الرباط : مصطفى منيغ
أَخَذَت المساحة تتقَمَّص بشكل عادي لليوم الموعود ، والهدف النبيل قدام خاطري بما له وما عليه موجود ، والخطوة المُقبلة بسلاسة تتأهب بحماس عير محدود ، بلا مفاجآت ولا موانع ولا جديد غير معهود ، بالنسبة للأخوين فقد نجحا في اختبار بسيط أجرياه من داخل أستوديو في الإذاعة والتلفزة الجزائرية ، التحقا بعده بفريق كاتب ياسين ، الذي خَصَّص كل وقته لإخراج المسرحية ، حتى يضيف بها مجداً لأمجاده الفنية الماضية داخل الجزائر وخارجها ، قلقاً بعض الشيء وجدته حينما عَزَا ذلك لتعامله مع نص مكتوب بالعربية التي له معها موقف يكاد يصل حدَّ القطيعة تعصباً للغته الامازيغية ، وتفضيلاً للغة فرنسية وصل بإتقانها للعالمية ، ولولا تدخُّل صديقه وزير العمل ، وتوصية الرئيس بومدين أن يتولّى الإشراف العام على مسرحية “المسيرة الحمراء” لاعْتَذَر ، لكن الأسْمَى في حكم النّظام قرّر ولا مناص من التنفيذ بعيداً عن جزئيات مهما كانت . شخصياً اعتمدتُ النّأي ما أمكن كما تقضي الخطة التي رسمتُها منذ البداية ، مُدرْكاً أيّ جزء مهما كان بسيطاً ، يلعب ما يترك التَّنسيق بين الأجزاء الأكبر مُمكِناً ، لا فراغ يكتنفه ولا فرصة لأي ثغرة مهما كانت غير مؤثرة ، تساعد على تسَرُّبِ أي خلل غير محسوب ، يتدخَّل معكراً مرحلة من مراحل التنفيذ . حتى دعاني كاتب ياسين نفسه ، لحضور قترة تدريب عن مشهد من مشاهد المسرحية بالخصوص الذي رأى فيه حصول تناقض يتطلّب مني التدخل كمؤلف ، لبَّيت الدعوة لأمرين ، أن أطَّلع على سير الأشغال الفنِّية / التقنية ومقارنتها بزمن الانتهاء الكلي قبل العدّ العكسي للعَرض ، وبالتالي معاينة عن كثب ارتسامات الأخوين المغربين اللذين كلَّف المُخْرِج أحدهما (ب/ ي) بتقمّص شخصية الملك الحسن الثاني ، والآخر (ب / ع) بتشخيص دور الجنرال أفقير . طبعا هناك شخص ثالث مغربي شيوعي حتى النُّخاع لم أجد أدنى صعوبة لإقناع كاتب ياسين الشيوعي الماواوي ، على ضمِّه لذات المجموعة على ضوء خلفية كفاءته التي أظهرها في مسلسل ” الشيطان” ، حيث لعب دوراً من الأدوار الرئيسية ، إتباعاً لصوته ذي القوة المُفعمة بسلامة النطق وفق متطلبات لغة الضاد ، طالباً عدم كشف هويته للمغاربة حتى لا يشكِّل ذاك الخطر الحاذق به من ساعة لجوئه للجزائر . كلَّفتُه وأنا ازرعه داخل المجموعة ، بمراقبة ما يحدث أولاً بأول لمناقشة ما يدعو المناقشة قصد التدخل في الوقت المناسب ، دون إشراكه أيّ معلومة تتعلَّق بسير خطتي على الإطلاق حفاظاً على سلامة النهاية .
… لم يكن موقع التدريب بالمناسب ، ولما استفسرتُ عن السَّبب جاء الجواب في غير محله ، مضمونه أن يبقى العمل بعيدا عن الأنظار حتى الوقوف على رجليه . المقر عبارة عن مبني كان الاستعمار الفرنسي قد خصَّصه لمركز تشغيل تابع لوزارة العمل الجزائرية ، ولم يُفتح من تاريخ رحيل ذاك المستعمر لغاية لحظة جعله فضاء تدريبات على المسرحية المذكورة ، لم يُنَظَّف بل محتفظا بقي بأكوام من أزبال عشَّشت داخلها فئران حارة بأكملها ، تعلَّق الأمر بالطابق السفلى أو العلوي المُعدّ على شكل حجرات تفرق فيما بينها حواجز زجاجية سميكة لتأخذ هيأة أقسامٍ لموظفي تلك المؤسسة المهجورة ، المقر كائن في شارع الكولونيل لطفي .
… المشهد عكس ما ظن كاتب ياسين يفتقد ليصبح مفهوماً حتى لمن لا يتقن اللغة الفصحى ، إلى عَلَمٍ يلوِّح به ذاك الصحراوي ممثل جبهة البوليساريو أو الدولة الصحراوية التي تسعى الجزائر إقامتها كما تمَّ شرحه في السابق ، المشكلة أن الجبهة لحد تلك الآونة لا عَلَمَ لها ، إذن الأمر يحتاج لجلسة مع هؤلاء لتوضيح الأمر ، أَدْخلتُ هذا في مخ “ياسين” ، وَغَرَضِي منه لا يحتاج لمزيد شرح ، وليعبِّر عن ارتياحه للفكرة / الاقتراح / الحل، طلَبَ منى الاستعداد صباح الغد الموالي لمرافقته قصد القيام بمهمة اللقاء مع المعنيين مباشرة وقبلهم السلطات الجزائرية المختصَّة ، فقطفتُ من اجتهادي المُضاف ذلك ثمرة الاطّلاع المباشر على معلومات لم تكن متوفرة إلا للأجهزة العسكرية المخابراتية الجزائرية على أضيق نطاق ، تتعلق بوجود تلك الجبهة ، بأُولَى الإمكانات الموضوعة رهن أشارتها ، ومنها السلاح ونوعيته ، وأسماء أشخاص هؤلاء المرتزقة الحقيقية ، وحجم الحراسة الأمنية المُطوَّقِين بها من طرف راعيتهم الجزائر الرسمية ، ومستوى درجات الانسجام ، مع الطرح البومديني بداية ونهاية ، الجاعل هؤلاء واجهة يندسّ خلفها نظام لن يهدأَ حتى لحظة الانتصار على المغرب وفي جميع الميادين مدنية سياسية كانت أو عسكرية حربية لا فرق .
أحيانا المستحيل تخترق الأقدار مجاهله المحسوبة معرفتها على علم الغيب ، استجابة لنداء مظلومٍ كوطنه ، حتى يتمكَّنا مِمَّا ينفع الطرفين المغربي والمغرب الملتحمين في واحد بالحق من أجل انتصار الحق ، ولولا ذلك لما حُمِلتُ صحبة كاتب ياسين بواسطة مروحية تابعة للجيش الجزائري لنحط َّ الرحال وسط مكان محصَّن عسكرياً غير بعيد عن مدينة “تِنْدُوفْ”، ليستقبلني الجنرال (…) مرحباً بمقدمي لموقعٍ من الصعب أن يتواجد فيه مدنيّ ، ومن دولة عدُوّة هي مملكة الحسن الثاني (كما سمى المغرب بالحرف) ، لتتعرَّف من جهة على الشيء اليسير من قوة الجيش الجزائري المقتدر ، وجانباً من نواة الدولة الصحراوية العازمة على توقيف الملك عند حده فيتراجع عما أظهره مؤخراً من علامات تحدي الجزائر ، التي غدت عكس ما كانت عليه خلال السنوات الأولى من الاستقلال ، ما تراه أمامك أستاذ مصطفى منيغ (مستطردا حديثة الموجَّه لشخصي بالذات) سوى نقطة في بحر متلاطم الأمواج لجيش إذا هاج أغْرَقَ من يقف أمامه في سويعات قليلة ، أتمنَّى ومع القيادة العسكرية وعلى رأسنا فخامة الرئيس الهواري بومدين ، أن تضع هذا وصفاً بليغاً في كتاباتك المستقبلية عن الجزائر ، وقد أصبح من الصعب عليك الخروج منها بما وَصلتَ َإلى هذا القدر من الثقة فيك ، وبخاصة بعدما وُضِعَ رهن متابعتنا قراءته من تآليفِك ، وكانت مسرحية “المسيرة الحمراء ” أخرها ، تلك المسرحية الناطقة حقيقة بلسان نظام جزائري يسخِّرُ كلّ إمكاناته المادية والمعنوية ، لنشر الخير والنماء من حوله ، فكان على الجيران وأولهم الملك الحسن الثاني ، أن يفسح المجال لمثل التوجُّه الجزائري لا الوقوف أمامه بالمرصاد ، لذا الجزائر عازمة كما قلتُ لكَ على مساعدة أناس هم منَّا ما داموا رهن تطبيق رؤيتنا المذكورة ، حتى يجعلوا من دولتهم الصحراوية القادمة ، حقيقة مؤكدة بتحالفها الشامل مع الدولة الجزائرية العظيمة ، طبعا كما أخبرنا فناننا وكاتبنا العبقري الأستاذ كاتب ياسين ، أنكم بحاجة لعَلَمٍ صحراوي يمكن المتتبعين ، وأحد الممثلين يلوح به عاليا داخل مشهدٍ مسرحي دقيق الوصف لذاك الحدث السعيد ، تحقيقاً لمثل الرغبة هناك حفلة استقبال على شرفكما مقامة في جناح موضوع رهن اشارة الأبطال الصحراويين قادة البوليساريو ، الذين سيبادلونكما الحديث وسيسلمونكما العَلمَ الذي انتهوا من وضع لمساته الأخيرة في الساعات الأولى من هذا الصباح المشرق . (يتبع)