بقلم: عبد العظيم هريرة
“الفن مرآة الشعوب” من منا لم يتعلم هذا خلال سنوات الدراسة، من منا لم يسمع هذه العبارة وهي تردد في المحافل الوطنية والدولية؟ أكاد أجزم أن الجميع سيرد بالإيجاب والتأكيد على هذه المقولة المأثورة والسرمدية. إن الفنون تعد من أهم الركائز التي صنعت ملاحم الشعوب النضالية من أجل الانعتاق والاستقلال والحرية إلى جانب باقي أشكال النضال المسلح منها والفكري كالكتابة والشعر .. ألخ….
إذا فلن يختلف اثنان على أن الفنان مواطن فاعل ومناضل وغيور على كرامته وكرامة بلده وسيادتها وما وسيلته إلا موهبته وفكره وإحساسه وصوته وجسده. وإذا كان الفنان بهذا الحجم في أعين العارفين بمكانته في البلاد التي تحترم الإنسان وتراهن على التنمية البشرية قبل أي نوع من التنمية لأن الإنسان بالإنسان ولصالح الإنسان يمكنه أن يحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ويحقق الازدهار لوطنه. وأنا هنا أعجب بل وأغرق في دوامة من الحيرة والتيه حينما أرى واقع الفن والفنانين في بلادنا العزيزة، كيف لبلاد أن تتموقع في أعلى درجات التنمية وهي تضع الفن والفنانين على الهامش لعقود خلت لترديه في دهاليز البحث عن الهوية وإثبات الذات وضمان لقمة العيش اليومية في غياب الإطار القانوني الذي يحميه ويضمن له كرامته وحقه في العيش وولوج الخدمات الاجتماعية بمرونة وتلقائية. وتتبادر إلى ذهني عشرات الأجوبة تتفاوت في الموضوعية والسلبية معا، إما أن المجتمع المغربي جاهل بما تحمله الرسالة الفنية من قيمة مضافة أو أنه ببساطة يتجاهلها ويتعمد التعامي والتغاضي عنها لغايات يمكن أن نجد لها أكثر من تأويل. إن الأمم المتقدمة أولت الفنون ببلدانها أهمية بالغة اعتبارا للدور الطلائعي الذي تلعبه في ازدهارها ورقيها وانفتاحها على الأمم الأخرى ولهذا فالفنان عندها ينعم بوضعية اجتماعية ومادية مقننة ومرموقة تحفزه على الاجتهاد ومواصلة الإبداع. عكس ذلك نجده في بلادنا، الفنان يقبع في مراتب دنيا من السلم الاجتماعي وكل من يطمح إلى امتهان مهنة الفن يجب أن يعتمد على نفسه بدءا من المادة الخام إلى آخر عملية في تنفيذ العمل الفني عسى أن يستجلب عمله فضول أحدهم، في مراكز القرار أو السياسة، فينعم عليه بجواز المرور وإلا سيبقى على هامش الانتظار والتمني. هذا وإذا كتب القدر، على فنان بأن يصاب بداء عضال فإنه سيقضي نحبه بسبب الحاجة وقلة الحيلة وعدم توفره على التأمين الصحي ما لم تتدخل جهات عليا من أجل علاجه في إطار استثنائي. وكم من الفنانين مات حزنا وضنكا ومرضا وكم منهم سقط صريعا بالشارع العام وهو لا يملك حتى ثمن كفنه ولا حاجة بنا لسرد الأسماء احتراما لأرواحهم ورأفة بشعور ذويهم. إن وضعية الفنانين بالمغرب، وهم يتميزون بشحنة زائدة من الصبر، لا زالت جد مزرية، فهم يعانون من كابوس الفقر ونير المحسوبيات في شبه غياب للإطار القانوني وآليات تنزيله، هذا الإطار الذي من شأنه أن يضمن لهم على الأقل الحق في التمتع بالحد الأدنى من الشغل وبظروف مواتية وشفافة ومتكافئة ومتساوية وتسهيلات للاستشفاء والعيش في ظروف اجتماعية تلفها الكرامة والأمان. وأمام هذه الوضعية الشاذة، للأسف الشديد نرى ونسمع كل يوم بفضائح على مستوى الجهاز التعاضدي الذي أسس من أجل الفنان وضمان تمتعه بحقه في العلاج، وكذا الفوضى العارمة التي تعم تسييره والامتيازات الريعية التي يتمتع بها عدد من القيمين عليه على حساب الفنانين المحتاجين، دونما حسيب ولا رقيب، فضلا عن السجالات اليومية بين النقابات الفنية التي تحكمها الأنانية والمصلحية في إقصاء صارخ وإدانة للآخر في الوقت الذي كان من الأنجع سلك طريق التآلف والاندماج والالتقائية من أجل صالح الفن والفنانين. وأخيرا وليس آخرا، أقول للجميع: ” رجاء أحبوا هذا الوطن بحق فإن محبته تنعكس على مواطنيه، ورسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه” وإذا تحققت المحبة فلا شك أن الوطن والمواطن ومنهم الفنان، سيكون بخير”.