.
لجسر التواصل : كريم القيشوري
عرف بهو المسرح الوطني محمد الخامس خميس 16 يناير2020 بعاصمة الأنوار مدينة الرباط حفل تقديم إصدار الكاتب المسرحي والباحث في التراث المبدع د موسى فقير الموسوم بــ : ” حفريات في الفرجة الشعبية بالمغرب ” منطقة الغرب نموذجا .
بمشاركة د محمد محبوب والإعلامي والناقد ذ الطاهر الطويل . أشرف على تدبير وتنشيط اللقاء الإعلامي المحنك؛ والإذاعي المحترف ذ محمد نجيب؛ الذي شكر في مستهل حديثه عن اللقاء مدير المسرح الوطني ذ محمد بنحساين على منح فضاء بهو المسرح للاحتفاء بالكتاب والكاتب؛ مقدما ورقة تعريفية بصاحب الإصدار ومرافقيه من النقاد. ومرحبا بالحضور الذي حج لمتابعة فعاليات عرس الاحتفاء بالإصدار المميز؛ من مخلتف الحساسيات الثقافية والإبداعية والفنية وإلإعلامية وكذا من جمهور المهتمين والمتتبعين..
وفي كلمة ذ الطاهر الطويل التي أشاد من خلالها بالكتاب باعتبار الهيئة العريية للمسرح بالشارقة دولة” الإمارات العربية المتحدة” هي التي أشرفت على إصداره؛ وفي ذلك دلالات عدة يقول ذ الطويل : منها أن الكتاب يدخل في صلب اهتماماتها التي تركز في بعض جوانبها على توثيق أشكال الفرجات الشعبية العربية أو ما يسمى بالأشكال ما قبل المسرحية وفي ذلك حفظ للذاكرة من الضياع؛ وأيضا اعتراف أكبر بالباحث المسرحي المغربي موسى فقير وبمكانته العلمية في هذا الباب؛ حيث في تقدير موسى فقير إن الفرجة الشعبية عبارة عن نوع من التطهير..
فيما فصل د محمد محبوب الحديث عن الكتاب بحثيا ودلاليا.. من خلال مناهج العلوم الإنسانية التي تتخذ الإنسان وحركيته ضمن العلاقات التي تؤسس لحياة الجماعة عبر سيرورة تاريخية تبلورت من خلالها عدة أشكال تعبيرية منها الفرجات الشعبية التي تمظهرت من خلالها الحلقة التي شكلت وعي المغاربة؛ على اعتبار أنها تمتح الفرجة من العمق الأنتروبولوجي لحياتهم في أبعادها الأنطولوجية والأسطورية والروحية.. في تقاطعات مع الفرجات في باقي العالم.
. ملخص كتاب “حفريات في الفرجة الشعبية بالمغرب” لصاحبه موسى فقي
تعد الأشكال الفرجوية بالمغرب رافدا أساسيا من روافد التراث الثقافي الشعبي الشفهي العربي، الذي يحمل في ثناياه ملامح فرجوية ممسرحة. وبما أننا نعتبر في هذه الدراسة الفرجات الشعبية من الأشكال البدائية للمسرح، فإننا نستند في ذلك إلى كون المسرح من الفنون التعبيرية ذات الصلة القوية بالمحيط الاجتماعي. لذا فالمسرح الشفهي الشعبي غير المدون في جل المناطق العربية عامة، والمغربية على الخصوص ليس مشروطا بالقوانين الأرسطية التي قعدت للظاهرة المسرحية، لأن أصالته تتمظهر من خلال قوته الشعبية الضاربة في عمق الفكر الإنساني منذ أمد بعيد.
إن الحفر في ذاكرة الأشكال الفرجوية وتجلياتها الدلالية والرمزية، جعلنا نستخلص أن الثقافة الشعبية المغربية لها روابط تاريخية مندمجة مع أشكال فرجوية عربية وعالمية، تنم عن وحدة الوجود الثقافي الإنساني، الذي يستمد مكوناته وعناصره من العمق الأنثربولوجي للحياة البشرية. فمنذ الوجود البشري على هذه الأرض، وعبر توالي القرون والأزمان انتشر الإنسان في كل البقع الجغرافية العالمية، ونتج عن هذا ظهور عادات وتقاليد وأعراف متنوعة.
فهي وإن اختلفت في بعض جوانبها يبقى مصدرها واحدا، يستلهم البعد الأنطولوجي والأسطوري والروحي، الذي يمتلكه الإنسان فمنها ماهو مرتبط بالمكون الديني. الذي تتجلى مظاهره في كل الطقوس التي يستمد منها الإنسان تفاعله الفكري والروحي مع المعتقد الديني بكل الصور والأشكال والرموز، ومنها ماهو مرتبط بالجانب الاجتماعي، الذي يظهر من خلال مجموعة من الممارسات في فصول السنة، ومنها ما هو مرتبط بأعراف موروثة، تستلهم البعد الأسطوري، الذي يبرز من خلال الحكايات والأحاجي والروايات الشفهية الشعبية ومنها ماهو مرتبط بالبعد الطوطمي الذي يختلط فيه جانب المقدس مع المدنس في الاحتفالات الطقوسية .
لذلك فإن دراستنا في هذا الكتاب تنصب حول إبراز مدى ارتباط الثقافات العالمية مع بعضها بعضا في أوجه التقارب التي أفرزت لنا دلالات لمكونات ثقافية تراثية متعددة ومتنوعة تنسجم مع كل السلوكات الإنسانية عبر مر العصور، وتتعالق مع تقليد كوني في إطار شمولي. إضافة إلى هذا الطرح، فالأشكال الفرجوية الشعبية الموسومة بالملامح التمسرحية تكون غالبا رافدا من روافد البيئة التي تشكلت فيها، رغم تناغمها مع مكونات تاريخ البشرية. فمن خلال تاريخ أسطورة النشأة تبقى الرموز الثقافية تحمل في طياتها أثر البيئة التي أنتجتها، ويظهر هذا في سلوكات ومواقف منتج الفرجة الشعبية، فهو غالبا ما يمتح رؤيته للعالم في ضوء ما يحيط به من أفعال يحورها إلى كلام يثير فضول الإنصات والانتباه.
وعليه، فالأشكال الفرجوية الشعبية ليست وليدة الصدفة، ورموزها الثقافية التعبيرية تسهم في تعميق نظرتنا إلى الحياة وتفكيرنا في مساءلة الذات، وتصفح التاريخ، لاستبطان جل العوامل المساهمة في خلق هذه الرموز. وبما أن قراءتنا للشكل الفرجوي بمنطقة الغرب في المغرب كانت في إطار سوسيو ثقافي، فإن ما لامسناه من خلال هذه المقاربة لا يمكن إلا أن تكون نتائجه نسبية. ذلك أن ظواهر الفرجات المدروسة لا يمكن أن تستعير كل المفاهيم الأنثربولوجية. فرغم محاولتنا في تبني مقاربة مونوغرافية لهذه الأشكال – منطقة الغرب كأنموذج-، يبقى التساؤل مفتوحا حول مجموعة من الإمكانيات القابلة لإعادة النبش في الذاكرة الفرجوية المحلية استنادا إلى مجموعة من وجهات النظر، التي تبحث في الشكل الفرجوي المغربي بكل فروعه ومكوناته .
والجدير بالإشارة هنا تسجيل ملاحظة هامة، تتمثل في كون منطقة الغرب بالمغرب تزخر بأشكال فرجوية لها ارتباطات تاريخية، مع مجموعة من الأنماط الفرجوية المغربية، وحتى العربية والعالمية. بمقدور المتأمل المجالي، أو المتخصص المسرحي أن يستنبط منها ماهو فرجوي يمكن إدماجه في خانة الفرجة الشعبية، وإعادة صياغته ليصبح فرجة مسرحية مكتملة القواعد والأسس.
وهاجسنا في هذا الكتاب هو أن نسهم في رد الاعتبار للأشكال الفرجوية التي تمتلكها منطقة الغرب، لأنها تمثل جزءا من الثقافة الشعبية المغربية والعربية، واستجلاء بعض خصوصياتها التي تعد ثقافة تراثية شفهية، لها امتداد تاريخي موغل في القدم، وأصولها الأنثروبولوجية مستوحاة من تقاليد شعوب وقبائل متنوعة أمازيغية وعربية ورومانية وقرطاجية وأندلسية وافريقية وصحراوية وحسانية ويهودية… تكشف لنا عن مجموعة من العلامات والرموز والدلالات ذات الارتباط الوثيق بطبيعة القبائل وأصولها وعاداتها وتقاليدها