سعيد غزالة
(عابر وكأنه رسم في الفضاء في مواجهة الجمهور)
عابر:
سأحجب الرؤيا عنكم.. سأغير معالم الجدار وأزرع فيه خلايا الروح التي تشق الصخر والقهر.. سأصبغ ليلكم السرمدي وأزاوج بين الوجه والقفا.. المد في الحلم وحلمنا يقظة ترتاح لزمن حتى ما تستأنف المسير.. إننا نلعب لعبة بلا قواعد، بها ولادات، وبها استشهادات.. بها استعراضات وبها تفاهات.. سيتبرج اللون في الفرشاة.. وتقيح جراحات عنفكم بالتيه. البحر البعيد هناك سيبتلع القذارة متى أعلنت واستبيحت في المجاري.. وفي رحم كل بداية نهاية.
سأصبغ هذا الليل الذي تخاوى والقهر.. سأعلن بالفن بالأصباغ بحر النحر وفتنة النهد وسعير الخد وألق الأشفار للعيون النائمة الهائمة تطرح سؤالا، سؤالا اختصر كل المعارف.. أين فيكم الإنسان؟
سيدتي، يا من تتوسدين الانتظار وتتمشقين الفتنة.. سأعبر عبر الجدار سأخلط اللون بالحجر.. سأداعب الإسمنت بأصل اللون.. سأعبر كما الطيف وبأناه سأعلن انهزام الإنهزام.. وفي لحظات من زمن ممتد بلا معنى ستتلاشى هذه الحدوثة الليلية غير المكتملة.. نعم، في رحم كل بداية نهاية.. فلنصبغك أيها الليل.. تمهل في انبلاجك تمهل حتى أرسم ملامح الحياة فيك.. أرسم علامات تشوير تنبض بالحياة لنبضي المنتظر هناك.. سأحيي مواتك يا ليل وأميت فهمكم الغلط المغلوط.. لا أرض بلا بوصلة ولا بوصلة بلا أرض.. كل الخشوع للرب عند المغيب وحين الشروق.. أهذا مبلغ حكامكم؟ سأصبغ ليلكم ولن أنحني لحزم رباط الحذاء فأنا حافي القدم منتعلا للكرامة.. الأرض منبع وأنا الإمتداد.. وأنتم نبات فطر سام بلا جذور.. بلا طعم. سأصبغ هذا الليل وأعلن الجمال.. أعلن كل إحساس طافح بالأمومة وبالعطف.. أعلن التحرير وأكتب بالحب التقرير.. شد إليك اللون واخلطه بالدم ودع معنى الحياة ينزرع في مواتكم.. أرسمكم خلايا ميتة وأشجارا وأشجارا تتهاوى، أرسمكم رماديين.. سأصبغ بفرشاتي وبالسواد فهمكم الموصوف بالهبل.. دعوني أنجلي باللون للون.. فحبيبتي تسكن الخليط.. دعوني أتساوى مع حسنها وأختلط فيه.. دعوني أصبغ هذا الجدار وأعلن الإنهزام.. دعوني أعانق قزحية الحياة وأرشف رشفات خمرة السعادة.. دعوني أسابق ظلال الحبل قبل أن يعم ليلكم النزق بالخوذات والبنادق.. هذا الشغف في القلب سامق.. وهذا الصوت المنبعث من خبز التنور لائق وخرير حسنك يا بنت يعقوب دافق.. دعوني أكتبني باللون بالحسن بالوسن.. بكل لغات العهد القديم.. تلك وصايا الرب لموسى ومن بعده لبني يعقوب هل نسيتم العهد؟ أم أنكم بلا ذاكرة؟! بلا ارض! بلا بوصلة. تائهون ربانيون.. تجدون الرب في كل شبر من هذه الأرض.. فما الأرض عندكم إلا مأوى، لأن الرب هو الأرض ولأن الأرض هي صنيعة هذا الرب.. فلتسكنوا إلى خوفكم المبتلى خوفكم المسكون بالعطب.. عطب هي قراراتكم.. عطب هي أحلامكم.. عطب جرب هذا المسير المصير نحو صعود هاو إلى قرار سقر.. عطب هذا المشهد الذي ضاع في الترتيب بين المشاهد.. تضاربت المشاهد بينما تبحث عن خط واضح لسرد الحكاية وتدبيج الرواية وإعلان ملحمة الإنسان عارية إلا من الحقيقة.
كخنافس رملية كتبت حضارة مستنسخة وناسخة ومبدعة. تلك بابل وذاك صرح إلى أفق واهم وآلهة تعاقر مصائر.. وتغازل حكايا ومقادير.. عواصف من رمال متحركة وأخرى راقصة وخلد يعاقر الأرواح.. وحتى لا نموت.. نسافر. هناك جنة الخلد والله صيرتموه متعهد حفلات للملذات وما لا عين رأت.. ألا تخجلون من جهلكم؟! سأصبغ هذا الجهل بالحب متى ما تبدا لي وسط هذا الهوج.. سأصبغ انسحاب المعرفة حتى ما تعود إلى المصارحة ومطارحة الصلح مع الحس.. مع الدموع المالحة والآهات النائحة والليالي الحالكة.. سأرقص إلى أن ينبلج الصبح متمنطقا الضحى.. سأتجاذب أطراف حديث الجسد فوق بساط نبات الصباح.. سأعلن الحلم وولادة العبور الأول والأخير.. سأشق الجدار كما شق موسى البحر.. وسنعبر كما عير العابرون.. سنعبر ككل وميض أنعش صغير الطير في عش على التلة تلك، معبر الطفولة.
(موسيقى تختلط في تجانس بين معزوفة زوربا اليونانية والدبكة شرق أوسطية)