المايسترو محمد رشيد التسولي :جسر التواصل طنجة

صمت انينه وصمت تغريده لكن أغانيه لن تصمت استاذي وأبي الثاني ،لازمته أكثر من أربعة عقود في المجال الفني،تعلمت منه أصول الفن الراقي وورثت عنه سر التلحين وجمالية التعبير،أحببت فيه تلقائيته ودعابته ونكته،فلم يحقد و لم يظلم ولم يجزر احدا،متسامح طيب متواضع… وانا صبي في الخامسة أو السادسة كنت اترقبه بعيني الصغيرتين في بيت جدي خاصة عند زيارة أحد الفنانين له بالدار الكبيرة ،فأسأل احدى عماتي عن أسماء الضيوف ادركت بعد مدة انهم من الكبار … أحببته وحفظت أغانيه وعنه العديد من القصائد والأناشيد وانا مازلت صبيا،فآثرت وانا ابن الثانية عشرة على الالتحاق بالمعهد الموسيقي بطنجة،فكان ذلك في اليوم الأول وانا اتسلم استعمال الزمن، فوجئت باسمه على لائحة الأساتذة الذين ساتتلمذ على يديهم, وشاء القدر ان يكون هو من لقنني أبجديات الموسيقى و العزف بأسلوبه البسيط …بعد مدة قصيرة وانا اهم بالدخول إلى قاعة الدرس ناولني عودا صغيرا “امسك هذا” فامسكته مداعبا له في مقاس جسدي الصغير فقال لي بحنان، فقال “اعجبك؟”فقلت “جميل” فقال هذه هديتي لك …الله يرحمك يا عمي …هذا أسلوب الكبار الذين ان لمسوا فيك طموحا وراوا فيك “كاين منو” لازموك شجعوك وتباهوا بك نورا كما يقول الشيخ الزيتوني تلميذا لهم،فلم يكن سلوكه سوى الدعم والتشجيع … كانت لي معه حفلات ومهرجانات وسفريات، ومن اجمل ما اتذكر اننا كنا مدعوين للمشاركة في عرض فني وطني للموسيقي الأندلسية بالرباط سنة 1999، وقبل العرض كتب اسم كل مشارك على كرسيه،لكن عند الدخول إلى خشبة المسرح وجدنا أسماءنا قد نقلت الى كراسي أخرى في الصف الرابع وبالصدفة كان اسمي بجانب اسمه،فقلت له”بالنسبةلي هذا واضح”” لكن بالنسبة لك كيف تقبل؟” فرد علي بتواضعه المعهود “ما كيان مشكل ها هي دايزة”..
ومن الطرائف اننا كنا في سفرية سنة 1986 للمشاركة في المهرجان الثاني للموسيقى العربية ببغداد، ومن بين ما قمنا به إلى جانب عرضنا الرسمي،ان حضرنا بروفات لملحمة غنائية شاركت فيها كل الوفود العربية المدعوة،وأثناء البروفا كان المايسترو العراقي يلقننا مقاطع منها مصرا على أدائها بدون زخرفة،لكن الأستاذ مصطفى التسولي لم ينتبه فكان يؤدي جملا مزخرفة مرونقة أثارت انتباه المايسترو فقال له يا استاذ يظهر انك مطرب وفنان جميل لكن خلينا نؤدي جملا موحدة فضحكنا وكانت لحظة مرح جميلة حيث رد عليه السي مصطفى بقافية لحظية تلقائية لم يفهمها المايسترو.. عانى الرجل في صمت باناة وعزة نفس بسبب المرض وبسبب التنكر وعدم الاعتراف لما قدمه في الحقل الفني والتربوي،فكنت دائما أتذكر واقعة حضرتها وهي بروفة الفرقة المصريةالتي كان يقودها الماييسترو “حيث كانت بحق بروفة المحترفين،لكن أثناء الكبير “هاني مهنى” العرض حضر أحمد الحفناوي وهو مريض بلباسه الأبيض وكل الفرقة بالاسود،فقدموه على الخشبة “كمان اول” رغم وجود عازفين كبار أمثال أحمد جريشة، تقديرا لهذا الفنان الكبير الذي عزف مع عمالقة الفن العربي …هكذا يكون التقدير . رحل وترك ربيرتوارا فينا من اغاني وأناشيد متنوعة مثل عيد البشر،من طنجة نحمل التهاني،واوبيريت وطنية من تلحينه وأدائه وغناء شمس الضحى الهيشو ومحمد العربي الخصاصي نالت طنجة بها المرتبة الأولى سنة1969 في سباق المدن مباشرة على التلفزةالمغربية،واغاني اخرى مثل رائعة يا سامع صوتي ،غرامي فيك،اعلاش ياخاين، قولولي، يا شفيع الورى…الموشحات مثل سيد الرسل ومحمد يا جوهرة عقدي وكل الشرف وأخرى اتقدم باسمي وباسم اسرة التسولي ،العمراني،الاندلسي ،الوهابي،بوعمربجزيل الشكر والعرفان لكل من أزرنا في هذا المصاب الجلل .
و انالله وانا اليه راجعون.