سعيدغزالة
1
(عابر شخص في مقتبل العمر.. في معبر قلنديا بالجدار الذي يفصل الضفة الغربية ينتظر فيمن ينتظر للسماح لهم بالعبور للعودة إلى الجهة الأخرى من أجل إنهاء عمل فني عبارة عن لوحة فنية يرسمها لفتاة يهودية عشقها وعشقته وهو يتماهى في رسمها..)
عابر:
لست ضائعا في عشق مستحيل، اسمحي لي أماه إنني أعي جرمي كما تسمينه.. لكني لست مجرما، ذنبي أماه أنني إنسان يمتلك قلبا لا ينتمي لهذا الزمن.. قلب سكن دون علم صاحبه بين ضلوع تحتضن رئة تتنفس القهر والذل أكسيجينا ملوثا بسوء تدبير هذا العالم لقضيتنا الخرفة.. أماه أستميحك عذرا، وإن نطق اللسان منك أن تحرميني صك غفران لدخول جنة الله برضاك، أن أعلن لكل حامل سلاح المنع أن عشقي لوثة قزحية خيطت ثوبا من أمل على جسدي المنهوك.. لكن فرشاتي لن تيبس ولن تبارحها صباغاتي فمعشوقتي متفرقة في أصباغي.. ولوحتي في حالة انتظار قسرية.
هنا أماه يتوقف الزمن. ليس زمني، بل زمن من لا زمن لهم.. زمن من تشابهت عندهم أحاسيس الناس ومن صرنا عندهم مجرد ميسر وورقات ربحها كخسارتها.. لا تحزني أماه وأنا أعرف بأن قلبك يسع الدنيا ما ضاقت ويعبر بي كل الحواجز وإن تعالت حقدا و عنفا وروتينا يوميا مثل مطفئة سجائر تأبى أن تختنق أعقابا.
صباحات هذا المكان متشابهة كما مساءاته.. لكن تعابير المرور تنكتب كل لحظة قصيدة، حكاية.. حلم وربما عنفوان بطل لم تكتمل خواطره.. قد أكون واحدا من أولئك الأبطال الذين تناثروا في الأرض شواهد قبور.. غير أن شاهدي لا زال لم ينكتب.. لأن لوحة حبيبتي تأبى علي موتي.. ولأن موتي يقف عفيفا أمام عريها المقدس كما عشتار تطرد غفوة صباحها العشقي السافر.. نعم، هي تلك التي تنتظر: حنّا..
حنّا، امرأة من زبرجد.. نسمات من حديقة قصية.. هناك. انكتبت كما وصايا موسى على صخر بالجبل..وصاياك يا حنّا دستور لواعج القلب، وأنا عندما تجرأت على هدم حاجز اللغة وحاجز الدين وحاجز التقليد والعادة وكلام التسويد.. كنتِ انت اللون العصي على حاملي فرش الرسم وأقلام الرصاص الهامسة بالشكل والخط بين الحد والجد..
حنّا، توسلتك عندما كنتِ طفلة تختال في زي امرأة محطِّمة لكل الرغبات العصية على العشق.. الممتنعة والمنيعة عن الحب وما يلي الحب.. وما تسفر عنه لحظات الدفء من أرواح هي ذنبنا في وطن عصي على الفهم، حنّا، أتسمعينني؟ وأنا أعلم أنك تسمعينني! لازلت أحمل بين كفي هذه الجمرة الندية باللهب.. سأحملها دوما إلى أن تستحيل باقة ورد أهديها لك في كل يوم وردة تلو الزهرة.. ويينع البرعم فيستحيل حدائق هي مرتع قلبينا ومهد السماحة وسرير عبور إلى جنة الله الموعودة. حنِّا.. سأعبر فلتنتظرني لن أتأخر.