الناس والثقة في النفس، منحتني المال، أمتعتني في سن مراهقتي وشبابي، وساعدتني في دراستي، وحتى في أبحاثي الجنائية وأنا دركي ضابط للشرطة القضائية محقق في جرائم جنائية مختلفة.. عرفتني على أشخاص رجالا ونساء من مختلف الطبقات، وأدخلتني أماكن لولاها ما دخلتها.. خيرها علي كثير، لهذا سأظل وفيا لها ولن أتخلى عنها، فهي صديقتي وحبيبتي الأولى قبل أن أعشق أي أنثى. جريدة جسر التواصل: طرحت على قناتك في اليوتوب في بداية هذه السنة أغنية بعنوان “الكاس ما لقيت دواه”، هل الحسين السطاتي فعلا يعاني من شرب الخمر؟ -الحسين السطاتي: لا أبدا الحمد لله لم يسبق لي أن شربت خمرا ولا دخنت مخدرات ولا سجائر، لكني عشت وعايشت معاناة الناس مع الخمر من مختلف الطبقات الاجتماعية، وأنا ضابط للشرطة القضائية عاينت معاناة الكثيرين وفشلهم في الحياة، وسقوطهم في براثن الجريمة، وتشتيتهم شمل أسرهم، ودخولهم السجن بسبب إدمانهم على المشروبات الكحولية الخمرية، والمخدرات والمسكرات، المدمرة للعقل وللصحة عموما، وقد كانت الخمر سببا في وقوع جرائم جنائية فضيعة، لذلك كتبت الأغنية بصيغة المتكلم وغنيتها لتصل الرسالة إلى الشباب كي يتفادى شرب الخمر ويتجنب المخدرات والمسكرات. ولقيت هذه الأغنية تجاوبا كبيرا وإعجابا من طرف الجمهور، وقد طلب مني مجموعة من الفنانين الشعبيين إعادة غنائها، وهذا يدل على نجاحها ووصولها إلى المتلقي ..

جريدة جسر التواصل: أمازلت تذكر أول من تتلمذت عليهم من شيوخ العيطة؟

الحسين السطاتي: طبعا فسيرتي الفنية منقوشة في مخيلتي، ودروسي الأولى في فن العيطة كانت على يد فنانين موسيقيين تقليدين رعاة بريف”أولاد عبو” منطقة أولاد سعيد بسطات، حيث كنا خلال الرعي نتسلى بالعزف على آلات موسيقية تقليدية وترية ونفخية من صنع محلي، وتعلمت كيف أصنع كمنجتي بيدي من إناء قصديري لمبيد الحشرات أو زيت المحرك، وكيف أصنع القوس من شعر الحصان..وكنت أحيانا أشارك في حفلات وأعراس بالمنطقة، كما كنت أقوم رفقة مجموعة من أبناء الدوار بإقامة سهرات ليلية بين الفينة والأخرى خلال فصل الصيف، ثم بعد ذلك بدأت أتعلم بالتدرج عن طريق السماع عبر أشرطة الكاسيت من عدد كثير من أشياخ العيطة، وأذكر منهم : “الشيخ بوشعيب البيضاوي، والشيخ الماريشال قيبو، والشيخ حمو البوفي، والشيخ الستاتي عبد العزيز، والشيخ خالد ولد البوعزاوي، والشيخ عبد الله البيضاوي، والشيخ بوشعيب لبصير السطاتي، والشيخ المهدي السطاتي، والشيخ عبد الرزاق البيشي السطاتي، والشيخ امحمد ولد الهراس البجعدي، والشيخ علال الكرامش الشرقاوي، والشيخ الموتشومحمد…” ومن الفنانين الأمازيغ الذين أدوا فن العيطة والأغنية الشعبية وأثروا في وتعلمت سماعيا عليهم أذكر الفنانين : “الشيخ المغاري ميلود، والشيخ عاشور حمي، والشيخ حمو أوليزيد، والشيخ بناصر بلغازي، والشيخ رويشة محمد، والشيخ المصطفى نعينيعة..” وحاليا مازلت أدرس وأتعلم الكمان على يد الأستاذ الشيخ “يوسف بوفلجة”. وكل واحد من هؤلاء تعلمت منه ما يُفيدني، بما في ذلك الموسيقى والغناء والحضور على الخشبة، واختيار الزي التقليدي المغربي، وطريقة الأداء، واحترام الجمهور..فأنا مازلت تلميذا في مدرسة العيطة. جريدة جسر التواصل: كيف أثرت تداعيات جائحة كورونا على الفنان الموسيقى في المغرب؟ الحسين السطاتي: الحمد لله على كل حال، والله يبعد عنا كل داء ووباء وبلاء، لقد أثر وباء كورونا المستجد “كوفيد 19″، على العالم كله، والحمد لله أن بلدنا المغرب كان به المصاب أقل وأخف، رحم الله الأموات والله يشفي جميع المرضى، فجميع القطاعات تضررت من تأثيرات هذه الجائحة، ومنها القطاع الفني بصفة عامة ومنه القطاع الموسيقي بصفة خاصة، حيث كان التأثير ماديا ومعنويا، فمازالت الأنشطة الفنية الموسيقية المباشرة مشلولة بل منعدمة، حيث أُجِلت الحفلات والأعراس، وأُلغِيت المهرجانات والسهرات، ومازالت قاعات الحفلات مغلقة.. وهذه الأنشطة هي المورد المادي الرئيسي للفنان الموسيقي، إضافة إلى أن ممارسة الفنان الموسيقى لفنه لها تأثير نفسي ايجابي على صحته فهو بعمله الفني يغذي غروره الفني وعشقه الموسيقى ويقوي ثقته بنفسه، زيادة على دخله المالي.. ومازلنا إلى حد الآن معطلين فنيا ..لكن كما يقال وسط العاصفة تكون قطرات الندى، فهناك حسنات لتداعيات هذه الجائحة، لقد تعلمت كيف أتواصل عن بعد عبر وسائل التكنولوجيا الرقمية وعبر الانترنيت، وقرأت كثيرا وتعلمت الكثير.. جريدة جسر التواصل: ما هي المعاناة التي كابدها ناس العيطة في زمن كورونا ؟ الحسين السطاتي: منذ ما يزيد على السنة والحركة الفنية الغنائية مشلولة، فلما توقف العمل بقطاع الحفلات والأعراس والمهرجانات توقفت الأنشطة الفنية الموسيقية، يعني لم يبق هناك دخل مادي بالنسبة للفنان الموسيقي ومن بينهم ناس العيطة، وأغلب الممارسين لفن العيطة لا يتوفرون على الوثائق الرسمية التي تثبت هويتهم الفنية بما في ذلك: “بطاقة الفنان، بطاقة الانخراط في إحدى النقابات الموسيقية، بطاقة الانخراط في نادي فني..”، ولا يقومون بتسجيل إبداعاتهم لدى “المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة”، ولم يتلقوا أي دعم أو مساعدة من أية جهة كانت، لهذا وللأسف أعرف عدد من الفنانين باعوا آلاتهم الموسيقية، ومنهم من تخلى عن توجهه الفني، ومازالت المعاناة مستمرة بعد عدم الترخيص الرسمي للعمل في قطاع الحفلات والأعراس، فكل شيخ أو شيخة يجر وراءه عائلة متكونة من عدة أفراد، لهذا فالمعاناة مضاعفة بالنسبة إليهم، وقد كتبت مجموعة من المقالات في هذا الموضوع ونشرت بجرائد وطنية. جريدة جسر التواصل: ماهو جديدك الفني والأدبي خلال هذا الصيف؟ الحسين السطاتي: أطلب من الله العلي القدير أن يحد البأس ويحفظنا من الأمراض ويقينا شر هذا الوباء، لتعود الحياة الفنية إلى طبيعتها، وفيما يتعلق بجديدي الفني، فبالنسبة لجديدي الموسيقي الغنائي سأطرح عيطة تراثية مرساوية “جنان سطات”، إضافة إلى أغنية عاطفية بعنوان “الزين البلدي” من كلماتي وألحان الفنان الأستاذ الموزع والملحن يوسف أمغران، هذا من ناحية الجديد الموسيقي، أما فيما يتعلق بجديدي الأدبي السردي، فأنا أواصل كتابة الفصول الأخيرة من روايتي “عيطة بيضاوية”.. وستكون لي بحول الله تجربة في ميدان التمثيل، هناك مشروع فيلم قصير مازال مؤجلا ، للفنان والمخرج السينمائي الأستاذ عبد الله الغازي، الذي عرض علي أداء دور رئيسي في الفيلم، وتدور قصة الفيلم حول موضوع العيطة. جريدة جسر التواصل: كلمة أخيرة لجمهورك ؟ الحسين السطاتي: شكرا للجمهور الكريم على التشجيع المادي والمعنوي، فبفضل الله وبفضله تكون لي دافعية قوية للاجتهاد وللعطاء، وأعده أنني سأعطي كل ما في وسعي لفن العيطة من موقعي كفنان ممارس، وشيخ للعيطة، وككاتب قاص وروائي، وسأظل وفيا لهذا التوجه الموسيقي، للحفاظ على هذا الفن الأصيل، وشكرا لجميع المنابر الإعلامية التي تساهم بجد في إعطاء إشعاع للفن والفنانين المغاربة وتنوير الحقل الفني المغربي، وشكرا جزيلا لمنبركم الإعلامي جريدة “جسر التواصل” الذي شيد لي هذا الجسر لأقف عليه وأطل منه على الجمهور الكريم، وأتمنى أن أراه في حلة إذاعية، إذاعة خاصة، وقناة تلفزيونية خاصة باسم “جسر التواصل”.

الاخبار العاجلة