المصطفى جنيني سطور من روايتي العلام
لا زلت معكم في الحكي عن سياحتي بوطني الغالي…. في الصحراء نواحي بوجدور، ووادي الذهب والساقية الحمراء، حيث يتجلى الطابع الحساني العربي الأصيل، في لكنة الصحراويين ولهجتهم وطريقة عيشهم، التي تذكرني دائما بالمرابطين، والبدو الرحل، وقوافل الابل، لا ينقصها إلا طرفة بن العبد، وزهير بن سلمى، وسوق عكاظ، ومحافل الشعراء، وعصمة القبيلة، ولشد ماسحرتني أجواء الصحراء في كل وقت من أوقات اليوم صباحا مع شروق الشمس البهية على صفحة الرمال، وعند الهاجرة يسود السكون الشامل بفعل اشتداد الحر.. أما الليل بالصحراء فهو السحر بعينيه والجمال بذاته.. يلطف الجو تحت قبة السماء الصافية، تشع النجوم كالذرر واللٱلئ.. تجعلك تستحضر الٱية الكريمة في قوله تعالى..(وبالنجم هم يهتدون…)عندها عرفت كم هي قوية خبرة الصحراويين بمسالك المنطقة ودروبها، حيث يكشف النجم القطبي عن بهائه مشيرا إلى الشمال مند الأزل، فلا يخطئ الصحراوي هدفه، لأنه مزود ببوصلة طبيعية من صنع الله تعالى… و في هذا الليل الصحراوي، يحلو السمر في الهواء الطلق حول نار هادئة، يهيأ عليها الشاي الخاص المميز بمذاق الصحراء. إني لأعجب كل العجب ممن يعتقد أن الصحراء خلاء، بل هي طبيعة غنية في غاية الغنى والثراء، من حيث ما يسري فيها من الأنعام المدجنة والبرية، مثل النعام لأصناف من الغزلان وطيور القطا، المتلائمة مع مناخ هذه الجهة… لم أكن في جولتي هذه مجرد سائح يستطلع عادات وأحوال غريبة عليه، أو يبحث عن الغرائبية، بقدر ما كانت هذه الرحلة حنينا إلى الجدور الأصيلة للانتماء الوطني، الضارب في أعماق نفسي وفي وجداني.. فكل بقعة زرتها أجد نفسي أنتمي إليها بقوة التاريخ القديم والحديث معا… سطور من روايتي العلام