سعيد الكحل.
كشفت قضية ليلى الصرغاني عن عدة حقائق لطالما تم تجاهلها أو استصغارها. فالأشخاص والتنظيمات الحزبية أو الدعوية تحكم عليها مواقفها لا أدبياتها ، أفعالها لا أقوالها . وتشاء الأقدار أن تتوالى فضائح الإسلاميين الذين لا يكفّون عن التظاهر بحسن الخلُق واستحضار الله في كل تصرفاتهم ، وأنهم ــ كما قال عبد الإله بنكيران ذات يوم “خدامين مع الله”. لقد جعلوا من الدين تجارة مبرحة أوصلتهم إلى مراكز القرار في الدولة بعد أن استغفلوا المواطنين فسرقوا منهم الأصوات والأرزاق والحقوق. وحين تورط بوعشرين في جرائم الاغتصاب والاتجار بالبشر تصايح الخوانجية نصرة له وانتصبوا مدافعين عن جرائمه ، مشنّعين بضحاياه ومهاجمين كل من تضامن معهن . والأمر يتكرر اليوم مع قضية ليلى الصرغاني ضحية عضوهم بالحزب وبالشبيبة وبهيئة محاميهم وإن تبرأ منه الحزب مكرها بعد حملة استنكار لفضيحة المحامي الذي اضطر إلى تقديم استقالته من هيئة المحامين التابعة للحزب . ويهمنا هنا إبراز حقيقة الخوانجية كما كشفت عنها هذه القضية:
1 ــ النفاق السياسي والاجتماعي : إذ يتظاهرون بالاستقامة والعفة ولا يتركون فرصة إلا ويتظاهرون خلالها بالغيرة على الدين والأخلاق والقيم والهوية الإسلامية للمجتمع المغربي . ومن أجل تكريس نفاقهم منعوا بث وصلات اللوطو وألعاب الحظ في الإعلام العمومي ، فيما فرضوا بث الأذان وصلاة الجمعة وألزموا رئاسة البرلمان برفع الجلسات عند دخول وقت الصلاة . من يرى حرصهم الشكلي على مظاهر التدين يعتقد أنهم أحرص على أعراض الناس ومصالحهم . لكن الوقائع المتتالية تكشف نفاقهم وتورطهم في كل أنواع الفضائح .
2 ــ أنصر أخاك ظالما أيا كانت جرائمه وانحرافاته.وقد هدد عدد من أعضاء البيجيدي وقادته برفع دعاوى قضائية ضد فاضحي فسادهم لكنهم لم يفعلوا خوفا من انكشاف فضائح أخرى. ويمكن مقارنة بين موقفهم من قضية هاجر الريسوني ، وهي ابنة عشيرتهم ، وموقفهم من قضية ليلى الصرغاني التي ليست منهم. ففي الحالة الأولى جعلوا منها اعتداء على الحقوق والحريات وتصفية حسابات مع الحزب والحركة ، وتطوع كثير منهم للإدلاء بالشهادة على حضور حفل الخطبة حتى يدفعوا عنها تهمة الفساد والحمل خارج إطار الزواج . أما في حالة ليلى الصرغاني التي تتوفر على كل الأدلة المادية التي تثبت العلاقة الرسمية وزواج الفاتحة بينها وبين المحامي ، فإنهم اتهموها بالابتزاز والنصب والكذب وممارسة الرذيلة.حالتان متشابهتان لكن الموقفين منهما متناقضان . فحتى هاجر الريسوني “قطعت الواد ونشفو رجليها” واتهمت ،في مقال لها ، ليلى الصرغاني بالخيانة الزوجية والمشاركة فيها ، متناسية قضيتها هي نفسها التي توبعت فيها بنفس القانون الجائر . ولتعلمي يا هاجر أن ليلى أحق بالتضامن والمساندة منك ، فهي (ليلى) تتوفر على الشهود الذين حضروا الخطبة وقراءة الفاتحة وعقيقة ابنتها التي رفضت إجهاضها وتمسكت بحقها في الحمل والإنجاب والمطالبة بإثبات النسب .
3 ــ التواطؤ ضد الضحية : رغم وضوح قانون الأسرة في تحديد شروط إثبات النسب للطفل الناتج عن علاقة جنسية في فترة الخطوبة ، فإن العشيرة تواطأت ضد الضحية واتهمتها بما ليس فيها وتآمرت ضدها من خلال الشكاية والتهم التي تم اعتقالها على أساسها. فزوجة المحامي المتهم كان أحرى بها أن تنتصر للمبدأ الأخلاقي والقانوني والإنساني ، لكنها لم تفعل وداست على كرامتها وأهانت نفسها من مستويين
: أ ــ المستوى الأول : أنها قبلت على نفسها أن يخونها زوجها ويتزوج عليها في السر وينجب طفلة ، حين تنازلت عن متابعته بتهمة الخيانة الزوجية . قد يكون تنازل الزوجة تحكمه عوامل أخلاقية واجتماعية ، لكن مناصرة الزوج الخائن وخوض المعركة نيابة عنه والزج بالضحية في السجن والكيد لها لا معنى له سوى الدوس على الكرامة . إذ السلوك السليم هو تقديم طلب التطليق للشقاق وليس حبك التهم ضد الضحية.
ب ــ المستوى الثاني : أنها تنكّرت لكل المبادئ الأخلاقية والقانونية والإنسانية . فهي تعلم علم اليقين بنود مدونة الأسرة ، ولربما ترافعت من أجل إثبات النسب أو ثبوت الزوجية في قضية أو قضايا مشابهة ، لكنها فضلت الانتصار للجاني ضد الضحيتين: الأم وابنتها . طبعا قضية ليلى لا تهمها وحدها بل كذلك طفلتها . ولما قررت زوجة المحامي الزج بالضحية في السجن فإنها تنكّرت للقيم الإنسانية بإصرارها على حرمان الطفلة من والدتها ، وحرمانها من والدها حين ترافع لفائدة الزوج/الأب حتى يتملص من كل مسؤولية. لقد قتلت هذه الزوجة/المحامية داخلها كل إحساس بالأمومة وكل حس إنساني ، وتركت العنان لحقدها وإهانتها للقضاء في تدوينة لها كالتالي”فقط كن محاميا وسيتمتع أي طرف أنت في مواجهته قضائيا بالسراح ولو كان خرقا سافرا للقانون واجتهادا في تكريس الرذيلة والانحلال”. لا شك أن الانحلال والرذيلة هما التغرير بليلى والزواج بها بالفاتحة والتنكر لها ولابنتها ثم اتهامها بالابتزاز فقط لأنها طالبت بإثبات نسب مولودتها. 4 ــ يحلّون لأنفسهم ما يحرّمونه على غيرهم : أمام هذه الوقائع يتبين أن الخوانجية لا مبادئ أخلاقية تحكمهم ولا وازع ديني يراقبهم ولا رادع قانوني يضبط تصرفاتهم . لهذا نجدهم يأتون ما يمنعون على غيرهم إتيانه ويناهضون تغيير القوانين التي ترفع التجريم عن نفس الأفعال التي يرتكبون حتى لا ينفضح أمرهم . فهم يدخلون في علاقات رضائية بينما يصرّون على تجريمها ، يمارسون الإجهاض ويطالبون بتشديد عقوبته .