طارق المعروفي
كانت الأمازيغية و لا زالت ورقة سياسية في يد ذلك الحزب القديم، شأنها شأن موضوع النهوض بالعالم القروي، الذي يئن له أولائك المتربصون بذلك الحزب للوصول إلى السلطة. ونتساءل على ما حققوه منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، أم أن المطلبين لهما موعد فقط في الحملات الانتخابية؟
ورقة انتخابية فعالة ينهجها الحزب من أجل الوصول إلى السلطة باللجوء إلى العاطفة . حزب لا ينتمي إلى اليمين و لا إلى اليسار، و لا هو إسلامي و لا هو علماني، و لا هو اشتراكي و لا هو رأسمالي.هو فقط متحالف مع من يكون في السلطة .
أما الأحزاب الأخرى، فإن تعاملها مع القضية يكون فقط من باب المجاملة.
إن التسييس يعني تخريب القضية الأمازيغية، على اعتبار أن كل ما هو ثقافي هو أساس السياسي و له هذا البعد. و حيث أن القضية الأمازيغية وطنية، فإنها فوق التيارات الإيديولوجية لأنها تعني الجميع، ولأنها تمس الذات والهوية والحضارة، إنها قضية المستقبل في الجوهر، ولا يجوز السماح بتحويلها إلى قضية ذات طابع ماضوي تغرق معها البلاد في المتاهات .
واليوم، ها هم جماعة ممن يدعون النضال والدفاع عن القضية الأمازيغية، يريدون الانضمام إلى حزب آخر، أخفق في عدة محطات و يستعمل جميع الأوراق للتفوق على جميع الأحزاب في الانتخابات المقبلة ، معتبرين أن العمل السياسي هو الكفيل ببلوغ النتائج المرجوة.
مسكينة هذه الأمازيغية، التي يتم استغلالها بهذه الطريقة، وهي ملك لجميع المغاربة، وهي المكون الأساسي من مكونات الثقافة المغربية، والنهوض بها يعد مسؤولية وطنية.
بالنسبة لهؤلاء وجل الجمعيات الثقافية التي تنشط في هذا الميدان، ترى أن الأمازيغي هو من يتكلم هذه اللغة، وأن الأمازيغية والهوية الوطنية محصورة فقط في اللغة. وقد سبق لي أن شرحت هذا الموضوع في أكثر من لقاء، إلا أن أصحاب النظر الضعيف ،متمسكون بطرحهم الخاطئ .
إن تعلم أية لغة في العالم يتطلب اليوم حسب المختصين ستة أشهر من التعلم، و ها هو إنسان يتكلم تلك اللغة . فهل هذا هو المراد؟
إذا كان الأمر كذلك ،فإن عددا هائلا من الباحثين الأجانب تعلموا هذه اللغة من أجل بحوثهم و لكنهم ليسوا أمازيغ. وهناك الأب الذي لم يستطع تلقين اللغة إلى أبنائه لسبب من الأسباب القاهرة، ولهذا سوف نجد الأب يتكلم الأمازيغية و الولد يجهلها. إذن حسب هؤلاء “المثقفين” الأب أمازيغي والإبن غير ذلك. ليكن في علمكم أن سكان البرازيل يتكلمون البرتغالية وليسوا ببرتغال، كما أن سكان الأرجنتين يتكلمون الإسبانية وما هم بإسبان.
وهناك عدة أمثلة تطرقت لها بإسهاب في محاضرات سابقة ولا أريد هنا أن أتناولها من جديد، إنما أريد أن أشير أن هؤلاء الذين ينصبون أنفسهم للدفاع عن الأمازيغية، هم الذين يسيئون إليها. فهي قادرة أن تفرض وجودها كما فعلت منذ عهود طويلة، و أن المساس بها هو مساس بالهوية الوطنية. إذن من أراد المناصب و الامتيازات، له كامل الحرية في الانضمام لأي حزب، ولكن شريطة ألا يستغل قضية من القضايا الوطنية و الجوهرية، لأنها تعني الجميع و لا تعني فئة معينة و لا حزب معين و لا جهة معينة .
أنا متفائل جدا لأن النضال الذي خضناه ولا زلنا نواصله برزانة و تعقل منذ بداية السبعينات، والمتعلق أساسا بالنهوض بثقافتنا و التمسك بهويتنا و شخصيتنا قد أعطى ثماره، ولا حاجة لنا من تدخلات بعض ما يسمون أنفسهم بالباحثين و ما هم بباحثين، هذه التدخلات العقيمة التي تسير في الاتجاه المعاكس لثقافتنا الأمازيغية، لأن الأمازيغية صمدت منذ قرون رغم الغزوات و الاستعمار، وانتقلت من فرد لآخر، و لا زالت على كل الألسنة.
منذ آلاف السنين والأمازيغية قائمة ويتحدث بها في المغرب، قبل أن يكون لها معهد أو لغة معيارية أو نشطاء يتاجرون باسمها، وستظل لغة تفرض نفسها بدون شك. لقد صمدت الأمازيغية قبل ولادة ما يسمون أنفسهم بالباحثين، وستعطى لها المكانة و الاهتمام أكثر إذا ابتعد المتطفلون على هذا الموضوع، و الذين يريدون فقط تبرير مداخيلهم وتسليط الأضواء عليهم و ما هي بأضواء، إنما قناديل بسيطة سرعان ما تنطفئ بوعي الإنسان المغربي المتعقل.