البحث عن الذات…..

جسر التواصل19 يناير 2020آخر تحديث :
البحث عن الذات…..

د. محمد سعيد

 

سُئل عالم النفس المرموق “ماسلو” عن صفات من يحققون ذاتهم، فقال: “إنهم مبدعون وخلّاقون، ويهتمون بسعادة الإنسان والبشرية، وقادرون على استشعار التقدير العميق للتجارب الإنسانية في هذه الحياة”. إن تأملاً دقيقاً في هذه العبارات يثير تساؤلاً مهماً عن الذات ومدى فهمنا لها وإدراكنالحقيقتها؛ فبعض الناس يجهلون أنهم يحملون سمات إنسانية مُبهرة، ومما يؤسف له أن حياتهم تمر من بين أيديهم لتنتهي دون أن يصلوا لِكُنْه نفوسهم وقدرات ذواتهم. إن مثل هؤلاء يعيشون حالة غربة نفسية وعزلة ذاتية يفقدون على أثرها إنجازات تخسرها الإنسانية قبل خسارتهم الشخصية. إن البحث عن الذات من أهم خطوات النجاح في هذه الحياة، إنها رحلة اكتشاف ترسم مصير الإنسان على هذه الأرض، وهي رحلة تتطلب أن يوقظ الإنسان نفسه، ويتوقف فترات قد تطول ليطرح فيها أسئلة بعينها تقوده إلى الوصول إلى حقيقة ذاته.

ومن العجيب في هذا السياق ما قاله “دافنشي” وهو أعظم عبقريات التاريخ: “لقد مشيت نصف عمري في طريق لم يكن أبداً طريقي”، دافنشي ذاته لم يسلك دربه الحقيقي لسنوات زادت عن خمس وأربعين سنة، يتيه في ذاته بحثاً عنها. ولعل هذا التيه الذي استشعره دافنشي ويستشعره بعضنا يعود إلى مخزون الخبرات والتجارب الذي اكتسبناه في فترات باكرة من أعمارنا، وفي مراحل لم يكن وعينا فيها لذواتنا قوياً، وغالباً ما ظل وعينا ضعيفاً بحكم الأنماط التربوية التي نتلقاها في الطفولة من الآباء والمعلمين، وبالتالي فإن أسبقية التلقين والتخزين للمعلومات أدت بنا إلى أن نستجيب بشكل تلقائي للمخزون الدماغي المختزن في اللاوعي. وهنا يغدو وعينا مجرد تابع ذليل للعادة، مما يحرمنا من التدفق الإبداعي الخفي الموجود لدينا بالفطرة. ولذلك يُعد البحث عن الذات ضرورياً لاكتشافها من جديد والتنقيب فيها عن وجوه إبداع كانت ولا زالت سبيل التطور والنهوض البشري دون مبالغة. ومن بديع ما جاء في تعاليم “لاوتسو” الصينية أنه من تعلم كثيراً عن الآخرين؛ فقد يكون ذكياً، أما من يفهم نفسه فهو الأكثر ذكاء، ومن يتحكم في الآخرين؛ فقد يكون قوياً، ولكن من يملك زمام نفسه فهو الأقوى.

إن اجترار مخزون السنوات الأولى من الطفولة مما نعرفه وتعودنا عليه واطمأننا لوجوده يؤدي إلى نسخ متكررة من الذوات الجمعية العادية، بينما تعرف الذات على حقيقتها يقودلتحررها لنرى قدرات رائعة غابت بين طيات النفس، وكلما تعمقنا أكثر في فهم ذاتنا ووعينا الباطن، وحققنا هذا التوافق المرن بين مستويات وعينا؛ تسنى لنا أن نحقق نتائج أكثر بريقاً وإبهاراً.

الاخبار العاجلة