
أحمد إفزارن ifzahmed66@gmail.com
ملايين من النساء عندنا، وعند غيرنا، يشتغلن بالليل والنهار لإعالة ملايين من الرجال.. فكم تستحق هذه النسوة من الإرث؟
ومازالت عندنا عقليات لا ترى في المرأة إلا واجبات.. الواجبات فقط.. أما عن حقوقها، فلا ترى هذه العقليات سوى “نصف حق” أو أقل.. أو حتى “لا شيء”!
لا ثم لا لتبخيس المرأة!
ولا لتبخيس حقوقها!
أمعقول أن تكون واجبات المرأة كاملة، وأحيانا أكثر، بينما حقوقها هي فقط “نصف حقوق”، وقد تكون أدنى من النصف.. وعندنا نسوة كثيرات حتى بدون أية حقوق!
وهذا موجود على نطاق واسع..
ذكور يستولون على حقوق الإناث، في غياب مؤسسات الدولة التي من المفروض أن تفتح عينيها وتتدخل.. وأن تكون أعقل واعدل وأحسم، حتى لا يتسبب معتوه في حرمان شقيقته أو زوجته أو ابنته من أبسط حقوقها المتعارف عليها في العالم، بما فيها حقوق الإرث..
ولا فرق في الإرث بين المرأة والرجل، خاصة وأن ملايين النسوة عندنا يقمن بإعالة ملايين من الرجال العاجزين، لسبب أو لآخر..
لماذا ما زال عندنا من يتشبثون بحرمان المرأة حتى من أبسط حقوقها المدنية والإنسانية، كما هي متعارف عليها في العالم؟
– لا خير في أمة لا ترى في المرأة إلا نصف إنسان، ونصف حق!
والمرأة ليست في واقعها بهذا الوصف السلبي..
ولا ناقصة عقل..
ولا ناقصة دين..
ولا ناقصة كفاءة..
ولا ينظر للمرأة بهذه السلبية إلا جهل وتوحش، حتى لو كان هذا الجهل يحمل شهادات “عليا”.. فالشهادات إذا ارتبطت بالمصالح، لا تصنع عقلا وضميرا وعدالة..
– وتبقى المرأة إنسانا كاملا، رغم كل مصالح العالم..
لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات..
وإلى هذا المستوى الحقوقي الكوني يجب أن ترقى قوانيننا الوطنية..
إن المرأة من حقها جميع الحقوق التي تنص عليها مواثيق الأمم المتحدة..
وعلى بلدنا أن يصادق على كل المواثيق الدولية، بدون استثناء، وبدون أي تحفظ، لكي نكون جزءا فاعلا بالأسرة الدولية..
ولا يجوز أن نبقى بوجهين في تعاملاتنا: وجه مع الداخل يستغل المرأة، ووجه مع الخارج يقدم المرأة وكأنها تأثيث..
والمرأة ليست قابلة للديكور، ولا قابلة للاستغلال..
انتهى عصر الماضي الاجتماعي المتخلف..
أجل! ماضينا ليس كله إيجابيات.. فيه الكثير من السلبيات التي يجب أن تزول، لكي لا يكون التعامل مع أي مواطن على أساس جنسه أو اعتبارات أخرى، بل على أساس كونه مواطنا له كل الحقوق، وعليه كل الواجبات..
والمرأة عندنا، وفي حالات كثيرة، هي أكفأ من الرجل: ماهرة، مبدعة، حكيمة، منتجة، فعالة..
ومن لا ينظر إليها إلا بعين واحدة، وناقصة، فهذا لا يفهم ولا يقدر حتى نفسه.. عاجز عن فهم دور المرأة داخل وخارج البيت.. وأيضا هو قاصر الإدراك..
– والمستقبل للمرأة..
والعالم قد دخل عصر المرأة..
ومن لا زال يراها مجرد “نصف عقل ونصف حقوق” وفي حالات معتوهة “نصف إنسان”، أو فقط مجرد إثارة “بيولوجية”، فهذا لا تمييز له في مسار التطور البشري..
ولا يرى أن العالم قد تطور.. والعالم فعلا يتطور أكثر فأكثر..
والسلبيات، وما أكثرها، لا تعرقل تدخل المرأة في قيادة مهارات عديدة، عندنا وعند غيرنا..
وكلنا في الواقع كائن واحد، في عالم واحد، تحت سماء واحدة، على أرض تحتضننا جميعا، ولا تفرق بيننا..
والمرأة أحرص من الرجل على حماية الأسرة، والبيئة الطبيعية، والسلام في كل مكان..
انتهى عصر الاحتكار والطغيان الذكوري..
ويبدأ عصر جديد.. عصر التساوي..
هذا عصر المرأة..
والمجتمعات لن تتطور بتبخيس المرأة.. ولنا نماذج في الدول المتقدمة.. تضفي مكانة احترام وتقدير للمرأة، والطفل، وللحياة المشتركة..
ولا خير في رجل يبخس حقوق المرأة..
هي الأم والأخت وشريكة الحياة، وهي أيضا العين البصيرة، الحكيمة، الحريصة على وحدة الأسرة والمجتمع، وعلى الالتزام بحقوق الحياة..
– وحقوق ما قبل وما بعد الحياة..
وكل امرأة لا ترقى إلى هذا المستوى التمييزي الرفيع، هي نتاج سياسة ذكورية ظالمة..
وعلينا بتربية عمومية تمكن المرأة من منزلتها المستحقة، وهي شريك فعال في بناء التعايش الإنساني الإيجابي..
وعلينا بإيلاء هذه التربية المجتمعية مكانة رفيعة في بناء الأجيال، بعيدا عن “كوارث” المصالح..
– أجل! المصالح تبعد الفرد والدولة والعالم عن الدور الإنساني الذي يجعل البشر سواسية أمام الحقوق والواجبات..
كفى من تقسيم البشر! كلنا جنس بشري واحد..
وكفى من تقسيم الأديان! إنها في العمق دين واحد.. من إله واحد.. وتنوعها لا يعود إلى عمقها الإنساني، بل فقط إلى ارتباط رموزها الروحية بأحداث وقعت في أزمنة وأمكنة..
إن الأديان ليست في عمقها متصارعة.. متقاتلة.. المتقاتلون هم ثلة من المتدينين.. المتدينون هم المشكلة، وليست الأديان..
وما أكثر من يسيؤون فهم وتفسير رسالة السماء!
الأديان ذات رسالة واحدة، هي خدمة الإنسانية..
والإنسانية هي كل كائن منا..
والمرأة هي محور الإنسانية..
ولا تتحقق إنسانية العالم، بدون إنسانية المرأة..
المرأة هي إنسانية الحياة.. هي روح التعايش والرؤية الثاقبة إلى مدانا القصير والبعيد..
والمرأة بهذه الأبعاد الإنسانية شريك للرجل في الحراك الثنائي المشترك، باتجاه البناء الإنساني لعالم لا ينجح إلا بحقوق وواجبات..
إننا جميعا أبناء امرأة ورجل (آدم وحواء).. يتنوعان في الوظيفة البيولوجية، ويلتقيان في الوظيفة الاجتماعية والإنسانية..
الإنسانية تجمع الأنثى والذكر..
الإنسانية هي المنطلق..
وهي الهدف..
هي تقدير واحترام كفاءة الإنسان، وأخلاقيات الاحترام الإنساني، خدمة لكل الإنسانية، بصرف النظر عن أجناسها وجنسياتها وأعراقها وعقائدها وإيديولوجياتها، سواء كانت فردا أو مجموعة..
– الإنسانية فوق الجميع..
وعلى هذا تجمع الأديان وكل المذاهب الفلسفية والأدبية والأخلاقية والعلمية…
والعلمانية أيضا هي توجه إنساني يعلي من قدر العقل، والأخلاق، والعدالة…
كل الناس سواسية..
ولكي تتحقق هذه “السواسية”، لا بد من تنزيل “حقوق المرأة” العالمية على أرض الواقع.. وإلا بقيت “الإنسانية” تسمع بأذن واحدة.. وترى بعين واحدة.. وتمشي بقدم واحدة.. وتميز بين الصالح والطالح، فقط بعقل واحد..
إننا في عصر لا يغلق أبواب البيت على المرأة.. هي تشتغل في البيت وخارج البيت..
والإنسانية كالقطار لا يتحرك على سكة واحدة.. لا بد من سكتين متوازيتين..
وهذا المفهوم ليس وليد اليوم.. تداولته أجيال وأجيال من عقلاء الإنسانية منذ قرون وقرون..
– أما آن الأوان أن تعود الإنسانية إلى الإنسان، أي إنسان، بغض النظر عن جنسه ولونه ودينه…؟
وتستعيد الإنسانية دور الشراكة الكاملة للمرأة في تدبير وتسيير كل شؤون الحياة؟!
لقد دخل العالم عصر المرأة من بابه الواسع!
ومن لا يرى هذا، فهو لا يرى…