حديث الاثنين/طارق المعروفي يكتب الزمن الجميل

جسر التواصل27 ديسمبر 2020آخر تحديث :
حديث الاثنين/طارق المعروفي يكتب الزمن الجميل

طارق المعروفي

عندما نتحدث عن الزمن الجميل ، و نشعر بحنين عميق إلى تلك الأوقات الممتعة و العفوية و الخالدة، يتساءل بعض الشباب عن سبب نعت ذلك الزمن بالجميل، مع أن وسائل العيش الأساسية لم تكن متوفرة، لا هاتف ذكي و لا انترنيت و لا وسائل الاتصال.
لماذا إذن نسميه بالزمن الجميل ؟
للإجابة على ذلك، أعتقد أن التمييز بين زمنين يحق لمن عاشوا تلك الفترتين.أما هؤلاء الشباب، فهم يعيشون الآن هذا الزمن ، و لا يمكن لهم المقارنة، إلا عندما يعيشون زمن أبنائهم أو حفدتهم ،و إذاك سوف يقارنون بين زمن اليوم و زمن المستقبل .
من جهة ثانية، عندما نَحِنُّ إلى الزمن الجميل، و نَنْعَتٌه بالعفوية و البساطة، رغم مرارة الأيام و مشاكل الدهر و سوء الأحوال المادية، إلا أن لتلك الفترة نكهة خاصة، لا يحس بها إلا من عاش تلك الحقبة . و لهذا نتذكر كل مرة و في كل مناسبة تلك الأيام الجميلة التي نفرح لمجرد ذكرها .
نتذكر تلك الأيام عندما نلتقي بأصدقائنا القدامى و نتبادل الذكريات و الحديث عن الأمس الجميل، كما نتذكر تلك الأيام عند سماعنا لأغنية من الماضي.و نتذكر تلك الأيام عندما نصادف حالة في المجتمع لم تكن موجودة في تلك الحقبة.
و عندما نَنْعَتٌه بالزمن الجميل، فإننا لا نعني الرغبة في العودة للعيش في نفس البيوت القديمة و استخدام الأدوات العتيقة، لأننا تعودنا اليوم حياة أخرى.و لكن نظرتنا إلى الماضي تبقى نظرة فخر و اعتزاز .
في الزمن الجميل كانت العلاقة داخل الأسرة الوحيدة يتخللها الانسجام والتعاون ووحدة الصف في البيت الواحد . أما اليوم، فإن هذه العلاقة لا زالت في بعض الأحيان موجودة ، و لكن نظرا لتباعد منازل الأفراد ،تتعذر اللقاءات الواجبة و الضرورية .
في الزمن الجميل كانت العلاقة مع الجيران علاقة ود و إخاء، و كانوا يشكلون جزء لا يتجزأ من الأسرة ، يساعدون في السراء و الضراء .
في الزمن الجميل، كانت العلاقة بين الأصدقاء متميزة و عفويتها و صادقة ، و قد كان اجتماع الأصدقاء أو الجيران عبارة عن منبر يبسط كل واحد مشاكله و متاعبه على الآخر لإيجاد الحلول الممكنة. فقد كانت لقاءات للمواساة و إعطاء نفس جديد للمشكل المطروح مجردين من أساليب المجاملة .
في الزمن الجميل، كان التلميذ يكتب و هو لا زال في طور الابتدائي، و كان يُسْتَعَانُ به لكتابة رسائل توجه للأحباب البعيدين عن المدينة .
تلميذ يستطيع الكتابة و القراءة بسهولة و هو طفل صغير .
في الزمن الجميل، كانت الأغنية تتوفر على جمل موسيقية عذبة ، و تعزف من طرف جوق متكامل . إبداع في الكلمة و اللحن و الأداء، مما يجعل تلك الأغنية تدوم عشرات السنين ، و لا زلنا نتغنى بها و تطربنا .أما اليوم ، فنحن أمام أغنية تخرج من حاسوب، بدون مجهود إبداعي، تتشابه لأنها مصطنعة ،و لا تدوم إلا أياما معدودات . “فنانو” هذا الزمن، هم “نجوم” اللحظة الذين يصنعهم الإعلام والتجميل، سرعان ما تلمع نجوميتهم وتنطفئ بحسب متطلبات السوق.
في الزمن الجميل، كانت هناك نهضة مسرحية . فرق مسرحية متعددة تجوب ربوع المملكة لعرض مسرحياتها الهادفة و الممتعة، و اليوم نتساءل عن مصير المسرح.
في الزمن الجميل ،كان الأطفال يلعبون بكل سعادة و فرح “الطرومبية” و “البيناك” أو “الْبِيْ” ،و” دينيفري” ،و “شريطة” و الحبل الخاصة بالفتيات ، وكان لكل لعبة فصل من الزمن.أما اليوم، فإن الأطفال يفتقدون لهذا الفرح الجماعي، و اكتفوا بهواتفهم الذكية حتى أصبحوا في عزلة . كان أطفال الزمن الجميل يصنعون لعبهم بأيديهم ، من كانت له هواية السياقة، فهو يصنع عربة من الخشب يدفعه من الخلف أحد الأصدقاء، و من كانت له هواية الموسيقى، فإنه يصنع آلته الموسيقية بوسائل بسيطة . أما الفتيات ،فهن يصنعن دمى من خشب و ثوب. أما اليوم فإن الألعاب جاهزة ، فلا يجهد الطفل نفسه للابتكار.
لطالما فرحنا لمجرد تذكر تلك الأيام و الاستئناس بها و إعادة بسط ما سبق أن عشناه من ذكريات لها طعم خاص. وها هو الزمن يمضي بنا سريعاً غير قادر على أن يتوقف، يتدحرج بصورة مرعبة تاركاً في فكر وعين كل منا شريطاً من الذكريات الجميلة.
فهل يمكن اعتبار الزمن الماضي زمنا جميلا،أم أن لكل زمن جماله ؟
الاخبار العاجلة