سعيد الكحل
في كل التجارب السياسية مهما كانت طبيعة الأنظمة الحاكمة ، نجد الساسة ورؤساء الأحزاب لا يتركون فرصة ، مهما كانت رمزيتها ، إلا ويسارعون إلى التعبير عن ولائهم للوطن وتفاعلهم الوجداني مع أحداثه وما يسهم في استقراره وتقدمه .ولا فرق في هذا بين الدولة المتقدمة أو السائرة في طريق النمو. لكن الاستثناء نجده عند أتباع تنظيمات الإسلام السياسي الذين يجعلون ولاءهم للعقائد الإيديولوجية مقدَّما على باقي الولاءات ويلغي كل مالا يخدم الولاء الإيديولوجي أو يعاكس أهدافه . وأيا كانت الخدمات التي يقدمها الوطن أو بلد الإقامة ودرجة الرفاهية التي يوفرها لعموم المواطنين ، الأصليين والمقيمين، وكذا الضمانات الحقوقية المتاحة للجميع بمن فيهم الذين طلبوا اللجوء السياسي أو الاجتماعي ، فإن العقائد الإيديولوجية تفسد قيم الولاء والوفاء لدى أتباع هذه التنظيمات ، فتجعلهم يضمرون العداء والكراهية بحيث يقابلون الإيواء من الجوع والخوف والاضطهاد بالنكران والعداء والإرهاب. وهذا حال فئات من الجالية المسلمة التي جرفتها تنظيمات الإسلام السياسي وازداد تشبعها بعقائدها الإيديولوجية المعادية للوطنية وللقيم الإنسانية. قد يجتهد البعض في البحث عن مسوغات لبواعث الكراهية والعداء لدى جزء من الجالية المسلمة تجاه بلدان الإقامة في الغرب ، لكن الذي لن يجد له حتى أصحابه أي مسوغ أو تفسير هو العقوق والتنكر لما يخدم المصالح العليا للوطن ، سواء تعلق الأمر بالجهود الدبلوماسية التي تعزز الوحدة الترابية للمغرب أو بالقرارات السياسية التي تحمي الاقتصاد الوطني وتعزز بنياته الإنتاجية. مناسبة إثارة هذه النقطة من جديد هو التجاهل التام الذي أبداه رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية للقرارات المهمة التي اتخذتها 16 دولة لدعم وحدتنا الترابية دعما سياسيا ودبلوماسيا عبر فتح قنصلياتها بكل من مدينتي العيون والداخلة . فقرار فتح القنصليات بالمناطق الجنوبية ليس حدثا بسيطا وعابرا لا يمكن تجاهله من طرف بسطاء المواطنين فأحرى من رئيس الحكومة وأمين عام الحزب الذي يقود الدولة. فلا معنى أن يتجاهل رئيس الحكومة ، وهو المسؤول سياسيا ودستوريا على تدبير الشأن العام للشعب المغربي ، سوى أنه لا يشاطر الشعب نفس الولاء الوطني وبنفس الدرجة والقوة .فرئيس الحكومة اعتاد على نشر تدويناته بمواقع التواصل الاجتماعي يخبر فيها بكل أنشطته الحزبية والحكومية ويتابع تطور الحالة الوبائية ، وحين تعلق الأمر بما هو أكثر أهمية ، سياسيا ودبلوماسيا ،خصوصا وأن المغرب يسابق الزمن ويضاعف الجهود الدبلوماسية لحسم الصراع حول الصحراء المغربية سياسيا ، بحيث تكون كل مبادرة دبلوماسية داعمة للوحدة الترابية عنصر قوة يعزز الموقف الدولي للمغرب أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويقوي أطروحة الحكم الذاتي كحل سياسي واقعي ومنطقي.إنها معركة دبلوماسية يخوضها المغرب بكل مسؤولية ، والوعي بها يفرض على رئيس الحكومة ، بحكم مسؤولياته السياسية والدستورية، أن يولي أهمة قصوى لكل ما يخدم المصالح العليا للوطن ، خصوصا كل ما يدعم ويخدم الوحدة الترابية للمغرب ويجعلها أولى أولوياته .شيء لم يحصل ولم يكن من باب السهو أو تزاحم الانشغالات بدليل أن السيد العثماني نشر أخبارا عن أنشطة لم ترْق إلى أهمية قرار فتح القنصلية الإماراتية أو غيرها من القنصليات بالعيون والداخلية مثل الإخبار بالانتهاء من تشييد ستة سدود مائية ، أو ترؤسه لأشغال مؤتمر دولي بمناسبة اليوم العالمي للمدن ، أو مشاركته في نشاط حزبي ، وكلها مواضيع تفرض المسؤولية الدستورية أن تحتل ذيل لائحة اهتمامات رئيس الحكومة .
لا يمكن أن ننتظر من أمين عام حزب يتبنى عقائد الإسلام السياسي التي لا تؤمن بالوطن والدولة الوطنية كمفهوم سياسي لكيان مؤسساتي يقوم على رابط الوطنية والتعاقد الاجتماعي والسياسي بين مكونات المجتمع ، يناقض مفهوم “الأمة” الذي يجعل محدِّد العقيدة هو الجامع بين مكونات هذا الكيان الهلامي الذي يجعل “عقيدة المؤمن وطنه”. ومن ثم فالوطن لا تحده الأبعاد الجغرافية التي تُشعر أتباع تنظيمات الإسلام السياسي بالانتماء إليه والاستعداد للدفاع عنه ، بل تجسده العقيدة فيتسع بانتشارها وتهفو قلوب أتباع التيار إليها حيثما كانت . وهذا الذي يجعل ولاء هذه العينة من الناس لمن يمثل تلك العقيدة وليس للوطن ولرموزه ومؤسساته. فلا غرابة إذن ، أن تصدر عن أحد أعضاء الحزب الحاكم وبرلمانييه: إبراهيم الضعيف ، تدوينة كلها تنكّر للجميل ولؤم خسيس تجاه الإمارات العربية المتحدة، جاء فيها بالحرف”الإمارات تدخل العيون : الله يخرج العاقبة على خير”؛ وكأن قرار فتح القنصلية الإماراتية يشكل تهديدا للوحدة الترابية للمغرب. موقف لئيم من هذا العضو لا يختلف في شيء عن تجاهل رئيسه وأمينه العام لنفس القرار . فالذين اتخذوا مواقف شرسة في دفاعهم عن الغزو التركي للاقتصاد الوطني رغم ما يتسبب فيه من أزمات مالية واجتماعية بسبب إفلاس للشركات وتسريح للعمال ، لن يفرحوا أو يصفقوا لمثل قرار الإمارات المتحدة الداعم لوحدتنا الترابية. وبين تدوينة البرلماني إبراهيم الضعيف وتجاهل الأمين العام للحزب تظهر حقيقة الجفاء والعقوق للوطن لن تخفيها تصريحات مصطفى الخلفي عضو الأمانة العامة للحزب ولن تغسل خطيئة زميليه في التنظيم حتى وهو “ينوه” بمبادرة الإمارات والدول التي فتحت قنصلياتها من حيث كونها تمثل ” دلالات مرتبطة بالاستقرار والأمن في الصحراء” و” دينامية جد دالة ستساهم في نقل القضية الوطنية إلى مستوى متقدم”.