من علمني حرفا صرت له عبدا.
بالعاصمة الإسماعلية مكناس و بداخل أسوارها التاريخية بالمدينة القديمة بحي ” تيزيمي لكبيرة ” , كان ميلاد شيخنا الكبير سيدي أحمد ولد أبا السلام أكومي سنة 1937 وقد إلتحق بالكتاب ليتلقى تعليمه الأولي في سنة 1940 حيث حفظ كتاب الله العزيز على يد الفقيه الحاج ” المختار الصنهاجي ” ، ثم ليبدء ولعه بشعر الملحون على يد والده الشيخ ” سلام أكومي ” الذي كان من المولعين الكبار بهذا الفن رحمه الله, وقد كانت مدرسته الأولى لحفظ بعض القصائد هي ” الحلقة ” الشعبية التي كانت هي المعهد الحقيقي لكبار المبدعين المغاربة وفي جميع الأنماط الإبداعية المغربية, هذه ” الحلقة ” التي كانت حاضرة بقوة أنذاك بالعاصمة الإسماعلية وفي عدة مواقع ك ” الباب الجديد ” و ” ساحة لهديم ” و ” لالة عودة ” و ” باب البرادعيين ” قرب الحي الذي ترعرع فيه شيخنا سيدي أحمد رحمه الله , وقد كان متتبع جيد لمسار مجموعة من الشيوخ الكبار أنذاك من بينهم ” مولاي على العلوي ” , ” ومولاي العباس ” , و” الشيخ الرحيوي الفاسي ” , رحمهم الله ليبدأ إنتشار إسم الشاب ” حميدو ولد با سلام ” كما كان يلقب أنذاك عند شيوخ الملحون ومن بينهم ” با عربي الزهراني” ثم ” الشيخ بن عبد الله ” و ” مولاي إدريس مقداد “, والشيخ الكبير المخلص للمدرسة التي أسسها عراب مدينة مكناس الوالي الصالح سيدي عبد القادر العلمي وقد تتلمذ أيضا من ناحية النظم على يد الراحل الشيخ ” سيدي بنعيسى الدراز ” الذي سيلحق ” ولد أبا سلام ” كتلميذ من ضمن تلامذته المقربين, وفي هذه المدرسة سيتعرف على مجموعة من الممارسين ك ” مولاي عبد العزيز العبدلاوي” و ” محمد العناية ” و ” مولاي أحمد الدلال “
وإلى جانب هذا المسار الفني الجميل فقد كان الراحل سيدي أحمد أكومي يمتهن مهنة زخرفة الخزف وبيعه, وهي حرفة ورثها عن والده ” با سلام رحمه الله “, وقد وكان يزاول هذه المهنة في متجره الكائن ” بساحة الهديم ” الشهيرة هذا المتجر الذي أصبح نادي يجتمع فيه مجموعة من أقطاب فن الملحون من داخل المدينة وخارجها حتى أصبح هذا الصرح يخلق التميز ويكون بمتابة نادي ثقافي فني يستقطب مجموعة كبيرة من المدارس الوطنية والمحلية في فن القول وقبلة لكل طالب ومحب لهذا الفن والموروث الشفهي التراثي المغربي الأصيل والإستفادة من المناقشات الأدبية والفنية التي كانت تروج بين شيوخ الملحون بهذا المحل التجاري, وهنا لابد من إشارة صغيرة هو أن شيخي سيدي أحمد رحمه الله كان حاملا لكتاب الله تعالى ومنذ ان عرفته كان يناقش الحياة وفن الملحون بل يناقش كل مافي الكون من خلال القرأن الكريم وكان رحمه الله يمتلك خطا رائعا يضعه في رتبة الخطاطين الكبار و خطه الرائع كانت مرجعيته قرآننا الكريم, وأضيف أنه كان لا يتكلم إلا بالحكم والموزون من الكلام ومستمع جيد بحيث يستمع إلى الأخر بشكل راقي جدا.
تعلم شيخي سيدي أحمد ولد با سلام أكومي العزف على ألة ” السويسن ” والة ” العود ” في متجره / النادي الملحوني الثقافي, مما جعل بعض الفرق المحلية تستعين به كعازف متميز وكانت آخر الأجواق التي إستفادت من تجربة هذا القاموس الملحوني جوق صديقه ورفيق دربه الراحل الفنان الكبير الحاج الحسين التولالي رحمه الله الذي أخذ عن الأستاذ أحمد أكومي الشيء الكثير فقد كان الراحل الحاج الحسين دادوح الملقب ” بالتولالي ” لا يستطيع قراءة القصائد إلا بخط من علمه الكتابة والقرآة ولد ” با سلام ” ,وكان آخر جوق تشرف بلإشتغال مع هذا الهرم هوالذي كان لي شرف تسييره فقد زخرف مجموعة من تسجيلاتي بعزفه المتميز وتصحيح بعض القصائد التي قمت بغنائها جزاه الله عني وعن تلامذته خير الجزاء.
كان شيخي سيد أحمد أكومي أستاذا بالمعهد الوطني للموسيقى التابع لوزارة الثقافة بمكناس منذ سنة 1980 وبعدها إلتحق بالمعهد الموسيقي التابع للمجموعة الحضرية بنفس المدينة, بحيث كان يلقن مادة ” الإنشاد ” والعزف على الة “السويسن” و”الطعريجة” وشرح المصطلحات و شرح قواعد الملحون و القياسات الموجودة كما أن له عدة مشاركات في المهرجانات الوطنية والدولية رفقة رفيق دربه الراحل الحاج ” الحسين التولالي ” وقد زين الخزانة الوطنية بمجموعة كبيرة من التسجيلات السمعية والبصرية بعزفه الراقي.
تتوفر الخزانة الوطنية او الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على تسجيل وحيد ينشد فيه شيخنا مجموعة من ” السرارب ” بصوته ويعود هذا التسجيل إلى سنة 1984 رفقة منتخب من خيرة رجالات الملحون وقد كان التصوير بحديقة متحف الوداية بمدينة الرباط كما له أيضا مشاركة في فيلم ” الملحون المغربي ” لمخرجته اليهودية المغربية ” يزة جنيني “, كما أبدع الراحل في النظم بمجموعة كبيرة من الأغراض الشعرية ببلاغة راقية وجميلة.
تخرج على يد أستاذي الراحل سيد أحمد أكومي مجموعة من الفنانين والشيوخ من بينهم الفنانة زهور الإسماعيلي وهي تعد من أجمل الأصوات في فن الملحون ولها عدة تسجيلات بصرية وسمعية داخل الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية, الفنان الجميل ” أمير علي ” وهو بالمناسبة مقيم بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية الشريفة, المنشدة المتميزة ومقدمة البرنامج الشهير بالقناة الثانية ” شذى الالحان ” الفنانة الكبيرة ” ماجدة اليحياوي ” وهي بالمناسبة لها عدة تسجيلات بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية و القناة الثانية, الفنان الجميل الأستاذ ” سعيد بوعبيد النجاع ” وهو وبالمناسبة سفير الملحون أو فن القول بالديار البلجيكية, الأستاذ ” سعيد الإدريسي ” الملقب ” بن لمدهون ” وهو صاحب صوت جميل جدا ونتمنى أن يعود لإنشاد فن الملحون حتى يتعزز هذا الفن بالأصوات الرائعة, والراحلة الأستاذة ” حياة العسري ” والتي كانت تقيم بالولايات المتحدة الأمريكية, الأستاذ الكبير ” رشيد الحكيم ” وهو أستاذ لفن الملحون بالمعهد الموسيقي التابع للمجموعة الحضرية بمكناس وأيضا أستاذ بإحدى المعاهد بمدينة الرباط ورئيس جوق الأصالة, الفنانة ” ليلى المريني ” وهي بالمناسبة أستاذة لفن الملحون بمعهد مولاي رشيد بالرباط, الفنانة ” نعيمة الطاهري ” وهي رئيسة جوق نسوي لفن الملحون وأستاذة لنفس المادة بإحدى المعاهد بمدينة الدار البيضاء والقائمة طويلة من تلامذة هذا الهرم الشامخ.
مع كل هذا السرد أجد صعوبة بليغة كتلميذ من تلامذة هذا الكبير لتكلم على مسار طويل لرجل أعطى الكثير لهذا الوطن الجميل ولقاموس ملحوني كبير فورقة صغيرة لاتكفي لهرم فني من حجم أستاذي وشيخي سيدي أحمد أكومي رحمه الله الذي كان رحيله عنا في صمت مخيف صباح يوم الإثنين الموافق للخامس من شهر مارس سنة 2012 وبالضبط على الساعة التاسعة صباحا ودفن في مقبرة ” سيدي عمر” ، تغمد الله شيخنا بواسع رحمته و اسكنه فسيح جناته وتعازينا الدائمة و الحارة لأبنائه عبد المغيث وعبد السلام وادريس وخديجة و للعائلتين ” اكومي ” و” فهمي ” , ولكل رجالات فن الملحون المخلصين,و إنا لله وإنا إليه راجعون.